2025.10.09
عاجل :



ثورة مزدوجة ضد الفساد والتطبيع.. طوفان الغضب يهزّ المغرب حديث الساعة

ثورة مزدوجة ضد الفساد والتطبيع.. طوفان الغضب يهزّ المغرب


آدم الصغير
06 أكتوبر 2025

المغرب يُعلن ثورة عارمة لم تعرفها شوارعه منذ عقود، طوفان غضب شعبي هادر يخرج من رحم سنوات القمع والظلم المتراكم على يد نظام المخزن. الشارع المغربي لم يعد متفرجا، بل صار قلبا نابضا بالغضب، رافضا التطبيع المذل مع الكيان الصهيوني، ومُطالِبا بالعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية. من طنجة في الشمال إلى أكادير في الجنوب، ومن وجدة في الشرق إلى الدار البيضاء في الغرب، تتجلى إرادة شعب عازم على كسر قيوده، متحديًا نظام المخزن الذي فشل في احتواء غضبه، ومستفزا "نخبا" سياسية اعتادت تحويل المغرب إلى ساحة لتراكم الفساد والاستبداد. اليوم، المغرب لا يصرخ فقط، بل يعلن ثورته: ثورة ضد الظلم، ضد الخيانة، وضد كل من يستهين بالحق في الحرية والكرامة والسيادة.

وقد شاركت في هذه المسيرة، التي دعت إليها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، عدة تنظيمات سياسية، حقوقية ونقابية، بينها جماعة العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح والحزب الاشتراكي الموحد وحزب العدالة والتنمية وفيدرالية اليسار الديمقراطي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إضافة إلى حركة مقاطعة الكيان الصهيوني(BDS) . ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية ولافتات تندد بما وصفوه "حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة"، مرددين هتافات تطالب بوقف الاتفاقيات التطبيعية المشؤومة وتعبر عن دعمهم الكامل للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.

وتأتي هذه التحركات الشعبية في المغرب بالتزامن مع مرور عامين على انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، التي اعتبرها محللون منعطفا تاريخيا أعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الشعبي والرسمي في مختلف أنحاء العالم. وقال عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، عمر إحرشان، إن "تطبيع المخزن مع الكيان الصهيوني جريمة تهدد أمن المغربيين واستقرارهم"، مضيفا أن "الأعداد التي خرجت في مسيرة الرباط اليوم تظهر رفض الشارع المغربي لترسيم العلاقة مع كيان غاصب ومحتل". وأكد إحرشان أن الوضع الراهن للقضية الفلسطينية يتطلب أكثر من مجرد مسيرة، مشيرا إلى تخاذل المنتظم الدولي في حماية الشعب الفلسطيني.

في الوقت نفسه، لم يتوقف الغضب الشعبي عند حدود رفض التطبيع، بل امتد ليشمل احتجاجات واسعة على الوضع الداخلي للمغرب. فقد شهدت 20 مدينة مغربية، من بينها الدار البيضاء والرباط وفاس ومكناس، احتجاجات سلمية لليوم التاسع على التوالي، تطالب بالعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية وإسقاط الفساد، مع التركيز على فشل حكومة المخزن في احتواء غضب الشارع. ورغم أن الاحتجاجات بدأت سلمية، إلا أن تعثر الحكومة واعتمادها مقاربات أمنية صارمة أدت إلى سقوط ثلاثة قتلى، مما زاد من حدة الاحتقان الشعبي.

وتواصل الشباب المغربي الاحتجاجات دون كلل، رافعين شعارات تطالب بإسقاط الحكومة وعصبة المال الفاسد، ومطالبين بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وفي امتداد لهذه الاحتجاجات إلى الخارج، شهدت العواصم الأوروبية وقفات احتجاجية أمام سفارات المغرب في باريس وأمستردام، للتنديد بما وصفه المحتجون "القمع والتهميش الذي يعاني منه المغربيون داخل المملكة". هذا التمدد للضغط الشعبي إلى الخارج يعكس حجم الأزمة، ويضع المخزن تحت مجهر الرأي العام العالمي، مع حضور إعلامي أوروبي واسع ومتابعة من جمعيات حقوقية دولية.

ويبدو أن المخزن المغربي يجد نفسه اليوم محاصرا بين مطرقة احتجاجات الداخل وسندان ضغط الخارج، وسط مشهد غير مسبوق من الوحدة بين المغربيين في الداخل والخارج، والرفض الجماعي لأي سياسات استبدادية أو إجراءات قمعية. فالشباب المغربي، كما يقول الخبراء والمحللون، لم يعد يقبل بممارسة الاستعباد السياسي والاجتماعي التقليدي الذي استمر لعقود طويلة، ورفضوا سياسات التهميش والتبعية التي تمارسها النخبة الحاكمة، ناهيك عن رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.

وقد عبّر الكاتب والأستاذ الجامعي المغربي، طارق ليساوي، عن تخوفه من "تلطخ رقبته بالدم" في ظل استمرار التعامل العنيف مع الاحتجاجات، مؤكدا أن صمت الحكومة أفضل من تصريحاتها، مشيرا إلى أن خروج الشارع يعني فقدان الحكومة للشرعية، لأن الشعب هو صاحب السيادة. وأضاف ليساوي أن الحكومة المغربية تمثل نموذجا لمعاناة النخبة وفسادها البنيوي، فهي "تناقض نفسها وتكذب على ذاتها أولا، وهي أول من أسس لغة التعامل والتحاور بالحجر وأول من قذف الحجر في وجه المغربيين".

ومن جهته، انتقد الكاتب محمد لكناوي عدم اهتمام المخزن ببناء مواطنين بمعنى المواطنة الحقيقية، معتبرا أن السلطة طالما اهتمت بصناعة أعيان وتركت لهم التحكم في باقي السكان، مما أفرغ الحياة السياسية من أي مشاركة حقيقية للشعب. وأشار لكناوي إلى أن شباب اليوم يخرج بمطالب اجتماعية تساوي الكرامة، مستذكرا خروج مناضلي حركة 20 فبراير ومناضلي الريف، مشددا على أن "تم تخوين كل من خرج للمطالبة بحقوقه أمر مألوف، لأنهم يسحبون البساط من النخبة الحاكمة التي اعتادت التحكم في زمام الحياة السياسية".

اللافت أن المشهد المغربي الراهن يعكس صراعا مزدوجا: من جهة، رفض الشعب المغربي التطبيع مع الاحتلال الصهيوني والوقوف مع القضية الفلسطينية؛ ومن جهة أخرى، مواجهة الظلم الداخلي والفشل الحكومي والفساد البنيوي. هذا التفاعل بين القضايا الدولية والداخلية أعطى الاحتجاجات عمقا استثنائيا، وجعلها تتجاوز حدود المطالب التقليدية لتصبح حركة احتجاجية شاملة، تمثل إرادة الشعب المغربي في الدفاع عن كرامته وحقوقه الوطنية والدولية.

كما أن تحركات الشارع المغربي أثبتت قدرة الشعب على توحيد صفوفه رغم المحاولات الحكومية لفرض التفرقة، فالأعداد الكبيرة في المسيرات والوقفات الاحتجاجية تشير إلى أن المطالب الشعبية ليست عابرة، بل هي تعبير عن غضب متراكم يتجاوز الفقر والبطالة ليطال الاستبداد السياسي والفساد المؤسسي، ويصل إلى رفض أي تواطؤ مع مشاريع دولية تضر بالوطن والشعب.

إن ما يحدث اليوم في المغرب يشكل اختبارا حقيقيا لنضج المجتمع المدني وقدرته على فرض إرادته أمام نظام يتسم بالجمود والتصلب، وهو أيضا رسالة قوية للمجتمع الدولي بأن الشعب المغربي لا يقبل أن يكون مجرد متفرج، سواء في مواجهة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني أو في مواجهة سياسات الاستبداد الداخلي. فالمغرب يعيش، في الوقت نفسه، ثورة مزدوجة: ثورة شعبية للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، وثورة أخلاقية وسياسية ضد التطبيع مع الاحتلال، لتتلاقى فيها مطالب الحرية والكرامة والعدالة، داخليا وخارجيا، في لوحة احتجاجية واحدة.

وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن أي محاولة لتجاهل إرادة الشعب المغربي ستكون محكومة بالفشل، فالمشهد الحالي يوضح أن الضغوط الشعبية، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، باتت قادرة على إعادة تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي في المملكة، وأن المرحلة المقبلة قد تشهد تحولات غير مسبوقة إذا استمر الصمود الشعبي على هذا النحو.