2025.10.12
عاجل :



البحر لا يرحم المُتهوّرين.. كيف انتهى صيف الجزائريين في 2025؟ من الداخل

البحر لا يرحم المُتهوّرين.. كيف انتهى صيف الجزائريين في 2025؟


إيمان عبروس
09 أكتوبر 2025

طوت الشواطئ الجزائرية صفحة صيف 2025 الحافلٍ بالزوار والحركة والنشاط السياحي، بعدما استقبلت ملايين المصطافين من مختلف ولايات الوطن بحثا عن الراحة والاستجمام، غير أن هذا الزخم السياحي رافقته تحدّيات ميدانية جسيمة واجهتها فرق الحماية المدنية التي كانت في حالة جاهزية دائمة لتأمين الموسم وضمان سلامة المصطافين.

فخلف مشاهد المتعة على الرمال وأمواج البحر، خاض أعوان الحماية المدنية صيفا استثنائيا، تميز بكثافة التدخلات وعمليات إنقاذ بطولية، عكست حجم المسؤولية والتفاني في أداء الواجب، رغم المخاطر والظروف المناخية الصعبة، والسلوكيات غير المسؤولة لبعض مرتادي الشواطئ.

وأوضح المدير الفرعي للإحصائيات والإعلام، لدى المديرية العامة للحماية المدنية الرائد نسيم برناوي في تصريح لـ"الايم نيوز" أن مصالح الحماية المدنية أحصت منذ الفاتح من جوان إلى غاية منتصف سبتمبر 73.803 تدخلات عبر مختلف الشواطئ المسموحة للسباحة. واضاف قائلا إن هذه التدخلات أفضت إلى إنقاذ 51.530 شخصا من الغرق، وتقديم إسعافات أولية لـ 17.886 آخرين، فيما استدعى الأمر نقل 4.228 مصابا إلى المراكز الصحية عبر الولايات الساحلية.

ووفق برناوي "هذه الأرقام تعكس الضغط الكبير الذي واجهه الأعوان نتيجة التدفق الهائل للمصطافين هذا الموسم، خاصة في ولايات مثل الجزائر العاصمة، وهران، بجاية، وعنابة، التي تستقطب وحدها مئات الآلاف يومياً خلال عطلة نهاية الأسبوع."، وتابع قائلا: "أن ذروة التدخلات تسجل عادة في الفترة الممتدة من الثالثة بعد الزوال إلى السادسة مساء، حيث يزداد عدد المصطافين في البحر ويقل الانتباه بفعل التعب والاندفاع."

البحر لا يرحم المتهورين

وفي السياق، كشف الرائد برناوي أن مصالح الحماية المدنية سجلت 166 وفاة غرقا منذ بداية الموسم. ويفصل أن 77 حالة كانت في شواطئ ممنوعة للسباحة، و43 أخرى خارج أوقات الحراسة، إضافة إلى 22 وفاة رغم رفع الراية الحمراء، و12 وفاة في ظل الراية البرتقالية، وحتى 13 وفاة سجلت عند وجود الراية الخضراء. مشيرا إلى أنّ الأرقام تدل وتؤكد أنّ البحر لا يرحم المتهورين، وأن الاستهتار بالتعليمات يقود دائما إلى مأساة، مضيفا أن الحصيلة تبقى أقل من السنة الماضية التي شهدت 214 وفاة، لكنها مؤلمة.

مقارنة تكشف التحديات

وفي هذا الشق رى الرائد برناوي أن الأرقام تكشف تباينا لافتا، في حين أن عدد الوفيات تراجع مقارنة بسنة 2024، إلا أن التدخلات تضاعفت تقريبا، حيث ذكر أنّه خلال جوان الماضي سجلت الحماية المدنية 10 آلاف تدخل، مقابل 5 آلاف فقط في نفس الشهر من 2024.

ولم يخف أنّ " شهري جويلية وأوت شهدا بدورهما ارتفاعاً كبيراً في التدخلات، بسبب الإقبال الواسع للعائلات على الشواطئ، وهو ما وضع أعوان الحماية المدنية في مواجهة تحديات جسيمة، خاصة عند التعامل مع الحوادث المتزامنة، حيث قد تسجل عدة حالات غرق في نفس الوقت وعلى مسافات متباعدة.

وحول أسباب هذه الأرقام، أوضح الرائد برناوي أن التهور يبقى السبب الأول وراء أغلب الحوادث، حيث يغامر الشباب والمراهقون بالسباحة في أماكن خطرة أو خارج أوقات الحراسة، بل وحتى ليل، حتى أنّ بعض كبار السن لم يترددوا في المجازفة رغم حالتهم الصحية، ما جعل عمليات الإنقاذ أكثر صعوبة بالنسبة للأعوان.

كما لفت إلى أن بعض العائلات تصر على ترك أطفالها يسبحون بمفردهم أو في أماكن عميقة، بدعوى أنهم يجيدون السباحة، لكن في لحظة غفلة قد ينقلب الموقف إلى مأساة.

بطولات رجال الحماية المدنية

وراء الأرقام الجافة، قصص إنسانية وبطولات يومية، بحسب تصريح برناوي الذي أكد أن الكثير من الأعوان خاطروا بأرواحهم لإنقاذ الغرقى، متحدين أمواجاً هائجة وظروفاً مناخية صعبة وبعض العمليات كانت معقدة للغاية، ومع ذلك لم يترددوا في التدخل، مما سمح بإنقاذ أرواح كثيرة.

وفي معرض حديثة روى أنّ بعض الأعوان اضطروا إلى الغوص لمسافات طويلة لاستخراج غريق عالق بين الصخور، بينما آخرون أمضوا دقائق طويلة في إنعاش قلبي رئوي لطفل فقد وعيه، إلى أن عاد إلى الحياة وسط دموع أسرته."، ووصف ذلك بأنّه عمل إنساني نبيل يستحق التقدير، لكنه في الوقت ذاته يضع الجميع أمام سؤال مؤرق .. لماذا يستمر البعض في الاستهتار بتعليمات الوقاية رغم هذه التضحيات؟

المجمعات المائية.. خطر صامت

ولم تقتصر المآسي على الشواطئ، حيث يؤكد الرائد برناوي أن الحماية المدنية سجلت 72 وفاة في المجمعات المائية والسدود والبرك الفلاحية منذ بداية الموسم.

وبحسبه "هذه الأماكن تبقى مصائد قاتلة بسبب عمقها الكبير وغياب وسائل الإنقاذ، فضلاً عن الطابع المفاجئ للحوادث، حيث يسقط بعض الضحايا فجأة أثناء التنزه أو محاولات السباحة غير المحسوبة.

ورغم أن الرقم أقل من السنة الماضية التي شهدت 86 وفاة، إلا أن الخطر يظل قائما، خاصة مع تزايد لجوء الشباب إلى هذه البرك بعيداً عن الرقابة الرسمية.

الوعي.. الحلقة المفقودة

وشدد برناوي على أنّ المشكل الحقيقي ليس في نقص الإمكانيات أو غياب الأعوان، بل في غياب الوعي، قائلا: "كثير من المصطافين يتجاهلون الرايات التحذيرية ويصرون على السباحة في أماكن ممنوعة أو خطرة، هذه السلوكيات هي التي تقف وراء أغلب الحوادث"، مشيرا إلى أن الحملات التحسيسية التي أطلقت عبر مختلف وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي لم تحقق الاستجابة المرجوة، والبعض لا يتعظ إلا بعد وقوع الكارثة، مؤكدا أن الوقاية تبدأ من وعي المواطن قبل أي شيء آخر.

أبعاد اجتماعية وقانونية

لا تقتصر المأساة على الأرقام الباردة، بل تتجسد في قصص عائلات فقدت أبناءها في لحظة إهمال أو تهور. كثير منهم يتركون الشاطئ محملين بالحسرة بدل الذكريات الجميلة.

ويرى خبراء أن الحل لا يكمن في الحماية المدنية وحدها، بل يتطلب إشراك الجماعات المحلية والجمعيات في نشر ثقافة الوقاية، إلى جانب فرض غرامات صارمة على المخالفين لتعليمات الرايات أو السباحة في الشواطئ الممنوعة.

وتؤكد مقارنة مع دول متوسطية أخرى أن الظاهرة ليست جزائرية فقط؛ في إسبانيا مثلاً تُفرض غرامات مالية فورية على كل من يخالف الراية الحمراء، بينما اعتمدت تونس برامج توعية في المدارس تستهدف الأطفال منذ الصغر لغرس ثقافة السباحة الآمنة.

ويرى متابعون أن تبني مثل هذه الممارسات قد يساهم في تقليص عدد الضحايا في الجزائر، خاصة وأن الإمكانيات البشرية والمادية وحدها لا تكفي لمواجهة سلوكيات متهورة.

بين الأرقام والرسالة

ويختم الرائد برناوي حصيلته قائلا: "تم تسجيل أكثر من 73 ألف تدخل و51 ألف عملية إنقاذ تعكس حجم المجهود المبذول من طرف أعوان الحماية المدنية. لكن في المقابل، فإن 166 وفاة تبقى رقما ثقيلا، ورسالة واضحة بأن البحر لا يتهاون مع المغامرين.