2025.10.09



غياب الشفافية يعمّق أزمة سد النهضة سياسة

غياب الشفافية يعمّق أزمة سد النهضة


ربيعة خطاب
07 أكتوبر 2025

تشهد منطقة القرن الإفريقي هذه الأيام تصاعدًا للجدل حول دور سد النهضة الإثيوبي في موجات الفيضانات التي اجتاحت السودان، لتعيد إلى الواجهة قضية إدارة الموارد المائية العابرة للحدود وأهمية الشفافية في تشغيل المنشآت الكبرى. بينما تصر إثيوبيا على أن السد لا علاقة له بالأضرار الناجمة عن الفيضانات، يثير غياب البيانات التشغيلية الدقيقة والتقارير الفنية المستقلة أسئلة جوهرية حول المسؤولية والمصداقية. في الوقت ذاته، تتنامى المخاوف السودانية من تأثير هذه السياسات الأحادية على الأمن المائي والزراعي، ما يفرض التفكير في آليات تعاون فني وقانوني تضمن إدارة عادلة ومستدامة للنهر.

في هذا السياق، يطرح السؤال نفسه: هل يمكن لفجوة المعلومات بين دول المنبع والمصب أن تُترك دون معالجة، أم أن الوقت قد حان لتحويل الخلاف السياسي إلى تحقيق علمي مستقل يُحدد بدقة العلاقة بين تشغيل السد والفيضانات؟ وما هي الخطوات الضرورية لبناء الثقة بين الأطراف وحماية الأمن المائي للمنطقة بأسرها؟

تساؤلات حول سد النهضة

تتصاعد التساؤلات حول مدى شفافية إدارة إثيوبيا لسد النهضة، في ظل موجة الفيضانات الأخيرة التي ضربت السودان، وهو ما أعاد قضية السد إلى الواجهة. فبالرغم من تأكيد أديس أبابا المستمر على أن الفيضانات ناتجة عن النيل الأبيض، إلا أن غياب البيانات التشغيلية الدقيقة ورفض نشر تقارير فنية موثقة يفتح المجال للشكوك العلمية والسياسية. الشفافية، بحسب المعايير الدولية للمجاري المائية العابرة للحدود، لا تُقاس بالتصريحات الإعلامية، بل بمدى إتاحة البيانات التشغيلية والفنية لدول المصب، بما يتيح تقييم الأثر بشكل مستقل.

وفي هذا الصدد، يرى الدكتور محمد الصالح جمال ، استاذ العلوم السياسية و العلاقات الدولية ، جامعة قالمة أن:

"إذا كانت إثيوبيا تؤكد أن سد النهضة لا علاقة له بفيضانات السودان، فلماذا لم تُقدّم بيانات تشغيل شفافة أو تقارير فنية تُثبت ذلك؟ إن غياب هذه المعلومات يترك السودان في موقف يعتمد على صور الأقمار الصناعية والتخمين، بدلاً من التحليل العلمي المبني على بيانات دقيقة. الشفافية الحقيقية تتطلب توفير معدلات التصريف اليومية، مستويات التخزين، وجداول التشغيل، وهو ما يفتقده التعاون الحالي."

الدكتور محمد الصالح جمال ، استاذ العلوم السياسية و العلاقات الدولية _الجزائر

ويشير المختص إلى أن هذه الفجوة المعلوماتية تزيد من احتمالات تفسير أي ظاهرة فيضان باعتبارها ناتجة عن السد، حتى وإن كانت عوامل طبيعية أخرى تلعب دورًا، مؤكداً أن الحل يتمثل في فتح قنوات تبادل بيانات مستقلة وآليات تحقق مشتركة تحدد المسؤوليات بدقة، بما يعزز الثقة بين دول المنبع والمصب.

تحديات الشفافية الإثيوبية

في ظل المخاطر المشتركة للفيضانات والآثار المحتملة للسد على دول المصب، يظل غياب آليات التعاون الفني والقانوني الملزم نقطة جوهرية في النزاع. فرفض إثيوبيا إنشاء آلية مشتركة لتنسيق إدارة مياه النيل الأزرق يعكس التحدي الأساسي في ضمان مشاركة البيانات التشغيلية ومراجعتها بشكل مستقل. من منظور السودان، يُعد هذا الرفض عائقاً أمام التخطيط المائي المستدام وتقليل الخسائر المحتملة، ويطرح التساؤل حول الرغبة الإثيوبية في تجنّب المساءلة القانونية في حال وقوع أضرار.ويعلق الدكتور محمد الصالح جمال "رفض إثيوبيا توقيع اتفاق قانوني ملزم لا يقتصر على البعد القانوني، بل يؤثر على إدارة الأزمات بشكل فعلي. الاتفاقيات الملزمة توفر آليات لتبادل المعلومات، تقييم الأثر، وتعويض المتضررين. من دون ذلك، يظل السودان مكشوفاً أمام أي كارثة محتملة، ويُترك النقاش في المجال السياسي بدلاً من الحسم العلمي. تحقيق فني مشترك يمثل السبيل الأمثل لتوضيح العلاقة بين تشغيل السد والفيضانات، وضمان إدارة عادلة وآمنة للموارد المائية."ويؤكد المختص أن هذا التعاون الفن والقانوني لا يعني التقييد بالسيادة الإثيوبية، بل هو إطار ضروري لتطبيق مبدأ “عدم الإضرار بالآخرين”، وضمان الاستدامة المائية لجميع الأطراف في حوض النيل، بما يوازن بين التنمية وحقوق دول المصب.