أبرمت السعودية وباكستان اتفاقية دفاع متبادل استراتيجية، تعكس، وفق الخبير جيتاندرا ساي كيلارو، ردًا على التوترات الإقليمية وتعزز إطارًا أمنيًا جماعيًا يضاعف قدرة الطرفين على الردع ويعيد صياغة التوازن في الشرق الأوسط وجنوب آسيا

جيتاندرا ساي كيلارو - مختص في قضايا الأمن السيبراني (الهند)
في 17 سبتمبر الماضي، وقعت المملكة العربية السعودية وباكستان رسمياً اتفاقية الدفاع المتبادل الاستراتيجي، خلال الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إلى الرياض، في خطوة تاريخية لتعزيز التعاون الثنائي. وقد شهدت المراسم، التي استضافها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وحضرها رئيس أركان الجيش الباكستاني، المشير سيد عاصم منير، "ارتقاءً كبيراً في العلاقات الثنائية، حيث تحولت عقود طويلة من التعاون العسكري والاقتصادي والثقافي إلى تحالف استراتيجي رسمي موثق بشكل كامل".
يأتي هذا الاتفاق، حسب الباحث جيتاندرا ساي كيلارو، المختص في قضايا الأمن السيبراني والتحليل الاستراتيجي، "في ظل توترات إقليمية متصاعدة للغاية". ففي 9 سبتمبر، شنت "إسرائيل" غارة جوية في الدوحة، قطر، استهدفت قادة حماس خلال محادثات وقف إطلاق النار، مما أسفر عن مقتل عدة أشخاص بينهم مسؤولون قطريون بارزون.
وأدانت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي هذه الغارة على نطاق واسع، "مما سلط الضوء على نقاط الضعف في أمن الخليج وزاد من الشكوك حول موثوقية الحماية التي تقودها الولايات المتحدة بشكل متكرر". يرى المحلل أن اتفاقية الدفاع بين باكستان والسعودية "تندرج في إطار الرد على هذه المخاوف"، حيث تضفي "الطابع المؤسسي المتين" على التنسيق الدفاعي الوثيق بين الرياض وإسلام أباد، بما يعزز الاستقرار الإقليمي.
نطاق وأهداف اتفاقية الدفاع المشترك بين الرياض وإسلام أباد
تلتزم المملكة العربية السعودية وباكستان بموجب هذه الاتفاقية "بتعزيز التعاون الدفاعي، وآليات الردع المشتركة، وتقاسم الموارد الاستراتيجية لتعزيز الاستقرار الإقليمي بشكل مستمر". بالنسبة لباكستان، "التي لا تزال تتعامل مع تداعيات نزاع حدودي شبه نووي مع الهند في مايو 2025، يتماشى الاتفاق مع الدعم المالي السعودي، الذي يقال إنه يشمل قروضًا وودائع بقيمة 6.4 مليار دولار تقريبًا للفترة 2025-2026 لضمان استقرار الاقتصاد الوطني". هذا الدعم يعزز، حسب المحلل، "الصلابة الاقتصادية والاستراتيجية لباكستان بشكل واضح وملموس".
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، "يمنح الاتفاق الوصول إلى القوات العسكرية التقليدية القوية، لباكستان التي تقدر بنحو 600 ألف عسكري نشط، وبشكل ضمني إلى قدراتها النووية، بما يعزز ردع التهديدات الإقليمية المحتملة". يشير الباحث إلى تصريح وزير الدفاع خواجة محمد آصف الذي اعتبر أن "قدرات باكستان ستكون متاحة بالكامل" بموجب الاتفاقية. على الرغم من التغطية الإعلامية الواسعة لهذا الخبر، يشير المحلل إلى أن الكثير من المراقبين يعتبرون "أن البعد النووي لا يزال غامضًا وأنه لا يوجد نقل رسمي للأسلحة النووية أو السيطرة التشغيلية بشكل مباشر".
لكن، مع هذا، تكمن الأهمية الأوسع نطاقاً لاتفاقية الدفاع بين البلدين، في رأي الدكتور ساي كيلارو، "في قدرتها على إرساء الأسس لإطار أمني جماعي بين الدول ذات الأغلبية المسلمة"، مما يشكل، حسبه، "تحدياً للبنية الأمنية التقليدية التي تركز على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل رئيسي"، حيث يتم نشر عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في قواعد متعددة، بعد الفشل في صد الضربات الإسرائيلية ضد قطر.
الآثار العالمية والإقليمية
سيكون لهذه المعاهدة، في نظر الباحث، "أثر كبير على الجغرافيا السياسية العالمية"، بحيث تدل، كما يرى، "إلى تسارع نحو التعددية القطبية، من خلال إضفاء الطابع المؤسسي على التعاون الدفاعي المتواصل". يشير المحلل إلى أن "السعودية وباكستان تضعان نفسيهما في موقع الركيزة الأساسية لإطار أمني إقليمي محتمل، يمكن وصفه بـ "الناتو الإسلامي" الذي يهدف إلى ردع التهديدات من جهات تعتبرها دول الخليج معادية، مثل "إسرائيل" وحتى إيران بشكل مشترك".
في رأي الدكتور ساي كيلارو، "سيُعقّد هذا التطور عملية التوازن الدقيقة التي تقوم بها واشنطن بين حلفائها في المنطقة، بما في ذلك "إسرائيل" والسعودية والهند وباكستان"، التي لكل منها "مصالح استراتيجية متباينة بشكل واضح"، كما يرى أنه "من المرجح أن تستفيد الصين بشكل غير مباشر، نظراً لاعتماد باكستان على المعدات العسكرية الصينية، التي تمثل حصة كبيرة من وارداتها الأخيرة من الأسلحة، وتحول السعودية في عام 2023 إلى المعاملات النفطية القائمة على اليوان، مما يعزز نفوذ بكين في المنطقة بشكل ملحوظ".
بالإضافة إلى ذلك، "قد تواجه مبادرات مثل ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، الذي أُطلق لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، اضطرابات متزايدة مع تحول تحالفات الخليج نحو باكستان في ديناميكيات جنوب آسيا".
إن تعيق الشراكة بين المملكة العربية السعودية وباكستان مدفوع، في قراءة المحلل، بـ"ضرورات استراتيجية ونقاط ضعف إقليمية ملموسة". فقد دفعت "خيبة الأمل"، حسبه، من التزامات الولايات المتحدة الأمنية، التي تجلت في ردود الفعل المتحفظة على الهجمات السابقة، وجولة الرئيس السابق ترامب في الخليج عام 2025، والهجوم على قطر، الرياض إلى تنويع استراتيجيتها الدفاعية بشكل متسارع.
وتقدم باكستان، باعتبارها الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التي تمتلك أسلحة نووية، ما يراه المحلل "ثقلاً استراتيجياً موازناً للقوة السعودية". ومن جانب آخر، "تساعد الالتزامات المالية السعودية في استقرار الاقتصاد الباكستاني، في نفس الوقت الذي يساهم الوصول إلى قدراتها العسكرية في تعزيز (ردع) الرياض ضد طموحات إيران النووية وعمليات إسرائيل الإقليمية". ومع ذلك، فإن التحالف الرسمي ينطوي على مخاطر، "حيث قد يجر السعودية إلى حشر نفسها في توترات باكستان مع الهند أو الحكومة الأفغانية بقيادة طالبان". ومع كل هذا، "تعكس اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المتبادل (SMDA) اتجاهاً خليجياً أوسع نطاقاً نحو آليات الدفاع الجماعي، مدفوعاً بالأزمات الأمنية الأخيرة للحد من الاعتماد على الأطر الغربية".
التوازن الجيوسياسي للسعودية على الصعيد العالمي
تضع هذه الاتفاقية السعودية في "شبكة معقدة من العلاقات الدولية المتشابكة". في حين تحافظ الرياض على علاقات اقتصادية وعسكرية قوية مع الولايات المتحدة، فإنها تسعى إلى "تنويع الأمن الاستراتيجي" استجابةً لما يراه الدكتور ساي كيلارو "التناقضات الملحوظة في الدعم الأمريكي"، ومن زاوية أخرى، "يتم تعزيز العلاقات مع الصين بشكل غير مباشر من خلال مشتريات باكستان العسكرية وصفقات النفط السعودية القائمة على اليوان بشكل مستمر" ، في وقت تظل فيه الهند شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا للسعودية، "حيث بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين أكثر من 41 مليار دولار في السنة المالية 2024-2025، مع توقع نمو مستدام". ويؤكد المسؤولون السعوديون على "النمو المستدام والمتوازن" في هذه العلاقة، بغض النظر عن توقيع الاتفاقية مع باكستان.
أما اتجاه إيران، تحافظ الرياض على "نهج حذر ومتوازن"، حيث توازن، كما يرى، "بين الجهود الدبلوماسية لبناء الثقة والتدابير المضادة لطموحات طهران النووية ووكلائها الإقليميين، لا سيما في اليمن". ومن جانب آخر، "لا يزال التطبيع مع "إسرائيل" متوقفًا، رهناً بالتقدم نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة"، وبناء على هذا، يرى المحلل أن الاتفاقية قد تمثل رادعاً استراتيجياً فعالاً في يد الدبلوماسية الخارجية السعودية.
وفي سؤال حول رد الفعل الهندي، يقول المحلل إن "نيودلهي ردت على اتفاقية البلدين بحذر استراتيجي محسوب"، ففي 19 سبتمبر الماضي، أقر المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية "راندير جايسوال" بأن "الاتفاقية تمثل إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات السعودية-الباكستانية الطويلة الأمد، مع التأكيد على أهمية احترام المصالح والحساسيات المتبادلة بشكل كامل". يشير المحلل إلى أن "نيودلهي ترى أن الاتفاقية تعالج في المقام الأول المخاوف الأمنية في الخليج، مثل التهديدات من إيران وإسرائيل، بدلاً من استهداف الهند مباشرة"، مضيفاً أن الهند تواصل "تعزيز مشاركتها في الخليج، حيث أجرت تدريبات دفاعية مشتركة مع السعودية في أغسطس الماضي، كما أن هناك اتفاقية دفاعية جديدة بين الهند والإمارات، وقعت في اليوم الموالي لتلك التي وقعتها السعودية وباكستان بشكل متزامن".
في حين تستمر المخاوف بشأن الديناميات النووية الإقليمية، "تنظر الهند إلى اتفاقية الدفاع بين باكستان والسعودية على أنها تطور استراتيجي يجب مراقبته عن كثب وليس تهديدًا مباشرًا، وتظل ملتزمة بشراكاتها في مجال الطاقة والتجارة في المنطقة بشكل مستمر".