2025.09.30
عاجل :



الجزائر جسر استراتيجي.. و\ تقارير

الجزائر جسر استراتيجي.. و"المبادرات الخضراء" مستقبل القارة


ربيعة خطاب
12 سبتمبر 2025

منذ عقود وإفريقيا تُوصف بأنها "القارة الواعدة"، غير أنّ التحولات الجيو-اقتصادية الراهنة تجعلها اليوم أمام لحظة تاريخية فارقة: إما أن تتحول إلى قوة اقتصادية فاعلة وموحّدة، أو تبقى ساحةً لتجاذبات القوى العالمية. فالتحديات المرتبطة بسلاسل الإمداد العالمية، وأزمة المناخ، والتحول الرقمي، كلها تدفع القارة إلى البحث عن بدائل داخلية تعزز استقلاليتها الاقتصادية وتقلّص تبعيتها للخارج.

وفي هذا السياق، برز المعرض التجاري الإفريقي البيني (IATF) كأكثر من مجرد تظاهرة اقتصادية؛ فهو منصة لصياغة مشروع تكاملي إفريقي جديد، حيث تلتقي الشركات الناشئة مع كبريات المؤسسات، وتُختبر الأفكار المبتكرة أمام حاجات الأسواق المحلية والإقليمية. لقد باتت هذه الفضاءات بمثابة محركات لإعادة رسم المشهد الاقتصادي للقارة، من خلال تشبيك الشراكات، وتبادل الخبرات، وبناء تصورات مشتركة حول المستقبل.

في حديثها لـ"الأيام نيوز"، أكدت سميرة حسان، مديرة العمليات في شركة Acentrium Africa (من نيجيريا)، أن المشاركة في الدورة الأخيرة من المعرض كانت محطة استراتيجية بالغة الأهمية لشركتها، مشيرة إلى أن أهم مكسب تحقق يتمثل في بناء شراكات جديدة في مجالات التكنولوجيا الرقمية والطاقة النظيفة. وتصف التجربة بأنها "فرصة ثمينة لتبادل الخبرات وفهم أعمق للتحديات المشتركة".

سميرة حسان، مديرة العمليات في شركة Acentrium Africa (من نيجيريا)

وترى حسان أن هذه الفضاءات القارية ليست ترفًا اقتصاديًا أو دبلوماسيًا، بل هي أدوات عملية لدفع مسار الاندماج الإفريقي قدمًا. فهي في نظرها تسمح بخلق لغة مشتركة بين الفاعلين الاقتصاديين، وتؤسس لثقة متبادلة، وتترجم الشعارات الكبرى إلى مبادرات ملموسة عابرة للحدود. وبهذا المعنى، يصبح المعرض وغيره من المنصات القارية بمثابة رافعة سياسية واقتصادية في آن واحد.

غير أن حسان لا تُخفي وجود عقبات جدية على الأرض. فالتفاوت الكبير في البنية التحتية بين الدول الإفريقية، واختلاف الأطر القانونية والتنظيمية من بلد لآخر، يشكلان تحديًا جوهريًا أمام أي مشروع اقتصادي متكامل. لكنها في الوقت ذاته تنظر إلى هذه العقبات كفرص ابتكار، مؤكدة أن شركتها تسعى إلى تطوير حلول مرنة تناسب خصوصيات كل بلد، بدل فرض نماذج جاهزة قد تفشل في التأقلم مع الواقع المحلي.

وتشدد حسان على أن الاستدامة والابتكار التكنولوجي يجب أن يسيرا جنبًا إلى جنب. فالمشاريع الاقتصادية في إفريقيا، كما تقول، لن تكون ذات جدوى طويلة الأمد ما لم تدمج البعد البيئي في استراتيجياتها. فبالنسبة لها، "لا فصل بين الابتكار والمسؤولية البيئية"، بل إن المستقبل الاقتصادي للقارة يتوقف على قدرتها على بناء اقتصاد أخضر يقوم على الطاقات المتجددة والتكنولوجيا النظيفة.

وفي رؤيتها لمستقبل القارة، تعتبر حسان أن الشباب يمثلون الرهان الأكبر. فهم ليسوا مجرد قوة عمل، بل طاقات إبداعية قادرة على صياغة حلول إفريقية خالصة لمشكلات إفريقية بحتة، سواء في مجال الزراعة الذكية، أو الخدمات الرقمية، أو الطاقات المتجددة. هذه الفئة، برأيها، هي الجسر الحقيقي الذي يمكن أن يربط الحاضر بالمستقبل.

أما عن الجزائر، فقد اعتبرتها حسان نقطة ارتكاز أساسية في مشروع التكامل الاقتصادي الإفريقي، بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي وقدراتها اللوجستية والبشرية. فهي تمثل جسرًا طبيعيًا بين شمال القارة وعمقها الإفريقي، ما يجعلها مرشحة للعب دور محوري في أي مسعى لبناء سوق قارية موحدة.

وتختتم حسان حديثها بالتأكيد على الرؤية المستقبلية لشركتها، التي تسعى للتوسع أكثر في قطاعات التكنولوجيا النظيفة والخدمات الرقمية، مع إطلاق مبادرات مشتركة مع مراكز الابتكار في غرب وشرق إفريقيا. لكنها ترى أن نجاح هذا المسار لا يتوقف فقط على جهود الشركات، بل يتطلب إرادة سياسية قوية، وبنية تحتية إقليمية متكاملة، والأهم ثقة أكبر بين شعوب القارة، حتى تتحول إفريقيا من مجرد سوق واعدة إلى قوة اقتصادية موحدة لها كلمتها في النظام العالمي الجديد.