2025.10.09
عاجل :



السويد.. \ سياسة

السويد.. "الإسلام الأزرق والأصفر" في مواجهة "الإسلام السياسي "


ربيعة خطاب
08 أكتوبر 2025

الجدل يتزايد في أوروبا حول تأثير الجماعات الإسلامية على مجتمعاتها، لكن الشرارة الأخيرة جاءت من ستوكهولم، حيث أطلقت وزيرة التعليم والاندماج السويدية، سيمونا موهامسون، تصريحات وصفت بالجريئة، اتهمت فيها جماعة الإخوان المسلمين بمحاولة التأثير في المجتمع السويدي وعرقلة اندماج المسلمين. الوزيرة شددت على أن الحكومة ستتحرك لرصد أي نشاطات أو اختراقات محتملة داخل المؤسسات الاجتماعية والسياسية، في خطوة تعكس تحولا لافتا في الخطاب الرسمي حول قضايا الهوية والاندماج.

يؤكد الباحث التونسي جمال مارس أن تصريحات وزيرة التعليم والاندماج السويدية تعكس إدراكا متزايدا لدى الحكومات الأوروبية لضرورة التمييز بين الممارسة الدينية المشروعة وبين النشاط الأيديولوجي المنظم، الذي تسعى من خلاله بعض الجماعات إلى التأثير في البنية المجتمعية والسياسية.

وأوضح أن ما أشارت إليه الوزيرة بشأن "اختراق المؤسسات" ليس اتهاما عشوائيا، بل نتيجة لتقارير ودراسات أوروبية رصدت بالفعل محاولات ممنهجة من جماعة الإخوان المسلمين لبناء شبكات نفوذ داخل مؤسسات المجتمع المدني والتعليم.

دوافع التحقيق السويدي ومفهوم "الإسلام الأزرق والأصفر"

يشهد المشهد السياسي في السويد تحولا لافتا في التعامل مع قضايا الاندماج والدين بعد إعلان الحكومة فتح تحقيق رسمي حول نشاط جماعة الإخوان المسلمين داخل البلاد. هذا القرار أثار نقاشا واسعا حول طبيعة العلاقة بين الدولة والجاليات المسلمة، وحول مدى تأثر السويد بالموجة الأوروبية الجديدة التي تربط بين الإسلام السياسي ومخاطر الاختراق المؤسسي.

يؤكد جمال مارس للأيام نيوز، أن الخطوة السويدية لم تأت من فراغ، بل جاءت نتيجة تراكم مؤشرات مقلقة رصدتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد صدور التقرير الفرنسي الذي تحدث عن اختراق الجماعات الإسلامية للمؤسسات الأوروبية. ويشير إلى أن السويد كانت من الدول التي ورد ذكرها كبيئة خصبة لأنشطة جماعة الإخوان.

ويضيف أن الحكومة تسعى من خلال هذا التحقيق إلى تقييم مدى وجود شبكات فكرية أو تنظيمية تعمل وفق أجندة أيديولوجية داخل المؤسسات التعليمية والاجتماعية، خاصة تلك التي تتلقى تمويلا حكوميا.

ويرى مارس أن المسألة لا تتعلق بخطر أمني مباشر، بل بخطر هيكلي طويل الأمد مرتبط بما يسميه "الهياكل الموازية"، أي مؤسسات تعمل داخل المجتمع السويدي لكنها تحمل فكرا يتعارض مع قيم الدولة العلمانية والديمقراطية.

أما بخصوص ما سمته وزيرة التعليم والاندماج سيمونا موهامسون بـ"الإسلام الأزرق والأصفر"، فيوضح مارس أن المقصود هو أنموذج لإسلام مندمج في المجتمع السويدي ويحترم قيم الحرية والمساواة، في مقابل الإسلام السياسي الذي يُنظر إليه كحركة أيديولوجية تسعى إلى النفوذ باسم الدين.

ويعتبر أن هذا المفهوم يحمل في الوقت ذاته بعدا إيجابيا يسعى لترسيخ إسلام متوافق مع القيم الوطنية، لكنه أيضا يطرح إشكالية عندما تبدأ الدولة في تحديد ما هو "الإسلام المقبول" وما هو "المرفوض"، لأن ذلك قد يثير حساسيات داخل الجالية المسلمة المتنوعة فكريا واجتماعيا.

الدكتور جمال مارس _تونس

الأبعاد الأوروبية والتحول في رؤية التعددية الثقافية

لا يمكن فصل التحقيق السويدي عن التحولات الأوسع التي تشهدها أوروبا في التعامل مع الإسلام السياسي. فالتقارير الرسمية في ألمانيا والنمسا دفعت بعدة دول إلى مراجعة سياسات الاندماج ومراقبة تمويل الجمعيات الدينية، وهو ما يعكس توجها أوروبيا جديدا يسعى إلى تحقيق توازن بين حماية الأمن واحترام الحريات.

يؤكد جمال مارس أن التحقيق السويدي يأتي استجابة مباشرة للتقرير الفرنسي الصادر عام 2023، الذي كشف عن شبكات نفوذ مرتبطة بالإخوان داخل المؤسسات العامة. ويضيف أن السويد تابعت تلك التطورات بقلق، مما دفعها إلى إطلاق تحقيق وطني لتقييم الوضع محليا.

ويشير إلى أن هذا التحرك لا يعبر فقط عن تقليد بل يعكس أيضا تغيرا في المزاج السياسي الداخلي بالسويد، الذي بات أكثر حذرا تجاه قضايا الهجرة والاندماج بعد تصاعد التوترات الاجتماعية.

ويضيف أن هذا التوجه يمثل جزءا من تنسيق أوروبي أوسع ضد ما يسمى بالإسلام السياسي، إذ تتجه الدول الأوروبية نحو تبادل المعلومات وتوحيد التشريعات لمراقبة الجمعيات والتمويلات المشبوهة.

أما عن البعد الثقافي، فيوضح مارس أن الخطاب الرسمي الجديد في السويد يعكس تحولا في مفهوم التعددية الثقافية، إذ لم تعد الدولة تكتفي بسياسة "التعايش بين الثقافات"، بل باتت تؤكد على "الاندماج القيمي" في إطار الهوية السويدية الجامعة.

ويخلص الباحث إلى أن السويد تعيد اليوم تعريف التعددية لا باعتبارها coexistence بين ثقافات مختلفة، بل كمنظومة قيم مشتركة تضمن حرية المعتقد مع احترام المبادئ الديمقراطية، وهو تحول يعكس قلقا متزايدا من العزلة الثقافية، لكنه في الوقت ذاته يثير تحديات جديدة أمام الحفاظ على التنوع الحقيقي داخل المجتمع.