في سياق ديناميكية أسواق الطاقة العالمية المتسارعة، شكّل استقبال وزير الدولة وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، محمد عرقاب، للأمين العام لمنتدى الدول المصدرة للغاز، محمد حامل، حدثاً ذا دلالات سياسية واقتصادية بارزة بالنسبة للجزائر.
اللقاء لم يكن بروتوكولياً فحسب، بل عكس بوضوح سعي الجزائر إلى تعزيز حضورها الاستراتيجي في واحدة من أهم المنصات الدولية للطاقة.
جاء هذا اللقاء في ظرفية حساسة، حيث يشهد قطاع الغاز الطبيعي تحولات عميقة بفعل تزايد الطلب العالمي، وضغوط الانتقال الطاقوي نحو الطاقات المتجددة وحروب الشرق الأوسط وأزمة أوكرانيا. وفي خضم هذه التغيرات، برزت الجزائر كفاعل محوري يجمع بين موقع جغرافي استراتيجي، واحتياطات معتبرة من الغاز، وإرادة سياسية للحفاظ على دورها كممون موثوق للأسواق الدولية.
ومن هنا، فإن تأكيد عرقاب التزام الجزائر بالعمل داخل المنتدى يعكس وعياً بأهمية التنسيق الجماعي لمواجهة التحديات، من بينها تقلبات الأسعار، وتأمين الاستثمارات، وضمان توازن المصالح بين المنتجين والمستهلكين.
كما أن إشادة الأمين العام للمنتدى بإسهامات الجزائر، والتلميح إلى انفتاح المنظمة على أعضاء جدد، يعكس ثقة متزايدة بدور الجزائر في ترسيخ مكانة المنتدى كمنصة عالمية مؤثرة. هذه الثقة لم تأت من فراغ، بل هي ثمرة لسياسة طاقوية متوازنة، تجمع بين المحافظة على دور الغاز الطبيعي كطاقة انتقالية، والانفتاح على الطاقات المتجددة في إطار مقاربة شاملة للاستدامة.
يمكن القول إن الجزائر تدرك أن مستقبل أسواق الغاز لن يتحدد فقط بعوامل العرض والطلب التقليدية، بل أيضاً بقدرة الدول المنتجة على التكيف مع التحولات الطاقوية والرهانات البيئية.
وفي هذا السياق، يُفهم إصرارها على خطاب "الانتقال العادل والمتوازن" باعتباره محاولة لتأمين مصالحها الوطنية، وفي الوقت ذاته تقديم نفسها كشريك موثوق ومسؤول للمجتمع الدولي.
بذلك، فإن استقبال محمد حامل لم يكن مجرد محطة دبلوماسية، بل رسالة مزدوجة: من جهة، تأكيد التزام الجزائر بدورها التاريخي كمنتج ومصدر أساسي للغاز، ومن جهة أخرى، إعلان استعدادها للتكيّف مع رهانات المستقبل بما يحفظ مكانتها الطاقوية، ويعزز دورها كركيزة للاستقرار والتنمية في أسواق الطاقة العالمية.