2025.10.13



الهند و\ حوارات

الهند و"إسرائيل" والسعودية وباكستان.. لعبة النفوذ تتصاعد في قلب آسيا


المحامي الباكستاني بن عقيل خان يعتبر الاتفاق الباكستاني-السعودي تحالفًا دفاعيًا معقدًا يجمع بين القدرات النووية الباكستانية وثروة السعودية النفطية لمواجهة التهديدات الإقليمية. التحالف يهدف إلى التوازن والردع أكثر من الهيمنة، لكنه يحمل مخاطر تصعيد الصراعات ويختبر قدرة الأطراف على ضبط النفس وسط ضغوط اقتصادية وجيوسياسية متزايدة، في ظل تنافس جيوسياسي يشمل الهند و"إسرائيل" وروسيا والصين والولايات المتحدة.

بن عقيل خان - محامي وباحث في الشؤون السياسية (عمان)

بين صفقات الأسلحة الضخمة وتوترات كشمير المستمرة، تتشكل في جنوب آسيا معادلة أمنية معقدة. العلاقات القوية بين الهند و"إسرائيل" لا تقتصر على التحالف السياسي، بل تمتد إلى تجارة أسلحة تقدر بنحو 10 مليارات دولار، في حين يشكل التحالف السعودي-الباكستاني عنصرًا موازنًا يهدد بإعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمي. ويشير المحامي بن عقيل خان إلى أنّ أي تصعيد في كشمير قد يعزل نيودلهي، خصوصًا إذا استُخدمت الرياض مواسم الحج أو النفط كسلاح ضغط استراتيجي، مما يضيف بعدًا سياسيًا حاسمًا للمنطقة.

الاعتماد الذاتي الهندي وديناميكيات الخليج المعقدة

يشير الباحث إلى أنّ مأزق روسيا في أوكرانيا قلّص تدخلها العسكري المباشر، مما دفع الهند إلى تعزيز مبدأ "أتمنيربهارت" (Atmanirbhar Bharat) أي الاعتماد على الذات. ورغم هذا التوجه، يؤكد الخبير أنّه يكشف أيضًا عن تبعية نسبية تجاه القوى الكبرى. ويضيف بن عقيل خان أنّ الوضع في الخليج يتسم بتعقيدات متزايدة؛ فالإمارات وقطر، كشركاء في مبادرة I2U2 مع الهند، لعبتا دور الوساطة عبر قنوات خلفية في ملف سندور، بينما الاتفاق السعودي-الباكستاني توج بحوالي 3 مليارات دولار ودائع سعودية لإنقاذ باكستان من صندوق النقد الدولي. ويرى الباحث أنّ عُمان والبحرين، اللتان تستضيفان قواعد أمريكية، تعطيان الأولوية للاستقرار، إذ قد يعطل تشجيع باكستان مضيق هرمز، مما يرفع سعر برميل برنت إلى 100 دولار ويؤثر بشكل مباشر على فاتورة واردات الهند البالغة 120 مليار دولار.

عدم التوازن في الاتفاق: أبعاد اقتصادية وعسكرية حاسمة

يؤكد المحامي الباكستاني أنّ الاتفاق لا يشكل لعبة شطرنج واضحة، وإنما يعكس عدم التوازن الاستراتيجي؛ فهو يردع تحركات الهند عبر رفع تكاليف التصعيد من خلال التهديدات النووية، لكنه في الوقت نفسه يخاطر بالإفراط في التمدد الاقتصادي مع ضغط ديون باكستان البالغ 87 مليار دولار. ويرى الباحث أنّ السعودية تسعى لاقتناء أسلحة أمريكية دون التفريق بين مصالحها، بينما يظل رئيس وزراء الهند مودي المستهدف بقيمة 50 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ويضيف بن عقيل خان أنّ الاتفاق يعد جزءًا من إعادة ترتيب أوسع للتحوط الخليجي والتحالف مع محور الناتو في المحيطين الهندي والهادئ، مع مراعاة التفاهمات الروسية-الصينية، مما يجعل جنوب آسيا مركزًا عالميًا للاستقرار الاستراتيجي.

ويشير الباحث إلى أنّه لا يمكن النظر للاتفاق بين السعودية وباكستان كمصافحة عابرة، بل هو انعكاس للمنطق الدائم للتحالفات: تحصينات ضد الأعداء، لكنها قد تتحول أحيانًا إلى نقاط توتر تصاعدية. ويؤكد بن عقيل خان أنّ التاريخ يعلمنا أن مثل هذه التحالفات، مثل التحالف المزدوج لعام 1879 بين ألمانيا والنمسا-المجر، حلّت أزمات دفاعية لكنها غذت نزاعات أوسع مثل شرارة الحرب العالمية الأولى. ويرى الباحث أنّ التحالف السعودي-الباكستاني يضخم الردع عبر الترسانة النووية الإسلامية لباكستان، ويعد بحماية مشتركة ضد تهديدات مثل إيران، لكنه معرض للتوترات في مناطق مثل كشمير والبحر الأحمر، ما يزيد من هشاشة التوازن الإقليمي.

آليات الردع والدفاع المشترك

يؤكد الخبير أنّ الاتفاقية تنطلق من أكثر من أربعين عاماً من التعاون، تشمل تدريب القوات السعودية من باكستان وقروض سعودية مجدولة بقيمة 5 مليارات دولار. ويرى الباحث أنّ تبادل المعلومات الاستخباراتية، الدفاعات الجوية المتكاملة، والانتشار السريع للقوات تشكل الركيزة الدفاعية لمواجهة تهديدات غير متكافئة مثل طائرات الحوثيين بدون طيار أو غزوات الوكلاء الإيرانيين. ويضيف بن عقيل خان أنّ قوة الجيش الباكستاني التي تضم 650 ألف جندي، إلى جانب اللوجستيات الضخمة الممولة من النفط السعودي، تشكل حاجزًا دفاعيًا قويًا على الجناح الشرقي للمملكة، ما يعزز الاستقرار النسبي للمنطقة بأكملها.

ويؤكد الباحث أنّ الاتفاق يمثل نموذج الردع الموسع الكلاسيكي، حيث تتولى القدرات النووية التكتيكية لإسلام أباد دورًا ردعيًا ذا عتبات محددة ضد الهجمات التقليدية، بما يلقي بظلال من الردع على الخليج. ويرى بن عقيل خان أنّ "المظلة النووية" للرياض تردع المغامرات دون ضمانات صريحة بالاستخدام الأول، بينما يسمح الاتفاق بردود فعل هجومية محسوبة، ربما بدعم القوات الخاصة الباكستانية للعمليات السعودية في اليمن، لكنه يضع قيودًا على التفويضات الوقائية، معتمداً على ضبط النفس لتفادي مواجهات غير محسوبة.

تشابكات التحالفات التاريخية ودروسها للواقع الراهن

يشير الباحث إلى أنّ تاريخ التحالفات في القرن العشرين يقدم عبرات مهمة؛ فمثلاً التحالف الثلاثي لعام 1882 أوقع إيطاليا مع ألمانيا والنمسا-المجر في شبكة دفاعية وهجومية دفعت لتوسع إمبريالي أفضى إلى تفكك لاحق. ويرى بن عقيل خان أنّ الاتفاقية العسكرية الفرنسية-الروسية عام 1894 جسدت مزيجًا من الدفاع والهجوم أدى إلى سباق تسلح حاد. ويضيف الباحث أنّ هذه الدروس تحذر من الانزلاقات في الخليج وسط تقدم إيران في الصواريخ الباليستية، مما يحتم على دول الخليج تفادي الانزلاق إلى فخ التصعيد المستمر.

كما يشير الخبير إلى أنّ الصين ترسم تحالفات مبتكرة تراعي الطابع الاقتصادي العسكري، إذ تبني أكثر من 100 شراكة استراتيجية بدون حلف عسكري مباشر. ويرى الباحث أنّ تأمين الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC) بقيمة 62 مليار دولار يعزز السيطرة على موانئ استراتيجية مثل غوادار، لتأمين العمليات الدفاعية والهجومية في المحيط الهندي. ويضيف بن عقيل خان أنّ علاقة الصين مع باكستان مطورة لتصبح "رابطة حديدية" تتجاوز التنسيق التقليدي، في حين أنّ تبني الرياض مبادرة الحزام والطريق يعكس تنويعًا بعيدًا عن الحماية الأمريكية، وسط حذر من منظمة شنغهاي للتعاون بمخاطر التوسع المستقبلي.

باكستان نقطة جذب استراتيجية بين قوى العالم

ويؤكد بن عقيل خان أنّ باكستان استمدت مكانتها الاستراتيجية من خلال اتفاقيات دفاعية كبرى منذ الحرب الباردة، كالانضمام إلى منظمات SEATO وCENTO، وعاملًا رئيسيًا بعد أحداث 11 سبتمبر من خلال تلقي 33 مليار دولار من الدعم الأمريكي. ويؤكد بن عقيل خان أنّ هذه الاتفاقيات تهدف إلى تفادي هيمنة الهند، إلا أنّ ذلك يقيد إلى حد ما سيادة باكستان. ويضيف الباحث أنّ مبدأ "العمق الاستراتيجي" الذي تتبناه باكستان يعزز تقاربها مع تركيا، الصين، و"السعودية"، لتؤكد مكانتها كركيزة رئيسية للأمة الإسلامية.

ويرى خان أنّ ضخامة التجارة الهندية-"السعودية" التي تبلغ 100 مليار دولار لا تعكس انقسامًا كبيرًا بين نيودلهي و"السعودية"، بل تقييمًا حذرًا متبادلاً. ويؤكد الباحث أنّ التغطية الإعلامية الدولية عبر مصطلح "جبهة واحدة" تغذي القلق "الإسرائيلي" المستمر. ويضيف بن عقيل خان أنّ الاتفاق يوفر درعًا صاروخيًا يعادل حدود التحالف المزدوج، بينما يفتح المجال لعمليات هجومية مشتركة بحذر. ويرى الباحث أنّ التوسع النووي الغامض لـ"إسرائيل" يبقيها رادعًا ضمنيًا، وقد يثير التقارب "السعودي"-"الإسرائيلي" حساسيات باكستانية خاصة بسبب تعاطفها مع القضية الفلسطينية. ويؤكد بن عقيل خان أنّ مراقبة الغرب لتحركات الخليج وانسحاب القوات الأمريكية من المحيطين الهندي والهادئ لصالح النفوذ الصيني يدفع نيودلهي لتعزيز تحالفاتها ضمن الإطار الرباعي (QUAD) الاستراتيجي.

ويخلص المحامي إلى أنّ الاتفاق السعودي-الباكستاني، مع إشراقة الفجر فوق الكعبة واحتجاب المآذن في مغرب إسلام آباد، يبشّر بمرونة في مواجهة المتغيرات المعقدة. ويؤكد بن عقيل خان أنّه مستوحى من تحالف تشرشل-روزفلت وتوازنات بسمارك، ويلتزم بتحقيق استقرار خليجي ضمن مد وجزر النفوذ الأمريكي الصيني. ويرى الباحث أنّ التساؤل حول مدى جدية التنفيذ، وصرامة الالتزام، وتأثيرات الروح السياسية وراء الاتفاق، متداخلًا مع مطالبات إيران وحقوق الهند. ويختتم بن عقيل خان بالقول إنّ التحالفات تظل حبرًا على ورق ما لم يتوجها حكمة وفعل يضمنان صلابة المواثيق.