2025.09.30
عاجل :



غزة والاختبار الأوروبي..  هل تجرؤ إسبانيا على مواجهة إرثها الدموي؟ حديث الساعة

غزة والاختبار الأوروبي..  هل تجرؤ إسبانيا على مواجهة إرثها الدموي؟


يتفاجأ كثيرون من موقف إسبانيا الصريح الذي وصف الأهوال الجارية في غزة بـ«حرب إبادة»، وبجرأتها في الوقوف ضد السياسات الصهيونية، وهو موقف لم يسبق أن شهدته الساحة الأوروبية بهذا الوضوح. وقد أثار هذا الإعلان تساؤلات عديدة: هل يعكس موقف الإسبان رغبة حقيقية في الدفاع عن الحقوق الإنسانية، أم أنه محاولة للتعويض عن تاريخ مظلم عاشته البلاد، من الإبادات التي تعرّض لها السكان المسلمون واليهود في الأندلس، إلى الحملات الاستعمارية الدموية في أمريكا اللاتينية ضد الشعوب الأصلية دون نسيان مسؤوليتها التاريخية إزاء مأساة الشعب الصحراوي؟ مهما كانت الدوافع، يبدو أن مدريد – فيما يخص القضية الفلسطينية – تكسب اليوم موقعا أخلاقيا مميزا على الساحة الدولية، على عكس بعض الدول الأوروبية الأخرى، مثل ألمانيا، التي يهيمن عليها شعور بالذنب التاريخي؛ إذ يرى بعض المراقبين أن هذا الشعور يدفعها أحيانا إلى تبني مواقف تحفظية تجاه «إسرائيل»، في محاولة للتخفيف عن عبء ماضيها كدولة مسؤولة عن الهولوكوست. أما فرنسا، فتلتزم الصمت تجاه تسمية ما يحدث في غزة بـ«حرب إبادة»، ربما خشية أن يُذكّرها أحد بجرائمها السابقة في مستعمراتها.

لقد باتت أوروبا اليوم أمام اختبار عسير: كيف تواجه مشاهد الإبادة في ظل إرث تاريخي ثقيل ومليء بالتناقضات؟ فالمواقف المتباينة للدول الأوروبية تكشف عن فجوات أخلاقية كبيرة، وتطرح تساؤلات حول مدى قدرتها على اتخاذ قرارات قائمة على قيم حقوق الإنسان بصدق، وليس وفق ضغوط الماضي أو المصالح السياسية. وفي هذا الإطار، يبرز الموقف الإسباني كحالة استثنائية، إذ يتجاوز مجرد التعبير عن التعاطف، ليصبح تحركا عمليا يضع مدريد في مواجهة مباشرة مع تاريخها الطويل والمليء بالتناقضات.

منذ اندلاع الحرب الصهيونية على غزة، التي تُوصف بأنها أبشع إبادة في القرن الحادي والعشرين، تميزت إسبانيا بجرأتها النادرة في تسمية الأحداث على الأرض الفلسطينية بمسمياتها الحقيقية. فقد أعلنت الحكومة، عبر وزرائها ومسؤوليها، أن ما يحدث في غزة يرقى إلى مستوى «حرب إبادة»، وهو وصف حمل وزنا كبيرا على الصعيدين الداخلي والخارجي، وأثار صدمة في أوساط الرأي العام الدولي. ولم تكن هذه الخطوة مجرد تصريحات سياسية عابرة، بل تعبيرا عن موقف أوروبي نادر يوازن بين المسؤولية الأخلاقية والتاريخية، ويضع مدريد في قلب النقاش حول العدالة والحقوق الإنسانية على مستوى العالم.

الذاكرة المثقلة بالدم

لفهم الموقف الإسباني، يجب العودة إلى الماضي إذ لا تعتبر إسبانيا مجرد بلد أوروبي آخر بل دولة تحمل في عمق ذاكرتها الجمعية جروحا تاريخية لم تلتئم ونستحضر سقوط غرناطة عام 1492 آخر قلاع المسلمين في الأندلس وما تلاه من محاكم التفتيش التي أجبرت المسلمين واليهود على التنصر أو الموت وصادرت ممتلكاتهم وأحرقت كتبهم وحرمتهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، وشكل هذا الحدث لحظة فاصلة في التاريخ الإسباني بل في تاريخ أوروبا بأكملها إذ بدأ عصر الإقصاء الديني والعرقي الذي أصبح لاحقا سمة من سمات الإمبراطوريات الغربية.

لكن إسبانيا لم تتوقف عند ذلك ففي القرن السادس عشر تحركت جيوشها ومستكشفوها نحو العالم الجديد في أمريكا اللاتينية وشرعت في كتابة فصول جديدة من العنف الدموي تحت رايات التنصير والفتح وارتكبت جيوش الاحتلال مجازر بحق شعوب بأكملها مثل الأزتيك والمايا والإنكا وتوثق الدراسات التاريخية مقتل ملايين السكان الأصليين بسبب الحملات العسكرية والعمل القسري والأوبئة التي جلبها الغزاة وحولت هذه الأحداث القارة الجديدة إلى ساحة للتجربة الاستعمارية الأوروبية وكانت إسبانيا في طليعة القوى التي مارست أشد أشكال الإبادة المنظمة.

لا يمكن تجاهل آثار الاستعمار الإسباني في الصحراء الغربية، إذ تعرض الشعب الصحراوي لانتهاكات جسيمة منذ بداية السيطرة الإسبانية على المنطقة عام 1884. فقد قام الإسبان بتقسيم الصحراء إلى مناطق وعزل بعضها عن بعض بالتعاون مع المستعمر الفرنسي، ونهبوا الثروات الطبيعية والمعادن النفيسة، بينما عانت المجتمعات الصحراوية من التجويع والتفقير، واعتمدت سلطات الاحتلال سياسة الأرض المحروقة لقمع المقاومة المحلية. ومع انسحاب الإسبان، شن الاحتلال المغربي عدوانا على الصحراء الغربية، مستخدما أسلحة محرمة دوليا واستهدف المدنيين، وأجرى تغييرات ديمغرافية كبيرة، شجع من خلالها المستوطنين المغربيين على الاستقرار في المنطقة، ما حول البلاد إلى مسرح لتطهير عرقي ونهب منظم للثروات. وعلى الرغم من استمرار النضال الصحراوي من أجل الحرية، ظل المجتمع الدولي يتجاهل معاناتهم، بما في ذلك إسبانيا، التي اختارت الانحياز لطروحات الاحتلال المغربي عبر دعم ما يُسمى بـ"مبادرة الحكم الذاتي"، متجاهلة حقوق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

تظل هذه الذاكرة حاضرة في المخيال الإسباني والعالمي رغم محاولات بعض الحكومات المتعاقبة تهميشها أو اختزالها في المناهج المدرسية، ومن هذا المنطلق تتخذ مدريد اليوم موقفا إنسانيا واضحا لصالح ضحايا غزة، وكأنها تقول للعالم إنها تعرف معنى الاضطهاد والقتل الجماعي لأنها كانت طرفا فيه في الماضي وتسعى الآن لكتابة صفحة جديدة أكثر إنسانية، ويتميز الموقف الإسباني بالقوة لأنه تجاوز الخطاب السياسي فقط، إذ أوقفت الحكومة الإسبانية عقود تسليح بقيمة مئات الملايين من اليوروهات، وفرضت حظرا على تصدير واستيراد المعدات الدفاعية مع «إسرائيل»، وامتنع البرلمان عن استيراد منتجات المستوطنات غير الشرعية، كما وسعت الحكومة الدعم لوكالة «الأونروا» التي تواجه أزمة مالية خانقة، وعززت برامج الإغاثة الإنسانية الموجهة لغزة.

لم يقتصر دعم الموقف الإسباني على السلطة التنفيذية، بل شاركت المؤسسات القضائية أيضا، حيث أعلن مكتب النيابة العامة في مدريد بدء تحقيق رسمي حول الجرائم في غزة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وأضفى هذا الإعلان بعدا قضائيا دوليا أثار صدمة في العواصم الأوروبية التي اعتادت استخدام لغة غامضة أو مترددة إزاء الصراع الفلسطيني–الصهيوني، كما أبدت المؤسسة الملكية موقفا واضحا من خلال خطاب الملك فيليب السادس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث وصف ما يجري في غزة بأنه «عار على المجتمع الدولي»، وحذر من أن الصمت عن هذه الجرائم يعيد العالم إلى «العصور الوسطى»، وحملت كلماته دلالات تاريخية استحضر خلالها عصورا مظلمة عاشتها إسبانيا وأوروبا ليؤكد ضرورة تجنب تكرارها في القرن الحادي والعشرين.

من الضحية إلى الجلاد.. أوروبا في مرآة غزة

لا يمكن أيضا إغفال العوامل الداخلية التي دفعت مدريد إلى تبني هذا الموقف، إذ تعيش إسبانيا منذ سنوات على وقع صعود تيارات اليسار التي جعلت من القضية الفلسطينية رمزا لمقاومة الإمبريالية والظلم العالمي، والحركات الشبابية والنقابات وجزء من الإعلام الإسباني ساهموا جميعا في خلق بيئة ضغط دفعت الحكومة إلى اتخاذ خطوات ملموسة، والمظاهرات المؤيدة لفلسطين في مدريد وبرشلونة وغيرها من المدن لم تشكل مجرد احتجاجات عابرة، بل شكلت جزءا من الحراك السياسي الذي يؤثر على مواقف الدولة، ولا ينفي ذلك أن بعض المراقبين يرون في الموقف الإسباني محاولة لتوظيف السياسة الخارجية في خدمة الصراعات الداخلية، إذ تسعى الحكومة إلى تعزيز شرعيتها عبر تبني خطاب أخلاقي يلقى صدى واسعا بين الناخبين الشباب والمتعاطفين مع قضايا العدالة العالمية، ومع ذلك تبقى النتيجة العملية ذات أثر كبير على المستوى الدولي.

تكمن المفارقة في أن إسبانيا، التي كانت يوما رمزا للإقصاء الديني والإبادة الاستعمارية، تسعى اليوم إلى تقديم نفسها بوصفها نصيرا للضحايا، إذ يعكس هذا التحول رغبة في تجاوز الماضي وبناء شرعية أخلاقية جديدة، ومن هنا يمكن قراءة الموقف الإسباني باعتباره محاولة لإعادة صياغة الهوية الوطنية والسياسية لتتصالح مع العالم على أساس إنساني بدل أن تبقى أسيرة صفحات سوداء من التاريخ، ويكشف الموقف الإسباني بكل ما يحمله من جرأة وتناقضات هشاشة الموقف الأوروبي العام، إذ اتخذت مدريد خطوات عملية بينما بقيت دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا أسيرة عقد الماضي، فواصلت ألمانيا الانحياز لـ«إسرائيل» بلا شروط بسبب عقدة الهولوكوست، بينما التزمت فرنسا صمتا يوحي بأنها تخشى مواجهة ماضيها الاستعماري في الجزائر وإفريقيا.

يثير الموقف الإسباني من حرب غزة الإعجاب، ويبدو كأنه محاولة للتعويض عن ماضٍ مظلم، بينما يطرح الموقف الألماني تساؤلات أخلاقية وسياسية كبيرة، ويثير جدلا واسعا داخل وخارج القارة الأوروبية، إذ تحمل ألمانيا في ذاكرتها ثقلا هائلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب جريمة الهولوكوست التي ارتكبها النظام النازي ضد الإنسانية، وأودت بحياة ملايين الأبرياء من بينهم يهود، ويصبح هذا الماضي معيارا يحدد سياسات برلين تجاه أي صراع يشمل «إسرائيل» التي استمرت منذ عقود في ممارسة الابتزاز على ألمانيا، ما يجعل أي موقف نقدي تجاهها شديد التعقيد على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية.

ومنذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية، أصبح دعم «إسرائيل» أمرا شبه بديهي سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو المالي، وأي انتقاد علني لـ«إسرائيل» اعتبره الكثيرون خرقا لمفهوم «العدالة التاريخية» أو مساسا بعقيدة التكفير عن الذنب التاريخي، ومع ذلك يحمل هذا الدعم التلقائي مأزقا أخلاقيا كبيرا، إذ يرى بعض المراقبين أن ألمانيا، بتصرفها هذا، تخاطر بالتحول من ضحية تاريخية إلى شريك صامت وربما فاعل في مأساة جديدة.

تكمن المفارقة في أن ألمانيا التي تعلم أبنائها ضرورة الاستفادة من دروس التاريخ، تبدو في الوقت نفسه عاجزة عن التمييز بين حماية حقوق ضحاياها من اليهود وممارسة انتقائية تجاه الحقوق الفلسطينية، إذ لم تتحول تجربة الهولوكوست إلى قاعدة شاملة تمنع كل أشكال الإبادة الجماعية، بل أصبحت أحيانا ذريعة لإعفاء «إسرائيل» من أي مساءلة أو محاسبة على أفعالها، ويظهر هنا التناقض الصارخ، إذ يتحول ضمير ألماني مثقل بالماضي في الحاضر إلى حاجز أخلاقي أمام تحقيق الإنصاف، وكأن التجربة التاريخية نفسها صارت مانعا يمنع العدالة من أن تتحقق لشعب آخر.

صمت الاستعمار الثقيل.. فرنسا في اختبار غزة

على النقيض من الموقف الألماني، تواجه فرنسا، القوة الاستعمارية التي طالما رفعت شعارات الحرية والإخاء والمساواة، اختبارا مختلفا لكنه بنفس القدر من التعقيد، إذ فضلت باريس الصمت أو استخدام لغة غامضة عند الحديث عن أحداث غزة، متجنبة إطلاق وصف «الإبادة» على ما يحدث، ويعكس هذا الصمت، في نظر بعض المراقبين، تاريخها الاستعماري الدموي بدءا من الجزائر، حيث استشهد ملايين الجزائريين بسبب آلة القتل الوحشية التي استخدمها الاحتلال الفرنسي، وسعت سلطاته لقمع الثورة التحررية بممارسات شملت القتل الجماعي والتعذيب ونهب الممتلكات وحرق القرى، مرورا بالمجازر في فيتنام والهند الصينية التي خلفت أثرا مدمرا على الشعوب المحلية، ووصولا إلى رواندا، حيث وُجهت لفرنسا اتهامات بالتواطؤ في الإبادة الجماعية، ويظهر من هذا التاريخ كيف يرتبط الصمت الفرنسي الحالي تجاه غزة بالذاكرة الاستعمارية المعقدة التي ما تزال تؤثر على المواقف السياسية والدبلوماسية للبلاد حتى اليوم.

كل هذه الصفحات التاريخية تجعل أي حديث فرنسي عن «الإبادة» خطوة محفوفة بالمخاطر، إذ قد يعيد فتح ملفات الماضي ويكشف جرائم استعمارية حاولت الدولة الفرنسية تهميشها أو إنكارها، وتظل الجالية المغاربية والعربية في فرنسا تتذكر تلك الجرائم وتعتبر صمت الدولة استمرارا لسياسة الإنكار وتغطية على التاريخ الأسود، وبذلك تفقد فرنسا فرصة الظهور كقوة أخلاقية موثوقة، وتبقى أسيرة تناقضاتها بين شعارها الإنساني وماضيها الدموي، ولا تتوقف المفارقات الأوروبية عند إسبانيا وألمانيا وفرنسا، إذ تجد بريطانيا، التي لعبت دورا مباشرا في مأساة فلسطين عبر إصدار وعد بلفور، نفسها مضطرة إلى التوازن بين خطاب حقوقي ومصالح استراتيجية في الشرق الأوسط، ويجعلها الإرث الاستعماري دائما في موضع دفاعي ويعرض مواقفها لانتقاد متكرر.

أما إيطاليا، وهولندا، ودول شرق أوروبا، فتميل غالبا إلى الاصطفاف مع السياسات الأمريكية والأطلسية بحسب موقعها الجيوسياسي، وليس استنادا إلى إرث تاريخي مؤلم أو ضمير أخلاقي متأثر بالماضي، ومع ذلك يظل المبدأ قائما، إذ لا يمكن فهم الموقف الأوروبي الحالي تجاه غزة بمعزل عن تراكمات التاريخ التي تثقل الضمير القاري، وعند جمع هذه المواقف المختلفة يظهر أن أوروبا ليست كتلة واحدة متجانسة، بل فسيفساء من الدول لكل منها تاريخها الخاص، وذاكرتها الجمعية، وجرائمها أو صراعاتها التي تحدد اليوم خطابها في السياسة الدولية، وهنا تتجلى الصورة بشكل أوضح:

-       إسبانيا تحاول التعويض عن ماضٍ دامٍ بموقف أخلاقي وإنساني.

-       ألمانيا ما زالت رهينة عقدة الهولوكوست التي تجعلها عاجزة عن انتقاد «إسرائيل» بفعالية.

-       فرنسا أسيرة إرثها الاستعماري، فتفضل الصمت على مواجهة ماضيها ومكاشفته.

-       بريطانيا وأوروبا الشرقية تحركها غالبا المصالح الاستراتيجية أكثر من أي اعتبار أخلاقي.

يكشف النظر إلى المواقف الأوروبية من زاوية التاريخ الكثير من التناقضات والاختبارات الأخلاقية، إذ تصف إسبانيا ما يحدث بأنه «إبادة» لا انطلاقا من مصلحة سياسية آنية فقط، بل تعكس رغبة في مواجهة تاريخها الأسود والتعلم منه ومحاولة بناء سردية أخلاقية جديدة، بينما يعكس صمت فرنسا تخوفها من فتح ملف الماضي وخصوصا الجرائم الاستعمارية، أما ألمانيا فتعتبر دعم «إسرائيل» تكفيرا عن ذنب قديم حتى لو كان ذلك على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ويبقى السؤال الأساسي: هل ستستطيع أوروبا التحرر من قيود الماضي وبناء سياسة خارجية مستقلة عن عقد تاريخية، قائمة على مبادئ العدالة وحقوق الإنسان بشكل فعلي لا انتقائي، أم ستظل القارة تُكرر أخطاء التاريخ متحولة من ضحية الأمس إلى شريك في جريمة اليوم؟

وما يحدث في غزة اليوم لا يمثل مجرد اختبار للسياسة الدولية أو للمواقف الأخلاقية لحكومات بعينها، بل يشكل اختبارا خاصا جدا لأوروبا لقدرتها على مواجهة ماضيها بصدق والاعتراف بأن الدفاع عن حقوق الإنسان لا يمكن أن يكون انتقائيا أو مرتبطا بمزاج أو ضغط سياسي، ففي نهاية المطاف، لا شيء يكشف ازدواجية المعايير الإنسانية بوضوح مثل الدم المسفوك أمام أعين العالم والقدرة على السكوت أو التواطؤ مع الظلم باسم الماضي أو المصالح، وبناء عليه، تظل أوروبا أمام تحدٍ مزدوج يشمل مواجهة تاريخها المظلم وإعادة تعريف موقعها الأخلاقي والسياسي في النزاعات العالمية، بحيث يتحول مبدأ «التعلم من التاريخ» إلى قاعدة عادلة وشاملة، لا مجرد مبرر لدعم طرف على حساب آخر.