في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان بدايات الثورة الصحراوية في سبعينيات القرن الماضي، خرج آلاف المواطنين الصحراويين في مظاهرات حاشدة بمدينة العيون المحتلة وعدد من مخيمات اللاجئين الصحراويين تنديدًا بما وصفوه بـ"تواطؤ مجلس الأمن الدولي" مع المحتل المغربي في الصحراء الغربية.
المظاهرات التي رُفعت خلالها أعلام الجمهورية الصحراوية وشعارات المطالبة بالاستقلال وتنظيم استفتاء تقرير المصير، تأتي في ظل حالة من الاحتقان السياسي وخيبة الأمل الشعبية عقب صدور آخر تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، الذي لم يأتِ بجديد فيما يخص آليات تسريع العملية السياسية المتعثّرة منذ عقود.
في خضم هذا المشهد المتوتر، عبّر عدد من المحللين عن مخاوف من تحول نوعي في تكتيك المقاومة الصحراوية، خاصة بعد تحذيرات صريحة أطلقها المحلل الصحراوي إسماعيل يعقوبي الشيخ سيديا، الذي أكد أن "الصحراويين لا يملكون فيتو في مجلس الأمن، لكنهم يمتلكونه على أرضهم وفي ضمائرهم".
تُظهر المظاهرات اليوم في العيون والسمارة والداخلة المحتلة، إلى جانب مخيمات تندوف، أن الشعب الصحراوي لا يزال متمسكًا بخيار الاستقلال، رغم مرور أكثر من أربعة عقود على وقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب سنة 1991.
حمل المحتجون لافتات كتب عليها "لا بديل عن الاستقلال"، و"مجلس الأمن شريك في الاحتلال بصمته"، ورددوا شعارات ترفض ما وصفوه بـ"تطبيع الأمم المتحدة مع الاحتلال المغربي".
وفي تصريح خاص لـ"الأيام نيوز"، قال المحلل الموريتاني إسماعيل يعقوبي الشيخ سيديا إن "الصحراويين ليس لديهم فيتو في مجلس الأمن الدولي، ولكن لديهم فيتو في كل شبر من الصحراء الغربية بمقابرها ومحابرها وقلوب أحيائها وأمواتها"، مضيفًا أن "مجلس الأمن الدولي والشعب الصحراوي كلاهما في واد منذ انسحاب إسبانيا من الإقليم سنة 1975".

المحلل الموريتاني إسماعيل يعقوبي الشيخ سيديا
وأشار يعقوبي إلى أن استمرار تجاهل الإرادة الشعبية الصحراوية قد يؤدي إلى تحول جذري في أسلوب المقاومة، قائلاً: "إن أقر مجلس الأمن الدولي بما هو عكس إرادة الشعب الصحراوي، فأتوقع انتقال المقاتل الصحراوي من حرب الاستنزاف إلى تكتيك مغاير".
ويشير مراقبون إلى أن هذا التصريح يعكس تململًا داخل صفوف الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) من مسار التسوية الأممية، التي يرى فيها الكثيرون مجرد غطاء لإطالة أمد النزاع دون تحقيق أي تقدم ملموس.
التحركات الشعبية الأخيرة لم تكن عفوية؛ بل جاءت بعد سلسلة اجتماعات داخلية بين ممثلين عن المجتمع المدني الصحراوي، حيث تم الاتفاق على تصعيد النضال المدني وإعادة إحياء رمزية المقاومة السلمية التي عُرفت بها الانتفاضات السابقة، خصوصًا تلك التي اندلعت في 2005 و2010 (انتفاضة أكديم إيزيك)، والتي شكّلت منعطفًا حاسمًا في الوعي الجمعي الصحراوي.
تجاهل مطالب الصحراويين قد يشعل المنطقة
يرى المحلل السياسي الجزائري منصوري قدور بن عطية، في تصريح خصّ به "الأيام نيوز"، أن "الصحراء الغربية تعيش اليوم لحظة مفصلية بين خيارين: إما أن يتحمل مجلس الأمن مسؤوليته التاريخية في فرض تطبيق مبدأ تقرير المصير، أو أن تعود المنطقة إلى مربع المواجهة المسلحة".
وأضاف بن عطية أن "المقاربة الأممية أصبحت رهينة توازنات القوى داخل المجلس، حيث يتحكم الفيتو الفرنسي والأمريكي في كل قرار، بينما يدفع الشعب الصحراوي وحده ثمن هذا الجمود السياسي".
ويعتقد المحلل الجزائري أن الجزائر، رغم مواقفها المبدئية الداعمة لحق الشعوب في تقرير مصيرها، لا يمكنها أن تفرض على الأمم المتحدة إرادةً تخالف القانون الدولي، مؤكّدًا أن "الكرة اليوم في ملعب الضمير الدولي، الذي يتغافل عن مأساة أقدم نزاع تصفية استعمار في القارة الإفريقية".

المحلل السياسي الجزائري منصوري قدور بن عطية
كما حذّر بن عطية من أن "التجاهل المستمر لمطالب الشعب الصحراوي قد يؤدي إلى عودة النزاع المسلح بشكل مفتوح، وهو ما سيهدد الأمن الإقليمي برمّته في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل".
وبينما يواصل مجلس الأمن عقد جلساته الدورية حول الصحراء الغربية دون اتخاذ إجراءات عملية لتطبيق قراراته السابقة، يتزايد الغضب في الشارع الصحراوي الذي يرى في ذلك انحيازًا مفضوحًا لصالح الاحتلال المغربي.
ويرى مراقبون أن الانتفاضة الجديدة في العيون المحتلة تمثل رسالة قوية إلى الأمم المتحدة بأن الوقت لم يعد في صالح التسويف، وأن استمرار الوضع الراهن قد يدفع جبهة البوليساريو إلى إعادة تعريف العلاقة مع المجتمع الدولي وفق منطق القوة الميدانية لا البيانات الدبلوماسية.
تبدو الصحراء الغربية اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع، تتقاطع فيها المقاومة الشعبية مع الخيارات العسكرية المحتملة، في ظل انسداد الأفق السياسي وغياب الإرادة الدولية الجادة.
المحلل الصحراوي إسماعيل يعقوبي لخص المشهد بقوله إن "كل قبر في الصحراء الغربية هو وثيقة سيادية"، فيما دعا نظيره الجزائري منصوري بن عطية إلى "تحمّل مجلس الأمن مسؤوليته الأخلاقية قبل أن تشتعل المنطقة من جديد".

