رغم الوعود والمشاريع والاستحداثات في المناصب وإعادة صياغة الأهداف وتكديس المراسيم، غير أن الإنتاج السينمائي الجزائري يشهد أزمة كبيرة وإخفاقات عديدة، فصالات السينما مغلقة أمام الجمهور وأضواء المهرجانات مطفأة رغم توفّر الجزائر على هياكل ضرورية وإمكانات مالية تفتقدها بلدان كثيرة، وقد كانت الآمال معلقة في القانون الخاص بالصناعة السينماتوغرافية المنتظر الإعلان عنه لإيجاد الحلول المناسبة المتعلّقة بالإنتاج والتمويل والتوزيع والتدريب والاستثمار، من أجل النهوض بهذا القطاع وتفعيل دوره في ترقية الثقافة الوطنية والتنمية الاقتصادية، غير أن المؤشرات تدل على العكس تماما. في الوقت الذي كان جميع السينمائيين الجزائريين ينتظرون أن يكون مشروع "قانون الصناعة السينماتوغرافية" الجديد أكثر تقدمية وتفتحا من القانون السابق، غير أنهم اصطدموا بعقوبات سالبة للحرية وبفترات حبس دنيا، تفوق ـ في شدتها ـ حتى بعض عقوبات جرائم الحق العام، مقترحة كنتيجة لمخالفات متعلقة بممارسة العمل الفني، رغم التوجيهات التي أسداها الرئيس تبون، بأن يكون "القانون محفزا ومشجعا حقيقيا للرغبة ويعطي القدرة على الإنتاج السينمائي وفق نظرة إبداعية تعيد للجزائر بريقها بهذا النشاط الحيوي داخل المجتمع"، كما شدّد الرئيس تبون على ضرورة أن "يراعي القانون مختلف التحولات والتطورات في مجال العمل السينمائي بما يتجاوب مع تطلعات الشباب الراغبين في التخصص بهذا المجال". دعوة إلى حذف تدابير الرقابة وعقوبات الحبس وفي هذا الصدد، أقرت المادة 70 من الفصل الثالث لمشروع قانون السينما الذي حصلت "الأيام نيوز" على نسخة منه، عقوبة بالحبس لمدة سنة، كحد أدنى لكل من يقوم بخرق المادة 4 التي يتضمن نصّها معايير فضفاضة يمكن تمطيطها وتفسيرها بأشكال مختلفة لتشمل أي عمل سينمائي"، إذ أشارت المادة إلى أن "نشاطات إنتاج وتوزيع واستغلال الأفلام السينمائية تمارس بحرية في ظل احترام الدستور وقوانين الجمهورية وكرامة الأشخاص والمصالح العليا للأمة والقيم والثوابت الوطنية وكذا احترام المرجعية الدينية الوطنية والديانات الأخرى". كما تتضمن المادة 72 عقوبات لمخالفة فضفاضة تتمثّل في "ممارسة نشاط سينمائي دون الحصول المسبق على الرخصة الإدارية" هذا دون استثناء الأفعال المنصوص عليها في المادة 18 والتي تستثني أفلام الهواة من شرط الحصول على الرخصة"، إلى جانب ذلك، تتضمن المادة 5 إجراءات رقابية تتنافى مع طبيعة حرية الإبداع التي ينبغي أن يتمتع بها الفنانون والمبدعون، كما تتنافى بعضها مع قيم الجمهورية الجزائرية، خاصة ما يتعلق بإخضاع العمل السينمائي إلى موافقة هيئات دينية. وفي هذا الصدد، دعا تجمع السينمائيين الجزائريين إلى حذف المواد التي تنص على تدابير الرقابة والعقوبات الجزائية السالبة للحرية التي تضمنها مشروع القانون المتعلق بصناعة السينما، الذي أعدته وزارة الثقافة والفنون قبل أيام، مبديا رفضه إجراء أية مناقشة تتعلق بهذا القانون، واعتبر أنه مشروع قانون يهدف إلى تكميم أفواه السينمائيين تحت طائلة عقوبة السجن". إجحاف في حق شركات الإنتاج دعا المخرج السينمائي، أسامة الراعي، إلى "حذف اشتراط دفع إتاوة مقابل تسليم رخصة التصوير السينمائي"، وحسبه فإن "المادة 16 التي تنص على أن "تُسلّم رخصة التصوير السينمائي مقابل دفع إتاوة يحدد مبلغها قانون المالية"، مستلهمة من الواقع الهوليوودي الذي تربح فيه شركات الإنتاج مبالغ فلكية بملايير الدولارات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تطبيقها في واقعنا كون أغلب شركات الإنتاج منكوبة وتفكر في كيفية تغطية مصاريفها التسييرية السنوية". تراخيص استخدام "الدرون" تعيق النشاط السينمائي تساءل أسامة الراعي إن كان من اقترح أو صاغ المادة 17 قد فكّر فعليا في كيفية تطبيقها على أرض الواقع، في الوقت الذي تشكّل فيه تراخيص التصوير بطائرات الدرون عائقا ضخما أمام النشاط السينمائي، فبدل أن تعمل وزارة الثقافة بصفتها صاحبة العلاقة المباشرة بالموضوع على حلحلة هذه الإشكالية، تقوم بطلب ذلك من المنتجين أنفسهم"، مشيرا إلى أن هذه المادة التي تؤكد على أن "تصوير الأفلام السينمائية في المناطق ذات الأهمية العسكرية وفي المناطق الحساسة وكذا أخذ المناظر جوا، يخضع للموافقة الصريحة من السلطات الأمنية المختصة"، غير قابلة للتطبيق عمليا في زمن أصبحت فيه طائرات الدرون ضرورية في كل الإنتاجات دون استثناء حتى في روبورتاجات النشرات الإخبارية، إذا اعتقدنا أن المنتجين الأجانب سيصطفون عند الباب بسبب "التنوع الجغرافي" للجزائر و"وجود قصر السينما". مطالب للهواة بالتصوير دون الحيازة على رخصة وأشار أسامة الراعي إلى أن "المادة 18 من المشروع، تتيح للهواة التصوير دون شرط الحيازة على رخصة، وهي المادة التي لم تطبق يوما في أرض الواقع بسبب أن وزارة الثقافة لم تعمل على اتفاقيات أو دورات تكوينية لأعوان وزارة الداخلية ووزارة الدفاع فيما يتعلق بهذه المادة، كما أن التحجج بأن العمل شخصي أو هاوي لا يعفيك أبدا من مطالبات أعوان الأمن باستظهار "الترخيص" بل لا زال حتى حمل آلة تصوير فوتوغرافية شخصية يعتبر جريمة ويعرضك للتوقيف والمساءلة، داعيا إلى إيجاد آليات حقيقية لتطبيق هذه المادة". نظام بنكي يتيح تصدير الأفلام السينمائية وبخصوص المادة 21، أكد الراعي على "ضرورة تطوير النظام البنكي، وحل الإشكاليات المتعلقة بسوق الصرف الموازية واستخراج الأموال كعملة صعبة، قبل الحديث عن التوزيع في الخارج، حيث نصت هذه المادة على أن تصدير الأفلام السينمائية وتوزيعها في الخارج يتم وفق الشروط المحدّدة في التشريع والتنظيم المعمول بهما، من طرف الموزعين الحاصلين على رخصة ممارسة نشاطات التوزيع السينمائي"، مع "إمكانية إبرام عقود توزيع أفلام جزائرية خارج التراب الوطني مع موزعين أجانب". وبالنسبة للمادة 33، والتي تشترط العرض في القاعات لمدة 6 أشهر أولا قبل التوجّه للمنصات الأخرى، فيعتقد المتحدث أنه "يمكن فرضها فقط على الإنتاجات التي تمولها الدولة، ولا يمكن أن يفرض على منتج خاص كيفية عرض عمله على الجمهور، حيث يمكن أن يلجأ مباشرة للمنصات الإلكترونية وهذا حقه الكامل". الشروط على المنتجين الأجانب دون تحفيزات اشترطت المادة 58 توظيف نسبة معينة من الجزائريين في الإنتاجات التي يصورها أجانب، وفي هذا الصدد، يعتقد أسامة الراعي أنه "لا يمكن فرض شروط على المنتجين الأجانب دون وجود تحفيزات بالمقابل، رغم أن المنتج الأجنبي سيحقق هذا الشرط في كثير من الحالات دون الحاجة إلى فرضه بقانون، لكن وجوده كشرط سيشكل عاملا منفرا للأجانب"، مشيرا إلى "وجود دول تفرض نسبا وشروطا مماثلة لكنها تقدم بالمقابل حزمة ضخمة من التحفيزات الاستثنائية للمنتج بما فيها تعويضات مالية مباشرة وغير مباشرة وتحفيزات ضريبية معتبرة". وعن المادة 57، التي تشترط توظيف نسبة معينة من خريجي مراكز التكوين في الإنتاجات السينمائية، في حدود لا تقل عن عشرة بالمائة من طاقمها الإجمالي، فيرى المخرج التلفزيوني أنه "لا يمكن فرض شروط مماثلة إلا على الأفلام التي تمولها الدولة، وحتى في هذه الحالة قد يكون من الصعب على المنتج تحقيق هذا الشرط، مطالبا "بحذف المادة واستبدالها بتحفيزات معينة للمنتجين الذين يحققون هذا الشرط". استرجاع قاعات السينما دعا مخرجون ومنتجون وجمعيات ونوادي سينما وزارة الثقافة لاسترجاع قاعات السينما عبر الولايات من أجل استغلالها في توزيع الأفلام وإقامة العروض والورشات وغيرها من الفعاليات، واعتبر هؤلاء المهنيون في "جلسات وطنية للسينما" نظمت في وقت سابق، أن "استرجاع قاعات السينما من البلديات والخواص وترميم تلك التابعة للقطاع هو حجر الأساس في إعادة بعث السينما الجزائرية". وشدد في هذا الإطار مسيرو جمعيات ونوادي سينما على أن المشكل الرئيس الذي تعاني منه هذه الأخيرة هو غياب الفضاءات لإقامة العروض والورشات وتنظيم المهرجانات وغيرها، وتطرق هؤلاء أيضا لمشاكل أخرى تعاني منها جمعياتهم ونواديهم على غرار "العراقيل البيروقراطية" كصعوبة الحصول على رخص لعرض الأفلام عبر الولايات وقلة الدعم المالي من الوزارة، داعين وزارة الثقافة للعمل مع وزارة التربية من أجل غرس الثقافة السينمائية لدى الأطفال والشباب. وفي الشأن ذاته، أكد منتجون ومخرجون على أن استعادة قاعات السينما هو الحل الرئيس لمشكل توزيع الأفلام الذي هو الحلقة الأضعف في الإنتاج السينمائي الجزائري، واعتبر هؤلاء أن هناك غيابا تاما لحلقة التوزيع في سلسلة الإنتاج السينمائي الجزائري الذي يبقى إلى اليوم غير معروف للمشاهد المحلي، وقد تطرقوا أيضا لمختلف المشاكل التي تواجه عمليات الإنتاج على غرار غياب دعم المنتجين الشباب في الولايات الداخلية وعدم رفع الضرائب والإعفاء من رسوم استيراد التجهيزات السينمائية، وكذا البيروقراطية في منح واستغلال رخص التصوير وأما التقنيون فقد تأسفوا خصوصا لـعدم وجود إطار قانوني ينظم نشاطاتهم.