في وقت ما تزال فيه القارة الإفريقية تستورد معظم غذائها رغم امتلاكها أكثر من 60 بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة غير المستغلة، برزت الجزائر كإحدى الدول القليلة التي حققت استقرارًا ملحوظًا في مجال الأمن الغذائي، مما جعل تجربتها محل إشادة ومقارنة مع نماذج عالمية متقدمة. فرغم التحديات الداخلية والخارجية، تمكنت الجزائر عبر سياساتها الزراعية الطموحة واستثماراتها المتنوعة من تعزيز موقعها الريادي في القارة، لتقدم نموذجًا تنافسيًا في مواجهة الأزمات الغذائية التي تعصف بالعديد من الدول الإفريقية.
وفي هذا السياق، أفاد المهندس الزراعي والاستشاري، وعضو الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين الجزائريين، إبراهيم شاكر المنيعي، أن الجزائر تحتل موقعًا رياديًا في القارة الإفريقية من حيث الأمن الغذائي، حيث تعد الدولة الوحيدة المستقرة غذائيًا وغير المعرّضة للمجاعات بشكل مباشر.
"الأمن الغذائي الجزائري.. نموذج إفريقي
وأوضح المنيعي في تصريح لـ"الأيام نيوز" أن الجزائر، رغم التحديات الداخلية والخارجية، تعمل عبر الاستثمارات المحلية والأجنبية، وسياساتها الزراعية الطموحة، على تعزيز الاكتفاء الذاتي وتوسيع قدراتها في مواجهة الأزمات الغذائية المستقبلية، حيث تشير بيانات سنة 2025 إلى أن الجزائر تتصدر الدول الإفريقية في مؤشرات الأمن الغذائي، وتُقارن بمستويات مقبولة مع دول متقدمة عالميًا مثل كندا وبعض دول أوروبا، في وقت تشهد فيه بلدان إفريقية أخرى أزمات غذائية حادة تتجاوز نسبتها 30 بالمائة.
وأشار المتحدث إلى أن هذا التقدم لم يكن محض صدفة، حيث تُظهر المؤشرات الإفريقية والعالمية أن الجزائر تحتل المرتبة 54 عالميًا من بين 113 دولة وفق مؤشر الأمن الغذائي لسنة 2021، ويعود ذلك إلى عدة نقاط قوة، أبرزها: نسبة الانتفاع من الغذاء التي بلغت 78 بالمائة، وفرة الغذاء بـ58 بالمائة، النوعية والسلامة الصحية بأكثر من 60 بالمائة، إلى جانب مرونة اقتصادية وموارد طبيعية تجاوزت 50 بالمائة. كما تُعد الجزائر الدولة الوحيدة إفريقيًا التي سجلت نسبة مجاعة ونقص تغذية أقل من 2.5 بالمائة، مقارنة بدول مثل الكونغو، جمهورية إفريقيا الوسطى، والصومال، حيث تجاوزت النسب 35 بالمائة.
ومن بين العوامل التي دعمت مكانة الجزائر في هذا التصنيف: وفرة الإنتاج المحلي وتنوعه، سلامة الغذاء وجودته، إضافة إلى الموارد الطبيعية وعلى رأسها المياه، التي تمثل العمود الفقري للقطاع الزراعي.
وضرب المنيعي مثالًا بفاكهة التفاح المنتَجة في منطقة الأوراس بين ولايتي خنشلة وباتنة، والتي تُعد من أجود الأنواع عالميًا من حيث الجودة والإنتاجية، مع توقعات بارتفاع إنتاجها في السنوات المقبلة.
كما أشار إلى سياسة الدولة الزراعية التي فتحت مجالات واسعة لدعم الفلاحين والمزارعين، وهو ما أسهم في زيادة الإنتاج المحلي، إلى جانب الاستثمارات الاستراتيجية، خاصة في إنتاج الحليب، بودرة الحليب، اللحوم، والأعلاف، مع تركيز خاص على الحبوب، لاسيما القمح اللين الذي يعد من أساسيات الغذاء بالنسبة للمواطن الجزائري.
ورغم تحقيق الجزائر اكتفاءً ذاتيًا من القمح الصلب خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التحديات مستمرة، وهو ما دفعها إلى توسيع المساحات الزراعية، خاصة في المناطق الصحراوية، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في المنتجات الاستراتيجية.
المنتجات الجزائرية تصل الأسواق العالمية
وأكد المنيعي أن هذه الجهود تسير في اتجاه تحقيق هدف القضاء على الجوع بحلول 2030، أحد أهداف التنمية المستدامة، وذلك من خلال تعزيز قدرات المجمعات المحلية، إنشاء هياكل لتجميع الحبوب، وتوسيع غرف التبريد، بما يمنح القطاع دفعة قوية على مستوى الجودة والتخزين.
كما لفت محدث "الأيام نيوز"، إلى أهمية قطاع النقل، حيث تعمل الجزائر على إعادة بعث شبكة واسعة للسكك الحديدية لدعم نقل المنتجات الفلاحية وربط مختلف مناطق الوطن.
أما في مجال التصدير، فقد شهدت الجزائر نموًا متواصلًا في صادراتها نحو دول المغرب العربي، مثل تونس، ليبيا وموريتانيا، بفضل تشكيلة واسعة من المنتجات الزراعية من الخضر والفواكه والعتاد الفلاحي. وقد ساعدت الإعفاءات الجمركية وتسهيلات النقل البري والجوي على تسهيل مرور هذه المنتجات، إضافة إلى التنوع الزراعي الذي يميز الجزائر بين الشمال، الهضاب العليا والجنوب، ما يسمح بتوفير الإنتاج على مدار السنة.
ويضيف المنيعي أن الجزائر لا تكتفي بالأسواق الإفريقية، بل نجحت منتجاتها الزراعية في الوصول إلى الأسواق العربية والأوروبية وحتى كندا والولايات المتحدة الأمريكية، بفضل سمعتها الطيبة وجودتها العالية.
كما أشار إلى مشاركة الجزائر في معرض التجارة البينية الإفريقية، الذي عكس قدرتها على التوسع في التكامل الاقتصادي والترويج لصورتها كفاعل اقتصادي إقليمي ودولي، حيث وقّعت عقودًا استثمارية تجاوزت قيمتها 5 مليارات دولار، أي أكثر من 40 بالمائة من إجمالي الاتفاقيات المبرمة، وشملت عدة قطاعات وعددًا من الدول الإفريقية.
وختم المنيعي تصريحه بالتأكيد على أن المهندسين الزراعيين سيواصلون دعم الفلاحين والمربين الجزائريين، من أجل تعزيز فعالية القطاع، وتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في الأمن الغذائي الوطني، والتعريف بالمنتجات الجزائرية في الأسواق الإفريقية والعربية والدولية.
إعداد الصحفية: سهام سعدية سوماتي