2025.10.23
غويري خارج الـ\

غويري خارج الـ"كان "مجدّدا.. القدر يكرّر الوجع مرتين


من جديد، يقف اللاعب الدولي أمين غويري أمام القدر في مشهد يعرفه جيدا، فالمهاجم الجزائري الموهوب سيغيب مرة أخرى عن كأس أمم إفريقيا، بعد أن خضع قبل يومين لعملية جراحية - ناجحة على مستوى الكتف الأيمن - أنهت حلم المشاركة في العرس القاري المرتقب - شهر جانفي 2026 في المغرب - وهي الإصابة الثانية التي تحرمه من الـ"كان"، بعد غيابه عن نسخة كوت ديفوار 2024 بسبب إصابة في الركبة.

قبل يومين فقط، خضع الدولي الجزائري أمين غويري، مهاجم أولمبيك مرسيليا، لعملية جراحية دقيقة على مستوى الكتف الأيمن في أحد مستشفيات فرنسا، بعد إصابة تعرّض لها أثناء مشاركته الأخيرة مع المنتخب الوطني أمام أوغندا، ضمن تصفيات كأس العالم 2026. العملية التي وُصفت بالناجحة من قبل الطاقم الطبي الفرنسي أعادت الأمل في تعاف تام، لكنها في الوقت ذاته بدّدت حلما طال انتظاره، بعدما تأكد غياب غويري رسميا عن نهائيات كأس أمم إفريقيا المقبلة، ليجد نفسه مرة أخرى في مواجهة قاسية مع القدر، إذ تحرمه الإصابة للمرة الثانية من ارتداء قميص “الخضر” في العرس القاري، بعد غياب مماثل في نسخة كوت ديفوار 2024.

عملية ناجحة تعيد الأمل

لم يكن صباح العملية عاديا بالنسبة لأمين غويري، فالمهاجم الشاب دخل غرفة الجراحة وهو يحمل في ذهنه مشاهد المباراة التي شهدت إصابته، وتلك اللحظة التي شعر فيها أن شيئا لم يعد في مكانه في كتفه الأيمن. بعد ساعات من التدخل الطبي، خرج اللاعب مبتسما من المستشفى، موجها رسالة طمأنة لجماهيره عبر حسابه الرسمي على "إنستغرام"، كتب فيها: "العملية تمت بنجاح، شكرا لكل من ساندني". كانت الصورة المرفقة مع المنشور – وهو على السرير بابتسامة واثقة – أكثر بلاغة من الكلمات، إذ نقلت شعورًطا بالراحة والامتنان بعد أيام من الترقب.

قرار العملية جاء ثمرة نقاشات بين غويري والطاقم الطبي لناديه أولمبيك مرسيليا، بعد أن أثبتت الفحوصات المتكررة وجود خلع مزمن في الكتف الأيمن يحتاج إلى تدخل جراحي فوري لتجنّب تفاقم الحالة. النادي الفرنسي أكد في بيانه الرسمي أن “فترة الغياب المتوقعة تصل إلى ثلاثة أشهر، تتخللها مرحلة إعادة تأهيل شاملة”، ما يعني عمليا نهاية موسم اللاعب على الصعيد الدولي في الوقت الراهن، لكنه بداية جديدة لمسار تعاف آمن بعيدا عن المجازفة.

ورغم مرارة الغياب، حملت العملية بصيص أمل في عودة قوية، إذ بدا غويري متفائلا بمستقبله مع النادي والمنتخب، واضعا نصب عينيه استعادة لياقته الكاملة قبل النصف الثاني من الموسم. هذا الأمل يأت من إصرار اللاعب المعروف بانضباطه واحترافيته، ومن محيط جماهيري جزائري يواصل مؤازرته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن الإصابات، مهما تكررت، لا تستطيع أن تُبعد موهبة صاعدة عن طريقها نحو المجد.

قدر يعيد المشهد ذاته قبل الكان

وكأن القدر شاء أن يضع أمين غويري أمام الاختبار نفسه مرة أخرى، فقبل عام واحد فقط تقريبا، كان اللاعب يعيش المشهد ذاته ولكن مع اختلاف موضع الألم؛ ففي يناير 2024، اضطر إلى مغادرة قائمة المنتخب الجزائري قبل أيام من انطلاق كأس أمم إفريقيا في كوت ديفوار بسبب إصابة في الركبة حرمته من خوض أول بطولة قارية له بقميص “الخضر”. يومها كان الحلم مؤجلا لا ميتا، وكان غويري قد وعد جمهوره بالعودة أقوى، لكن الأقدار أعادت السيناريو بوجه جديد، لتنتقل الإصابة من الركبة إلى الكتف، ومعها يتأجل الحلم مرة ثانية.

الزمن تغيّر، لكن التفاصيل بقيت متشابهة: إصابة في لحظة حساسة، بطولة قارية على الأبواب، وقلق مشروع من أن تتحول هذه السلسلة من الغيابات إلى “لعنة” ترافق مسيرة أحد أبرز المهاجمين الواعدين في الكرة الجزائرية. فالموهبة التي خطفت الأنظار منذ أول ظهور لها مع المنتخب، وجدت نفسها اليوم في مفترق طرق، بين الإصرار على استعادة المكانة الدولية وبين واقع الإصابات الذي فرض عليها التراجع خطوة إلى الوراء. ومع كل ذلك، ظل غويري يتعامل مع الوضع بروح احترافية، رافضا الاستسلام لفكرة “اللاعب غير المحظوظ”، ومؤمنا بأن ما يفقده اليوم على الميدان، سيعوّضه غدا بالجهد والإصرار.

بالنسبة لعشاق “الخضر”، صار غياب غويري عنوانا لمفارقة موجعة تجمع بين الأمل المؤجل والمصير المتكرر. فاللاعب الذي انتظره الجمهور ليكون أحد مفاتيح الخط الهجومي في “كان 2026” يجد نفسه مجددا في موقع المتفرج، يشاهد البطولة من بعيد، بينما تتجدّد الأسئلة في الشارع الرياضي الجزائري: هل هي قسوة الحظ أم ثمن النجومية المبكرة؟ لكن خلف كل هذه التساؤلات، يظل الشعور السائد هو التعاطف، لأن المشهد ليس سوى إعادة عرض لحلم تأجل مرتين دون أن ينكسر.

وجع الغياب الثاني... وذاكرة الركبة

تلك الذكريات القريبة من إصابة الركبة ما زالت حاضرة في ذهن غويري، تُطلّ عليه كلما تكرّر مشهد الغياب عن “الخضر”. فخلال شتاء 2024، عاش المهاجم الشاب لحظات عصيبة وهو يراقب زملاءه يخوضون منافسات كأس الأمم الإفريقية في كوت ديفوار من خلف الشاشات، بعد أن أنهت إصابة الركبة كل استعداداته البدنية والنفسية للمشاركة الأولى في تاريخه. كان يشعر يومها أنه فقد فرصة لكتابة اسمه في ذاكرة الجزائريين في واحدة من أكبر البطولات القارية التي ينتظرها كل لاعب بفارغ الصبر. واليوم، يتكرّر الإحساس ذاته، لكن هذه المرة بصمت أكبر ووجع أعمق، لأن الجرح الثاني غالبا ما يؤلم أكثر من الأول.

وبينما يحاول اللاعب أن يتعامل مع الأمر بهدوء وواقعية، يدرك جيدا أن مثل هذه الإصابات المتكررة تترك أثرا نفسيا عميقا، خصوصا حين تتعلق بمحطات فاصلة في المسيرة الدولية. الطبيب قد يُرمم العظم والعضلة، لكن ما يحتاج إلى ترميم أكبر هو المعنويات، فكل غياب يفتح جرحا جديدا في ذاكرة الركبة القديمة، ويذكّره بمقدار ما ضاع من الوقت والفرص. ومع ذلك، لم يظهر على غويري أي انكسار أو نبرة استسلام، بل حافظ على نغمة التفاؤل في كل تصريح أو منشور، وكأنه يعلن أن خسارة بطولة لا تعني نهاية المشوار.

بين الألم والطموح... طريق العودة يبدأ الآن

رغم ثقل الغياب ومرارة تكرار السيناريو، يدرك أمين غويري أن كرة القدم لا تتوقف عند محطة واحدة، وأن البطولة المؤجلة اليوم قد تكون دافعا لإنجاز أكبر غدا. فمنذ لحظة خروجه من غرفة العمليات، بدأ الحديث عن خطة التعافي التي سترافقه طيلة الأشهر الثلاثة المقبلة، تحت إشراف أطباء نادي أولمبيك مرسيليا وفريق العلاج الطبيعي. البرنامج صارم ودقيق، يشمل جلسات تأهيل عضلي متدرّجة واستعادة تدريجية للحركة في الكتف، إلى جانب متابعة غذائية ونفسية تضمن عودة متوازنة من دون استعجال. فبالنسبة لغويري، العودة هذه المرة هي معركة صبر وإصرار لإثبات الذات أمام الجمهور والنقاد على حد سواء.

ومع أن الغياب عن “الكان” يمثل ضربة قاسية لطموح أي لاعب، فإن غويري يحاول تحويل الأزمة إلى نقطة انطلاق جديدة في مسيرته، مستفيدا من كل ما مرّ به خلال تجربته السابقة مع إصابة الركبة. فالتجربة علمته أن المجد الرياضي يُقاس بعدد المرات التي يعود فيها أقوى بعد السقوط.

أما في الجزائر، فالأمل لم يخفت حول رؤية غويري مجددا بقميص “الخضر” خلال الاستحقاقات القادمة، إذ يراه كثيرون مشروع هداف قادر على قيادة الجيل الجديد نحو آفاق أكبر. ورغم أن كأس إفريقيا المقبلة ستُقام بدونه، إلا أن صورته وهو يرفع يده بعد العملية بابتسامة مطمئنة ستبقى رمزا لإرادة لاعب يواجه الإصابات كما يواجه المدافعين: بثقة، وهدوء، وإيمان بأن الطريق نحو القمة يبدأ أحيانا من لحظة السقوط. وهكذا، من بين الألم والأمل، يرسم غويري طريق عودته، خطوة بخطوة، إلى المكان الذي ينتمي إليه: الميدان.

الغياب عن “الكان”... خسارة مؤقتة لا تُطفئ الحلم

ورغم أن خبر غياب أمين غويري عن كأس أمم إفريقيا المقبلة كان صادما لعشاق المنتخب الوطني، فإن النظرة العامة لا ترى فيه نهاية طريق، بل مجرّد تعثّر في مسار نجم لم يقل كلمته بعد. فكل من تابع مسيرته منذ بداياته في الدوري الفرنسي يدرك أن اللاعب الذي تدرّب على الصبر في ملاعب أوروبا يعرف كيف يعود حين تسقطه الظروف. غويري لم يُبدِ أي نبرة استسلام، بل اختار أن يتعامل مع الغياب كـ"تأجيل مؤقت للحلم"، مؤمنا بأن البطولة القارية قد تفوته اليوم، لكنها لن تُغلق باب المنتخب أمامه غدا.

المدرب الوطني، بدوره، عبّر في تصريحات سابقة عن تقديره الكبير لغويري، واعتبر أن مكانه محفوظ داخل المشروع المستقبلي للمنتخب، نظرا لما يتمتع به من حس تهديفي نادر وقدرة على صناعة اللعب، وهي إشادة تؤكد أن علاقة اللاعب بـ"الخضر" تتجاوز حدود المشاركة في بطولة واحدة. في الوقت الذي تنشغل فيه الجماهير بتحليل الأسماء التي ستعوّض غيابه، يواصل هو العمل في الظل، واضعا هدفا واحدا نصب عينيه: العودة في الموعد القادم، لا كبديل، بل كركيزة أساسية في خط الهجوم الوطني.

موسى سليماني