في الـ25 سبتمبر 2025، سجّل البرلمان المكسيكي حدثًا سياسيًا لافتًا تمثّل في الإعلان عن تأسيس المجموعة البرلمانية المشتركة للصداقة والتعاون بين المكسيك والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. وقد جرى الاجتماع التأسيسي بمقر مجلس النواب بالعاصمة مكسيكو سيتي، بحضور السفير الصحراوي في المكسيك المختار لبيهي ونواب من كتل حزبية متعددة شملت حزب العمال، الحزب الثوري الدستوري، وحركة التجديد الوطني "مورينا".
هذا التطور، وإن بدا في شكله مبادرة برلمانية، إلاّ أنه يعكس بعمق ثبات الموقف المكسيكي من قضية الصحراء الغربية، ويؤكد استمرار التزام هذا البلد بأحد أبرز ملفات تصفية الاستعمار غير المستكملة في إفريقيا.
المكسيك، التي اعترفت رسميًا بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 8 سبتمبر 1979، لطالما عُرفت بمواقفها المبدئية من قضايا التحرر الوطني. وقد استند قرار الاعتراف حينها إلى ما يُعرف في أدبياتها الدبلوماسية بـ "عقيدة إسترادا"، القائمة على احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها ورفض التدخل الخارجي.
بهذا الاعتراف المُبكر، وضعت المكسيك نفسها ضمن الدول التي تعاملت مع الصحراء الغربية ليس كنزاع إقليمي، بل كملف لتصفية الاستعمار مدرج على جدول أعمال الأمم المتحدة منذ عام 1963، ما منح الشعب الصحراوي حقًا قانونيًا غير قابل للتصرف في تقرير مستقبله السياسي.
الخطاب الذي ألقاه النائبان فاسكيس وغارسيا خلال الجلسة التأسيسية جاء ليجدد التأكيد أنّ البرلمان المكسيكي لا يرى القضية الصحراوية مجرد ملف عالق بين المغرب وجبهة البوليساريو، بل قضية سيادة وشرعية أممية. بل وشدد على "الموقف التاريخي للمكسيك وبرلمانها في الدفاع عن الجمهورية الصحراوية وحق شعبها في الاستقلال"، وهو خطاب يتناغم مع الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية عام 1975، الذي خلص إلى عدم وجود أيّ روابط سيادة تربط المغرب بالصحراء الغربية.
وفي السياق، أثنى السفير الصحراوي المختار لبيهي على هذه المبادرة، واعتبرها انعكاسًا للعلاقات الممتازة بين المؤسستين التشريعيتين في مكسيكو سيتي والعيون. في حين رئيس المجلس الوطني الصحراوي، حمة سلامة، رأى في تأسيس المجموعة خطوة تفتح آفاقًا جديدة لتفعيل التعاون البرلماني وإبراز عدالة القضية الصحراوية في الساحة المكسيكية.
وتتضح أهمية هذا التطور بشكل أكبر في سياق الظروف الراهنة، فمنذ انهيار وقف إطلاق النار في 13 نوفمبر 2020 بعد أحداث "الكركرات"، دخلت الصحراء الغربية مرحلة جديدة من النزاع المسلح، في وقت عجزت فيه الأمم المتحدة عن إحياء مسار المفاوضات رغم جهود مبعوثها الشخصي ستيفان دي ميستورا. وبينما اختارت بعض القوى الكبرى التعامل مع مقترح الحكم الذاتي المغربي كأرضية للحل، تمسّكت المكسيك ودول أخرى باستفتاء تقرير المصير كخيار وحيد لتصفية الاستعمار.
وبالتالي، فإنّ التحرك البرلماني في سبتمبر 2025، ليس حدثًا معزولًا، بل يجسد مكانة المكسيك في النظام الدولي، فالمكسيك تحرص على إظهار استقلالية قرارها الخارجي، خاصة في الملفات المرتبطة بالشرعية الدولية. وما تأسيس مجموعة الصداقة البرلمانية إلاّ إدراك بأنّ قوة البرلمانات اليوم تتجاوز المجال الداخلي لتصبح أداة تأثير في العلاقات الدولية، قادرة على صياغة مواقف تضغط على الحكومات وتعطي زخمًا للقضايا المهددة Tu بالتهميش.
وإذا كان الاعتراف الرسمي بالجمهورية الصحراوية سنة 1979 قد شكّل لحظة تأسيسية في علاقات البلدين، فإن إعلان 25 سبتمبر 2025 يعيد تجديد الالتزام المكسيكي، ويمنحه بعدًا مؤسساتيًا متجددًا. هذه الخطوة تؤكد أن الدعم الدولي للصحراويين لا يقتصر على إفريقيا أو على فضاء معين، بل يمتد إلى قارات أخرى، بما يعزز مشروعية كفاحهم ويمنحهم سندًا دبلوماسيًا في مواجهة محاولات طمس قضيتهم.
الرسائل السياسية لهذه المبادرة واضحة، فهي أولًا تأكيد للشعب الصحراوي أنّ قضيته لا تزال تحظى باهتمام في دوائر دولية وازنة، وثانيًا تذكير للمغرب بأنّ اعترافات قديمة بالقضية مثل الموقف المكسيكي لا تتأثر بسهولة بالمتغيرات السياسية، وثالثًا تنبيه للأمم المتحدة بأن مسؤوليتها في استكمال عملية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية تظل قائمة مهما طال النزاع.
وإذا كان الماضي قد شهد اعترافًا دبلوماسيًا رسميًا، فإن الحاضر يشهد تجديدًا برلمانيًا لذلك الاعتراف، في لحظة دولية تتسم بالانقسام والضبابية، لذا، ليست المبادرة المكسيكية مجرد صفحة في العلاقات الثنائية، بل ورقة قوية تُضاف إلى سجل دعم الشرعية الدولية وحق الشعوب في الحرية والاستقلال.
فهل يظلّ هذا الإعلان تعبيرًا عن ثبات المكسيك على مواقفها المبدئية تجاه الصحراء الغربية، أم أنه يمهّد لانخراط أعمق في تفعيل الدبلوماسية البرلمانية وتوسيع دائرة التضامن الدولي مع الشعب الصحراوي؟
وفي هذا السياق أوضح المحلل السياسي الصحراوي بشير محمد حسين في تصريح لـ"الأيّام نيوز" أن تأسيس المجموعة البرلمانية المشتركة للصداقة والتعاون بين المكسيك والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ليس حدثًا مفاجئًا، بل امتداد طبيعي لمسار طويل من العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأكد محمد حسين أنّ المكسيك اعترفت بالجمهورية الصحراوية في 8 سبتمبر 1979، قبل إقامة علاقة دبلوماسية رسمية في 24 أكتوبر من العام نفسه، ما منح تلك الروابط طابعًا استراتيجيًا ثابتًا على مرّ العقود.

وأشار المتحدث إلى أنّ المكسيك حافظت منذ ذلك الحين على موقفها الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، انسجامًا مع مبادئ سياستها الخارجية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. مُذكّرا بأن للجمهورية الصحراوية سفارة في العاصمة مكسيكو منذ عام 1988، ما يعكس الأهمية التي توليها القيادة الصحراوية لهذه العلاقة، بينما تعتمد المكسيك تمثيلها لدى الجمهورية الصحراوية من خلال بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
وأضاف أن العلاقات بين الجانبين لم تقتصر على الإطار الدبلوماسي، بل تعززت مع مرور الوقت عبر أشكال مختلفة من التضامن والروابط الثقافية، من بينها تنظيم رحلات تضامنية إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر، والمشاركة في فعاليات ثقافية، مثل المهرجان الدولي للفيلم الصحراوي.
وختم حسين بالتأكيد على أن تأسيس اللجنة البرلمانية يعكس متانة هذه العلاقات ويؤسس لمرحلة جديدة من الدبلوماسية البرلمانية بين البلدين، من شأنها نقل التعاون إلى مستوى أكثر عمقًا وشمولًا.