2025.10.09
عاجل :



تحولات عمرانية في الجزائر..  نحو تحقيق نموذج الاستدامة الحضرية   

تحولات عمرانية في الجزائر.. نحو تحقيق نموذج الاستدامة الحضرية  


تواصل الجزائر مساعيها نحو تعزيز التخطيط العمراني وتحقيق تنمية حضرية مستدامة تعكس طموحاتها لتحسين جودة حياة المواطنين. وفي هذا السياق، يبرز برنامج "عدل 3" كواحد من المشاريع الرائدة، إذ يتجاوز كونه مشروعًا سكنيًا، ليشكل رؤية شاملة تهدف إلى بناء مدن متكاملة تجمع بين التطوير العمراني والرفاهية الاجتماعية. ووفق هذا المفهوم فإن برنامج "عدل 3" يعكس تحوّلاً نوعيًا في تصميم المدن، حيث يركز على إنشاء أقطاب حضرية تضمّ مرافق متطوّرة للأنشطة الرياضية والثقافية، مما يعزز النسيج الاجتماعي ويعطي المدن طابعًا أكثر جاذبية. وأكد وزير السكن والعمران والمدينة، محمد طارق بلعريبي، أن هذا المشروع يعتمد على دراسات متقدمة وتكنولوجيا حديثة لتوفير خدمات عمومية عالية الجودة تلبّي احتياجات السكان وتسهم في تحسين بيئتهم المعيشية، وفي هذا السياق، اختارت "الأيام نيوز" فتح هذا الملف لاستكشافه مع خبراء ومتخصّصين في هذا المجال.  تركز الرؤية المستقبلية للمشروع على تحقيق معايير الاستدامة من خلال تصميم بيئة حضرية متكاملة تراعي الاحتياجات اليومية للسكان بمختلف فئاتهم. ويتمثل ذلك في توفير مساحات خضراء واسعة تُسهم في تحسين جودة الهواء وإضفاء الطابع الجمالي، إلى جانب إنشاء مرافق اجتماعية وخدمية متطورة مثل المدارس، والمراكز الصحية، وأماكن الترفيه. وتسعى هذه المكونات مجتمعة إلى خلق بيئة تعزز الراحة والرفاهية، مما يجعل المشروع نموذجًا رائدًا في تحسين نمط الحياة بشكل شامل. فالهدف ليس فقط تقديم وحدات سكنية حديثة، بل ضمان تطور المدن في إطار متوازن يجمع بين الحداثة ومتطلبات الاستدامة البيئية والاجتماعية. على الرغم من الإمكانات الكبيرة التي يوفرها برنامج "عدل 3"، فإنه يواجه مجموعة من التحديات التي يجب التصدي لها لضمان تحقيق أهدافه الطموحة. ومن أبرز هذه التحديات توفير الأراضي المناسبة لتنفيذ المشاريع، وهو أمر يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتخصيصًا مدروسًا للموارد المتاحة. كما يعد تسريع التنسيق بين الجهات المعنية، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، ضروريًا لضمان تنفيذ المشاريع وفق الجداول الزمنية المحددة وتجنب التأخير. ويظل التوزيع العادل للسكنات ومعالجة ملفات المكتتبين من القضايا الحساسة التي تتطلب إدارة فعالة وشفافة، لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز ثقة المواطنين في البرنامج. يمثل برنامج "عدل 3" خطوة استراتيجية محورية نحو تطوير المدن الجزائرية، حيث يجسد رؤية مبتكرة تجمع بين الاستدامة والتطوير العمراني العصري. ويهدف المشروع إلى تلبية تطلعات المواطنين في الحصول على سكن ملائم ضمن بيئة حضرية حديثة. ومن خلال التعاون بين الخبراء المحليين والدوليين والسلطات المعنية، يُتوقّع أن يسهم هذا البرنامج في إعادة رسم ملامح المستقبل الحضري للجزائر، بما يضعها في مصاف الدول الرائدة في مجال التخطيط العمراني المستدام. علاوة على ذلك، يعكس البرنامج نموذجًا ملهمًا لتحسين نوعية الحياة من خلال تطوير بنية تحتية متكاملة تراعي متطلبات العصر، مما يرسخ مكانة الجزائر كرائد إقليمي في تقديم حلول مبتكرة لقطاع الإسكان والتنمية الحضرية. وأكد وزير السكن والعمران والمدينة، محمد طارق بلعريبي، على أهمية إعداد مخططات التهيئة الخاصة بالأقطاب الحضرية التي ستُنجز ضمن إطار برنامج "عدل 3"، مشددًا على ضرورة تبني رؤية جديدة تهدف إلى تحسين جودة حياة السكان وتعزيز البنية الحضرية. وجاء هذا الطرح خلال جلسة عمل ترأسها الوزير بمقر الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره "عدل"، بمشاركة المدير العام للوكالة وإطاراتها، إلى جانب مديري التعمير والهندسة المعمارية والبناء لولايات الجزائر، بومرداس، البليدة، وتيبازة، حيث تركز النقاش حول سبل تحسين الأداء وتحقيق التكامل في مشاريع البرنامج. تناولت الجلسة ملف الأوعية العقارية المخصصة لإنجاز سكنات البيع بالإيجار ضمن برنامج "عدل 3"، في الولايات المذكورة. كما شهدت تقديم عرض شامل حول مخططات التهيئة المقترحة للأقطاب الحضرية، والتي تضمنت إنشاء مرافق حديثة، بما في ذلك مساحات مخصصة للأنشطة الرياضية والثقافية، لتعزيز الحياة الاجتماعية وخلق بيئة حضرية متكاملة. وتهدف هذه المخططات إلى تحقيق توازن بين البنية التحتية المتطورة واحتياجات السكان، من خلال رؤية تنموية شاملة تعكس أولويات الاستدامة وجودة الحياة. مسارات جديدة لتنمية الأقطاب الحضرية الجزائرية وفي هذا السياق، وجه الوزير تعليمات بضرورة إعداد مخططات "برؤية مستقبلية" تعتمد على دراسات علمية دقيقة. وشدد على أهمية تزويد الأقطاب الحضرية بجميع التجهيزات العمومية الضرورية، مثل المؤسسات التعليمية والصحية ومرافق النقل، إلى جانب تقسيم المساحات بطريقة مبتكرة تتيح إنشاء مجالات جديدة وتحديد أماكن الأنشطة الاجتماعية والخدمية بما يضمن سهولة الوصول وراحة السكان. وأكد أن تحقيق هذا التوازن يسهم في تعزيز جاذبية الأقطاب الحضرية ويدعم مسار التنمية المستدامة. أوضح بلعريبي، وفقًا لبيان صادر عن الوزارة بتاريخ 7 نوفمبر، أن تكامل الجانب التقني مع البحث العلمي يُشكل نهجًا متطورًا لمشاريع برنامج "عدل 3". هذا النهج يهدف إلى خلق بيئة معيشية متكاملة تحسن من جودة حياة المكتتبين وتلبي تطلعاتهم. كما أصدر الوزير تعليماته للمدراء المعنيين بتقديم أربعة اقتراحات لمخططات التهيئة، تتضمن تحديد الطاقة الاستيعابية لعدد السكنات، بالإضافة إلى إجراء دراسات مفصلة حول طبيعة التربة في المناطق المستهدفة. وأشار إلى أن فهم خصائص التربة بشكل معمق سيتيح تحديد مستوى العمق المطلوب للأساسات وضمان توافق التصاميم الهندسية مع الظروف الجيولوجية للمواقع المختارة، مما يعزز استدامة المشاريع وجودتها على المدى البعيد. تم خلال الجلسة مناقشة كيفية ربط الأقطاب الحضرية الجديدة بمختلف الشبكات الأساسية، بما في ذلك الغاز والكهرباء وشبكات الصرف الصحي والمياه. وأكد الحضور على ضرورة التنسيق المستمر مع السلطات المحلية لتحديد مواقع مناسبة لإيداع أتربة الردم، بما يضمن عدم عرقلة سير الأشغال وسرعة إنجاز المشاريع، مع الالتزام بالمعايير البيئية في إدارة النفايات الناتجة عن عمليات البناء. وفي السياق ذاته، قدم المركز الوطني للدراسات والبحوث المتكاملة في البناء، ومركز الدراسات والإنجاز العمراني-البليدة، دراستين متكاملتين تتماشيان مع الرؤية المستقبلية لمشروع "عدل 3". وشملت الدراسات مقترحات عملية حول تصميم الأقطاب الحضرية وتطويرها لتلبي متطلبات السكان، مع مراعاة الاستدامة وجودة الحياة. كما تم تقديم عرض شامل حول الأغلفة المالية التقديرية لمختلف مخططات التهيئة المقترحة، إلى جانب تحديد العقبات المحتملة ووضع خطط للتعامل معها بفعالية. وفيما يتعلق بعملية الاكتتاب في برنامج "عدل 3"، تم استعراض نظام المراقبة المستمرة لملفات التسجيل عبر قاعدة البيانات الرقمية. وفقًا للبيانات التي تم عرضها، بلغ عدد المسجلين في المنصة الإلكترونية المخصصة للاكتتاب حوالي 1,440,340 مسجل. ومع ذلك، أظهرت المعالجة الأولية للملفات، التي شملت إجراء تحقيقات دقيقة على مستوى البطاقيات الوطنية للتأكد من استيفاء الشروط المطلوبة، تقليص هذا العدد إلى 1,024,342 مسجل عبر كامل التراب الوطني. وتوضح الأرقام توزيع المسجلين المقبولين مبدئيًا حسب الولايات. فعلى سبيل المثال، سجلت ولاية الجزائر 252,000 مكتتب، بينما بلغ العدد في ولاية وهران 86,400 مكتتب، وفي البليدة 45,500 مكتتب، وفي الشلف 18,184 مكتتب. أما في الولايات الأخرى، فقد تم تسجيل 3,887 مكتتب في الأغواط، 26,619 مكتتبا في باتنة، 1,403 مكتتبا في بشار، و19,315 مكتتبا في تلمسان. كما سجلت عنابة 26,122 مكتتبا، وقسنطينة 36,245 مكتتبا، وبجاية 20,811 مكتتبا، بينما كانت الأرقام أقل في بعض الولايات مثل أولاد جلال، التي بلغ عدد المكتتبين فيها 533 فقط. وخلال الجلسة، تم الوقوف على جاهزية المنصة الرقمية الخاصة بمعالجة ملفات برنامج "عدل 3"، حيث ستُستخدم للتواصل مع المكتتبين بهدف استكمال ملفاتهم. كما تم التطرق إلى مستجدات برنامج "عدل 2"، حيث استعرض المشاركون الأرقام المتعلقة بالمكتتبين الذين لم يتحصلوا بعد على شهادات تخصيصهم أو سكناتهم. بالإضافة إلى ذلك، ناقشت الجلسة وجود فائض في عدد السكنات الجاهزة في بعض الولايات، مثل الجزائر، بومرداس، وتيبازة، وهو ما يفتح المجال أمام إعادة تخصيص هذه الوحدات ضمن سياسات مدروسة تضمن تلبية احتياجات المواطنين بالشكل الأمثل. العمارة الجزائرية.. توازن بين التراث والابتكار يتجاوز الحديث عن المعمار في الجزائر نطاق المشاريع السكنية الفردية، مثل برنامج "عدل 3"، ليصل إلى أفق أشمل يتمثل في صياغة رؤية حضرية متكاملة. هذه الرؤية تسعى إلى تحقيق هوية معمارية وطنية تعكس التراث الثقافي الجزائري بكل ثرائه، مع الاستجابة لمتطلبات العصر الحديث. ويكمن التحدي الأساسي في إيجاد توازن مثالي بين الحداثة والحفاظ على الطابع التقليدي، مع تعزيز استدامة المدن وحمايتها من التهديدات البيئية مثل تغير المناخ والتوسع الحضري العشوائي. كما أن تحقيق هذه الرؤية يتطلب بنية تحتية متطورة وشاملة، تلبي احتياجات جميع الفئات الاجتماعية، وتضمن تنمية طويلة الأمد لتحسين نوعية الحياة اليومية للمواطنين. في هذا السياق، سعت وزارة السكن والعمران والمدينة إلى توسيع نطاق الشراكة مع الكفاءات الهندسية الوطنية، سواء في الداخل أو الخارج، لتوظيف خبراتهم في تطوير الإنتاج المعماري الوطني. تأتي هذه الجهود كاستجابة لتحدٍ مزدوج يتمثل في الكم الهائل من المشاريع التي يتعين تنفيذها مع ضمان أعلى معايير الجودة والابتكار. هذه المبادرة تؤكد اهتمام الدولة بتطوير المعمار كجزء أساسي من التنمية المستدامة، وضرورة الدمج بين التراث والابتكار لضمان الانسجام مع السياقات الثقافية والطبيعية المختلفة. وقد تم تسليط الضوء على هذا التوجه خلال الدورة العادية للمجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين، التي انعقدت يومي 20 و21 أفريل الماضي. ناقشت الدورة أهمية التنسيق بين كافة الأطراف المعنية بقطاع البناء، بدءًا من المهندسين المعماريين والمخططين الحضريين إلى الهيئات التنفيذية، بهدف وضع إطار عمل مشترك يرسخ أسس معمارية جديدة. هذه الأسس تعكس رغبة الدولة في تحديث القطاع، مع توفير الدعم والتدريب اللازمين للمهندسين الشبان، لضمان تمكينهم من مواجهة تحديات المستقبل بثقة وكفاءة. رئيس المجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين، حسان مالكية، أكد خلال المناسبة على ضرورة الالتزام بالمعايير المرجعية التي أعدتها الوزارة، والتي تهدف إلى توجيه المشاريع العمرانية بما يحقق الانسجام مع الهوية الجزائرية. هذه المعايير تشمل دفاتر شروط دقيقة تحدد الخطوط العريضة لكل مشروع، بما يضمن ملاءمة التصميمات مع الخصوصيات الثقافية والطبيعية لكل منطقة من مناطق الجزائر. واعتبر مالكية أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية نحو بناء مدن أكثر انسجامًا وارتباطًا بتراثها، دون التخلي عن متطلبات الحداثة، مما يجعل المعمار الجزائري نموذجًا يحتذى به على المستويين الإقليمي والدولي. كما لفت إلى أهمية المرسوم التنفيذي الأخير، الذي يحدد كيفية إعداد دفاتر التعليمات المعمارية، والذي يعد خطوة تاريخية تهدف إلى تحقيق هوية معمارية جزائرية خالصة، وهكذا، فإن تطوير قطاع المعمار في الجزائر ليس مجرد عملية بناء مادية، بل هو استثمار في المستقبل، حيث يمكن لهذه الجهود أن تُرسخ الهوية الوطنية وتُعزز من جودة الحياة، مما يجعل المدن الجزائرية مراكز حضرية تحتضن التقدم والتنمية بروح من الأصالة والاستدامة. في المقابل، دعا مالكية إلى ضرورة تنظيم قطاع المعمار الخاص الذي يمثل نسبة كبيرة من المشاريع العمرانية في الجزائر، مؤكدًا على أن القطاع الخاص، الذي يشمل حوالي 70% من المشاريع المبنية، يحتاج إلى تأطير قانوني منظم لضمان جودة العمل. هذه المبادرات تشير إلى أن الجزائر بصدد تحقيق قفزة نوعية في مجال المعمار، مع تعزيز التنسيق بين جميع الأطراف المعنية بهدف تحقيق تنمية حضرية مستدامة. العمارة التقليدية.. رمز للتنوع الثقافي في السياق الحالي، يبرز اهتمام الجزائر بتطوير قطاع المعمار كجزء من استراتيجيتها لتحقيق قفزة نوعية في المجال العمراني. فالعمارة الجزائرية، بتنوعها وثرائها، تمثل انعكاسًا حيًا لتاريخ طويل من التفاعل بين الحضارات والثقافات التي مرت على البلاد. لقد استفادت العمارة الجزائرية عبر العصور من التأثيرات المتنوعة للحضارات الإسلامية، الأندلسية، الأوروبية، والصحراوية، مما أدى إلى نشوء طراز معماري فريد يمزج بين الأصالة والحداثة. وتظهر هذه التأثيرات بوضوح في الزخارف الهندسية والأشكال النباتية التي تزين المباني، وكذلك في الأقواس الجمالية التي لا تقتصر على الناحية الوظيفية فحسب، بل تضفي بُعدًا زخرفيًا وترفيهيًا يعكس روح الإبداع والترف. تعتبر العمارة التقليدية في الجزائر نموذجًا متميزًا يعكس التفاعل الفريد بين الإنسان والمكان. رغم بساطة بعض التصاميم، إلا أن المكونات الأساسية مثل الأقواس والقباب تمنح هذه المباني شخصية مميزة تجمع بين الجمال والوظيفة. وتُظهر الساحات الواسعة التي تحيط بالمباني التقليدية، والمزينة بالأعمدة المزخرفة والأرضيات المرصوفة، الطابع الفخم للحياة اليومية في الماضي، مع التركيز على أهمية الفضاء العام في الثقافة الجزائرية. هذا الحوار المستمر بين الشكل والوظيفة يعكس فلسفة عميقة في التخطيط العمراني كانت تهدف إلى خلق بيئة متناغمة تعزز من جودة الحياة. لا يقتصر التنوع المعماري في الجزائر على فترة زمنية معينة أو ثقافة محددة، بل هو نتاج تداخل حضارات متعددة على مر العصور. وقد تركت هذه الحضارات بصماتها الواضحة على التصاميم المدنية والجنائزية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك قلاع وبيوت وادي ميزاب، التي تعد نموذجًا فريدًا يعكس قدرة المعماريين الجزائريين على التكيف مع التضاريس الطبيعية. هذه التصاميم ليست فقط شهادة على الجمال، بل أيضًا على الاستدامة، حيث صمدت أمام التغيرات البيئية والاجتماعية، مما يعكس براعة المعماريين في تحقيق التناغم بين الجمالية والوظيفية. رغم التحولات العميقة التي شهدتها الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي، ظلت العمارة الجزائرية صامدة كجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية للبلاد. وقد حاول الاستعمار فرض طرازه الأوروبي على المدن الجزائرية في محاولة لطمس الهوية الوطنية، إلا أن الشعب الجزائري حافظ على تراثه المعماري الذي أصبح رمزًا للمقاومة الثقافية. المباني التقليدية والمساجد العتيقة والأسواق الشعبية بقيت شاهدة على عمق الجذور الحضارية، مما جعلها جزءًا من ذاكرة الأمة الجماعية. اليوم، يمثل الحفاظ على هذا التراث المعماري تحديًا وفرصة في الوقت ذاته. التحدي يكمن في حماية هذه المعالم من الاندثار في ظل التوسع العمراني السريع، بينما تكمن الفرصة في استلهام هذا التراث لإنشاء تصاميم حديثة تحافظ على الهوية الوطنية. فالعمارة الجزائرية ليست مجرد أشكال هندسية أو مبانٍ، بل هي قصة أمة، تعبر عن أصالة الشعب الجزائري وإبداعه، وتشكل أحد أعمدة تطلعه نحو مستقبل يجمع بين الحداثة والتقاليد. في إطار الجهود المستمرة لحفظ وتوثيق التراث المعماري في الجزائر، يُعدّ جرد الموروث المعماري الجزائري خطوة استراتيجية حيوية تعكس التزام الدولة بتعزيز الهوية المعمارية والمحافظة عليها. منذ ماي الماضي، تم إطلاق عملية جرد الموروث المعماري الجزائري وفقًا لإستراتيجية وطنية موحدة، تهدف إلى إبراز الخصوصيات المعمارية لكل منطقة في الجزائر. هذه العملية تمثل نقطة انطلاق لتنظيم وتوثيق المعالم المعمارية في مختلف الولايات، بداية من منطقة الأوراس، وصولاً إلى كافة مناطق الجزائر. هذا العمل يشمل جميع الموروث المعماري المبني، من أجل ضمان الحفاظ عليه للأجيال القادمة، ويعد خطوة أساسية نحو إعداد دليل الإجراءات الخاص بالهوية المعمارية للمدن الجزائرية. في إطار الجهود الرامية إلى تنظيم قطاع المعمار في الجزائر وتعزيز هويته الوطنية، عُقد لقاء وطني هام في مدينة باتنة جمع رؤساء المجالس المحلية للهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين من مختلف الولايات. تمحور النقاش خلال هذا اللقاء حول جرد الخصائص المعمارية لكل منطقة في الجزائر، وهو خطوة أساسية لتحضير دفاتر التعليمات المعمارية التي تهدف إلى توجيه وتنظيم عمليات البناء بما يتماشى مع الهوية الثقافية والبيئية لكل منطقة. كما تزامن هذا الحدث مع الاحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيس الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين الجزائريين، مما يعكس الالتزام المتواصل بتطوير المهنة وتعزيز مكانة المهندس المعماري في البلاد.  منصة للحوار والتطوير شهدت الجزائر خلال الفترة الأخيرة تنظيم سلسلة من الندوات الجهوية التي تهدف إلى دراسة وتوثيق الخصائص المعمارية المحلية. واحدة من أبرز هذه الفعاليات كانت ندوة أدرار، التي جمعت أساتذة وباحثين في مجال الهندسة المعمارية، بالإضافة إلى مديرين وأعضاء المجالس المحلية من ولايات الجنوب مثل تمنراست، بشار، وتندوف. ركزت هذه الندوات على تقديم مقترحات مبتكرة حول حماية وتوثيق الموروث المعماري في المناطق الصحراوية، إضافة إلى التحضير لإعداد دفاتر التعليمات المعمارية وفقًا للمرسوم التنفيذي 23-401 الصادر نهاية عام 2023. من أبرز التوصيات التي خرجت بها ندوة أدرار التأكيد على أهمية احترام الطابع المحلي لكل منطقة، مع الحفاظ على توازن دقيق بين استخدام المواد التقليدية والحديثة. وشدد المشاركون على ضرورة دمج الهندسة المعمارية البيئية في المشاريع الجديدة، لضمان انسجام التصميمات مع الطبيعة الصحراوية وواقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية لسكان هذه المناطق. كما أوصت الندوة بالاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة في المشاريع المعمارية، بما يتماشى مع التوجهات البيئية العالمية. وفي الوقت نفسه، أكدت التوصيات على أهمية تطوير المشاريع بما يلبي متطلبات العصر، مع الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للمنطقة. تأتي هذه الجهود ضمن رؤية شاملة تهدف إلى الجمع بين التراث المعماري الفريد للجزائر ومتطلبات الحداثة والاستدامة. فيما يتم حاليًا جمع مادة علمية ودراسية تمهيدًا لعقد لقاءات جهوية مقبلة، حيث سيتم مناقشة حلول مبتكرة ومستدامة تلبي احتياجات المجتمعات المحلية في مختلف أنحاء البلاد. بالتزامن مع هذه النشاطات، جاء الاحتفال بمرور ثلاثين عامًا على تأسيس الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين كتكريم لمسيرة طويلة من التميز في المجال المعماري. هذا الحدث لا يعكس فقط الجهود المبذولة على مدى العقود الماضية، ولكنه أيضًا يسلط الضوء على رؤية الجزائر المستقبلية للارتقاء بقطاع المعمار ليكون نموذجًا يحتذى به في الجمع بين الهوية الوطنية والابتكار. تمثل هذه المبادرات خطوة نحو تحقيق قفزة نوعية في قطاع المعمار في الجزائر، مع التركيز على الموازنة بين الحفاظ على التراث وتعزيز ممارسات البناء المستدامة. تسعى الجزائر من خلال هذه الخطوات إلى ترسيخ معمار يعكس هويتها الوطنية، مع مواكبة التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي يفرضها العصر الحديث. سردية معمارية تحاكي روح الجزائر تجمع الجزائر بين عبق التاريخ وأصالة الثقافة في العديد من مدنها، حيث يعكس كل منها خصوصية معمارية تروي قصصًا متشابكة عن تفاعل الإنسان مع بيئته. من غرداية، مدينة وادي مزاب التي أضاءت دروب الشعراء والمعماريين، إلى قسنطينة، مدينة الجسور المعلقة بين الماضي والحاضر، وحتى وهران التي تسعى إلى الحفاظ على معالمها التاريخية وسط التحولات المعمارية الحديثة، ويظل المعمار الجزائري مزيجًا فريدًا من الجمال والوظيفة. وفي هذا السياق، تسلط "الأيام نيوز" الضوء على التأثيرات المتبادلة بين الفنون المعمارية والشعر، وكيف أن هذه المدن ليست مجرد مواقع جغرافية بل هي رموز ثقافية حية، تحمل في جدرانها وأزقتها قصصًا عن العراقة والتحديات التي تواجهها في ظل العولمة والتوسع الحضري.  في مقالٍ يعكس العلاقة العميقة بين الهندسة المعمارية والشعر، سلط الكاتب علي مغازي –في مقال بصحيفة الأيام نيوز" الضوء على مدينة غرداية التي تعد أحد أروع تجليات التراث الجزائري، وتعتبر ملهمةً لكبار الشعراء والمعماريين على حد سواء. فبينما أسرت غرداية قلب الشاعر الراحل عثمان لوصيف، الذي تغنى بجمالها في قصيدته الشهيرة، ألهمت كذلك المهندس الفرنسي أندري رافيرو ليكتب عن خصوصية عمرانها في كتابه الذي أصبح مرجعًا عالميًا. ومن خلال هذا المقال، يعيد مغازي التأمل في التاريخ العميق لهذه المدينة التي تجمع بين التقاليد المعمارية المتناغمة مع البيئة الصحراوية، وتلك الروح الشعرية التي أسرت خيال الشعراء والفنانين. المقال تناول مدينة غرداية، وهي إحدى مدن وادي مزاب، واستعرض العلاقة العميقة التي تربطها بالفنون، الشعر، والهندسة المعمارية، مشيراً إلى كيف ألهمت المدينة كل من الشاعر عثمان لوصيف والمعماري الفرنسي أندري رافيرو. ويجسد المقال بعداً تاريخياً وثقافياً عميقاً لهذه المدينة من خلال قصائد لوصيف التي عبرت عن جمال المدينة وطبيعتها، وكذلك من خلال دراسات رافيرو التي خلّد فيها الفلسفة المعمارية الفريدة للمنطقة. مدينة غرداية تحتل مكانة مميزة في قلب الشاعر عثمان لوصيف، الذي خصها بقصيدة طويلة تبرز تطور المدينة ومعمارها الفريد. قصيدته تعكس ارتباطه العاطفي بالمدينة وبالطبيعة التي شكلت جزءاً مهماً من هويتها الثقافية. وبدوره، فإن المعماري أندري رافيرو تأثر بشدة بمعمار غرداية بعد زيارته الأولى لها عام 1949، حيث قدم كتابه المشهور "مزاب: درس في الهندسة المعمارية" ليُعلن عن فلسفة معمارية مستلهمة من البيئة الصحراوية وطبيعة المدينة. يتمحور الجزء الأكبر من المقال حول طابع غرداية المعماري الذي يعتمد على تكييف البناء مع الظروف المناخية الصحراوية القاسية. المباني في المدينة مبنية باستخدام مواد طبيعية ومتاحة محلياً مثل الجير، الحجر الكلسي، والرمل، مما يضمن عزل حراري ويكفل راحة الساكنين في فصول الصيف الحارة والشتاء البارد. فالمدينة تتميز بتنظيم معماري مميز، حيث تتوزع المساكن حول المسجد كمركز روحي، وتتناسق بشكل هندسي لخلق بيئة مألوفة ومعزولة عن الرياح الرملية. الهندسة المعمارية لمدينة غرداية، كما يوضح رافيرو، تمثل مزيجاً فريداً من الكفاءة البيئية والجمال الروحي. كما تمثل الفلسفة المعمارية في غرداية "المعمار الأمومي"، حيث يعكس التصميم تكيف البشر مع الطبيعة ويستفيدون من المواد المحلية في بناء صروح تلائم البيئة وتنسجم معها. ويتميز سهل وادي مزاب بنظام ري تقليدي فريد يعتمد على جمع مياه السيول وتوزيعها عبر قنوات حجرية بطريقة مدروسة. هذا النظام يساعد على تأمين مياه الري للمزارع والنخيل في المنطقة القاحلة. المقال أبرز خطورة فقدان هذا النظام التقليدي بسبب التطورات الحديثة، مما يهدد جزءاً مهماً من التراث البيئي والثقافي للمنطقة. وأشار المقال إلى أن غرداية تواجه اليوم تهديدات بفقدان جزء من هويتها المعمارية والتقليدية بسبب النمو العمراني المتسارع واختفاء بعض الأنظمة التقليدية مثل نظام الري. يختتم المقال بالإشارة إلى الرحيل المؤثر لكل من الشاعر عثمان لوصيف والمعماري أندري رافيرو في 2018 و2017 على التوالي، حيث تركا وراءهما إرثاً فكرياً وفنياً يجسد العمق الروحي والمعرفي لمدينة غرداية. والمقال، عموما، يعكس بوضوح العلاقة التفاعلية بين الإنسان وبيئته، حيث لا تقتصر غرداية على كونها مجرد مدينة صحراوية، بل هي نموذج حي للتفاعل بين الطبيعة، الثقافة، والفن. ينجح الكاتب في إبراز كيف أن المدينة لم تلهم الشعراء فقط، بل أثرت بشكل عميق في مجال العمارة المعاصرة، مما يجعل غرداية رمزاً حياً للإبداع والتراث في وجه التحديات المعاصرة. بينما تمثل غرداية نموذجًا فريدًا من التكامل بين الإنسان وبيئته من خلال "المعمار الأمومي" الذي يعكس تفاعلاً عميقًا مع الطبيعة، فإن قسنطينة تعكس تاريخًا معمارياً غنياً يعبر عن تداخل ثقافات وحضارات مختلفة عبر العصور. إذا كانت غرداية تتميز بتوازنها البيئي والتقليدي، فإن قسنطينة تقدم صورة معمارية متعددة الطبقات. مدينة الجسور تعتبر عاصمة الشرق الجزائري قسنطينة، واحدة من أعرق المدن في تاريخ المنطقة بفضل تنوّعها العمراني الذي يعكس تعاقب العديد من الحضارات عليها. ورغم تأثرها بالاحتلالات المختلفة التي مرّت بها، حافظت المدينة على خصوصية معمارية تميزها عن غيرها، حيث يمثل معمار قسنطينة مشهدًا متداخلًا من ثقافات مختلفة، بدءًا من العثمانيين وصولًا إلى الاستعمار الفرنسي. قسنطينة، التي تُلقب "مدينة الجسور" بسبب موقعها المتميز بين الأودية، تتميز بموقعها الجغرافي الفريد فوق صخور عالية تحيط بها الأنهار من جميع الجهات. وهذا الموقع الصعب كان له دور كبير في تحديد شكل عمران المدينة الذي تطوّر عبر العصور. فمنذ العصور القديمة، كان البناء يتم فوق الصخور، ما فرض على كل حضارة جديدة أن تهدم معالم الحضارة السابقة لتستطيع بناء ما يتناسب مع احتياجاتها. الحضارة العثمانية، التي حكمت قسنطينة لمدة خمسة قرون، تركت بصمتها بوضوح في مشهد المدينة المعماري. من أبرز المعالم التي تدل على هذه الحقبة هو قصر أحمد بيه، الذي شُيد في عصر أحمد بيه ويمثل نموذجًا للعمارة العثمانية التي اعتمدت على التنسيق بين الفضاءات الداخلية والخارجية واستخدام الزخارف المميزة. هذا القصر الذي تحول إلى مقر للاستعمار الفرنسي في عام 1837، ثم تم ترميمه بعد الاستقلال، أصبح اليوم متحفًا يعرض آثار تلك الحقبة التاريخية ويمثل شاهدًا على نمط الحياة في ذلك الزمن. فيما يخص التواجد الفرنسي، فقد خلف الاستعمار الفرنسي في قسنطينة تأثيرًا كبيرًا في البنية المعمارية للمدينة. فقد عمل الاستعمار على إعادة تنظيم بعض المناطق وتغيير وجه المدينة بتأثيرات معمارية أوروبية، ما جعل بعض الشوارع والساحات في قسنطينة تحمل طابعًا غربيًا، خاصة في المعمار الذي تميز بالأسلوب الكلاسيكي الحديث. إلا أن هذا التأثير الأوروبي لم يمسّ جوهر الهوية المعمارية للمدينة، بل كان إضافة إلى النسيج الحضاري القسنطيني. أما قبل العثمانيين، فقد مرّت قسنطينة بعدد من الحضارات الأخرى، أبرزها الحماديون في القرن الثاني عشر، الذين أسسوا المسجد الكبير الذي لا يزال يشهد على فترة ازدهارهم. هذه التراكمات الحضارية تجعل من قسنطينة مدينة غنية بالآثار التي تروي تاريخًا طويلًا من التفاعل بين مختلف الثقافات. اكتشاف طبقات التاريخ ويصف المؤرخ عبد الله حمادي هذا التداخل الحضاري قائلاً: "كان العمران يتم فوق الصخرة، وهو ما جعل كل حضارة جديدة مضطرة لهدم معالم الحضارة السابقة لكي تبني حضارتها الخاصة." وهذا يفسر الوجود المتناثر للآثار المختلفة التي يعود تاريخها إلى فترات متباعدة، والتي تتيح للزوار فرصة اكتشاف طبقات من التاريخ تتداخل مع بعضها البعض. يمكن القول إن معمار قسنطينة هو مرآة لثراء تاريخي ثقافي وعمراني، يعكس تنوّع الحضارات التي مرت عليها، ويظهر كيف أن كل حضارة تركت بصمتها الخاصة على ملامح المدينة. واليوم، رغم التحديات التي تواجهها في الحفاظ على معالمها، تظل قسنطينة أحد أهم الشواهد على التنوع الثقافي في الجزائر. على غرار غرداية –وكذلك قسنطينة- اللتان تواجها خطر فقدان هويتهما المعمارية التقليدية بسبب التحولات الحديثة، تسعى السلطات المحلية في وهران إلى الحفاظ على معالمها التاريخية عبر عمليات ترميم واسعة تشمل الأحياء الشعبية العريقة مثل حي رأس العين، سيدي الهواري، وحي الدرب. هذه الأحياء، التي تحمل عبق التاريخ الثوري والاجتماعي للمدينة، تحتاج اليوم إلى ترميم شامل يوازن بين الحفاظ على طابعها المعماري التقليدي وتطوير بنيتها التحتية بما يتماشى مع متطلبات العصر. وبالفعل، باتت السلطات المحلية في وهران تسعى إلى الحفاظ على الطابع المعماري الفريد للمدينة في مواجهة التحولات الحضرية الحديثة، وذلك عبر سلسلة من المشاريع التي تهدف إلى إعادة تأهيل الأحياء والمباني القديمة. يتجلى هذا الاهتمام في رغبة المدينة في الحفاظ على تاريخها الثقافي والاجتماعي، وبينما تشهد وهران تطورًا عمرانيًا ملحوظًا، يبدو أن الحفاظ على الهوية المعمارية أصبح ضرورة أكثر من أي وقت مضى. تتمثل التحديات الأساسية في الموازنة بين العراقة التي تمثلها الأحياء القديمة وبين الحاجة إلى تكييف هذه الأحياء مع متطلبات الحياة العصرية. كما هو الحال في مدن أخرى مثل غرداية وقسنطينة، تواجه وهران خطر فقدان هويتها المعمارية نتيجة للضغوط الناتجة عن التوسع العمراني. لذا، تعتبر عمليات الترميم التي يتم تنفيذها في الأحياء التاريخية مثل حي رأس العين وسيدي الهواري ضرورة ليس فقط من أجل الحفاظ على البنية المعمارية، بل أيضًا لضمان استدامة العلاقة بين المدينة وذاكرتها الاجتماعية والثقافية. إن المشروعات الجارية تهدف إلى تكامل الحفاظ على المعالم التراثية مع تحديث البنية التحتية، مما يجعلها أكثر توافقًا مع متطلبات الحياة المعاصرة. وتسعى السلطات إلى تحسين ملامح المدينة القديمة، بينما تعمل على تعزيز الجانب السياحي والتنموي من خلال استعادة إشراق تلك الأحياء بما يتماشى مع المعايير الحديثة. كما أن الجهود المبذولة في ترميم المعالم التاريخية تعكس الحرص على استدامة الطابع الحضاري للمدينة على المدى الطويل. عملية إعادة تأهيل الأحياء الشعبية العريقة ليست مجرد مسعى جمالي، بل هي أيضًا جزء من مشروع تنموي متكامل يشمل إعادة تأهيل المرافق العامة والمساكن، بما في ذلك بناء مرافق عمرانية جديدة تساهم في تحسين الحياة اليومية للساكنة. من خلال هذه المشاريع، تسعى وهران إلى الجمع بين الحفاظ على الإرث المعماري والانتقال إلى مرحلة جديدة من التطور الحضري، مما يجعل المدينة نموذجًا للتراث المدمج مع الحداثة في إطار السياحة المعمارية. كل هذه الجهود تهدف إلى إعادة وهران إلى مكانتها كوجهة سياحية متميزة، حيث تساهم التراث المعماري المستعاد في جذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، وهو ما سيعزز من مكانتها كعاصمة ثقافية وحضارية في المنطقة. لا يمكن الحديث عن خصوصيات المعمار الجزائري دون الإشارة إلى قصبة الجزائر، التي تعد نموذجًا فريدًا يعكس تاريخ المدينة العريق وأهميتها الثقافية. تم بناء القصبة في العهد العثماني لتكون حصنًا دفاعيًا ضد الغزوات، مما جعلها نقطة استراتيجية رئيسية لمواجهة التهديدات الخارجية. وقد تميزت بتصميم معماري يعكس التوازن بين الطابع الدفاعي والعمران التقليدي، حيث تُظهر أزقتها الضيقة والمتعرجة التي تحجب الوصول السهل إلى داخلها. هذا التنظيم العمراني يعكس الرؤية العثمانية التي سعت إلى ضمان الخصوصية وحماية السكان من التهديدات المحتملة، مما منح القصبة طابعًا مميزًا يجمع بين الجمال والوظيفة. تعدّ "الدويرات" في قلب القصبة من أبرز ملامح العمارة التقليدية التي تعكس نمط الحياة اليومية في العهد العثماني. هذه الوحدات السكنية الصغيرة تتداخل بشكل متجانس ومتميز ضمن نسيج عمراني فريد يبرز خصائص التلاحم الاجتماعي. ورغم المساحات المحدودة لهذه المنازل، فإنها تحمل بصمة معمارية فريدة تتمثل في النوافذ الصغيرة المزخرفة التي زُينت بمشغولات حديدية متقنة، ما يعكس مستوى عالياً من الحرفية. كما تتميز هذه المنازل بالساحات الداخلية المفتوحة، والتي كانت تُستخدم كفضاءات اجتماعية تجمع أفراد العائلة وسكان الحي. هذا التصميم لم يكن عشوائيًا، بل كان يستجيب لاحتياجات الحياة اليومية ويحترم خصوصية العائلات، مع تعزيز أواصر الجيرة وروح التقاليد العريقة.  تحديات تواجه "الدويرات" ومعمار القصبة على الرغم من جمال هذه الوحدات السكنية وقيمتها التاريخية، إلا أنها لم تسلم من التحديات التي طرأت مع مرور الزمن. فقد أثرت عوامل عديدة مثل التوسع العمراني السريع، الضغط السكاني، التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الكوارث الطبيعية مثل الزلازل، على حالة المباني، مما أدى إلى تدهور بعضها. ومع تعاقب الأجيال وتغير أنماط الحياة، أصبحت بعض المنازل مهملة أو غير صالحة للسكن. إزاء هذه التحديات، أدركت السلطات الجزائرية والمجتمع المدني على حد سواء أهمية الحفاظ على هذا الإرث الفريد. ومن هنا، أصبحت عملية ترميم القصبة، بما في ذلك "الدويرات"، أولوية وطنية. هذه الجهود ليست مجرد صيانة للمباني، بل هي محاولة لإعادة إحياء الهوية الثقافية للقصبة وضمان استدامة معالمها للأجيال القادمة. يتطلب ترميم "الدويرات" نهجًا دقيقًا ومتكاملاً، حيث يجب الحفاظ على أصالة التصميم المعماري مع إدخال التحسينات اللازمة لتلبية متطلبات الحياة الحديثة. تشمل هذه الجهود تحسين البنية التحتية للمناطق الأكثر تضررًا في القصبة، مع تركيز خاص على المباني التي تواجه خطر الانهيار. كما يتم العمل على ترميم معالم تاريخية مهمة مثل المساجد، القصور، وبعض المباني ذات الطابع الاستعماري، التي تمثل مراحل متنوعة من تاريخ الجزائر وتعكس تداخل الحضارات في هذا الموقع الفريد. تأتي أعمال الترميم ضمن رؤية أوسع تهدف إلى إعادة الحياة إلى القصبة كجزء من استراتيجيات الحفاظ على التراث الثقافي. هذه الجهود لا تهدف فقط إلى حماية المعمار، بل إلى إبراز القيمة التاريخية والفنية التي تمثلها القصبة كموقع يعكس تفاعل الإنسان مع بيئته على مدار قرون. كما تسعى هذه المبادرات إلى إشراك الأجيال الجديدة في عملية الحفاظ على التراث من خلال تثقيفهم حول أهمية القصبة كرمز للهوية الثقافية الجزائرية. وتبقى قصبة الجزائر رمزًا حيًا لعراقة المدينة وتاريخها الممتد، وشاهدًا على عبقرية التصميم المعماري الذي يجمع بين الجمال والوظيفة. الحفاظ على القصبة وترميم "الدويرات" ليس مجرد مشروع تقني أو تراثي، بل هو جزء من استراتيجية وطنية تهدف إلى صون الهوية الثقافية والتاريخية للجزائر في وجه تحديات العصر الحديث. إن تزايد الوعي بأهمية هذا الإرث، والجهود المبذولة لحمايته، يشكلان خطوات مهمة نحو ضمان أن تظل القصبة نقطة تواصل بين الماضي والحاضر، ومرجعًا ثقافيًا للأجيال القادمة. طارق مجاج تحوّلات اجتماعية ورؤية عمرانية جديدة   بقلم: طارق مجاج (أستاذ العمران وأستاذ بالمدرسة العليا للعلوم الإسلامية - الجزائر) طرأت على المجتمع الجزائري عديد التغيرات قبل الاستقلال وُصولا إلى يومنا هذا، وبطبيعة الحال هذه التغيرات كان لها أثرها البالغ الذي تجلى في صورة التحولات العمرانية التي نشهدها في بناء وتشييد المدن والقرى عبر مختلف أرجاء البلاد، ولعل السكن المنجز إبان فترة الاحتلال الفرنسي يمثل واحدا من أهم التّحوّلات المرفلوجيّة والوظيفيّة للسّكن التي أثرت على المحيط العمراني في الجزائر، وحسب دراسة تم نشرها في وقتٍ سابق في المجلة الجزائرية في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية يتضمن هذا السكن المنجز خلال الفترة الاستعمارية ما يلي: أولا: البناء الجماعي: شيّدت العديد من العمارات ذات الطّراز المتواضع جدّا، وتُكوّن الآن هذه الأخيرة أحياء مكتظّة بالسّكان، فعلى الرغم من ضيقها إلاّ أنّ الكثير من الزّيجات تمكث طويلا مع الآباء لاستحالة الحصول على شقّة أخرى لندرتها أو غلائها، فلم يجر أيّ تحسّن يذكر اللّهم بعض التدخّلات الطّفيفة كتجديد الأبواب وتحصين النوافذ بالقضبان، كما لم تجد في هذه المرحلة الأنشطة الاقتصادية الظّروف الملائمة للازدهار نظرا لقرب هذه المجمّعات من الأحياء التّجاريّة، فالكثير كان يصبو إلى مغادرة هذا النّوع من المساكن لعدم توفّر المجال الحيوي. ثانيا: السكن الفردي: هو سكن بُرمج لإعادة إسكان سكّان الأحياء القصديرية اللّذين طردوا من قراهم في الفترة الاستعمارية، فهي تعكس النّظرة التّمييزيّة للمستعمر لسكّان الرّيف، حيث خططوا لهم مسكنا بسيطا قابل للتطوّر وهو عبارة عن بهو محاط بغرقتين ومكان في إحدى زواياه لطهي الطّعام، حيث تُرك البهو بدون تغطيّة قصد السّماح لهؤلاء السّكّان بغرس بعض الخضر لكن سرعان ما تغيّر هذا البهو إلى مساحة مغطّاة بالإسمنت، وحاليّا قليلة هي المنازل التي احتفظت بها حيث أضيفت فيها غرف جديدة وغالبا ما اتّسعت المنازل عموديّا لضيق المساحة الأرضيّة التي لا تتجاوز مساحة أكبرها 52 متر مربع. فحوّلت معظم هذه المنازل إلى عمارات صغيرة مع كلّ ما تتضمّنه هذه العمليّات من أخطار خاصّة وأن الحي متواجد على أرضيّة هشّة حيث هناك جيب مائي قريب من سطح الأرض فتنجز هذه العمليات بدون استشارة مختصّين في الميدان وكذلك بدون طلب الإذن من الهيئات المعنيّة. ثالثا: المساكن المشيّدة من الجزائريّين لأنفسهم: جلّ هذه المباني من النّمط الفردي أغلبها تحسّن مظهرها مع تحسين مستوى معيشة الأسر، وهي تشهد توسّعات رأسيّة لإفراغ الطّابق الأرضي لممارسة الأنشطة التّجاريّة. أما بالنسبة إلى التحولات العمرانية الحديثة في الجزائر، فقد أوضح أستاذ العمران والأستاذ بالمدرسة العليا للعلوم الإسلامية، دار القرآن بجامع الجزائر، طارق مجاج في تصريح لصحيفة "الأيام نيوز"، أن هناك إسقاطاً للوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يُترجم في الحالة العمرانية التي تشهدها قرانا ومدننا اليوم، والتي يصفها بعض الباحثين بالفوضى العمرانية وعدة مصطلحات أخرى من هذا القبيل، فالمدينة الجزائرية في واقع الأمر عانت منذ الاستقلال من خلال التحولات التي مست الخصائص الاجتماعية والاقتصادية، فالنظام الاقتصادي والاجتماعي أيضا كان له تأثير على التنظيم الحضري للأنسجة الحضرية وللمدن عموما. في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أن هذا التأثير يظهر في حياتنا اليومية، من خلال بعض المظاهر التي نراها ونعيشها بشكل يومي، والتي ترتبط بعدة خلفيات لا تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، فحتى الخلفية التاريخية وتحديدا المرحلة الاستعمارية تركت أثرا بالغا في المجتمع الجزائري وفي طريقة ونمط عيشه وغيرها من الخصوصيات، وبالتالي فإن الأمر متشعب نوعا ما، بالنظر إلى أن كل مرحلة لها خصوصية معينة تميزها. وبالحديث عن التحولات الحديثة، أشار الخبير في التخطيط العمراني، إلى أن هناك تحولات في ظاهرة النسيج العمراني في الجزائر، خاصة في المدن الكبرى، خاصة في الضواحي، حيث نجد أن هناك ظهورا لأحياء جديدة تختلف نوعا ما عن النسيج العمراني التقليدي للمدينة الأم أو النسيج العمراني القديم، ولديها خصوصية عمرانية ومعمارية خاصة بها، كما هو الحال مثلا في مدينة سيدي عبد الله بالعاصمة، أو حتى في الضاحية الجنوبية أو الشرقية، نلاحظ هذا النوع من البناء على شكل مربعات سكنية. وفي هذا الشأن، أبرز محدثنا أن هذا النوع من البناء على وجه الخصوص كانت قد وُجهت له سهام وانتقادات كثيرة، من منطلق أنه غير ملائم ولا يتوافق مع طبيعة وخصوصية الأسر الجزائرية، فتحت ضغط طلب السكن قامت الدّولة بتشييد مناطق حضريّة جديدة في كلّ المدن التي تعاني من أزمة السّكن، فنتج عن ذلك منظر حضري يتّسم بالرّتابة حيث كرّر نفس النّموذج بدون الأخذ بعين الاعتبار ما يناسب الأسر الجزائريّة من حيث نمط المسكن وسعته، ما أدى إلى البحث عن الكم على حساب النوع، استجابةً لطلبات السكن المتزايدة خاصة لدى فئة الشباب، دون مراعاة لخصوصية العائلة الجزائرية خاصةً من الناحية الاجتماعية حيث نجد أنها تكون نوعا ما كبيرة وممتدة في بعض الأحيان، وبالتالي فإن هذه الانتقادات منطقية من الناحية المرفلوجية العمرانية. في سياق ذي صلة، عرج الخبير في العمران، إلى الحديث عن أهمية التركيز على الجانب النوعي في تشييد وبناء السكنات، حتى يكون هذا السكن مصدرا للسكينة والراحة بالنسبة إلى قاطنيه، من خلال التفكير بجدية أكثر في التخطيط إلى إقامة سكنات جماعية تحافظ على جانب الهوية وتقاليد وخصوصية المجتمع الجزائري، فعلى سبيل المثال نجد أن أغلب الأسر في بلادنا تفضل إقامة أفراحها ومناسباتها العائلية في مساكنها الخاصة وبالتالي من المهم جدا أن يتم بناء هذه العمارات والسكنات وفقا لهذه المعطيات. في ختام حديثه لـ"الأيام نيوز"، أكّد الأستاذ في العمران، على ضرورة إعادة النظر في توزيع النشاطات وتوزيع السكان على مستوى كافة القطر الوطني، فالجزائر واسعة، وليس هناك مشكل في العقار، وبالتالي من غير المنطقي أن نرى أن الجزائر هي العاصمة فقط أو أن الشرق الجزائري هو قسنطينة فقط، وحتى فيما يتعلق بمشروع العاصمة الاقتصادية بوغزول التي بقيت تراوح مكانها منذ سنوات، من المهم جدا العمل على إحياء هذا المشروع الذي يهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الصحراوية جنوب غرب الجزائر، حيث ترتكز هذه المدينة على الطاقات المتجددة والتكنولوجيات النظيفة وتهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة في البلاد. نذير بوشامة هكذا تساهم المدن الذكية في تحسين جودة حياة المواطن بقلم: نذير بوشامة (مختص في المدن الذكية والحديثة - الجزائر) بدايةً، من المهم أن نشير إلى أنه لا يوجد هناك إجماع حول مفهوم "المدن الذكية" بحيث يجد المهتم نفسه متنقلا بين عدة تعريفات تتفق أحيانا وتختلف أحايين أخرى، بل أكثر من هذا نجد هناك عدة تسميات أخرى قريبة من مفهوم المدينة الذكية مثل "المدينة الخضراء"، "المدينة الرقمية"، "المدينة المستدامة" تزيد الأمر التباسا، ولكن هذه التعريفات تتفق في غالبيتها على دور التكنولوجيات الحديثة والمتقدمة وكذا البيانات (خاصة البيانات الضخمة) في اتخاذ القرارات وتحسين نوعية الحياة للمواطن وإشراكه في شؤون مدينته. إن التطورات الأخيرة في إنترنت الأشياء، البيانات الضخمة، الحوسبة العالية الأداء، والذكاء الاصطناعي، والشبكات الذكية، كلها تقود وتدعم تطوير المدن الذكية المستدامة في جميع أنحاء العالم، وتشير الدراسات أنه بحلول 2050 سيعيش أكثر من 70 بالمائة من سكان العالم في مدن ذكية. ومن أهم ركائز المدن الذكية –حسب معهد المدينة الذكية Smart City Institute – ما يلي: الاقتصاد الذكي، النقل الذكي (التقليل من الاختناقات المرورية خاصة وسهولة التنقل)، الحوكمة الذكية، المحيط الذكي، الحياة الذكية، المواطنة الذكية، دور المدينة الذكية في تحقيق التنمية المستدامة. وتحظى المدن الذكية بدور هام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تشمل ترشيد استهلاك الطاقة والماء وذلك باستعمال الشبكات الذكية (Smart Grids) وبالتالي تخفيض فاتورة الاستهلاك للمواطن، كما تساهم المدن الذكية في تحسين التنقل وتقليل الاختناق المروري مما يؤدي إلى ربح الوقت والتقليل من انبعاث الغازات الملوثة، كما تساهم المدن الذكية أيضا في تحقيق توازن بين الحفاظ على البيئة وتشجيع الابتكار والاستثمار كما تساهم الزراعة الذكية في زيادة الإنتاج وترشيد استهلاك مياه السقي والتقليل من استعمال المبيدات مما يعزز الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي. هذا دون أن نغفل دور المدن الذكية في تعزيز الشفافية والمشاركة الديموقراطية للمواطن في تسيير شؤون مدينته والإسهام في اقتراح حلول لمشاكله اليومية بالتعاون مع المسؤولين، كما تسمح له المنصات الرقمية بمتابعة كل الأخبار عن مدينته وحيّه. وبالجملة فإن المدن الذكية تفتح آفاقا واعدة وغير متوقعة لتحسين نوعية الخدمة وكذا جودة الحياة للمواطن، وفي هذا السياق، يُمكن أن نتحدث عن المدينة الجديدة سيدي عبد الله، حيث تم إنشاء هذه المدينة بالمرسوم التنفيذي رقم 04-275 لـ20 رجب 1425هجري الموافق للخامس من سبتمبر 2004 وتعد نموذجا للمدينة الذكية الأولى في الجزائر. وكانت الأهداف المتوخاة من وراء إنشاء مدينة سيدي عبد الله، على بُعد 20 كلم إلى الجنوب الغربي من العاصمة، تتمثل في تصميم نموذج للتنمية المستدامة عبر إبراز نسيج حضري منفتح لا يعاني من اختناق واكتظاظ الأحياء الموروثة من عهد الاحتلال الفرنسي للجزائر، فقد تم تخصيص حوالي ثُلُث مساحة هذه المدينة الجديدة لإنجاز مساحات خضراء وحدائق عمومية، مع تأسيس مناطق نشاطات متموقعة في أطراف مدينة سيدي عبد الله، ويُعبر هذا المشروع عن سياسة حضرية لتهيئة الإقليم بغرض التمركز الكثيف للسكان في الجزائر العاصمة، والتي تنجر عنها صعوبات في التسيير الحضري بواسطة شبكات المياه والغاز والكهرباء والصرف الصحي والهاتف والألياف البصرية، وكذلك فيما يخص كفاية المنشآت والمواصلات. كما يسمح هذا النوع من المدن الجديدة المندمجة بوقف توسع مدينة الجزائر على حساب المساحات المزروعة والغابية المحيطة بالتجمعات السكنية القديمة. إلا أن هناك جملة من الملاحظات المُسجلة حول هذا المشروع النموذجي، لاسيما وجود نقائص كبيرة في المنظومة التشريعية والقانونية في مجال البيانات المفتوحة (open data) التي تكتسي أهمية كبيرة في تحسين الخدمات في المدينة الذكية وفتح آفاق جديدة وهذا رغم عديد التوصيات من الخبراء (مثلا تقرير المخطط الاستراتيجي الجزائري للبحث والتطوير في الذكاء الاصطناعي 2020-2030الصادر في 2019)، فالذكاء الاصطناعي من دون توفير بيانات مفتوحة مناسبة لن يكون فعالا، مما اضطر الباحثين والمطورين لاستعمال بيانات مفتوحة من بلدان أخرى لتعويض هذا النقص، وهذا المشكل عانينا منه عدة مرات مع طلبتنا ومتربصينا في السيريست. وعلى رغم أن فكرة إنشاء المدينة الجديدة سيدي عبد الله كانت فكرة رائدة في وقتها (2004) إلا أن تجسيدها على الأرض الواقع تأخر كثيرا لعدة أسباب من بينها: حجم المشروع وتعقيداته، خاصة أنه أول مشروع مدينة ذكية، قلة الخبرات العالية الكفاءة في التكنولوجيات الحديثة، ضعف التنسيق بين القطاعات المختلفة، المشاكل البيروقراطية، الفجوة الرقمية، وعدة معيقات وتحديات أخرى. هناك عدة مبادرات تكنولوجية وملتقيات علمية هامة تتعلق بالمدن الذكية والمؤسسات الناشئة والهاكاثونات والتحديات وغير ذلك، ولكن الملاحظ تشتت الجهود وقلة التنسيق وكذا عدم الاستمرارية رغم أهمية هذه المبادرات لخلق بيئة إبداع وابتكار وتشجيع الشباب على التمكن من التكنولوجيات الحديثة. وبالتالي من المهم جدا، تدارك التأخر في الترتيب العالمي للمدن الذكية، حيث سجلت الجزائر تراجعا من المرتبة 123 عالميا سنة 2023 الى المرتبة 2024 في مؤشر IMD (Institute for Management Development). وفي الختام أود التركيز على عصر هام ألا وهو تعزيز المواطنة الذكية (smart citizenship) فمهما تحدثنا عن الذكاء الاصطناعي (دون أدنى إغفال لأهميته) فسيظل الذكاء الطبيعي وتأهيل العنصر البشري في قلب المدينة الذكية، فلا مدينة ذكية بدون مواطن ذكي، ومن أجل ذلك وجب التقليص من حجم الفجوة الرقمية (fracture numérique)، وتسريع التحول الرقمي دون إغفال إدخال الثقافة الرقمية في المنظومة التربوية، وكذا مكافحة رهاب التكنولوجيا (technophobia).