2025.10.13



بوتين يحذّر وأوكرانيا تستعد.. لعبة الصواريخ الاستخباراتية تبدأ حديث الساعة

بوتين يحذّر وأوكرانيا تستعد.. لعبة الصواريخ الاستخباراتية تبدأ


سلسبيل شعبان
06 أكتوبر 2025

دخل الصراع الروسي الأوكراني مرحلة بالغة الحساسية، تنذر بإعادة رسم موازين القوى الدولية على نحو عميق، فالتصعيد الأخير بين موسكو وواشنطن حول تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى ومعلومات استخباراتية دقيقة أعاد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، ورفع منسوب القلق من مواجهة مباشرة بين القوتين النوويتين الأكبر في العالم. في هذا السياق، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحذيرا شديد اللهجة، معتبرا أن نقل صواريخ من طراز «توماهوك» إلى كييف سيكون بمثابة «تدمير» للعلاقات الروسية الأمريكية، وربما إنهاء لأي بوادر إيجابية ظهرت مؤخرا بين الطرفين ،وبالمقابل، تشير تقارير أمريكية إلى قرار يسمح بمشاركة بيانات استخباراتية متقدمة مع أوكرانيا لدعم ضربات بعيدة المدى داخل العمق الروسي، مع بحث تزويدها بصواريخ «توماهوك» و«باراكودا»، في خطوة يرى فيها مراقبون تحوّلاً استراتيجياً قد يبدّل قواعد الاشتباك على الأرض، ويفتح الباب أمام فصل أكثر خطورة في هذا الصراع المستعصي على التهدئة.

في هذا المشهد، يتحول النزاع إلى لعبة استراتيجية ذات درجات عالية من المخاطر، حيث كل خطوة يمكن أن تكون شرارة تصعيد جديدة، والعالم يترقب بحذر شديد، فتزاوج المعلومات الاستخباراتية مع قدرات الصواريخ البعيدة المدى يمنح كييف قدرة غير مسبوقة على توجيه ضربات مؤثرة داخل الأراضي الروسية، بينما تقف موسكو على أهبة الاستعداد، ملوحة بردود قوية قد تمتد من المجال العسكري إلى الاقتصادي والدبلوماسي. كل هذه العناصر تجعل من الأزمة اختبارا صارخا لمستوى الحزم الغربي، ولحدود صبر روسيا، ولقدرة الوساطات الدبلوماسية على منع انفجار المواجهة إلى صراع مفتوح يتجاوز كل الحسابات التقليدية.

"إن تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك سيؤدي إلى تدمير علاقاتنا، أو على الأقل الاتجاهات الإيجابية التي ظهرت فيها"، بهذه العبارة الحادة افتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالته الأخيرة، واضعا سقفا سياسيا واضحا أمام أي مقترح أمريكي يجيّر قدرات بعيدة المدى لدعم كييف. ولم يكن هذا التصريح مجرد تهديد كلامي، بل جاء كتحذير صريح بأن موسكو سترد «بطريقة مناسبة» على أي نقل لمنظومات هجومية متقدمة. هذا التحذير يضع العالم أمام احتمالين: إما توسيع الدعم الغربي لأوكرانيا للوصول إلى أهداف استراتيجية داخل الأراضي الروسية، أو احتواء هذا الدعم للحفاظ على قنوات التواصل ومنع انزلاق الصراع إلى مواجهة أوسع وأكثر خطورة.

جاء تحذير بوتين بعد تقارير أمريكية أكدت أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أذنت لأجهزة الاستخبارات ووزارة الدفاع بتقديم معلومات استخباراتية لأوكرانيا تمكنها من تنفيذ ضربات بعيدة المدى تستهدف البنية التحتية للطاقة داخل روسيا. موسكو ترى في ذلك تورطا مباشرا، ليس فقط بتسليم سلاح، بل بمشاركة معلومات الاستهداف التي تحول الضربات إلى عمليات دقيقة قد تصل إلى مصافي النفط ومحطات توليد الكهرباء وأنابيب الطاقة البعيدة عن الحدود.

المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أوضح أن القضية ليست تقنية فحسب، بل تتعلق بمن سيطلق هذه الصواريخ ومن يحدد أهدافها، مع تساؤل ضمني عن مستوى المشاركة الأمريكية المباشرة في العمليات، ما يجعل أي ضربة محتملة «مؤشرا تصعيديا نوعيا» من وجهة نظر موسكو. وبحسب بوتين، فإن استخدام هذه الصواريخ دون وجود مباشر للخبرات العسكرية الأمريكية أمر عمليا مستحيل، ما يضفي على أي خطوة من هذا النوع بعدا سياسيا وعسكريا كبيرا.

الخطوة المقترحة، والتي تتضمن مشاركة معلومات استخباراتية وربما تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى مثل «توماهوك» و«باراكودا»، تمثل تحولا نوعيا في سياسة دعم الولايات المتحدة. الدعم السابق كان يقتصر غالبا على طائرات مسيرة وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، إضافة إلى دعم لوجستي ودفاعي. أما الآن، فإن نقل المعلومات الاستخباراتية لشن ضربات داخل عمق الأراضي الروسية يمنح أوكرانيا قدرة استثنائية على استهداف مصادر التمويل والقدرة الصناعية لموسكو، ما يعيد رسم معادلات الردع والاستراتيجية العسكرية.

مسؤولون أمريكيون أوضحوا أن أي قرار نهائي لم يُتخذ بعد، وأن مشاركة المعلومات تخضع لتعليمات مكتوبة من البيت الأبيض، مع استمرار تقييم مخاطر توسيع الاشتباك إلى مواجهة مباشرة بين القوات الأمريكية والروسية. وفي الوقت نفسه، يدرس ترامب إرسال ذخائر هجومية بعيدة المدى بمدى بين 150 و280 ميلا، بالإضافة إلى منظومات صاروخية برية وجوية أخرى، ما يعني استعدادا أمريكيا لرفع سقف الدعم العسكري لكن ضمن ضوابط دقيقة لتجنب تصعيد لا يمكن السيطرة عليه.

صواريخ «توماهوك» تُعد من أدق وأبعد الأسلحة الأمريكية، بمدى يصل إلى نحو 1500 ميل، ما يمنح أوكرانيا القدرة على ضرب أهداف استراتيجية عميقة دون الحاجة لوجود قواعد قرب الحدود الروسية. أما صواريخ «باراكودا» ومنظومات البر–جو الأخرى بمدى 150–500 ميل فتتيح خيارات مرنة للتدخل بعيد المدى.

إدخال البُنى الاستخباراتية الأمريكية في حلقة الاستهداف يزيد من دقة الضربات، لكنه يثير تحديات أخلاقية وقانونية تتعلق بمسؤولية أي خطأ أو أضرار جانبية. آليات المراجعة داخل البنتاجون، والتوجيهات الكتابية من البيت الأبيض، تشير إلى محاولة السيطرة على نطاق الاستخدام، لكن المخاطر تبقى كبيرة من منظور موسكو، التي تعتبر أي استخدام لهذا النوع من الأسلحة كعمل مباشر ضد الأراضي الروسية.

ردود الفعل الأوروبية جاءت متفاوتة: ألمانيا ودول غربية رحبت بضرورة تعزيز قدرات كييف على ضرب خطوط الإمداد لتعطيل القدرات اللوجستية والطاقة لموسكو، معتبرة أن نقل المعركة «ما وراء خطوط الجبهة» قد يخفف الضغط عن الدفاعات الأوكرانية. استثمرت ألمانيا نحو 350 مليون دولار لتطوير الصناعة العسكرية الأوكرانية لتمكينها من تنفيذ ضربات بعيدة المدى. لكن هناك أصواتا أوروبية تحذر من أي تصعيد كبير في نوعية الدعم، خشية من تحويل النزاع إلى دوامة عنيفة يصعب التحكم بها، خصوصا أن استهداف البنية التحتية الحيوية قد يمتد أثره إلى المدنيين وأسواق الطاقة العالمية، ما يجعل الحسابات الاقتصادية والسياسية معقدة للغاية.

المنطق العسكري من وراء استهداف منشآت الطاقة واضح: تعطيل مصادر الطاقة والمصانع يقلل قدرة موسكو على تمويل العمليات العسكرية، ويضعف استمرارية العمليات القتالية. من منظور استراتيجي، ضرب المصافي ومحطات الكهرباء يؤثر على التمويل، الموارد، والقدرة الإنتاجية لموسكو، لكنه قد يؤدي أيضا إلى أزمات إنسانية واسعة وإعادة هيكلة أسواق الطاقة العالمية، ما يزيد من تعقيد الحسابات الدولية ويضع ضغوطا إضافية على صانعي القرار في واشنطن وبرلين.

الحقيقة أن كل طرف يتصرف بحذر: موسكو تهدد بردود فعل عسكرية أو اقتصادية أو دبلوماسية، في حين تحاول واشنطن توسيع أدوات الضغط على روسيا ضمن رقابة دقيقة. هذا التوازن الهش يعني أن أي قرار عملي لإرسال صواريخ بعيدة المدى أو معلومات استخباراتية ليس فوريا، ويخضع لحسابات داخلية أمريكية، ولتوقعات موسكو للرد، فضلا عن المخاطر المرتبطة بالاعتبارات القانونية والسياسية الدولية.

تصريح بوتين الأخير يشكل اختبارا حقيقيا للحدود التي يمكن للغرب تجاوزها في دعم أوكرانيا، ولحدود الصبر الروسي، ولقدرة الدبلوماسية الدولية على منع التصعيد. في الوقت الذي يسعى فيه الغرب لإضعاف قدرات موسكو على تمويل واستمرار العمليات العسكرية عبر ضرب البنية التحتية، تحذر روسيا من أن هذه الخطوات قد تُعيد تشكيل العلاقات الدولية وتفتح فصولا جديدة من التوتر.

السؤال الرئيسي يبقى: هل ستُبقي الضوابط والتنسيقات الأمور ضمن حدود إدارة النزاع الحالية، أم أن خطوة واحدة خاطئة قد تعيد رسم قواعد الاشتباك نحو مواجهة أكثر خطورة؟ العالم اليوم يترقب، بطيف من القلق والحذر، لأن العواقب المحتملة لأي خطأ قد تتجاوز الحسابات التقليدية لصانعي القرار السياسي والعسكري.