2025.09.30
عاجل :



الاستثمار في المعادن الاستراتيجية.. 150 مليون دولار تكبّل أوكرانيا اقتصاد

الاستثمار في المعادن الاستراتيجية.. 150 مليون دولار تكبّل أوكرانيا


ربيعة خطاب
20 سبتمبر 2025

 إعلان أوكرانيا والولايات المتحدة عن إنشاء صندوق استثماري بقيمة 150 مليون دولار لدعم قطاع المعادن الأساسية، يعطي أبعادا جديدة للتعاون بين البلدين، تجمع بين البُعد الاقتصادي والاستراتيجي والأمني.

تأتي هذه الخطوة في ظل صراع مستمر مع روسيا، وفي وقت تشهد فيه أسواق المعادن النادرة والاستراتيجية طلبا متزايدا، نظرا لأهميتها في الصناعات الحديثة مثل الإلكترونيات، البطاريات، الطاقة النظيفة، والتقنيات العسكرية.

هذا الاتفاق ليس مجرد ضخ استثماري، بل هو مؤشر على استراتيجية أمريكية تربط بين الدعم العسكري والسياسي لأوكرانيا وبين تعزيز استثمار مواردها الطبيعية بطريقة مستدامة.

كما يبرز إدراكا مشتركا لأهمية المعادن الأساسية في تحقيق استقلالية اقتصادية طويلة الأمد، سواء لتعزيز إعادة الإعمار في أوكرانيا أو لتأمين سلاسل التوريد العالمية الحيوية للولايات المتحدة.

مع ذلك، يطرح الصندوق تحديات كبيرة، تشمل الحفاظ على السيادة الاقتصادية الأوكرانية، وضمان استفادة البلاد من مواردها دون تأثير سلبي سياسي أو اقتصادي، فضلا عن تأثيره المحتمل على سوق المعادن العالمية، خصوصا في أوروبا. كما يفتح المجال أمام استكشاف فرص استثمارية في قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا، التصنيع والطاقة النظيفة، وإمكانية التعاون مع شركاء دوليين لتعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية.

إذا أُدير هذا الصندوق بحكمة، فقد يصبح نموذجا يجمع بين الدعم العسكري والاقتصادي، ويعزز قدرة أوكرانيا على إعادة بناء بنيتها التحتية وتنمية اقتصادها الوطني، مع الاحتفاظ بسيادتها ومصالحها الاستراتيجية على المدى الطويل.

في حديثه للأيام نيوز، أكد المحلل السياسي د. إسماعيل خلف الله الجزائري أن الأهمية الاستراتيجية للمعادن الأساسية بالنسبة لأوكرانيا والولايات المتحدة تتجاوز الجانب الاقتصادي التقليدي، لتشمل أبعادا دفاعية وتكنولوجية واستراتيجية. فبالنسبة للولايات المتحدة، هذه المعادن ضرورية لتأمين سلاسل التوريد الصناعية والتكنولوجية وتقليل الاعتماد على المنافسين العالميين، بينما تمثل لأوكرانيا فرصة لتعزيز موقعها الاقتصادي الاستراتيجي، لكنها في الوقت نفسه تجعلها مرتبطة بالسياسة الأمريكية بشكل مباشر.

د. إسماعيل خلف الله الجزائري

وأوضح خلف الله أن الصندوق الاستثماري لا يقتصر دوره على ضخ الأموال، بل يشكل أداة لتعزيز إعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي في أوكرانيا عبر تمويل مشاريع مستدامة في قطاع المعادن. كما يوفّر فرصا لإنشاء وظائف جديدة، وتطوير البنية التحتية الصناعية، ودعم القطاعات المرتبطة بالتصنيع والإنتاج التكنولوجي، مع الإشارة إلى أن كل هذه الفوائد ستكون متزامنة مع توجيهات واشنطن في إدارة الموارد.

وفيما يتعلق بدور مؤسسة تمويل التنمية الدولية (DFC)، أشار د. خلف الله إلى أنها تلعب دور الوسيط الحاسم في ربط رأس المال الأمريكي بالمشاريع الأوكرانية، بما يضمن أن تكون الاستثمارات متوافقة مع المصالح الأمريكية الاستراتيجية.

هذا الربط يجعل الولايات المتحدة قادرة على التأثير على إدارة الموارد الوطنية الأوكرانية، ويبرز الطبيعة المزدوجة للاتفاق بين الدعم العسكري والهيمنة الاقتصادية.

وحذّر خلف الله من المخاطر الاقتصادية والسياسية المحتملة، مؤكدا أن منح الولايات المتحدة أولوية الاستفادة من مشاريع المعادن قد يقلل من استقلالية أوكرانيا في اتخاذ قرارات اقتصادية، ويزيد من تعرضها لضغوط داخلية وخارجية، خاصة في ظل المنافسة الأوروبية والطلب العالمي المتزايد على المعادن الاستراتيجية.

وأضاف أن الاتفاقية قد تؤثر على سوق المعادن العالمية، خصوصا في أوروبا، من خلال إعادة توجيه الإنتاج الأوكراني وتغيير ديناميكيات العرض والطلب، ما يضع واشنطن في موقع مؤثر على الأسعار وسلاسل التوريد.

وفيما يخص القطاعات الأخرى، أوضح الدكتور خلف الله أن الاستثمار في المعادن يمكن أن يفتح فرصا كبيرة في مجالات التكنولوجيا الحديثة، التصنيع، الطاقة النظيفة، والخدمات اللوجستية، لكنه شدد على أن هذه الفرص ستظل مرتبطة بالمصالح الأمريكية ما لم تُدر عبر سياسات وطنية حازمة للحفاظ على السيادة.

وختم د. إسماعيل خلف الله حديثه للأيام نيوز بالتأكيد على أن أوكرانيا، رغم كل الفرص الاقتصادية التي يوفرها الصندوق، تبقى تحت رحمة الولايات المتحدة، حيث أن أي تقدم في إعادة الإعمار أو استغلال الموارد الوطنية سيكون مرتبطا بالقرار الأمريكي وإشرافه المباشر، ما يجعل الحفاظ على استقلالها الاقتصادي تحديا مستمرا.