في خطوة دبلوماسية هامة قد تُعيد تشكيل العلاقات الجزائرية الصومالية، يعتزم رئيس الحكومة الصومالية، حسن شيخ محمود، زيارة الجزائر اليوم في زيارة رسمية تستهدف تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في العديد من المجالات الحيوية. تأتي هذه الزيارة في وقت حاسم يشهد فيه العالم تحولات سياسية واقتصادية كبيرة، وهو ما يضاعف أهمية الزيارة في فتح آفاق جديدة من التعاون الاستراتيجي بين الجزائر والصومال، خاصة في مجالات الأمن والتنمية.
الجزائر والصومال تربطهما علاقات تاريخية تعود إلى فترات الاستقلال الأول، حيث كانت الجزائر من أوائل الدول التي دعمت نضال الصومال ضد الاستعمار. ولكن على الرغم من هذه الروابط العميقة، فقد شهدت العلاقات بين البلدين تقلبات وتحديات بسبب الأوضاع السياسية والأمنية في كلا البلدين. مع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى أن كلا من الجزائر والصومال عازمان على إعادة تنشيط هذه العلاقات، وهو ما ينعكس بوضوح من خلال الزيارة الرسمية المرتقبة التي تعد بمثابة نقطة انطلاق جديدة نحو تعزيز الروابط بين البلدين.
الزيارة المرتقبة لا تأتي في فراغ، بل هي جزء من استراتيجية أوسع لتوطيد العلاقات بين الجزائر والصومال.
ومن المرتقب أن تركز المباحثات بين رئيس الحكومة الصومالية والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على عدة محاور أساسية، على رأسها التعاون الأمني. فالصومال يواجه تحديات أمنية هائلة بسبب نشاط حركة الشباب، المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي تشكّل تهديدًا دائمًا لاستقرار البلاد. في هذا السياق، تتقدم الجزائر كلاعب أساسي في مكافحة الإرهاب في المنطقة، من خلال تجربة طويلة في محاربة الجماعات المتطرفة.
من هنا، يعتبر التعاون الأمني بين الجزائر والصومال نقطة محورية. الجزائر، التي تمتلك خبرات واسعة في مجال مكافحة الإرهاب، تستطيع أن تقدم للصومال الدعم الاستراتيجي في هذا المجال، سواء من خلال تدريب قوات الأمن الصومالية أو من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية التي تساهم في تعزيز الأمن الداخلي في الصومال. هذا التعاون يمكن أن يكون له تأثير مباشر على استقرار البلاد، مما يعزز دور الجزائر في مكافحة التهديدات الأمنية العابرة للحدود.
أما على الصعيد الاقتصادي، فالتوقعات تشير إلى أن المباحثات ستتناول كيفية تعزيز التبادل التجاري بين البلدين وزيادة حجم الاستثمارات في القطاعات الحيوية مثل النفط والغاز. الجزائر تمتلك موارد طبيعية هائلة في مجالات الطاقة، وقد تكون هذه فرصة كبيرة للصومال للاستفادة من هذه الموارد لتحسين بنيته التحتية وتطوير قطاعه الاقتصادي. وفي المقابل، الصومال يمتلك ثروات بحرية وزراعية هائلة يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة للجزائر في مجالات التجارة والاستثمار.
في تصريحات خاصة لـ"الأيام نيوز"، تحدث السفير الصومالي السابق ، شافعي يوسف، عن أهمية هذه الزيارة في سياق العلاقات الجزائرية الصومالية. وقال يوسف: "الزيارة تأتي في وقت بالغ الأهمية، فهي فرصة للبلدين لتعميق التعاون في مختلف المجالات. الجزائر كانت دائمًا حليفًا قويًا للصومال، خاصة في القضايا الأمنية، وهذه الزيارة تمثل فرصة لترسيخ هذا التعاون بشكل أكثر استدامة."
وأشار يوسف إلى أن الجزائر يمكن أن تقدم للصومال خبرات حيوية في مجالات مكافحة الإرهاب، وقال: "الجزائر لديها تاريخ طويل في محاربة الجماعات المتطرفة، وخاصة في منطقة الساحل والصحراء، وهذه الخبرات يمكن أن تكون مفيدة جدًا للصومال في مواجهة التحديات الأمنية التي يعاني منها." كما أضاف: "الاستقرار الأمني سيكون له تأثير إيجابي على مجالات أخرى، بما في ذلك الاقتصاد، ولذلك فإن التعاون بين البلدين في هذا المجال سيعزز من قدرات الصومال على تحقيق الاستقرار والتنمية."
من المتوقع أن تساهم هذه الزيارة في فتح آفاق جديدة من التعاون بين البلدين، ليس فقط على المستوى الثنائي، بل أيضًا على مستوى المنطقة. فالتعاون بين الجزائر والصومال سيشكل نموذجًا للتعاون بين الدول الأفريقية في مواجهة التحديات المشتركة، سواء في المجال الأمني أو التنموي. وقد تعزز هذه العلاقات دور الجزائر كقوة إقليمية قادرة على تقديم الحلول للأزمات التي تواجهها القارة، بما في ذلك دعم الدول في محاربة الإرهاب وتحقيق التنمية المستدامة.

تسعى الجزائر إلى أن تكون محورية في تعزيز الروابط بين الدول الإفريقية، وهو ما يتجلى في دعمها المستمر للصومال في مختلف المجالات. كما أن الجزائر تعتبر أن دعم الصومال في تحقيق الاستقرار ليس فقط يخدم مصالحها الوطنية، بل يخدم أيضًا مصلحة الأمن الإقليمي بشكل عام. هذه الزيارة قد تكون فرصة استراتيجية لتحفيز تعاون أوسع بين الدول الإفريقية في إطار الاتحاد الإفريقي، الذي يطمح لتعزيز التنسيق بين الدول في مواجهة التحديات المشتركة.
بناءً على ما سبق، حسب الشافعي يوسف زيارة رئيس الحكومة الصومالية إلى الجزائر تعد فرصة استراتيجية لتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات حيوية، مثل الأمن، والاقتصاد، والتعليم. كما أنها تمثل انعكاسًا حقيقيًا للعلاقات التاريخية بين الجزائر والصومال، والتي تسعى القيادة في كلا البلدين إلى إعادة إحيائها بشكل عملي وملموس. تصريح السفير الصومالي السابق، شافيسي يوسف، يعكس بوضوح أهمية هذه الزيارة في تعزيز الدور الإقليمي للجزائر وفي تقديم الدعم للصومال في مسيرته نحو الاستقرار والتنمية.
الزيارة الرسمية للصومال إلى الجزائر — نحو شراكة استراتيجية جديدة بين القرن الإفريقي والمغرب العربي
تأتي الزيارة الرسمية التي يعتزم رئيس الحكومة الصومالية حسن شيخ محمود القيام بها إلى الجزائر هذا الأسبوع في إطار رؤية دبلوماسية جديدة تتبناها جمهورية الصومال الفيدرالية لإعادة بناء علاقاتها العربية والإفريقية على أسس المنفعة المتبادلة والتكامل الاستراتيجي. ووفق ما صرّح به الأستاذ الدكتور شافعي يوسف عمر، المدير العام للبحوث والاستشارات، لـ"الأيام نيوز"، فإن هذه الزيارة “تمثل فرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقات الصومالية الجزائرية بما يتماشى مع التحولات الإقليمية الجديدة، خاصة في ظل عضوية البلدين في مجلس الأمن الدولي”.
تهدف الزيارة، بحسب الدكتور شافعي يوسف، إلى تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والثروة الحيوانية والتعليم والأمن، إضافة إلى التشاور السياسي بين القيادتين حول الملفات الإفريقية والعربية ذات الاهتمام المشترك. فالصومال، الذي يشهد مرحلة استقرار نسبي بعد عقود من الصراعات، يسعى إلى بناء شراكات واقعية ومستدامة مع دول تمتلك تجربة ناجحة في مجالات الأمن والتنمية مثل الجزائر، التي رسخت مكانتها كقوة دبلوماسية مؤثرة في القارة.
ويرى الدكتور شافعي أن هذه الزيارة تحمل دلالات رمزية وسياسية عميقة، فهي تمثل تجاوزًا لمرحلة الجمود التاريخي الذي ساد العلاقات بين البلدين منذ سبعينيات القرن الماضي. ويضيف:
“في الماضي، وبالأخص خلال حرب القرن الإفريقي عام 1977، كانت الجزائر أقرب سياسيًا لإثيوبيا، انطلاقًا من تحالفاتها الإفريقية في ذلك الوقت، وهو ما ترك أثرًا في الذاكرة الصومالية. لكن المرحلة الراهنة تختلف جذريًا؛ فالجزائر اليوم تدرك أن الصومال دولة ناهضة تمتلك موقعًا استراتيجيًا ومقومات واعدة، والتعاون معها لم يعد خيارًا ظرفيًا بل استثمارًا في مستقبل إفريقيا.”
تتضمن أجندة المباحثات عدة ملفات اقتصادية وأمنية وسياسية، أبرزها تعزيز التبادل التجاري والاستثماري، خصوصًا في قطاع الثروة الحيوانية، إذ تُعد الصومال من أكبر الدول المصدّرة للحوم الحلال ذات الجودة العالية إلى الأسواق العربية. كما سيبحث الجانبان فرص التعاون في قطاع الطاقة والنفط، في ظل دخول الصومال المرحلة الرابعة من المسوحات الزلزالية ثلاثية الأبعاد التي تشير إلى وجود مؤشرات واعدة لاكتشافات ضخمة من النفط والغاز. في هذا السياق، تُعتبر الشركات الجزائرية، بخبرتها الطويلة في قطاع المحروقات، شريكًا مثاليًا للمساهمة في تطوير هذا القطاع الصومال الوليد.
وفي الجانب الأمني، يبرز التعاون بين الجزائر والصومال كإحدى الركائز الأساسية للزيارة، نظرًا للتحديات المشتركة التي تواجهها الدولتان في مكافحة الإرهاب. الجزائر، التي نجحت في تجربتها الرائدة ضد الجماعات المتطرفة، يمكن أن تقدم للصومال دعمًا مؤسسيًا وخبرة فنية في مجالات التدريب وتبادل المعلومات. ويؤكد الدكتور شافعي يوسف أن “التعاون الأمني بين البلدين يمكن أن يشكل نموذجًا إفريقيًا ناجحًا لمواجهة التهديدات العابرة للحدود، خاصة في ظل تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية في منطقة القرن الإفريقي والساحل”.
كما تشمل الملفات المطروحة القضية الصحراوية والوحدة الإفريقية، حيث يسعى البلدان إلى تنسيق مواقفهما داخل مجلس الأمن بما يخدم استقرار القارة ويحترم مبادئ السيادة ووحدة الأراضي. أما على الصعيد العربي والإسلامي، فستركز المباحثات على القضية الفلسطينية وحقوق الشعوب المسلمة في مناطق النزاع، إلى جانب التعاون داخل منظمة التعاون الإسلامي ومنابر الأمم المتحدة.
ووفق تصريحات الدكتور شافعي، فإن اللقاء الذي جمع وزيري خارجية البلدين في 10 أوت 2025 كان “منعطفًا دبلوماسيًا مهمًا” مهد لهذه الزيارة، حيث اتفق الطرفان على تفعيل اللجنة الوزارية المشتركة التي ستتولى متابعة تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية والفنية، وضمان استمرارية التنسيق بين المؤسسات في البلدين. ويشير الدكتور شافعي إلى أن اللجنة ستكون “آلية عملية لترجمة الإرادة السياسية إلى مشاريع تنموية ملموسة”.
اقتصاديًا، تمتلك الصومال اليوم مقومات مغرية للاستثمار، تشمل ثروة حيوانية ضخمة، وموقعًا جغرافيًا فريدًا على أهم الممرات البحرية العالمية، إضافة إلى مؤشرات قوية لاكتشافات نفطية واعدة. وتسعى مقديشو إلى فتح الباب أمام التعاون النفطي والتقني مع الجزائر، والاستفادة من خبرتها في إدارة الموارد الطبيعية، إلى جانب تطوير صادرات اللحوم الحلال إلى السوق الجزائرية.
كما تحمل الزيارة أبعادًا ثقافية ودينية وإعلامية، إذ ستركز على تعزيز التعاون في مجالات التعليم، والإعلام، وتبادل الخبرات الدينية والفكرية، بما يعزز الروابط العربية والإفريقية والإسلامية بين الشعبين.
وفي ختام حديثه، شدد الدكتور شافعي يوسف عمر على أن زيارة الرئيس حسن شيخ محمود إلى الجزائر “تأتي في لحظة فارقة من التاريخ الإفريقي الحديث، وتؤسس لعلاقة واقعية ومتوازنة بين بلدين يجمعهما الدين واللغة والانتماء الإفريقي، ويفترقان فقط في تجارب المراحل السابقة”.
وأضاف قائلًا:
“الصومال تمد يدها بثقة نحو الجزائر لتأسيس تعاون يقوم على الاستقرار والمصالح المشتركة، والجزائر بدورها ترى في الصومال شريكًا استراتيجيًا يمكن أن يكون جسرًا يربط بين المغرب العربي والقرن الإفريقي في إطار تكامل إفريقي شامل.”
وبهذا المعنى، تُعد الزيارة خطوة استراتيجية شاملة نحو بناء شراكة إفريقية متوازنة تعزز الأمن والتنمية، وتعيد الاعتبار للعلاقات التاريخية بين بلدين يسعيان اليوم إلى تحويل التقارب السياسي إلى مشاريع تعاون واقعة تخدم شعبيهما وتساهم في استقرار القارة الإفريقية بأكملها.
الجزائر شريك موثوق وقادرة على دعم الصومال في مسار الاستقرار والتنمية
أكد الدكتور حسن شيخ علي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مقديشو، في تصريح خاص لـ"الأيام نيوز"، أن الجزائر تعد من الدول القليلة القادرة فعليًا على مساعدة الصومال في تجاوز تحدياته الأمنية والتنموية، نظرًا لتجربتها الثرية في بناء مؤسسات الدولة بعد عقود من الصراعات الداخلية، ولما تمتلكه من رصيد سياسي ودبلوماسي يجعلها شريكًا موثوقًا في القارة الإفريقية.
وقال الدكتور حسن إن الجزائر تمتلك عناصر القوة التي تجعلها مؤهلة لتقديم دعم نوعي للصومال، سواء في الجانب الأمني أو الاقتصادي، مضيفًا أن ما حققته الجزائر من استقرار داخلي بعد تجربة مريرة مع الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي يشكل نموذجًا يمكن للصومال الاستفادة منه. وأوضح أن التجربة الجزائرية في المصالحة الوطنية وإعادة بناء مؤسسات الدولة يمكن أن تكون مصدر إلهام للصومال الذي يسعى اليوم لترسيخ الأمن وتعزيز الثقة بين مكوناته السياسية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، شدد الدكتور حسن شيخ علي على أن الجزائر تمتلك مدرسة فكرية وأمنية متقدمة في التعامل مع ظاهرة التطرف، وأنها نجحت في الجمع بين المقاربة الأمنية والمقاربة التنموية في مكافحة الإرهاب. وأضاف أن “الصومال يحتاج إلى شراكة من هذا النوع، تقوم على دعم القدرات المحلية بدل الحلول المفروضة من الخارج”، مشيرًا إلى أن التعاون الأمني بين البلدين قد يسهم في تطوير قدرات الأجهزة الصومالية في مجالات التدريب، والتخطيط، وتبادل المعلومات، بما يضمن رفع كفاءة مؤسسات الدولة في مواجهة الجماعات المتطرفة.
كما أشار إلى أن الجزائر يمكنها أيضًا أن تلعب دورًا مهمًا في الجانب الاقتصادي، خاصة وأنها تمتلك تجربة ناجحة في استغلال الثروات الطبيعية وتوجيهها نحو التنمية المستدامة. وقال إن الصومال، الذي دخل مرحلة جديدة من الاكتشافات النفطية والغازية، يحتاج إلى شركاء أفارقة موثوقين لمرافقته في إدارة هذه الثروات بشكل شفاف وعادل، مضيفًا أن الجزائر بما تملكه من خبرة في هذا المجال يمكن أن تكون شريكًا مثاليًا لتقديم الاستشارات الفنية وتبادل الخبرات التقنية في قطاع الطاقة.
على الصعيد الدبلوماسي، يرى الدكتور حسن شيخ علي أن الجزائر تتمتع بثقل دولي وإفريقي يمكن أن يسهم في دعم الموقف الصومالي في المحافل الدولية، لاسيما داخل مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي. وأوضح أن “الجزائر تمتاز بدبلوماسية متزنة قائمة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما يجعلها وسيطًا مقبولًا وصديقًا حقيقيًا للصومال.”
وختم الدكتور حسن حديثه بالتأكيد على أن الصومال يرى في الجزائر نموذجًا للدولة التي استطاعت تحويل أزماتها إلى فرص للنهوض، وأن تعميق التعاون بين البلدين يمكن أن يكون ركيزة لتعزيز الاستقرار الإقليمي في إفريقيا. وأضاف أن الجزائر تملك المقومات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تجعلها قادرة على دعم الصومال في بناء دولة قوية مستقرة تسهم في أمن القرن الإفريقي وتحقق التكامل الإفريقي المنشود.

