2025.09.30
عاجل :



التكامل الإفريقي.. من الشعارات السياسية إلى البرامج الاقتصادية الملموسة تقارير

التكامل الإفريقي.. من الشعارات السياسية إلى البرامج الاقتصادية الملموسة


شهدت الجزائر، مؤخرا احتضان فعاليات معرض التجارة البينية الإفريقية  2025 IATF ، ما يعد حدثًا اقتصاديًّا غير مسبوق جمع تحت سقف واحد آلاف الزوار، ومئات الشركات، وعشرات الهيئات الاقتصادية القادمة من مختلف أنحاء القارة.

المعرض لم يكن مجرد تظاهرة تجارية، بل تحوّل إلى جسر للتكامل الإفريقي ومنصة عملية لتجسيد روح التعاون الاقتصادي المنشود بين الدول الإفريقية.

اتفاقيات استراتيجية تعزز التبادل التجاري

من أبرز نتائج المعرض توقيع عشرات الاتفاقيات والشراكات الثنائية والمتعددة التي مست قطاعات حيوية، من بينها:

  1. الطاقة والطاقات المتجددة: مشاريع لتطوير البنية التحتية الطاقوية واستغلال الطاقات النظيفة.
  2. الأمن الغذائي والزراعة: تعاون لتعزيز الإنتاج وتبادل المنتجات الغذائية.
  3. الصناعات التحويلية: إطلاق مشاريع لتوطين الصناعات وتبادل الخبرات.
  4. النقل واللوجستيك: ربط بري وبحري وجوي لتسهيل حركة البضائع والأشخاص.
  5. التكنولوجيا والابتكار: مبادرات لدعم الشركات الناشئة وتعزيز اقتصاد المعرفة.

وفي تصريح خصّ به جريدة "الأيام نيوز"، قال الدكتور عبد الرحمان عية، الخبير الاقتصادي: إن "ما شهدناه في الجزائر هو نافذة أمل جديدة، وأثبت أن التكامل لم يعد شعارًا سياسيًّا بل أصبح برنامجًا اقتصاديًّا."

وأضاف: "الاتفاقيات المبرمة خلال هذا الحدث تؤسس لشراكات استراتيجية، قادرة على خلق قيمة مضافة وفرص عمل للشباب الإفريقي، وهو ما ينسجم مع طموحات التنمية المستدامة للقارة."

الجزائر.. قلب إفريقيا الاقتصادي النابض

الجزائر لم تكتف بدور الدولة المضيفة، بل برزت كفاعل اقتصادي، مستندة إلى موقعها الجغرافي كونها بوابة بين إفريقيا وأوروبا، وإلى مشاريعها الكبرى مثل الطريق العابر للصحراء وخطوط الطاقة العابرة للحدود.

وفي هذا السياق، أوضح الدكتور عية لـ "الأيام نيوز":اختيار الجزائر لاحتضان المعرض لم يكن اعتباطيًّا. الجزائر اليوم تعكس صورة الدولة القادرة على جمع الكلمة الإفريقية، وقيادة جهود التكامل الاقتصادي بفضل إمكاناتها الاستراتيجية."

إفريقيا.. سوق المستقبل الواعد

مع أكثر من 1.4 مليار نسمة، وإمكانات اقتصادية هائلة، تبرز إفريقيا كسوق عالمي واعد، وفي هذا الصدد يرى الدكتور عية أن "المعرض كشف أن القارة الإفريقية تملك كل مقومات التحول إلى قوة اقتصادية كبرى. المطلوب فقط هو تفعيل الإرادة السياسية والتنسيق بين الدول لتجاوز العقبات اللوجستية والجمركية."

ورغم النجاح الكبير، لا تزال التجارة البينية الإفريقية تعاني من تحديات كالبنية التحتية، والتمويل، وآليات الدفع الموحدة، حيث شدد الدكتور عية شدد قائلاً: التحديات حقيقية، لكنها ليست عائقًا أمام الإرادة الإفريقية. بالعكس، هذه الصعوبات ستدفعنا إلى البحث عن حلول مبتكرة. المعرض شكّل منصة لطرح هذه الحلول بشكل جماعي ومنظم."

رسالة المعرض.. إفريقيا واحدة، اقتصاد واحد

المعرض تجاوز البعد الاقتصادي، ليحمل رسالة سياسية واضحة: أن التكامل الإفريقي ضرورة استراتيجية لا رجعة فيه.

وأشار الدكتور عبد الرحمان عية إلى أن "هذا الحدث هو نقطة انطلاق لمرحلة جديدة. إذا واصلنا البناء على ما تحقق في الجزائر، فسنرى إفريقيا قوية، متكاملة، ومزدهرة خلال السنوات القادمة. الجزائر أعطت المثال، وعلى باقي الدول أن تواصل المسيرة بالعزم نفسه."

الجزائر ترسم معالم الغد الإفريقي

بنجاحها في تنظيم هذا الحدث، أثبتت الجزائر أنها فاعل محوري في مسار التنمية القارية، وأنها قادرة على لعب دور القاطرة الاقتصادية التي تدفع إفريقيا نحو مستقبل أكثر إشراقًا.

وفي هذا الخصوص قال الدكتور عبد الرحمان عية في حديثه لـ "الأيام نيوز" إن التحدي الأساسي بعد نجاح المعرض وتوقيع الاتفاقيات، هو الانتقال من مرحلة التفاهمات إلى مرحلة التجسيد الفعلي: "القارة الإفريقية تعودت في الماضي على توقيع اتفاقيات جميلة على الورق، لكن المشكلة كانت دومًا في غياب آليات التنفيذ. اليوم، إذا أردنا أن نصنع الفرق، يجب أن نربط هذه الاتفاقيات بخطط عملية، وجداول زمنية واضحة، وميزانيات محددة."

التكامل الإفريقي خيار استراتيجي لا رجعة فيه

ويضيف الدكتور عية: "أهمية هذه الاتفاقيات لا تكمن فقط في حجمها أو في عددها، بل في كونها جزءًا من رؤية أكبر عنوانها التكامل الإفريقي-الإفريقي. نحن نتحدث عن تفكيك الحواجز الجمركية، وعن ربط شبكات النقل، وعن تنسيق التشريعات الاقتصادية. هذه كلها خطوات ستجعل من إفريقيا سوقًا موحدة قادرة على منافسة التكتلات الاقتصادية العالمية."

التحديات أمام التنفيذ

رغم التفاؤل الكبير، يرى الدكتور عية أن التحديات لا تزال قائمة قائلاً: "لدينا عقبات هيكلية مثل البيروقراطية، وضعف البنية التحتية اللوجستية، واختلاف القوانين الجمركية بين الدول. لكن المعرض أعطى رسالة قوية مفادها أن هناك إرادة لتجاوز هذه العقبات تدريجيًّا. إذا تمكّنا من معالجة هذه العراقيل، فإن حجم التجارة البينية الإفريقية يمكن أن يتضاعف خلال سنوات قليلة."

وبحسب المتحدث ذاته  فإن النتائج الإيجابية لهذه الاتفاقيات من المفروض أنها لن تتأخر في الظهور: "المكاسب ستكون متعددة الأبعاد: خلق فرص عمل للشباب، ورفع مستوى الإنتاج المحلي، وتقليص التبعية للأسواق الخارجية، وزيادة قدرة إفريقيا على التفاوض مع الشركاء الدوليين. هذه ليست مجرد مصالح اقتصادية، بل هي أيضًا مكاسب سيادية تجعل القرار الإفريقي أكثر استقلالية."

من الجزائر تبدأ القاطرة

وأشار الدكتور عية في تصريحه لـ "الأيام نيوز" قائلاً: "ما جرى في الجزائر هو بداية لمسار طويل، لكنه واعد. الجزائر أثبتت أنها قادرة على لعب دور أساسي  نحو التكامل الفعلي. إذا استطعنا أن نترجم هذه الاتفاقيات إلى مشاريع ملموسة، فإن إفريقيا ستدخل مرحلة جديدة من تاريخها الاقتصادي والسياسي."

بحسب تقديرات أولية أوردها عبد الرحمان عية، فإن الاتفاقيات المبرمة خلال معرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر قد تفتح الباب أمام حجم مبادلات جديد يتجاوز 50 مليار دولار سنويًّا خلال السنوات الخمس المقبلة، إذا ما تم احترام آليات التنفيذ والمتابعة.

وأضاف: "اليوم، التجارة البينية الإفريقية لا تمثل سوى 15% من إجمالي المبادلات التجارية للقارة. إذا تم تنفيذ هذه الاتفاقيات، يمكن أن ترتفع النسبة إلى ما بين 25 و30% في أفق 2030، وهو ما يعني مضاعفة حجم المبادلات وخلق ملايين فرص العمل."

انعكاسات مباشرة على النمو

"الطريق العابر للصحراء، المواني البحرية الجديدة، وخطوط السكك الحديدية العابرة للحدود ليست مجرد مشاريع محلية، بل هي شرايين للتكامل الإفريقي. إذا تم استغلالها بالشكل الصحيح، فستخفض كلفة النقل بنسبة 30 إلى 40%، وهو ما يرفع القدرة التنافسية للمنتجات الإفريقية."

وختم الدكتور عية تصريحه لـ "الأيام نيوز" بالقول: "إننا نتحدث عن قارة تتجه لتكون أحد أبرز الأقطاب الاقتصادية العالمية في أفق 2050. الجزائر اليوم وضعت القطار على السكة، والمسؤولية الآن على كل مكونات الدول الإفريقية للاستمرار في نفس المسار."