2025.11.11
مستشار أوباما لـ\ حديث الساعة

مستشار أوباما لـ"الأيام نيوز": أزمة نيجيريا تحتاج إلى عدالة وتنمية لا إلى بنادق ترامب


سلمى عماري
08 نوفمبر 2025

في خطوة تكشف عن وجه جديد من وجوه الهيمنة الأمريكية في إفريقيا، أعاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إشعال فتيل التوتر في نيجيريا، متذرعا هذه المرة بـ"حماية المسيحيين". ولم تكن تغريداته على منصة "تروث سوشيال" سوى إعلان حرب بلغة الوصاية الأخلاقية، ومحاولة لإعادة إنتاج سيناريوهات التدخل العسكري تحت غطاء "مكافحة الإرهاب"، فيما يصف محمد عبد الحليم، مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، ومدير مركز "إيجيبشن إنتربرايز" للسياسات والدراسات الإستراتيجية، هذه التهديدات بأنها "انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة وعودة لمنطق الوصاية على إفريقيا".

ويؤكد عبد الحليم أن ما يسوقه ترامب ليس حربا على الإرهاب، بل محاولة لإخضاع نيجيريا لمنطق القوة، مستغلا شعارات إنسانية زائفة لتبرير التدخل، بينما تصمت واشنطن عن المجازر في مناطق أخرى من القارة. في المقابل، رفضت أبوجا، مدعومة بموقف موحد من دول الإيكواس، تلك الاتهامات، مؤكدة أن الإرهاب في المنطقة لا يميّز بين مسلم ومسيحي، وأن أي تدخل خارجي مبني على مثل هذه الادعاءات يمثل تهديدا مباشرا للوحدة والسيادة الإفريقية.

يصف محمد عبد الحليم تهديدات ترامب لنيجيريا بأنها "انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة وعودة لمنطق الوصاية على إفريقيا". وفي تصريحه لـ"الأيام نيوز"، أوضح أن تصريحات الرئيس الأمريكي التي هدد فيها بوقف المساعدات والتدخل العسكري بحجة حماية المسيحيين تمثل منعطفا خطيرا في الخطاب السياسي الأمريكي المعاصر، لما تحمله من نزعة أحادية تخرق مبادئ السيادة الدولية وتستغل خطاب "الاضطهاد الديني" لتحقيق أهداف سياسية داخلية. فبدلا من الدعوة إلى تحقيق أممي محايد حول أسباب العنف في نيجيريا، اختار ترامب تبني مقاربة عسكرية صدامية تُعيد إلى الأذهان منطق "التدخل الوقائي" الذي اعتمدته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مطلع الألفية الجديدة.

"الخطاب الأمريكي يعيد إنتاج منطق الوصاية"

ويضيف عبد الحليم أن جوهر العنف في نيجيريا لا يرتبط حصريا بالبعد الديني، بل هو نتيجة تداخل عوامل اقتصادية وعرقية وبيئية، حيث تتنازع جماعات مسلحة مثل "بوكو حرام" وتنظيم "داعش في غرب إفريقيا" على السيطرة على الأراضي والموارد في مناطق الشمال الشرقي. ويشير إلى أن ما يصوره ترامب كإبادة جماعية ضد المسيحيين يفتقر إلى الأدلة القانونية، إذ لا توجد بيانات تثبت وجود خطة منظمة لإبادة جماعة دينية بالكامل، وهو الشرط الأساسي لتعريف الإبادة وفق القانون الدولي.

ويحذر المستشار من أن تحويل ملف العنف في نيجيريا إلى ذريعة لتدخل عسكري خارجي سيؤدي إلى تفجير الوضع الإقليمي بأكمله، خاصة في ظل هشاشة الأمن بمنطقة الساحل والصحراء، مضيفا أن "الخطاب الأمريكي الحالي يعيد إنتاج منطق الوصاية على إفريقيا، بدل دعم الحلول الإقليمية والمحلية القائمة على العدالة الانتقالية والتنمية".

ودعا عبد الحليم إلى تفعيل مسارات تحقيق دولية مستقلة تحت إشراف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لتحديد المسؤوليات بدقة بعيدا عن التسييس، مؤكدا أن "الاستجابة الفعالة للعنف الطائفي لا تكون بالتدخلات العسكرية بل ببناء مؤسسات عدالة، وضمان المساواة، ومكافحة التطرف بكل أشكاله". واختتم تصريحه بالتأكيد على أن "التضامن مع ضحايا العنف في نيجيريا واجب إنساني، لكن يجب أن يكون مبنيا على تحليل واقعي واحترام لسيادة الدولة"، داعيا المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، إلى عقد جلسة طارئة لمناقشة هذا التصعيد وضمان احترام الشرعية الدولية، مختتما بأن "الرد الحقيقي على العنف ليس في البنادق، بل في العدالة والتنمية والشراكة الدولية العادلة".

الأنموذج الانتخابي الأمريكي خلف خطاب التدخل

وتأتي قراءة المحلل الأمريكي جاستين روسيل ليكمل رؤية عبد الحليم، مسلطا الضوء على الأبعاد الداخلية والسياسية للخطاب الأمريكي. فبينما ركّز عبد الحليم على الانتهاك الدولي لسيادة نيجيريا وخطر تحويل الأزمة إلى ذريعة للتدخل العسكري، يُبرز روسيل كيف أن ترامب يستخدم الدين كأداة سياسية داخلية، مستثمرا في الصراع الطائفي لتعبئة القاعدة الانتخابية الإنجيلية، وما يثيره من توترات دولية. وهكذا، يربط تحليل روسيل بين المصلحة الأمريكية الداخلية وتهديدها للأمن الإقليمي في غرب إفريقيا، ما يوضح أن خطورة تصريحات ترامب لا تقتصر على السياسة الخارجية فحسب، بل تشمل أيضا استغلال الدين كوسيلة ضغط سياسية ودبلوماسية على الدول الإفريقية.

في تصريح خصّ به "الأيام نيوز"، قال روسيل إن إعلان ترامب عن استعداده لعمل عسكري محتمل في نيجيريا "يشكل منعطفا خطيرا في الخطاب السياسي الأمريكي"، ويكشف عن توظيف متزايد لورقة "الحرية الدينية" كأداة ضغط سياسي تخدم أجندة الهيمنة أكثر مما تعبّر عن التزام حقيقي بالقيم الإنسانية. وأوضح أن ترامب "لا يتحدث هنا بلغة رئيس يسعى إلى حماية الأقليات، بل بلغة قائد يستثمر في الصراع الديني لتوسيع نفوذ بلاده في واحدة من أكثر مناطق إفريقيا حساسية، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية والأمنية بين واشنطن وبكين وموسكو".

"ترامب يختار الإنذار والتهديد بدل الشراكة والتنمية"

وأشار روسيل إلى أن توقيت التصريحات ليس بريئا، فهي تأتي في لحظة انتخابية داخلية معقدة، حيث يستخدم الخطاب الديني لإعادة تعبئة القاعدة الإنجيلية المحافظة، فتتحول تصريحات ترامب حول "المذبحة ضد المسيحيين" إلى أداة رمزية داخليا أكثر منها انعكاسا للواقع النيجيري نفسه. ويؤكد أن الأرقام التي تنشرها المنظمات الأممية لا تشير إلى استهداف ديني ممنهج، بل إلى صراع مركّب تغذيه جماعات إرهابية مثل "بوكو حرام" وتنظيم "داعش"، وكلاهما يستهدف المدنيين دون تمييز ديني.

وأضاف أن تصنيف نيجيريا "دولة مثيرة للقلق بشكل خاص" في مجال الحريات الدينية يمثل خطوة سياسية أكثر منها قانونية، إذ يمنح الإدارة الأمريكية مبررا للتدخل أو فرض العقوبات تحت غطاء "حماية الحريات". وبيّن أن "الاستعداد العسكري" الذي تحدث عنه ترامب ليس مجرد تهديد عابر، بل تعبير عن رؤية تعتبر أن واشنطن تملك "تفويضا أخلاقيا للتدخل في شؤون الدول ذات السيادة حين ترى ذلك مناسبا".

وحذر روسيل من أن ترجمة هذا الخطاب إلى فعل سيعيد إلى الأذهان مبدأ "التدخل الإنساني" الذي استخدمته الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتبرير عملياتها الخارجية، لكنه اليوم يأخذ طابعا أكثر دينية وتبشيرية، ما يزيد من خطورته. فبدل تعزيز التعاون مع نيجيريا لمكافحة الإرهاب، يسعى ترامب إلى فرض وصاية سياسية عبر لغة الإنذار والتهديد، بينما تؤكد أبوجا استعدادها للتعاون الأمني والدبلوماسي في إطار الاحترام المتبادل.

وأوضح أن نيجيريا ليست دولة هامشية في المعادلة الإفريقية، بل أكبر اقتصاد في القارة وركيزة أساسية لاستقرار غرب إفريقيا، ما يجعل أي توتر في علاقتها مع واشنطن له ارتدادات إقليمية واسعة، خصوصا أن مقاربة ترامب القائمة على فرض العقوبات أو التهديد بالقوة قد تضعف التحالفات الأمريكية داخل القارة وتدفع نيجيريا إلى تعزيز تعاونها مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا، التي تقدم دعما عسكريا واقتصاديا دون اشتراطات إيديولوجية.

واختتم روسيل تحليله بالقول إن خطاب ترامب يعكس تحولا في أدوات السياسة الأمريكية من الدبلوماسية إلى "التبشير السياسي"، حيث تُستخدم القيم الدينية كذريعة لتبرير التدخل في شؤون الدول ذات السيادة، موضحا أن هذا النهج "لا يخدم الاستقرار العالمي ولا يُسهم في حماية الأقليات، بل يزيد من احتمالات الصراع ويضعف مصداقية الولايات المتحدة كشريك في بناء السلام". وأضاف: "بدل أن تدعم واشنطن نيجيريا في محاربة الإرهاب عبر الشراكة والتنمية، يختار ترامب طريق الإنذار والتهديد، في مشهد يعيد إنتاج منطق "الحروب المقدسة" بلبوس سياسي حديث".

وينسجم مع ذلك تحليل الدكتور مكي محمد، المتخصص في العلوم السياسية، الذي يؤكد أن تصعيد ترامب تجاه نيجيريا ليس سوى محاولة لإعادة رسم خريطة النفوذ الأمريكي في غرب إفريقيا تحت غطاء إنساني زائف. ويشير إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي لا يمكن فصلها عن منطق "الهيمنة الانتقائية" الذي لطالما حكم السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تُستعمل القيم الأخلاقية والإنسانية كواجهة ناعمة لتبرير التدخل في الدول المستقلة، خصوصا تلك التي تحاول انتهاج سياسات سيادية بعيدة عن المدار الأمريكي. ويصف الدكتور مكي خطاب ترامب بأنه امتداد طبيعي لنهج القوة الذي يُقدّس السيطرة ويُشيطن الاستقلال، فيتحول الدفاع عن "المسيحيين المضطهدين" إلى ذريعة لابتزاز الحكومات الإفريقية وتقييد خياراتها السيادية.

"المعركة ليست بين أديان بل بين الشراكة والسيادة"

ويضيف الدكتور مكي محمد أن نيجيريا اليوم تمثل في نظر واشنطن أكثر من مجرد ساحة مواجهة مع جماعات متطرفة، إنها محور جيوسياسي يتحكم في أمن الطاقة في خليج غينيا، وفي حركة التجارة الإقليمية، وفي التوازن الديموغرافي والديني لغرب القارة. ومن ثم فإن استهدافها سياسيا أو إعلاميا ليس استجابة لأزمة دينية، بل جزء من معركة أوسع تهدف إلى إضعاف قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة، خصوصا بعد تنامي توجهاتها نحو التعاون مع الصين وروسيا في مجالات البنية التحتية والطاقة.

ويشير إلى أنّ ترامب يستثمر الخطاب الديني لا من منطلق إيماني، بل كأداة تعبئة انتخابية، وأن هذا التوظيف المزدوج يعكس مأزق السياسة الأمريكية التي فقدت قدرتها على الإقناع بالعقل فاستعاضت عنه بلغة العاطفة والاصطفاف الديني. ويخلق هذا الخطاب، بحسب مكي، انقساما وهميا بين "عالم مسيحي مضطهد" و"عالم إسلامي عنيف"، ما يزرع بذور الفتنة داخل المجتمعات الإفريقية التي تعيش منذ قرون في نسيج ديني متداخل ومتسامح، ويسعى إلى إعادة إنتاج بيئة صراع ديني تسمح بتبرير الحضور العسكري الأمريكي وتوسيع النفوذ الاستخباراتي، في ظل هشاشة اقتصادية وأمنية تجعل القارة عرضة للابتزاز الخارجي.

ويشير إلى أن الصمت الأوروبي يزيد من خطورة الموقف، إذ يترك الساحة خالية أمام واشنطن لتلعب دور "الوصي الأخلاقي"، في حين أن أي تدخل عسكري أمريكي سيكون له نتائج كارثية على استقرار الإقليم. ويستعرض أمثلة سابقة في ليبيا ومنطقة الساحل حيث أدى التدخل الأمريكي إلى تفكيك البنى الأمنية وتوسيع رقعة الجماعات المسلحة. اليوم، تحاول نيجيريا ودول الإيكواس رسم نموذج قائم على الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية، لكن واشنطن تصر على كسر هذا التوجه وإعادة المنطقة إلى مدارها الأمني القديم.

ويتابع الدكتور مكي أن الجزائر، من موقعها الجيوسياسي وموقفها المبدئي من قضايا السيادة، تتابع التصعيد الأمريكي بقلق، لأنها تدرك أنّ ما يُمارس اليوم ضد نيجيريا يمكن أن يُمارس غدا ضد أي دولة ترفض الاصطفاف مع السياسات الغربية. الجزائر كانت دائما صوتا داعما لحق الشعوب في تقرير مصيرها، ووقفت إلى جانب إفريقيا في وجه منطق الإملاءات، وهي اليوم مدعوة لتعزيز موقفها الدبلوماسي في المحافل الدولية دفاعا عن المبدأ الإفريقي المشترك "لا تدخل أجنبي في شؤوننا الداخلية".

ويخلص مكي إلى أن صمود نيجيريا في مواجهة الضغط الأمريكي ليس مجرد مسألة داخلية، بل اختبار لقدرة القارة على حماية استقلال قرارها السياسي، مشددا على أن الخطاب الأمريكي، مهما تزيّن بشعارات الحرية، يظل امتدادا لسياسة استعمارية جديدة تُمارس بلسان إنجيلي وبأسلوب انتخابي، وأن الرد الإفريقي يجب أن يكون عقلانيا وموحدا، لأن المعركة ليست بين أديان، بل بين من يؤمن بالشراكة المتكافئة ومن يسعى إلى فرض الوصاية من جديد.

هل تتحول تصريحات ترامب إلى تدخل أمريكي في نيجيريا؟

يرى المحلل السياسي النيجيري إبراهيم عمر عصمان أن تصريحات دونالد ترامب بشأن نيجيريا لا تتجاوز كونها نموذجا صارخا لاستخدام الدين كغطاء سياسي لأهداف توسعية وهيمنية. فبينما يتحدث الرئيس الأمريكي عن "إبادة جماعية للمسيحيين"، تكشف الأرقام الرسمية للمنظمات الأممية عن واقع مختلف تماما: فقد سُجلت بين عامي 2020 و2025 نحو 389 حالة عنف ضد المسيحيين أوقعت 318 قتيلا، في حين شهدت الفترة نفسها 197 هجوما ضد المسلمين أسفرت عن 418 قتيلا. هذه الإحصاءات تكشف، بحسب عصمان، أن خطاب ترامب المموّه بالصرخة الإنسانية يخدم في جوهره صورة "المنقذ الأمريكي" ويهدف إلى تعزيز مصالح بلاده على حساب الحقائق المحلية.

ويشير عصمان إلى أن الفاعل في كل الهجمات هو جماعات إرهابية مثل "بوكو حرام" و"داعش"، تعمل منذ 2009 تحت مسميات مختلفة، مستهدفة المدنيين من المسلمين والمسيحيين على حد سواء. هذه الجماعات لا تفرق بين دين وآخر، بل تتحرك وفق منطق الغنيمة والسلطة والسيطرة على المناطق. ومع ذلك، يوضح عصمان، لم يلتفت ترامب إلى هذه المأساة إلا حين رآها فرصة لصناعة مشهد أخلاقي يخدم صورته ويعيد تسويق النفوذ الأمريكي في إفريقيا.

"تصريحات ترامب رسالة استعمارية مغلفة بالإنجيل"

ويبرز تحليل عصمان التناقض في الخطاب الأمريكي، إذ لم تبادر واشنطن للتحرك عندما كانت الدماء تُسفك في شمال نيجيريا، أو حين أسفرت هجمات الجماعات المسلحة عن مقتل آلاف المدنيين، لكن فجأة اكتُشف وجود "إبادة للمسيحيين". ويشير إلى أن دوافع ترامب أبعد بكثير من الدفاع عن الحرية الدينية، إذ ترى الولايات المتحدة في نيجيريا أكبر قوة اقتصادية في القارة، بإجمالي ناتج محلي يبلغ نحو 450 مليار دولار، وقيمة تعادل القوة الشرائية تصل إلى تريليون دولار، وهي الشريك التجاري الأول لأمريكا في إفريقيا، وتزودها بنحو 11% من احتياجاتها النفطية. كل هذه العوامل تجعل من نيجيريا ساحة أساسية في معركة النفوذ على مصادر الطاقة، وبالتالي فإن التلويح بالتدخل العسكري لا يخدم سوى تطويق استقلالها وإعادة ربطها بالمدار الأمريكي، خصوصا بعد تنامي التعاون مع الصين وروسيا في قطاعات البنية التحتية والطاقة.

ويضيف عصمان أن من المفارقات أن ترامب، الذي تبعد بلاده آلاف الكيلومترات عن نيجيريا، يرى في نفسه صاحب "الحق الديني" في التدخل، متجاهلا في الوقت نفسه المذابح الجماعية في فلسطين، حيث قُتل أكثر من 66 ألف مسلم وجُرح ربع مليون آخرين على يد جيش كيان إسرائيل. ويتساءل عصمان: لماذا لم تُعتبر تلك الأحداث "إبادة جماعية"؟ ولماذا لم تتحرك أمريكا لحماية الفلسطينيين كما تدعي الدفاع عن المسيحيين في نيجيريا؟

ويشير عصمان إلى صمت العالم العربي والإسلامي، متسائلا عن دور الدول العربية ودول الجوار في الدفاع عن الفلسطينيين، متسائلا: هل لأنهم لم يُحسبوا مسلمين في نظر هذه الأنظمة؟ أم لأن "الحاكم المسلم" أصبح غائبا عن ضمير الأمة؟ ويخلص عصمان إلى أن القضية ليست دينية، بل نفاق سياسي يستغل ترامب الخطاب المسيحي المحافظ لتبرير أطماع اقتصادية واستراتيجية، مستغلا مأساة إنسانية لصناعة مشهد بطولي داخلي، في حين تُعامل نيجيريا كمخزن ثروات وبوابة استراتيجية، وليست ساحة خلاص ديني. بهذا المعنى، تتحول تصريحات ترامب إلى رسالة استعمارية جديدة، مغلّفة بالإنجيل، تعيد رسم الخريطة الإفريقية وفق مصالح بلاده وليس وفق الحقيقة أو العدالة.

خطاب ترامب تهديد للوحدة النيجيرية

من جهته، يرى الخبير الأمني النيجيري إدريس سانوسي أن الخطاب السياسي الخارجي يصبح خطيرا حين يُستغل لأغراض دعائية أو انتخابية، كما هو الحال في تصريحات ترامب الذي وصف الوضع الأمني في نيجيريا بأنه "إبادة جماعية للمسيحيين". ويقول سانوسي إن هذا التوصيف لا يعكس الواقع المعقد للأزمة النيجيرية، بل يمثل تشويها متعمدا قد يكون له تداعيات كارثية على النسيج الاجتماعي لبلد يعاني أصلا من انقسامات حادة وتحديات أمنية واقتصادية.

ويحلل سانوسي أن الخطاب الإيحائي من هذا النوع يعيد إنتاج الانقسام بين مكونات المجتمع النيجيري عبر تصوير الصراع على أنه مواجهة دينية بين المسلمين والمسيحيين، بينما الحقيقة أكثر تعقيدا، وتتداخل فيها أبعاد عرقية واقتصادية وسياسية ومناطقية. العنف في نيجيريا لا يقتصر على طائفة أو ديانة معينة، بل يشمل مختلف الفئات، حيث يسقط الضحايا من المسلمين والمسيحيين على حد سواء نتيجة هجمات الجماعات المسلحة مثل "بوكو حرام" و"قطاع الطرق" المنتشرة في مناطق الشمال والوسط.

"تسييس الدين يفاقم النزاعات الداخلية"

ويشير سانوسي إلى أن استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية" بهذا الشكل الانتقائي يثير الخوف والغضب ويغذي الخطاب الانتقامي، خاصة لدى الجماعات المتطرفة في الجنوب مثل حركة بيافرا الانفصالية، وفي المقابل يدفع جماعات شمالية إلى ردود فعل متشددة، مما يؤدي إلى تصاعد دائرة العنف. ويضيف أن تصريحات ترامب لا تقتصر على تبسيط الأزمة، بل تسيء أيضا إلى جهود الجيش النيجيري ومنظمات المجتمع المدني والعاملين من أجل السلام، الذين يسعون إلى إعادة بناء الثقة بين الطوائف وإرساء التعايش.

كما يلفت الخبير الانتباه إلى خطورة "تسييس الدين" في العلاقات الدولية، خصوصا عندما يصدر الخطاب عن شخصية عالمية قادرة على التأثير في الرأي العام الدولي. عندما تُقدَّم الأزمات الإفريقية على أنها صراعات دينية، تُفرغ من بعدها الحقيقي المرتبط بالفساد وسوء الحكم والتوزيع غير العادل للثروات، وتتحول إلى مادة لتأجيج الصراعات الداخلية وتبرير التدخلات الخارجية.

ويختتم سانوسي تحليله بالتأكيد على ضرورة تفنيد مثل هذه الادعاءات عبر خطاب إعلامي ووطني متزن، يدعو إلى الوحدة الوطنية والوعي بخطورة التلاعب بالمشاعر الدينية، كما يدعو المجتمع الدولي إلى التعامل مع الملف النيجيري بموضوعية وإنصاف، بعيدا عن الشعارات الشعبوية والمصالح السياسية الضيقة. ما تحتاجه نيجيريا اليوم ليس التحريض، بل التضامن الحقيقي والدعم في مسار بناء سلام دائم يقوم على العدالة والتنمية والتعايش السلمي بين جميع أبنائها.

تشير تحليلات المحللين الخمسة - محمد عبد الحليم، جاستين روسيل، مكي محمد، إبراهيم عمر عصمان، وإدريس سانوسي - إلى أن تصريحات ترامب حول نيجيريا تتجاوز مجرد حماية المسيحيين، وتشكل جزءا من استراتيجية أمريكية لإعادة إنتاج النفوذ والسيطرة على غرب إفريقيا تحت ستار ديني وإنساني زائف. الخطاب الأمريكي يخدم أهدافا سياسية واقتصادية وجيوستراتيجية، مستغلا الدين كذريعة للتدخل ومتجاهلا التعقيدات المحلية للأزمة، بينما يتم تصوير الصراع على أنه مسألة دينية بحتة لتبرير التهديدات أو العقوبات.

يتفق المحللون على أن الرد الفعّال يكمن في صون السيادة الوطنية، وتعزيز الحلول الإفريقية للأزمات، ودعم التنمية والعدالة بعيدا عن لغة الضغط الخارجي. مستقبل نيجيريا والقارة يعتمد على الوحدة، والشراكات المتكافئة، والوعي بخطورة استغلال الدين والسياسة لأجندات أجنبية، مع التأكيد على أن مواجهة هذه التحديات تتطلب قيادة إفريقية موحدة وشعبا واعيا يحمي مصالحه ويصون استقلالية قراره السياسي، بعيدا عن أي تدخل خارجي يسعى لإضعاف الاستقرار الإقليمي.