تنتهي يوم الجمعة القادم مناورات عسكريّة مغربيّة فرنسيّة، تجري في منطقة الرشيديّة قرب الحدود مع الجزائر، وأُطلِقَ على هذه المناورات “المفاجئة” اسم “الشّركي”، وتطرح علامات استفهام كثيرة حول هذه الخطوة خصوصا من جانب النّظام العسكريّ الحاكم في فرنسا، الّذي دفع بِوَحَدات عسكريّة بريّة وجويّة للمشاركة في هذه “المناورات”.
و”الشّركي” هو مصطلح يُطلق في المملكة المغربيّة، على “الرّياح القارية الشرقية”، التي تهبّ انطلاقا من أرض الصّحراء الغربيّة التي يحتلّها النّظام المغربيّ، والمتميّزة بحرارتها وجفافها.
وكثيرا مع يتمّ تمحيص اللّقب الّذي يضاف إلى أية مناورات عسكريّة، قبل الاتفاق عليه، ليعطي دلالة سياسيّة واستراتيجيّة.
ويوحي معنى اسم “الشّركي”، باستمرار الدّعم الفرنسيّ لنظام الإحتلال المغربي للصّحراء الغربيّة، ورسالة “تهديد طفوليّ” للجزائر.
وكشفت قيادة الجيش المغربي في بيان الاثنين أنّ “مناورات عسكرية مغربية-فرنسية تجري حتى 25 مارس/آذار في منطقة الرشيدية الواقعة في المنطقة الشرقية” العسكرية الجديدة التي أنشأها المغرب مؤخراً على طول حدوده مع الجزائر.
كوابيس المخزن
ويعيش النّظام المغربيّ حالة من عدم اليقين السّياسيّ منذ أشهر، تلَتْ القرارات الجزائريّة الجريئة، في حقّه، بعد السّلوكات المخزنية العدوانيّة في حقّ الشّعب الجزائري ودولته، التي اشتدّت وتصاعدت مع استقدام كبار جنرالات الحرب الصّهاينة للتطبيع معهم.
وفي نهاية شهر فبراير من العام الجاري، قالت أوساط مغربيّة إنّ خططا تجري لإقامة قاعدة عسكريّة مغربية صهيونيّة مشتركة قرب الحدود الجزائريّة.
لكنّ وسائل الإعلام النّظامية في المغرب، أفادت أنّ الأمر يتعلّق بـ ”منطقة عسكرية ثالثة على الحدود مع الجزائر، أٌطلق عليها المنطقة العسكرية الشرقية”.
وبحسب بيان أوردته الصحف الموالية للنظام المغربيّ، فقد “أعلنت القوات المسلحة الملكية المغربية، في منتصف شهر فبراير/شباط الجاري، إنشاء المنطقة الشرقية، ليصبح الجيش المغربي مكوناً من ثلاث مناطق عسكرية، تنضاف إلى المنطقة الجنوبية (يُقصَدُ بها الأراضي الصحراويّة الخاضعة للإحتلال المغربي) والمنطقة الشمالية”.
وكشفت وسائل الإعلام المغربية الموالية للنظام الملكيّ، أنّ هذه “المنطقة الشرقية العسكريّة المُحْدثة تمتد من إقليم الرشيدية جنوباً، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط شمالاً على شواطئ مدينة “السعيدية” في إقليم بركان، على حدود البحر الأبيض مع الجزائر”.
وتمتد المسافة بين النقطتين اللتين تمثلان حدود المنطقة العسكرية الجديدة أكثر من 600 كيلومتر طولاً.
وكان “بطل” التّطبيع، رئيسُ الحكومة المغربية المطرود، “الإخوانيّ” سعد الدين العثماني، قد أصدر في مايو/أيار 2020 مرسوماً قضى بتخصيص أرض بمساحة 23 هكتاراً، في إقليم جرادة الحدودي، لبناء ثكنة عسكرية خاصة بالجيش المغربيّ، بحجّة “إخراج ثكنات الجيش من المدن”.
والمنطقة العسكرية هاته، تعمل تحت إشراف قيادة القوات البرية، وبالتالي فإنها تخضع لقيادة المفتش العام للقوات المسلحة المغربية الجنرال الدّموي بلخير الفاروق.
ويقع مقرّ المنطقة العسكرية الشرقية في إقليم الرّشيدية، حيث كانت هذه الناحية تسمى في وقت سابق بـ ”قطاع وادي درعة”، وكان يرأسها الجنرال مقداد الذي أصبح قائداً للمنطقة العسكرية.
ويظهر بذلك جليّا أنّ منطقة الرّشيديّة التي تحتض قيادة المنطقة العسكريّة المخزنيّة الجديدة، هي نفسها مكان إجراء المناورات العسكرية بين النّظام الاحتلالي المغربيّ، والنّظام العسكريّ الفرنسيّ.
اعتراف فرنسيّ
واعترفت سفارة النّظام العسكريّ الفرنسيّ في المملكة المخزنيّة، بمشاركة وحدات عسكرية تابعة للجيش الفرنسيّ في المناورات التي لم يُعلن عنها مسبقا.
وقالت السفارة الفرنسية في المغرب إنه “جرى نشر إمكانيات جوية بينها لواء القتال الجوي الرابع وعناصر من مشاة البحرية ومدرعات وست طائرات هليكوبتر ضمن التدريب العسكري مع المغرب “.
ووفق سفارة النّظام الفرنسيّ، فإنّ هذه المناورات “تتم دورياً في إطار التعاون العسكري بين البلدين”.
وأضافت أنّ “آخرَها كان في الفترة من 23 مايو/أيار إلى 3 يونيو/حزيران 2021 في منطقة ورزازات المغربية”.
وبحسب السفارة الفرنسيّة فقد نشر الجيش الفرنسيّ في “شركي 2022” “إمكانيات جوية بينها لواء القتال الجوي الرابع وعناصر من مشاة البحرية ومدرعات وست طائرات هليكوبتر من طراز “غازيل” و ”بوما” و”كيمان”.
وأكد بيان صادر عن الجيش المغربي أن التدريبات الجارية، تشكل تمرينا “يتم تنفيذه في إطار مهام الدفاع عن الوحدة الترابية، ويهدف إلى تعزيز قدرات التخطيط وتطوير التشغيل البيني التقني والعملياتي بين القوات المسلحة الملكية والجيش الفرنسي”.
وقالت إذاعة “مونتي كارلو” الحكوميّة الفرنسيّة الناطقة بالعربيّة إنّ هذه المناورات المشتركة بين النّظامين هي “الأولى التي تشهدها المنطقة الشرقية للمغرب على الحدود مع الجزائر، منذ تأسيس المنطقة العسكرية الشرقية هذه السنة.”
ونقلت عن الشرقاوي الروداني، الخبير في العلاقات الاستراتيجية، أنّ “هذه المناورات سواء من ناحية توقيتها أو المكان الذي تتم فيه، أو طبيعتها، تبعث الكثير من الرسائل، أًولاها ارتباط الرباط وباريس بعلاقات استراتيجية”.
وحملت التّفسيرات التي قدّمتها الإذاعة الفرنسيّة، تهديدات “مبطنة” للجزائر حينما نقلت عن الخبير العسكري والعميد المتقاعد هشام جابر، أن المناورات العسكرية، “عادة ما تجريها دولة واحدة بغرض التدريب على التعامل مع مختلف أنواع الأسلحة، البرية والجوية والبحرية، وعندما يجري تنظيم مناورات عسكرية مشتركة بين دولتين، فإنها تنشد، أولا، التعاون بين دولتين في المجال العسكري، وثانيا، التحضير لإمكانيات حصول تعاون عسكري ميداني بينهما مستقبلا”.
وتفصح الإذاعة الفرنسيّة عن الرّسالة التي يريد النّظام العسكريّ الفرنسيّ بعثها ، حينما تؤكّد على لسان الجنرال هشام جابر أن تلك المناورات العسكرية المشتركة، تهدف أيضا إلى “بعث رسائل لمن يهمه الأمر من الدول المباشرة، مفادها أن هناك تعاون بين الدولتين المعنيتين على صعيد عسكري، وهناك قوة عسكرية مشتركة، وهي رسائل عادة ما ترسل إلى الدول المجاورة”.
وعلى الرّغم من الطّبيعة الدّفاعيّة للقوات المسلّحة الجزائريّة، والاختبارات الناجحة لقوة الجيش الجزائري خلال المناورات الضّخمة التي يجريها داخل التراب الجزائري دون مشاركة أجنبيّة، إلّا أنّ هذا المعطى زاد من رعب القصر الملكيّ الذي أصيب بفوبيا الجزائر، منذ قطع العلاقات وسحب السفير الجزائريّ.
شجرة بيغاسوس
ولجأ النّظام المغربيّ هذه المرّة لـ ”العرّاب” الفرنسيّ، بقصد دعمه “معنويّا”، من خلال هذه المناورات.
وتأتي هذه المناورات بعد أزمة بيغاسوس العاصفة التي كشفت فضيحة النّظام المغربي التجسّسيّة، التي لم يسلم منها حتّى الرّئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون ووزير خارجيّته جون إيف لودريان.
وكان انكشاف حملة التجسّس المغربي في حقّ المسؤولين الفرنسييّن كشجرة غطّت غابة الخلافات الثنائيّة.
وفي صيف العام الماضي، أودع النّظام المغربي شكاوى قضائية في فرنسا ضد وسائل إعلام قامت بإجراء تحقيق استقصائيّ أثبت قيام الرباط بالتجسس عبر استخدام برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي.
واعتبرت الحكومة الفرنسّية حينها، أن التقرير الذي نشرته وسائل إعلامية دولية حول برنامج التجسس بيغاسوس الذي طورته شركة إسرائيلية، يعبر عن “وقائع صادمة للغاية”، خصوصا بعد الكشف عن تجسس أجهزة الاستخبارات المغربية على نحو 30 صحافيا ومسؤولا في مؤسسات إعلامية فرنسية.
وقال الناطق باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال بأنه “سيكون هناك بالتأكيد تحقيقات وستطلب توضيحات”.
وندّدت الحكومة الفرنسية بـ ”وقائع صادمة للغاية” غداة كشف عدد من وسائل الإعلام العالمية عن تجسس أجهزة الاستخبارات المغربية على نحو 30 صحافيا ومسؤولا في مؤسسات إعلامية فرنسية عبر برنامج طورته شركة إسرائيلية.
وصرح الناطق باسم الحكومة غابرييل أتال : “نحن ملتزمون بشدة بحرية الصحافة، لذا فمن الخطير جدا أن يكون هناك تلاعب وأساليب تهدف إلى تقويض حرية الصحافيين وحريتهم في الاستقصاء والإعلام”.
بدورها، اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين فضيحة برنامج بيغاسوس للتجسس التي طالت ما يصل إلى 50 ألف رقم هاتف “غير مقبولة مطلقا”.
وتضم القائمة أرقام ما لا يقل عن 180 صحافيا و600 سياسي و85 ناشطا حقوقيا و65 رجل أعمال حول أنحاء العالم.
وفي السياق، صرح مؤسس موقع ميديابارت الإخباري إدوي بلينيل في تغريدة على تويتر، أن التجسس على رقم هاتفه ورقم زميلته ليناييغ بريدو يقود “مباشرة إلى الأجهزة المغربية، في إطار قمع الصحافة المستقلة والحراك الاجتماعي”.
كما كان الرّئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون نفسه ضحيّة عمليّة التجسّس المكشوف لأجهزة الاستخبارات المخزنيّة.
ويبدو أن الصمود والندية اللذين أبدتهما إدارة الرئيس تبون في وجه الاستفزازات الفرنسية مؤخرا كانت دافعا هستيريا لنهج فرنسي أكثر إيغالا في العجرفة وعدم القبول بواقع أن دجاجة الجزائر السحرية التي كانت تبيض ذهبا للفرنسيين لم تعد كذلك وأن لكل شيء ثمن بمنطق المصالح بين الدول ولأجل تحقيق صاديتها لن تجد فرنسا أفضل من التقرب من النظام المغربي كوسيلة للضغط على الجزائر .
لكنّ معطيات تشير إلى أنّ النّظام العسكريّ الفرنسيّ بواجهته المدنيّة بقيادة ماكرون وحكومته، لا ينظر بعين الرّضى، إلى المسلك التي تسلكه الجزائر منذ انتخابات الرّئاسة الأخيرة عام 2019.
وتتخوفّ الدوائر الفرنسيّة “حالكة الظّلام” التي تصنع القرار الرّسمي ، من استمرار القيادة الجزائريّة في تقليم أظافر الأذرع الفرنسيّة في الجزائر.
لذلك يرى مراقبون، أنّ هذه “الدّوائرَ حالكةَ الظّلام”، تستعمل كلّ الأوراق لإغاضة الجزائر، ومحاولة ابتزازها، عبر إقحام ورقة المغرب “الرّثّة” هذه المرّة.