2025.10.23
الإبداع والقراءة على مساحة 23 ألف متر مربع.. \ ثقافة

الإبداع والقراءة على مساحة 23 ألف متر مربع.. "سيلا 2025" الأكبر على الإطلاق


تستعد الجزائر لاحتضان الطبعة الثامنة والعشرين من الصالون الدولي للكتاب (سيلا 2025)، التي ستقام من 29 أكتوبر إلى 8 نوفمبر المقبل بقصر المعارض بالصنوبر البحري، تحت شعار “الكتاب ملتقى الثقافات”.

وترسخ هذه التظاهرة الثقافية الكبرى مكانة الجزائر كعاصمة للكتاب والحوار الثقافي في المنطقة، وتؤكد انفتاحها المتزايد على محيطها العربي والإفريقي والعالمي. وبمشاركة 1255 عارضا من 49 دولة وفضاءات واسعة تمتد على 23 ألف متر مربع، يَعِد الصالون بجمع ملايين الزوار حول الكتاب في أجواء من التبادل الفكري والاحتفاء بالإبداع، في دورة تكرّم موريتانيا ضيف الشرف وتُجسّد الرؤية الجزائرية في جعل الثقافة جسرا للتواصل والدبلوماسية الناعمة.

الكتاب ملتقى الثقافات... شعار يختصر الرؤية

ومن روح الشعار تنطلق ملامح هذه الدورة الجديدة، حيث أراد القائمون على الصالون أن يكون “الكتاب ملتقى الثقافات” عنوانا لمشروع ثقافي متكامل يؤكد أن الكتاب ما يزال أداة فعالة في بناء الجسور بين الشعوب. فالمعنى هنا يتجاوز حدود القراءة إلى فكرة اللقاء والحوار والانفتاح، في زمن تزداد فيه الحاجة إلى تواصل إنساني يُعيد للثقافة مكانتها كقوة ناعمة قادرة على مواجهة العزلة والتطرف.

وفي هذا السياق، أوضح محافظ الصالون محمد أقرب خلال ندوة صحفية بالمكتبة الوطنية أن شعار الدورة يعكس “رغبة الجزائر في جعل الكتاب أداة للدبلوماسية الثقافية ومجالا لمواجهة التمييز والكراهية”، مشيرا إلى أن الطبعة الجديدة ستركّز على مضمون إنساني يُعيد الاعتبار للثقافة بوصفها لغة عالمية مشتركة.

ويمتد هذا التوجّه إلى البرنامج الفكري والفني المصاحب، الذي يضم ملتقيات وندوات حوارية تستقطب نخبة من المفكرين والباحثين الجزائريين والأجانب، وفي مقدّمتها الملتقى الدولي حول إسهام الجزائر في الحضارة الإنسانية المبرمج في الرابع من نوفمبر، بمشاركة مفكرين من مختلف القارات، في تظاهرة تعيد طرح سؤال الثقافة كجسر حضاري يربط الجزائر بالعالم.

ولأن الفعل الثقافي لا يكتمل إلا بالتنوع، حرص المنظمون على أن تعكس هذه الدورة روح التعدد والانفتاح، من خلال برنامج ثقافي وفني متوازن يجمع بين الأدب والفكر والفن، ويربط القارئ بالكتاب في فضاء يتجاوز العرض إلى الحوار، والتوقيع إلى التفاعل، في حدث يواصل ترسيخ مكانة “سيلا” كواحد من أكبر المواعيد الثقافية في العالم العربي والإفريقي.

أرقام قياسية تؤكد مكانة الصالون في المشهد الثقافي

وتؤكد الأرقام التي كشف عنها محافظ الصالون محمد أقرب أن الدورة الثامنة والعشرين من المعرض ستكون الأكبر في تاريخ التظاهرة، فالمساحة المخصصة للعرض تمتد إلى 23 ألف متر مربع، وتضم 1255 عارضا من 49 دولة موزعين على 555 جناحا، مع توقعات باستقبال نحو خمسة ملايين زائر على مدار عشرة أيام. هذه المؤشرات تعكس حجم الرهان الذي تضعه الجزائر على الكتاب كرافعة للتنمية الثقافية ومجال لتعزيز صورتها الحضارية في الخارج.

ويمثل هذا الزخم التنظيمي ترجمة حقيقية لما بات يُعرف بـ الدبلوماسية الثقافية الجزائرية، إذ يهدف الصالون إلى استقطاب المزيد من دور النشر العربية والأجنبية، وتعزيز التفاعل بين المؤلفين والقراء، بما يجعل من الحدث منصة مفتوحة لتبادل الخبرات والإنتاج الأدبي والفكري. فالتنوع الجغرافي للعارضين يؤكد أن الجزائر باتت قبلة ثقافية تجمع بين الشرق والغرب، وبين شمال إفريقيا والعالم العربي وآسيا وأوروبا.

ويُنتظر أن تشهد هذه الدورة مشاركة 250 كاتبا من الجزائر والعالم في جلسات توقيع وندوات فكرية تسلّط الضوء على التحولات الراهنة في صناعة النشر وأهمية القراءة في زمن الرقمنة. كما يخصص المنظمون فضاءات للأطفال على مساحة 600 متر مربع، في مبادرة ترمي إلى غرس حب الكتاب في الأجيال الجديدة وإدماجهم في المشهد الثقافي الوطني.

ولم يغفل الصالون تكريم المبدعين، إذ أُدرجت ضمن برنامجه جوائز لأفضل جناح وللكتّاب الشباب، تشجيعا للإبداع الأدبي وترسيخا لثقافة التميز. وبذلك تتحول التظاهرة من عرض الكتب إلى مهرجان ثقافي متكامل يواكب تطور النشر الجزائري ويعزّز مكانة البلاد كوجهة ثقافية بارزة في العالم العربي.

موريتانيا ضيف شرف... بلاد المليون شاعر في ضيافة الجزائر

واختار صالون الجزائر الدولي للكتاب في طبعته الثامنة والعشرين الجمهورية الإسلامية الموريتانية ضيف شرف لهذا العام، في تكريم يعكس عمق الروابط الثقافية والتاريخية بين البلدين، ويؤكد مكانة موريتانيا كإحدى أبرز الساحات الأدبية في العالم العربي. فبلاد “المليون شاعر” تأتي إلى الجزائر حاملة إرثا حضاريا وأدبيا غنيا، يعبر عن التقاء الموروثين العربي والإفريقي، وعن تجربة ثقافية متفردة ساهمت في نشر العلم والمعرفة منذ قرون.

ويمتد الحضور الموريتاني في هذه الدورة إلى برنامج ثقافي متنوع يجمع بين الأدب والموسيقى والحوار الحضاري، بمشاركة نخبة من الكُتّاب والمفكرين والفنانين الموريتانيين الذين سيعرضون أحدث إصداراتهم ويشاركون في ندوات فكرية تُناقش قضايا الأدب والتراث والتاريخ المشترك. كما ستُقام أمسيات شعرية تتيح للجمهور الجزائري التعرّف على ملامح الشعر الموريتاني الذي يزاوج بين الأصالة والتجديد.

وتتمثل رمزية هذا الاختيار في كونه امتدادا لتقليد ثقافي جزائري يقوم على الانفتاح على المحيطين العربي والإفريقي، وتكريس التعاون الثقافي جنوب–جنوب. فالحضور الموريتاني، وفق المنظمين، احتفاء بثقافة تجمع ولا تفرّق، وتُعيد الاعتبار للجوار الثقافي المغاربي والإفريقي الذي لطالما شكّل فضاء مشتركا للتفاعل والإبداع.

كما يعكس هذا التكريم رغبة البلدين في تعزيز التعاون الثقافي والفكري والإعلامي بين مؤسسات النشر والمبدعين، بما يفتح آفاقا جديدة لتبادل الخبرات وتوحيد الجهود من أجل بناء فضاء ثقافي مغاربي متكامل. وبذلك تتحول مشاركة موريتانيا من ضيافة رمزية إلى شراكة ثقافية فاعلة تؤكد أن الجزائر تواصل ترسيخ موقعها كمنصة للتلاقي الحضاري وملتقى للمبدعين من مختلف القارات.

بهذه المعطيات، تبدو الطبعة الثامنة والعشرون من صالون الجزائر الدولي للكتاب أكثر من موعد ثقافي سنوي، فهي تعبير عن رؤية وطنية تجعل من الثقافة جسرا للدبلوماسية والانفتاح، ومن الكتاب وسيلة لتعزيز الحوار والتنوع والتقارب بين الشعوب. فاختيار موريتانيا ضيف شرف، وبرمجة ملتقيات فكرية وإنسانية، وتوسيع فضاءات القراءة والمشاركة الدولية، كلها مؤشرات على أن الجزائر تمضي بثقة نحو بناء سياسة ثقافية فاعلة تُعيد للكتاب مكانته في قلب المشروع الحضاري الوطني.