2025.05.21
حوارات

النفط دون 60 دولارًا... هل تعيد الجزائر تقييم سياستها الطاقوية؟


يعتبر أحمد طرطار، الخبير في مجال الطاقة، في تصريح لـ "الأيام نيوز"، أن انخفاض أسعار النفط المسجل مؤخرًا بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية وتباطؤ النمو العالمي لا يبرر مراجعة السياسة الطاقوية الجزائرية في الوقت الراهن، مؤكدًا أن الجزائر تتحرك ضمن منظومات دولية منظمة، وأن الحل يكمن في التنسيق بين المنتجين لمواكبة الطلب العالمي والحفاظ على هوامش الربح، وليس في التفاعل الانفرادي مع التقلبات الظرفية.

السياسة الطاقوية الجزائرية لا يمكن فصلها بأي شكل من الأشكال عن السياق الدولي الذي تتحرك ضمنه وتتأثر به. فهي ليست قائمة على معطيات محلية بحتة، بل تُبنى في ظل اعتبارات خارجية ترتبط بالسوق العالمية وتفاعلاتها. الجزائر، كما يشير أحمد طرطار، لا تنفصل عن المنظومة الدولية وتتخذ قراراتها المتعلقة بالطاقة ضمن شبكة معقدة من العلاقات الدولية التي تتطلب تنسيقًا دائمًا وتجاوبًا مع مختلف التطورات. وهذا يعني أن أي قرار طاقوي لا يُمكن أن يُنظر إليه على أنه فعل سيادي مطلق، وإنما هو نتيجة لمعادلات دولية متعددة الأبعاد.

ويرى الخبير أن الدعوة إلى إعادة تقييم السياسة الطاقوية الجزائرية في هذا الظرف بالذات، حيث يشهد الطلب تراجعًا وتتذبذب الأسعار، هو طرح غير دقيق ولا يستند إلى منطق السوق. ويوضح طرطار أن الجزائر هي "جزء من مجموعة متكاملة"، تخضع لقواعد وتنظيمات واضحة، أبرزها عضويتها في منظمة أوبك التي تُعنى بسياسات النفط، وانتماؤها إلى منتدى الدول المصدرة للغاز فيما يتعلق بتوجيه سياسة الغاز الطبيعي. ومن هنا، فإن قراراتها لا تُبنى على ظروف آنية فقط، وإنما تأخذ في الاعتبار الاتفاقات الجماعية والتوجهات الإقليمية والدولية المتفق عليها.

وبحسب طرطار، فإن توجهات الجزائر في المجال الطاقوي ليست قرارات داخلية صرفة، بل هي في الأساس "مرتبطة بالأداء العالمي بصورة عامة". أي أن تحركاتها محكومة بمؤشرات الاقتصاد العالمي، ومزاج السوق، وتحولات العرض والطلب على المستوى الدولي. وهذا يعني أن التغيرات في الأسعار، حتى وإن كانت حادة أو سريعة، لا تُعد مبررًا كافيًا لاتخاذ قرارات محلية جذرية. والمطلوب هو قراءة هذه المتغيرات في إطارها الواسع، والانخراط في آليات التشاور مع الشركاء، للوصول إلى حلول جماعية تحفظ توازن السوق وتمنع ردود الأفعال الفردية التي قد تكون مضرة.

كما أن مسألة تراجع الأسعار نتيجة ضعف الطلب العالمي هي الأخرى لا يمكن معالجتها عبر قرارات منفردة أو استراتيجيات محلية منعزلة. والحل يتطلب "رسم معالم استراتيجية لمجموعة المنتجين"، وهو ما يتجسد في آليات التعاون داخل منظمة أوبك+ بخصوص النفط، أو من خلال منتدى الدول المصدرة للغاز فيما يتعلق بالغاز الطبيعي. هذه الكيانات الجماعية هي الإطار الذي ينبغي أن تتحرك ضمنه الجزائر، لأن الحلول التي تُنتج داخل هذه المؤسسات تكون أكثر فعالية وشمولًا، وقادرة على التأثير في السوق بطريقة متوازنة وفاعلة، بما يخدم مصلحة الجميع.

وبناء على ما سبق، فإن أي تحرك جزائري في هذا السياق يجب أن يكون محسوبًا بدقة، ومنسجمًا تمامًا مع الرؤية الشاملة التي تتفق عليها الدول المنتجة للطاقة. فالمعالجات الأحادية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة في بيئة اقتصادية تتسم بالتعقيد والتقلب. ولذلك، فإن الخيار الأمثل هو التنسيق الجماعي، وتبنّي قرارات موحدة تسمح بالتعامل مع الظرفية الطاقوية بحذر وواقعية. وبهذا الشكل فقط يمكن تقليل الانعكاسات السلبية للتقلبات الحالية في السوق، والحفاظ على استقرار العائدات، وضمان استمرارية السياسات الطاقوية على أسس متينة ومتوازنة.

أول التحديات..  استمرارية الاستثمار والإنتاج

وحسب الخبير الجزائري في مجال الطاقة، فإن تأثير تراجع الطلب على أسعار النفط يمتد إلى تهديد قدرة الدول المنتجة على الحفاظ على استمرارية الاستثمار والإنتاج. ويحذّر طرطار من أن استمرار الأسعار في الهبوط قد يصل بها إلى مستويات "دون تكلفة الإنتاج"، وهو ما يشكل خطرًا حقيقيًا على اقتصاديات الدول المصدّرة.

ويقول: "ليس من مصلحة أي بلد أن يُنتج وهو غير ضامن للبيع بهوامش ربح معينة"، لأن الإنتاج حينها سيتحوّل إلى عبء اقتصادي بدل أن يكون مصدر دخل.

فالعملية الطاقوية في جوهرها، وفقًا لتصريحاته، تقوم على توازن دقيق بين "تكاليف الإنتاج" و"عوائد البيع"، فإذا اختلت هذه المعادلة، تُصبح العملية كلها "تتحول إلى خسارة".

كما يلفت إلى أن ضعف العائد الربحي يُعيق القدرة على "إعادة تدوير الاستثمارات والانطلاق من جديد في العملية الإنتاجية"، بما يشمل البحث والتطوير والتنقيب والتكرير وكل سلاسل القيمة في قطاع الطاقة.

الرسوم الجمركية... تأثير ظرفي وليس هيكلي

ويرى طرطار أن الرسوم الجمركية الأمريكية، رغم ما أحدثته من اضطراب، إلا أنها لا تمثل عنصرًا جوهريًا يستدعي تغييرًا في جوهر السياسة الطاقوية الجزائرية. ويوضح أن هذه الرسوم لا تندرج ضمن المؤشرات الدائمة، بل هي "ظواهر ظرفية"، قد تحدث اختلالًا مؤقتًا في الأسواق لكنها لا تغيّر طبيعة الطلب العالمي بشكل جذري.

ويشير إلى أن تأثير هذه السياسات الحمائية على الطاقة مرتبط بتباطؤ الاقتصاد العالمي عمومًا، وهو ما ينعكس على انخفاض الطلب، وبالتالي تراجع الأسعار. لكن هذا الانخفاض في نظره لا يعني بالضرورة الدخول في دورة اقتصادية تستدعي مراجعة شاملة، بل يتطلب "مواكبة الانعكاسات" من خلال التنسيق الجماعي بين الدول المنتجة.

ويؤكد أن التعامل مع هذه المرحلة يكون عبر "الحفاظ على هوامش ربحية معتبرة لتحقيق الغايات المرجوة من إنتاج وتصدير المنتجات الأحفورية"، دون الانزلاق إلى قرارات انفرادية غير محسوبة.

الاستمرار في تحقيق الربحية ضمن تقلبات السوق

ويربط أحمد طرطار بقاء السياسة الطاقوية على مسارها السليم بقدرة الجزائر وشركائها على الحفاظ على ربحية معقولة رغم تقلبات السوق. فالهدف من استمرار الإنتاج، حسب طرطار، يكمن في ضخ المزيد من الكميات، وأيضا في "تحقيق الأهداف الربحية التي تضمن استدامة العملية الإنتاجية". وفي حال تحققت هذه الربحية، يمكن حينها "تفعيل مجموعة من السياسات الطاقوية، سواء المرتبطة بالطاقة الأحفورية أو حتى بالطاقة المتجددة"، مما يسمح بتنويع مصادر الطاقة وتعزيز الأمن الطاقوي.

ويعتبر أن النقاش الحقيقي ليس في تعديل التوجهات كلما انخفض السعر، بل في مدى قدرة الاقتصاد الوطني على امتصاص هذه التغيرات دون الإضرار بالبنية الاستثمارية للقطاع. لذلك، يؤكد في ختام تصريحه أن الحل هو في "زيادة أحجام المنتجات الطاقوية مع المحافظة على هوامش الربح"، وليس في إعادة تقييم السياسة في كل مرة تشهد فيها السوق اضطرابًا مرحليًا.