إذا نظرنا حولنا، سنجد أشخاصا كثرا لا يعملون بجدّ، فهم لا يضحّون بالقليل من راحتهم مقابل العمل الجدّي، كما أنّهم ليسوا على استعداد لقضاء وقت لا بأس به وهم يتعبون من أجل بناء مستقبلهم.
وإن سألتهم عن السبب، لقالوا لك عبارات مثل: الموضوع كلّه متعلّق بالحظ أساسا.. أنا ليس لدي حظ جيد منذ ولدت لذلك مهما فعلت لن يحصل أيّ تغيير جيد في حياتي.
وما هذه سوى حجج وهمية يختبئ هؤلاء الأشخاص وراءها، وإن أردتم سؤالي عن الشيء الذي يختبئون منه، فسيكون ردي إليكم بأنهم يختبئون من مواجهة الحقيقة.
إن هؤلاء الأشخاص، الذين ربما تكون أنت أيها القارئ أو حتى أنا، من ضمنهم، لا يريدون مواجهة الحقيقة لكيلا يضطروا لتغيير تصرفاتهم، وكم يخيف التغيير كُثرا!
الحقيقة هي أن الحظ ربما يكون له وجود، والصدفة ليست بالكذبة، لكن أن يعتقد الإنسان أن حياته كلها مبنية على الحظ والصدفة لهي خدعة قد يُقنع بها نفسه، لكنها تبقى مجرد خدعة لا تجرؤ على الاقتراب من الحقيقة.
قد تحصل معنا بعض الصدف السيئة، وكذلك بعض الصدف الجيدة، لكن لا يمكننا اعتبار حياة أيّ إنسان بأكملها مجرد صدفة. فالله عزّ وجلّ لم يرسلنا إلى هذه الدنيا عن طريق الصدفة، ولم يجعلنا على قيد الحياة لكي نكبّل أنفسنا بكلمة "حظ" وبمعتقدات خاطئة قد تتسبب بمرور أعمارنا ونحن لا نفعل أيّ شيء ذا قيمة.
قد يفشل الإنسان منا في أمر ما، فيبدأ بشتم حظه، لكن لماذا لا يفعل شيئا آخر بدلا من ذلك يا ترى؟! لماذا لا يتذكر ما فعله وما لم يفعله، ولماذا لا يقيّم المجهود الذي بذله بدلًا من رمي التهم على الحظ السيء؟!
فقد يدرس التلميذ صفحة واحدة من مُقرّر دراسي يتألف من العديد من الصفحات، ولا يأخذ في الدراسة أكثر من ربع ساعة، ومن ثم ينجز الامتحان، وبعد ذلك تأتي النتيجة ليبدأ بالشكوى من أن حظه سيء لذلك رسب؟! لماذا لا يعترف بأنه هو من أهمل واجباته وبأنه لم يكن على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه؟! ألهذا الحد يصعب على المرء الاعتراف بخطئه؟!
وقد يقود أحد الشبّان السيارة بسرعة جنونية، فتكون النتيجة حصول حادث مروّع، ومن ثم يخرج ليقول لك إن شاحنة قطعت طريقه صدفة فلم يتمكّن من فعل أي شيء. بالله عليكم ألن يكون الحادث أقلّ ضررا وخطورة إن قاد الإنسان سيّارته بهدوء؟!
لكن لماذا يهدأ الإنسان أو يبذل جهدا، في حين أن لديه ما يعلّق عليه كل أخطائه، وهو المدعو "حظ".
إن الحظ أو الصدفة ليسا عدمًا بطبيعة الحال، فقد تحدث أمور عن طريق الصدفة، فقد يكتشف الشخص حبّه للكتابة صدفة، أو للرسم ربما، لكن ما بعد ذلك يكون متعلّقا بالعمل الجاد.
فلا يمكنك أن تصبح كاتبًا مبدعا وناجحا، أو رسّاما مشهورا، أو مهندسا له اسمه في مجال الهندسة عن طريق الصدفة، بل عليك أن تدرس وتعمل وتتعب لكي ترى نتائج ذلك بعدها.
فالصدفة والحظ لحظات، أم العمل الجدي فهو للعمر بأكمله، فإما أن نعمل بجد لنقطف ثمار تعبنا وإمّا أن نرمي كل شيء للحظ فنتحسّر لاحقا على عمر أفنيناه بين جدران سجن اسمه "الصدفة".