لا شك أن موجة الاعترافات بدولة فلسطين، والتي تتزايد مؤخرًا من دول عديدة حول العالم، تمثل تطورًا دبلوماسيًا بالغ الأهمية. هذا الاعتراف لا يمكن التقليل من شأنه، فهو يشكّل من حيث المبدأ صفعة متكررة للاحتلال الإسرائيلي، ويؤكد على أن العالم لم يبتلع رواية "إسرائيل وحدها في حقها" كما تسعى لفرضها منذ عقود.
بل إن مجرد اعتراف الدول بفلسطين كدولة مستقلة هو تحدٍ مباشر للرواية الصهيونية، ورسالة تضامن سياسية ومعنوية مع الشعب الفلسطيني. ولذا، لا بد من توجيه الشكر لكل دولة خطت هذه الخطوة، وسعت إلى حشد المزيد من الاعترافات حولها.
لكن، ورغم رمزية هذه الخطوة، يبقى السؤال الجوهري مطروحًا بإلحاح: ماذا بعد الاعتراف؟
فبينما يعترف العالم بفلسطين، تواصل "إسرائيل" ضمّ أراضي الدولة المُعترف بها، وتُسرّع من وتيرة الاستيطان بشكل غير مسبوق في الضفة الغربية. وعلى الجانب الآخر، تمضي آلة الحرب في غزة بعمليات إبادة وتطهير وتهجير ممنهج، في تحدٍ صارخ لكل القوانين الدولية، وضرب لكل القيم الإنسانية.
إن الاعتراف بدولة فلسطين، إذا لم يُترجم إلى إجراءات عملية ضد الاحتلال، فسيفقد معناه تدريجيًا. ما قيمة الاعتراف إذا كانت الأرض تُسرق، والسكان يُقتلون أو يُهجّرون؟
ما المطلوب الآن؟
الخطوة التالية المنطقية، التي تقع على عاتق الدول المعترفة، هي فرض عقوبات على إسرائيل بوصفها دولة تحتل أراضي دولة أخرى ذات سيادة معترف بها. لا يمكن التعامل مع إسرائيل فقط كقوة احتلال في نزاع سياسي، بل يجب أن يُنظر إليها اليوم كدولة تعتدي على دولة أخرى اعترف بها المجتمع الدولي رسميًا. إن الصمت بعد الاعتراف يُفهم بأنه مجرد "إجراء رمزي"، وقد تستغله "إسرائيل" لتظهر أمام العالم وكأنها لا تواجه أي تبعات حقيقية لأفعالها. أما التحرك الجاد، فهو الذي يبدأ بـ:
وقف صفقات السلاح والتعاون العسكري مع "إسرائيل".
فرض عقوبات اقتصادية وسياسية.
إحالة جرائم الحرب إلى المحاكم الدولية.
دعم جهود الفلسطينيين في المحكمة الجنائية الدولية.
ختامًا:
الاعتراف مهم، لكنه لا يصنع دولة على الورق فقط. الدولة تحتاج أرضًا، وسكانًا، وسيادة حقيقية. وإذا لم تتحرك الدول المُعترفة لدعم هذه الدولة الناشئة، فإننا سنكون أمام نموذج لدولة يُعترف بها دوليًا… ولكن بلا أرض، ولا أمن، ولا حياة.