2025.05.22
نوستالجيا

أغنية جزائرية خالدة تمثّل النشيد الشعبي للاستقلال


خلّدت عدة أغان أسطورية ذلك الحدث الأعظم في تاريخ الجزائر المتمثل في استعادة السيادة الوطنية بتحقيق الاستقلال التام عن الاحتلال الفرنسي بتاريخ 05 يوليو 1962 اليوم الذي استلهم منه الفنانون ـ وأولهم "كاردينال" الفن الشعبي الجزائري الحاج محمد العنقى ـ تحفا غنائية عابرة للأجيال.

"ألفين مبروك يا ولدي"، هي واحدة من الأغاني الطربية الخالدة في تاريخ الجزائر، أدّاها الفنان محمد راشدي، واشتهرت في ثمانينيات القرن الماضي، وقبل ذلك جاءت أغنية "يا محمد مبروك عليك الجزائر رجعت ليك" والتي أدّاها الفنان عبد الرحمان عزيز خلال أعوام الاستقلال الأولى.

لكنْ، وإلى جانب نشيد العلم الجزائري وبعض الأغاني الوطنية التي تتردد كثير خلال أعياد الاستقلال بكامل ربوع البلاد، فإن أغنية "ما بقاش استعمار في بلادنا" التي كتبها وغناها عميد الأغنية الشعبية، الشيخ الحاج محمد العنقى، فرضت نفسها كنشيد شعبي يرمز لاستعادة السيادة الوطنية وقد اقترنت باحتفالات هذا التاريخ العزيز على قلوب الجزائريين، وهي الأغنية التي تأتي اليوم الذكرى الـ60 لبداية قصة إبداعها.

تكريما لشهداء الجزائر

وتعود هذه الأغنية ـ منذ تسجيلها في شكل كليب غنائي عام 1963 ـ في كل عام لتظهر على شاشات الجزائريين، يؤديها بكل اقتدار وإبداع، الأب الروحي المؤسس لفن الشعبي، مرتديا طربوشه المعتاد، تكريما لأولئك الذين ضحوا بحياتهم من أجل جزائر حرة مستقلة ورسالة أمل وازدهار للجزائر .

في هذا الصدد، أكد الباحث في تاريخ موسيقي وتراث الملحون الجزائري عبد القادر بن دعماش، في حديث صحفي، أنه خلال الفترة ما بين فبراير ومارس 1962 وفي الوقت الذي كانت فيه بشائر الاستقلال تلوح في الآفاق، طلبت مجموعة من الفنانين العاملين بالإذاعة الجزائرية من الحاج محمد العنقى تأليف وكتابة وتأدية عمل فني احتفاء بعيد استقلال الجزائر.

وقد لبى عميد الأغنية الشعبية ذلك الطلب وألف هذه الأغنية الخالدة وأداها لأول مرة في 3 يوليو 1962 أمام مجموعة من الأصدقاء في قاعة صغيرة بالقرب من قصبة الجزائر، في الوقت الذي كانت فيه البلاد تنتظر إعلان الاستقلال على أحر من الجمر، يضيف ذات الباحث والمختص في فن الملحون والشعبي.

أمام الزعيمين «بن بلة» و«تشي غيفارا»

وفي تاريخ 31 أكتوبر من العام ذاته، تم تنظيم حفل بمناسبة الاستقلال بقاعة الأطلس بالعاصمة الجزائرية، بحضور رئيس البلاد آنذاك، أحمد بن بلة، وعدة ضيوف مرموقين من بينهم الشخصية الثورية من أمريكا اللاتينية، أرنيستو تشي غيفارا.

وتضمن برنامج ذلك الحفل، وصلة غنائية للفنانة التونسية، صوفية شامية (1932-2004) وعرض مسرحية «132 عاما» للفقيد ولد عبد الرحمن كاكي (1934-1995)، وفي الأخير عميد الأغنية الشعبية محمد العنقى الذي كان ينتظره الجميع بأغنيته الخالدة من أجل الاستقلال والحرية.

وقد أدى النجاح الذي حققته هذه الرائعة الفنية إلى قيام شيخ الشعبي بتسجيلها في البوم غنائي (33 دورة) والذي كان موضة شائعة خلال 1960، حيث كان يضم مجموعة من أنجح أعماله في تلك الفترة، وأضحت «الحمد لله ما بقاش استعمار في بلادنا» محفوظة في دعامة أولى للتسجيلات ويمكن بثها في الإذاعة.

وأضاف عبد القادر بن دعماش، أنه في شهر فبراير 1963 تم تسجيل أحد الكليبات المحبوبة للجزائريين في فضاء للإذاعة الوطنية تم تخصصيه للمناسبة، حيث قام الشيخ العنقى مع موسيقيين آخرين رفقة كبير عازفي البيانو، مصطفى إسكندراني، وعبقري الموسيقي الجزائرية، محبوب سفر باتي، بالإشادة والتنويه وإحياء ذكرى تضحية "الرجال في الغيب والصحراء وجبالنا" من أجل "أن تحيا الجزائر حرة ويحياو الشبان".

ورافق العنقى فضلا عن جوقه الكبير، مجموعة فنانين تتكون من كل من الهاشمي قروابي الذي لم يكن يتعدى عمره حينها 24 عاما، وبوجمعة العنقيس واحسن السعيد أو كذلك الطاهر بن احمد.

وفي عام 2012 جاء دور جيل الشباب المنعم بالاستقلال من خلال، حسين الأصنامي، وحميدو، الذين حملا مشعل الأغنية الجزائرية، حيث أعادا تأدية هذه الأغنية وأعطياها نفسا جديدا ومسحة معاصرة، بإدخال توزيع موسيقي جديد أكثر حداثة وكليب يصور الجزائر بعد 50 عاما من الاستقلال، قام بإخراجه المبدع، جعفر قاسم.

وبمناسبة الذكرى الـ50 لاستعادة السيادة الوطنية، بادر عديد الفنانين الشباب والموسيقيين من جيل الاستقلال، بإعادة إحياء كثير من الأغاني الوطنية التي كيفوها حسب أذواق الأجيال المعاصرة عبر إدخال مؤثرات وتحسينات موسيقية عصرية.