يتكشف يومًا بعد يوم الوجه الاستعماري الفجّ للاحتلال المغربي في الصحراء الغربية، من خلال ممارسات تجمع بين القمع الممنهج للطلبة الصحراويين داخل الجامعات المغربية، والاستنزاف المنظم لموارد الأرض الصحراوية، وعلى رأسها ثروات الفوسفات. بين هذين المستويين، تتقاطع خيوط السياسة والاقتصاد في مشهد يعمّق منطق السيطرة الاستعمارية، ويتناقض بشكل صارخ مع مبادئ القانون الدولي ومع ما تدّعيه المؤسسات الأممية من دفاع عن الحقوق الإنسانية والسيادية للشعوب.
من داخل جامعة أغادير، وتحديدًا من رحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، شكّلت الحلقة الطلابية التي نظمها الطلبة الصحراويون بتاريخ 19 جوان تحت عنوان "قسم اكديم إزيك" لحظة فارقة في مسار النضال الجامعي، أعادت إلى الساحة رمزية المقاومة وجرأة التعبير عن الهوية السياسية الصحراوية. هذا النشاط الرمزي، الذي جاء لتخليد رموز الكفاح التحرري الصحراوي، وعلى رأسهم معتقلو "اكديم إزيك" و"الصف الطلابي"، أثار حفيظة الإدارة الجامعية وأجهزة السلطة، وأشعل سلسلة إجراءات قمعية ممنهجة تستهدف إخراس هذه الأصوات الحرة.
الطلبة الصحراويون، الذين ظلوا لعقود يرفعون راية الوعي السياسي ويقفون سدًا في وجه محاولات تذويب الهوية داخل الجامعات المغربية، وجدوا أنفسهم هذه المرة في مرمى استهداف مباشر من عمادة الكلية، التي لجأت إلى إصدار استدعاءات للمثول أمام ما يُعرف بـ"المجلس التأديبي" بتاريخ 7 جويلية، في خطوة وُصفت بأنها ذات خلفية سياسية، تُغلّف بطابع إداري زائف. هذا الإجراء، في جوهره، ليس سوى غطاء لمحاولة الإقصاء الأكاديمي، وطرد الطلبة النشطاء بذريعة الإخلال بالنظام العام داخل الحرم الجامعي، وهو في الحقيقة تعبير صريح عن العقلية الأمنية التي تحكم مؤسسات التعليم العالي.
الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي (إيساكوم) سارعت إلى التنديد بما وصفته بـ"الخطوة الانتقامية" التي تستهدف إسكات أصوات الطلبة الصحراويين، معتبرة أن ما يجري داخل جامعة أغادير ليس سوى حلقة ضمن سلسلة طويلة من التضييقات التي تُمارس على كل صوت طلابي يعبّر عن ارتباطه بقضية تقرير المصير. فالجامعة، التي يُفترض أن تكون فضاءً حرًا للنقاش وتعدد الأفكار، تحوّلت إلى مساحة محاصرة، تُكمّم فيها الأصوات وتُفرض عليها رقابة تعسفية كلما لامست المسكوت عنه في علاقة المغرب بالصحراء الغربية.
تاريخ الحركة الطلابية الصحراوية داخل جامعات الاحتلال المغربي ليس طارئًا ولا هامشيًا، بل هو امتداد طبيعي لمسيرة نضال أطلقها الشهيد الولي مصطفى السيد ورفاقه، الذين جعلوا من الجامعة منبرًا لمناصرة القضية الصحراوية، ورسّخوا هذه القضية كقضية تحرر وطني داخل أدبيات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. ومن هذا المنطلق، فإن ما يحدث اليوم ضد الطلبة ليس مجرد صراع داخل الجامعة، بل هو امتداد مباشر لصراع الشعب الصحراوي من أجل حقوقه السياسية والسيادية.
لكن القمع داخل الجامعات لا يمكن عزله عن السياق العام الذي تتخبط فيه الصحراء الغربية تحت وطأة الاحتلال. فبينما يُستهدف الطلبة في قاعات الدرس بسبب مواقفهم، تتعرض الأرض نفسها لنهب منظم يطال ثرواتها الطبيعية. وقد وثّق المرصد الدولي لمراقبة موارد الصحراء الغربية، في تقريره السنوي الصادر في جوان 2025، هذا النهب المستمر، مسلطًا الضوء على استنزاف الفوسفات من الأراضي المحتلة في خرق صارخ لكل المواثيق الدولية.
بحسب التقرير، فقد تم خلال سنة 2024 تصدير حوالي 1.45 مليون طن من صخور الفوسفات من الصحراء الغربية المحتلة، بقيمة تناهز 319 مليون دولار أمريكي، دون أي استشارة للشعب الصحراوي أو موافقته. هذا الرقم، رغم انخفاضه مقارنة بسنة 2023، يظل ضخمًا بالنظر إلى أن هذه الكميات تُستخرج من أرض محتلة، ما يشكل انتهاكًا لمبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية الذي يُعد حجر الزاوية في ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير.
المرصد، الذي كشف عن تراجع عدد الشركات المتورطة في عمليات الشراء من 15 إلى 4 فقط خلال عام واحد، اعتبر أن هذا الانخفاض يعود بالدرجة الأولى إلى النجاحات القانونية التي حققتها جبهة البوليساريو في المحاكم الأوروبية، والتي أرست قاعدة قانونية واضحة مفادها أن المغرب لا يتمتع بالسيادة على الصحراء الغربية، وأن أي نشاط اقتصادي فيها دون موافقة سكانها الأصليين غير قانوني ومرفوض.
وفي تصريح إعلامي، أكد رئيس الهيئة الصحراوية للبترول والمعادن، غالي الزبير، أهمية التقرير، مشيرًا إلى أنه يُعد مرجعًا دقيقًا لتوثيق تورط شركات من دول مثل نيوزيلندا والهند والمكسيك في عمليات نهب الفوسفات. لكنه، في الوقت ذاته، نبّه إلى أن انخفاض عدد السفن والشركات لا يعني نهاية هذا النهب، بل يكشف فقط عن تطور في أساليبه، وعن محاولة المغرب التكيف مع الضغوط القانونية الدولية من دون تغيير حقيقي في السياسات الاستغلالية.
اللافت في المشهد أن السلطة المغربية التي تُلاحق الطلبة داخل الجامعات وتفرض عليهم مجالًا ضيقًا للحركة والتعبير، هي نفسها التي تراكم الثروات من باطن الأرض الصحراوية دون حسيب أو رقيب، متحدية قرارات الأمم المتحدة التي لا تزال تعتبر الصحراء الغربية إقليمًا غير متمتع بالحكم الذاتي، ما يعني قانونًا أن موارده ليست ملكًا للدولة المحتلة.
الأمم المتحدة، من خلال مكتب الشؤون القانونية ولجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أكدت في أكثر من مناسبة أن أي نشاط في مجال استخراج الموارد الطبيعية داخل الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، يتم دون مشاورة شعب الإقليم، يُعد خرقًا واضحًا للقانون الدولي. ورغم هذا، لا تزال الأنشطة المغربية في مجال تصدير الفوسفات مستمرة، ما يعكس غياب إرادة دولية حقيقية للضغط على الاحتلال من أجل الانصياع للشرعية الدولية.
الترابط بين الحملة القمعية ضد الطلبة، ونهب الفوسفات من الأراضي المحتلة، ليس محض صدفة، بل هو تجلٍّ لوحدة المشروع الاستعماري المغربي، الذي يقوم على تطويق المقاومة، سواء كانت فكرية داخل الجامعة أو اقتصادية عبر الاستغلال، بهدف فرض واقع الهيمنة وتكريس الصمت الدولي. ومن هنا، تؤكد الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال أن الدفاع عن الحق في التعليم لا ينفصل عن الحق في الحرية، وأن مقاومة القمع الأكاديمي يجب أن تسير جنبًا إلى جنب مع مقاومة النهب الاقتصادي، لأن المعركة واحدة، والساحة مختلفة فقط في الشكل، لا في الجوهر.
وفي الختام، فإن ما تتعرض له الصحراء الغربية اليوم، من استنزاف اقتصادي وتضييق سياسي وأكاديمي، هو جرس إنذار لكل القوى التقدمية والديمقراطية عبر العالم، من أجل التحرك الجاد لإنهاء هذا الاحتلال، ووقف الجرائم المتعددة الأوجه التي يرتكبها في حق الأرض والإنسان معًا. فالمعركة ليست فقط من أجل فوسفات أو شهادة جامعية، بل من أجل كرامة شعب بأكمله يطالب بحقه المشروع في تقرير المصير والحرية والاستقلال.