شهدت الكرة الجزائرية يوما استثنائيا أمس الإثنين في مدينة جوهانسبورغ الجنوب إفريقية، بعد أن أجريت قرعة دور المجموعات لكل من رابطة أبطال إفريقيا وكأس الكونفدرالية، في حدث أعاد الأضواء إلى الأندية الجزائرية التي تشكّل هذا الموسم واجهة التمثيل القاري.
فبعد تأهل أربعة فرق جزائرية دفعة واحدة — شبيبة القبائل ومولودية الجزائر في رابطة الأبطال، واتحاد العاصمة وشباب بلوزداد في كأس الكونفدرالية — أسفرت القرعة الخاصة بالمسابقتين الأبرز في القارة عن مجموعات جاءت حظوظ ممثلي الجزائر فيها متباينة، بين مواجهات تُوصف بـ"النارية" وأخرى أكثر توازنا، غير أن الطموح المشترك يوحّدها جميعا: الدفاع عن ألوان الكرة الجزائرية وإعادة الأندية الوطنية إلى منصّات التتويج الإفريقية التي طال انتظارها. وتأمل الجماهير أن يكون موسم 2025-2026 نقطة تحول في مسار الأندية الجزائرية قاريا، خصوصا بعد الإصلاحات التنظيمية والهيكلية التي عرفتها في المواسم الأخيرة، والتي من شأنها أن تمنحها نفسا جديدا وروحا تنافسية على أعلى مستوى.
شبيبة القبائل ومولودية الجزائر.. اختبار الصمود في رابطة الأبطال
أوقعت القرعة فريق مولودية الجزائر في المجموعة الثالثة من رابطة أبطال إفريقيا، رفقة ماميلودي صن داونز الجنوب إفريقي، الهلال السوداني، وسانت إيلوا لوبوبو من الكونغو الديمقراطية. وتبدو هذه المجموعة من أصعب مجموعات المسابقة، إذ تجمع بين فرق ذات خبرة إفريقية واسعة ومستويات فنية عالية. ويدخل "العميد" هذه النسخة من البطولة بطموح كبير لتأكيد صحوته على الصعيدين المحلي والقاري، خاصة بعد تأهله المستحق على حساب نادي كولومب سبور الكاميروني في الدور السابق (1-1 ذهابا، 0-0 إيابا).
ويعتبر المدرب وجهازه الفني أن القرعة رغم صعوبتها تشكل حافزا إضافيا لبذل مجهود مضاعف من أجل تشريف الراية الوطنية، مؤكدين أن هدف الفريق هو بلوغ الدور ربع النهائي على الأقل. وتنتظر جماهير المولودية بشغف رؤية فريقها يعود إلى الأضواء القارية كما كان في سبعينيات القرن الماضي، عندما صنع التاريخ بإحرازه لقب دوري الأبطال عام 1976، وهو إنجاز تسعى الإدارة إلى تكراره بعد مرور ما يقارب نصف قرن.
من جهتها، ستخوض شبيبة القبائل غمار دور المجموعات في المجموعة الثانية من رابطة الأبطال، والتي تضم كلا من الأهلي المصري، الجيش الملكي المغربي، ويانغ أفريكانز التنزاني. وتعدّ هذه المجموعة من أكثر المجموعات تنافسية، حيث تجمع بين أندية ذات باع طويل في المنافسة الإفريقية.
"الكناري" عاد إلى المسابقة بعد غياب دام عامين، عقب تجاوز الاتحاد المنستيري التونسي بسهولة في الدور التمهيدي (3-0 ذهابا، 2-1 إيابا). ويطمح المدرب الألماني جوزيف زينباور إلى قيادة "أسود جرجرة" نحو الأدوار المتقدمة من البطولة، مستفيدا من خبرة النادي الطويلة قاريا، إذ يملك سبعة ألقاب قارية بينها لقبان في دوري الأبطال.
ويرى متابعون أن المواجهات ضد الأهلي والجيش الملكي ستكون بمثابة "ديربيات" مغاربية وعربية مثيرة، ستعيد للكرة الإفريقية نكهتها الكلاسيكية. ويؤكد مسؤولو النادي أن هدف الشبيبة هذا الموسم هو استعادة الهيبة القارية التي لطالما ميّزت النادي في تسعينيات القرن الماضي.
اتحاد العاصمة وشباب بلوزداد.. طموح مزدوج في سماء الكونفدرالية
أما في كأس الكونفدرالية، فقد وضعت القرعة حامل لقب النسخة الماضية، اتحاد العاصمة، في المجموعة الأولى إلى جانب أولمبيك آسفي المغربي، جوليبا باماكو المالي، وسان بيدرو الإيفواري. ويدخل الاتحاد هذه النسخة بطموح الدفاع عن لقبه القاري، مستندا إلى التجربة التي اكتسبها الموسم الماضي حين توّج بكأس الكونفدرالية لأول مرة في تاريخه.
الفريق الجزائري تأهل إلى دور المجموعات للموسم الرابع على التوالي، بعد فوزه في الدور السابق على الأكاديمية الإيفوارية "فاد" (1-0 ذهابا، 3-0 إيابا). ويعتبر المدرب عبد الحق بن شيخة أن القرعة جاءت متوازنة، لكنها تتطلب تركيزا كبيرا في كل جولة. وقال بن شيخة في تصريح صحفي إن "المهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، والهدف هو بلوغ النهائي مجددا".
المواجهة المغاربية أمام أولمبيك آسفي ستكون الحدث الأبرز في المجموعة، إذ تجمع بين فريقين يمتلكان أسلوب لعب هجومي وقدرات فنية مميزة. ويعوّل اتحاد العاصمة على لاعبيه الأساسيين الذين شكلوا عماد التتويج السابق، على غرار زين الدين بلعيد، عبد الرؤوف بن غيث، ومحمد الأمين عمورة، إضافة إلى دعم جماهير "سوسطارة" التي رافقت الفريق في كل محطاته الإفريقية.
بدوره، يستعد شباب بلوزداد لخوض تحد جديد في كأس الكونفدرالية الإفريقية بعد غياب دام أربع سنوات، حيث شارك خلالها بانتظام في رابطة الأبطال. القرعة وضعته في المجموعة الثالثة إلى جانب ستيلينبوش الجنوب إفريقي، أوتوهو الكونغولي، وسينغيدا بلاك ستارز التنزاني. تأهل "العقيبة" إلى هذا الدور بعد تجاوزه نادي حافيا كوناكري الغيني، الذي يقوده المدرب الجزائري لخضر عجالي، بنتيجة (1-1 ذهابا و2-0 إيابا).
ويدخل الفريق بقيادة جهازه الفني الحالي برغبة في استغلال هذه العودة لتأكيد مكانته القارية وإضافة لقب جديد إلى رصيده. وتعتبر إدارة النادي أن هذه المنافسة فرصة لإعادة ترتيب البيت واكتساب المزيد من التجربة القارية، خاصة في ظل وجود مجموعة متوازنة تمنح الفريق فرصة كبيرة للتأهل إلى الدور ربع النهائي. ويعتمد شباب بلوزداد على خبرة عناصره الدولية مثل حسين بن عيادة وبلال بن حمودة، إلى جانب الروح الجماعية التي ميزت الفريق في السنوات الأخيرة.
4 فرق جزائرية.. هدف واحد وطموح مشترك
بهذه القرعة، تسجل الجزائر حضورا قويا في المسابقتين الإفريقيتين من خلال أربعة ممثلين دفعة واحدة، وهو رقم يعكس التطور الواضح في أداء الأندية الجزائرية واستعادتها لجزء من بريقها القاري. ويجمع بين اتحاد العاصمة، شباب بلوزداد، مولودية الجزائر وشبيبة القبائل طموح مشترك يتمثل في تشريف الألوان الوطنية وإعادة الجزائر إلى واجهة التتويجات الإفريقية.
وتتفق آراء المتابعين على أن الكرة الجزائرية باتت أمام فرصة حقيقية لاستعادة موقعها الطبيعي بين كبار القارة، خاصة بعد الإصلاحات الإدارية والمالية التي عرفتها الأندية الكبرى، وتحسن مستوى التسيير والبنى التحتية. كما عبّر الاتحاد الجزائري لكرة القدم عن دعمه الكامل لهذه الأندية، مؤكدا أن النجاح القاري يعكس نضج المنظومة الكروية الوطنية.
ستنطلق الجولة الأولى من دور المجموعات بين يومي 21 و23 نوفمبر الجاري، فيما تجرى الجولة الثانية بعد أسبوع واحد، بين 28 و30 نوفمبر. وتتوقف المنافسات مؤقتا بسبب إقامة كأس العرب للفيفا من 1 إلى 18 ديسمبر، ثم كأس إفريقيا للأمم المقررة بين 21 ديسمبر و18 جانفي 2026. وسيخوض كل فريق ست جولات ذهابا وإيابا، ويتأهل صاحبا المركزين الأول والثاني من كل مجموعة إلى الدور ربع النهائي.
كل المؤشرات توحي بأن الموسم القاري 2025-2026 سيكون واعدا للكرة الجزائرية. فالاتحاد يطمح لتأكيد تفوقه القاري، والمولودية تسعى لاستعادة أمجاد الماضي، والشبيبة تتطلع إلى إضافة لقب جديد إلى رصيدها التاريخي، فيما يريد شباب بلوزداد كسر حاجز الأدوار الأولى وتحقيق أول تتويج خارجي في تاريخه. وبين التاريخ والطموح، تبقى الكرة الجزائرية على موعد مع موسم إفريقي قد يفتح صفحة جديدة من الإنجازات إذا ما توفرت روح الجماعة والعزيمة نفسها التي صنعت أمجادها في الماضي.

