2025.10.12
عاجل :



أكتوبر الوردي.. كيف تُترجم الجزائر التوعية الموسمية إلى استراتيجية وقائية دائمة؟ من الداخل

أكتوبر الوردي.. كيف تُترجم الجزائر التوعية الموسمية إلى استراتيجية وقائية دائمة؟


يشهدُ شهر أكتوبر من كل عام إطلاق حملات تضامنية وتوعوية واسعة للتحسيس بخطورة سرطان الثدي وأهمية الكشف المُبكر عنه، ضمن المبادرة العالمية المعروفة بـ"أكتوبر الوردي"، غير أن هذا الزخم الموسمي لا ينعكس بالضرورة على السلوك الصحي للنساء طوال السنة، إذ لا تزال نسب الفحص المبكر محدودة، والثقافة الوقائية ضعيفة أمام حجم التحدي الصحي المتزايد.

وبين حملات ظرفية تقتصر على التوعية والشعارات، وحاجة ملحّة إلى استراتيجية وطنية دائمة تُعزّز التربية الصحية وتُكرّس ثقافة الكشف المُبكر، يظلّ الرهان الحقيقي في الانتقال من التحسيس المؤقت إلى الوقاية المستدامة، بما يضمن تقليص مُعدلات الإصابة وحماية المرأة الجزائرية من خطر الإصابة بهذا الداء.

95 بالمائة من أورام الثدي هي أورام حميدة

وفي هذا السياق، أكد المختص في الصحة العمومية، الدكتور محمد كواش، أنّ شهر أكتوبر يُعدّ شهرًا عالميًا للتوعية بسرطان الثدي، أطلق عليه اسم "أكتوبر الوردي"، وتخصّصه منظمة الصحة العالمية سنويًا للتحسيس بأهمية الوقاية والكشف والتشخيص المبكر لهذا المرض، الذي يُعد من أكثر أنواع السرطانات انتشارًا في الجزائر والعالم.

وأوضح الدكتور كواش في حديث لـ"الأيام نيوز"، أنّ 95 بالمائة من أورام الثدي تكون في الأصل أورامًا حميدة، غير أنّ إهمال الفحص المبكر والتأخر في التشخيص والعلاج قد يؤدي إلى تحوّلها إلى أورام سرطانية خبيثة، مشيرًا إلى أنّ 85 بالمائة من الأورام التي تصيب الثدي حميدة في البداية، لكن غياب ثقافة المتابعة والفحص الذاتي يجعلها تتطور إلى حالات معقدة.

ووفقه "سرطان الثدي من السرطانات الأكثر انتشارًا في الجزائر إلى جانب سرطان القولون وسرطان البروستات، ووصفه المتحدث بالمرض "الثقيل جدًا" من حيث التكلفة الاقتصادية والنفسية والاجتماعية، لما يتطلبه من فحوصات وتحاليل دقيقة، وأشعة متخصصة، وعلاجات مكلفة كالعلاج الكيميائي والإشعاعي والجراحي، ضف إلى ذلك الانعكاسات النفسية العميقة على المريضة وأسرتها، خصوصًا إذا كانت الأم، إذ يتأثر التوازن الأسري والاجتماعي بشكل مباشر.

وأشار المتحدث إلى أن ثقافة الوقاية والتحسيس يجب أن تبدأ في سن مبكرة، أي منذ مرحلة المتوسط والثانوي والجامعة، مع ضرورة تعليم الفتيات أسس الفحص الذاتي للثدي، الذي يعتمد على مراقبة أي تغيّرات في الشكل أو اللون، أو ملاحظة إفرازات غير طبيعية، أو ظهور كتل صلبة، أو طفح جلدي تحت الإبط، مؤكدًا أن هذه العلامات تستوجب استشارة طبية فورية.

كما أوصى الدكتور كواش السيدات اللاتي لديهن تاريخ عائلي مع مرض السرطان بإجراء الفحص الطبي الدوري ابتداءً من سن العشرين في بعض الحالات، وبصفة منتظمة كل سنة بعد الثلاثين أو الأربعين، تبعًا لتوصية الطبيب المختص.

وفي السياق ذاته، شدّد على أهمية اتباع نمط حياة صحي من خلال تجنّب استخدام الحمالات الصدرية المصنوعة من معادن أو أنسجة مشبوهة، والابتعاد عن مزيلات الروائح والعطور تحت الإبط، وتفادي التعرض المباشر لأشعة الشمس على الشاطئ.

كما دعا إلى عدم الاستعمال العشوائي للأدوية والهرمونات، خاصة أدوية منع الحمل، وتشجيع الرضاعة الطبيعية لما لها من دور وقائي ضد الإصابة بسرطان الثدي.

واقترح الدكتور كواش أن تكون التربية الصحية جزءًا من المناهج التعليمية، من خلال تقديم دروس موجهة في مختلف الأطوار، خاصة في التعليم المتوسط والثانوي والجامعي، لترسيخ الوعي الصحي لدى الأجيال الصاعدة.

كما أكد على أهمية المرافقة النفسية للسيدات المصابات وأسرهن، بالنظر إلى الأثر العاطفي والاجتماعي الكبير الذي يتركه المرض.

هذا، وختم الطبيب المختص حديثه بالتأكيد على أن مكافحة سرطان الثدي تتطلب سياسة وطنية شاملة، تقوم على التوعية المستمرة، والتشخيص المبكر، والمرافقة العلاجية والنفسية، إلى جانب ترسيخ ثقافة صحية وقائية داخل المجتمع.

أكثر من 13 ألف حالة إصابة بسرطان الثدي سنويا

تُحصي الجزائر أكثر من 13 ألف حالة إصابة بسرطان الثدي سنويًا، أي ما يمثل 46 بالمائة من مجمل السرطانات لدى النساء، حسب ما كشف عنه وزير الصحة محمد صديق آيت مسعودان، خلال إشرافه رفقة وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة صورية مولوجي ووزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي عبد الحق سايحي، على الانطلاق الرسمي لفعاليات شهر "أكتوبر الوردي" لمكافحة سرطان الثدي، مساء الأربعاء الماضي، بالمركز العائلي لعمال الضمان الاجتماعي ببن عكنون.

وفي هذا الصدد، أبرز وزير الصحة أنّ هذا الموعد الوطني يجسد وعياً مجتمعياً متزايداً بأهمية الوقاية والكشف المبكر، مؤكداً أن ملف مكافحة السرطان يحظى بعناية خاصة من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي جعله من الأولويات الصحية للدولة.

وأشار آيت مسعودان إلى أن السنوات الأخيرة شهدت قفزة نوعية في منظومة التكفل بمرضى السرطان، تجسدت في إنشاء اللجنة الوطنية للوقاية من السرطان ومكافحته، وتوسيع مصالح طب الأورام والعلاج الإشعاعي عبر مختلف ولايات الوطن، إلى جانب ضمان وفرة الأدوية وتحسين آليات توزيعها.

كما تم إدماج تقنيات التشخيص والعلاج الحديثة، ما ساهم في تحقيق تقدم ملموس في التكفل بالمرضى وتوسيع فرص العلاج المبكر.

وفي ختام كلمته، شدّد الوزير على ضرورة مواصلة الجهود لتكثيف الكشف المبكر وتحسين خدمات الاستقبال والتوجيه داخل المؤسسات الصحية، مع تعميم الحملات التحسيسية لكسر حاجز الخوف والوصم الاجتماعي، مؤكداً أن النجاح في مواجهة هذا المرض يتطلب تضافر جهود كل الفاعلين، من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والقطاع الصحي.

يُشار إلى أن فعاليات شهر أكتوبر الوردي 2025 تنظم عبر مختلف ولايات الوطن، في إطار الحملة الوطنية للتحسيس والكشف المبكر عن سرطان الثدي، بمشاركة واسعة من المؤسسات الصحية والجمعيات والمجتمع المدني، بهدف تعزيز الوعي الصحي وتشجيع النساء على إجراء الفحوص الدورية لضمان الكشف والعلاج في مراحل مبكرة.