2025.10.12
عاجل :



المغرب.. جيل الهامش يخلخل هيبة المركز سياسة

المغرب.. جيل الهامش يخلخل هيبة المركز


ربيعة خطاب
منذ 6 ساعات

في لحظة وعي تاريخية، عجزت أجهزة الاستشعار المخزنية عن رصدها، تمرد الشارع المغربي على الخوف، وركل الشعارات الزائفة التي انطفأ بريقها، وأسكت خطابات الوهم التي تحاول تجميل واقع يزداد قتامة، ليقف في وجه سلطة مفلسة أخلاقيا وسياسيا وقانونيا، تتحرك خارج زمن شعبها. فمنذ السابع والعشرين من سبتمبر، لا تزال شرارة الغضب مشتعلة بوتيرة غير مسبوقة، وقد تجاوزت سقف المطالب الاجتماعية لتتحول إلى مواجهة مفتوحة بين شارع يصرخ بالكرامة والعدالة، ونظام يلوذ بالقبضة الأمنية مستندا إلى أجندة إسرائيلية توهمه بإمكانية ضمان بقاء العرش ولو على حساب الوطن، فارضا هدوءا زائفا على أرضية مجوّفة تتداعى في كل حين.

يؤكد المحلل السياسي المغربي محمد قنديل، في تصريحه لـ«الأيام نيوز»، أن "المخزن تحوّل فعلا إلى أداة في يد إسرائيل ضد شعبه، ليس فقط عبر التطبيع السياسي والعسكري والاستخباراتي، بل من خلال توظيف هذه العلاقة كوسيلة للسيطرة الداخلية".

المحلل السياسي المغربي محمد قنديل

ويوضح قنديل أن "إسرائيل اليوم تزود النظام بأدوات المراقبة والتجسس، مثل برنامج بيغاسوس، وتقدم له خبراتها في تفكيك أي حراك شعبي أو معارضة سياسية. وبهذا المعنى، لم يعد المخزن يخدم المصالح الوطنية بقدر ما ينفذ أجندة أمنية إسرائيلية، مقابل ضمان استمرارية العرش، ولو على حساب كرامة وأمن المواطنين."

تراجع الثقة وتحوّل الغضب إلى وعي جماعي

تتسم الاحتجاجات المشتعلة في المغرب بتراجع غير مسبوق في منسوب الثقة تجاه مؤسسات الدولة، بعد أن طغى المخزن على المشهد وأوهم نفسه بأن البلاد ملكٌ له لا لشعبها، متجاهلا التحولات الاجتماعية والفكرية التي يشهدها الجيل الجديد. وجاءت موجة الغضب الأخيرة نتيجة تراكم عوامل متشابكة، من البطالة والفساد وضعف العدالة الجهوية في توزيع التنمية، إلى الفجوة العميقة بين الخطاب الرسمي وواقع الخدمات المتردي الذي يثقل كاهل المواطن يوما بعد يوم.

ويبدو هذا التراجع في الثقة جليا ليس فقط تجاه الحكومة والأجهزة التنفيذية، بل أيضا تجاه نمط إدارة الدولة الذي يربط المصالح بالمواقع ويتجاهل الحاجات الأساسية للمواطنين، في ظل شعور عام بانسداد الأفق السياسي والاجتماعي. ورغم ذلك، لا يزال جزء من المجتمع يحتفظ بثقة جزئية في رموز الدولة أو في فكرة الاستقرار العام، غير أن فقدان الثقة يبدو أكثر حدة بين الفئات الشبابية التي تشعر بالتهميش وغياب العدالة وتآكل فرص المستقبل.

ويؤكد المحلل السياسي والناشط الحقوقي محمد قنديل أن الطبقة الوسطى الحضرية تعيش حالة متزايدة من الخيبة، وأن مشاركة القاصرين والمراهقين في احتجاجات المدن صدمت الجميع، لكنها بالمقابل أضفت على الحراك طابعا شبابيا خالصا، يختلف عن الممارسات التقليدية للقوى السياسية الكلاسيكية. ويضيف أن بعض القوى التقليدية يلتزم الصمت خشية فقدان امتيازاته أو اتهامه بتعطيل الدولة، فيما يخشى آخرون من استغلال التحركات الشعبية من قبل أطراف خارجية أو متطرفة. ومع ذلك، فإن الحراك الشبابي الجديد يكتسب قدرة تمييزية واضحة، تعكس وعيا جديدا واستقلالا في التعبير والموقف.

طبقات الحراك ومطالبه

منذ 27 سبتمبر، يعيش المغرب على وقع احتجاجات غير مسبوقة تعبّر عن غضب شعبي متراكم تجاه سياسات الدولة ومراكز القرار في المملكة. ويرى قنديل أن هذه التحركات تعبّر عن استياء عميق من الإهمال المستمر للخدمات الأساسية، وتفاوت توزيع الثروة، وغموض أولويات الحكومة، ما جعل المواطن يشعر أن صوته ومطالبه لا تُسمع، ويُصنّف قنديل مطالب الحراك في ثلاثة مستويات رئيسية:

- المستوى الأول: المطالب الاجتماعية العاجلة، وتشمل تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتوفير فرص العمل، وتعزيز العدالة الجهوية، وتنفيذ إصلاحات ملموسة تلبي الاحتياجات اليومية للمواطنين.

- المستوى الثاني: يخص التغيير الجزئي في النظام، عبر تعديل أولويات الحكم واستبدال بعض المسؤولين دون المساس بالإطار الدستوري، من خلال إصلاحات محدودة تضمن تحسين أداء المؤسسات دون الإخلال بالنظام العام.

- المستوى الثالث: يذهب أبعد من ذلك نحو التغيير الجوهري، بإعادة هيكلة العلاقات السياسية والدستورية وربما إعادة النظر في شكل الحكم نفسه، بما يعكس طموح بعض الفئات لإقامة مؤسسات أكثر شفافية وخضوعا للرقابة، وحتى طرح بدائل نظامية أكثر جذرية.

بين القبضة الحديدية وتجميل الواجهة

في مواجهة الغضب الشعبي المتصاعد، تبدو آليات الدولة المغربية واضحة في أسلوبها الحذر، إذ تميل السلطات إلى ضبط التحركات الاحتجاجية واحتوائها قبل أن تتحول إلى مطالب أوسع قد تهدد بنية الحكم. ويشير قنديل في حديثه لـ"الأيام نيوز" إلى أن تعامل الدولة يتم عبر عدة محاور متوازية: الرد الأمني الميداني، ومحاولة امتصاص الغضب عبر تغييرات شكلية كالتعديلات الوزارية أو إطلاق مشاريع اجتماعية محدودة، إلى جانب التأثير الإعلامي الذي يصور الاحتجاجات كتهديد للاستقرار، واستخدام القانون لتجريم النشطاء أو المجموعات ذات الارتباط الخارجي.

ويضيف قنديل أن النظرة الرسمية تميل إلى ربط الاستقرار بالتحول التدريجي بدل الانتقال الفوري، وهي استراتيجية تهدف إلى إدارة الغضب دون السماح له بزعزعة أسس الحكم. غير أن إمكانية التغيير تبقى قائمة من خلال إصلاحات مؤسسية شاملة تشمل إنشاء مؤسسات مستقلة، وضمان شفافية مالية، وتطبيق لامركزية حقيقية، إلى جانب إصلاح قطاعي التعليم والصحة وتوزيع أكثر عدلا للثروة.

أي مستقبل ينتظر المملكة؟

لكن نجاح إصلاحات محتملة من هذا النوع، كما يؤكد قنديل، مشروط بوجود ضغط مدني منظم ونخب قادرة على التفاوض، مع ضمانات انتقالية واضحة تضمن التوازن بين السيطرة على الحراك وتحقيق الإصلاحات المنشودة. ويرى قنديل أن الحراك المغربي يمتلك مقومات التحول إلى مشروع وطني شامل، شرط أن يتوافر له تنظيم داخلي فعّال، وقنوات تفاوض شرعية بين الأطراف المعنية، إلى جانب جدول زمني واضح للإصلاحات وضمانات انتقالية حقيقية.

كما يشدد على ضرورة إشراك المجتمع المدني والنخب السياسية في إدارة عملية التحول بما يضمن الشفافية والعدالة. ويخلص إلى أن مستقبل هذا الحراك مرهون بتحقيق توازن دقيق بين الضغط الشعبي وسير العملية السياسية، وبين دور الأجهزة الأمنية وتأثير المجتمع الدولي. فغياب هذا التوازن، كما يحذر، قد يؤدي إما إلى تصاعد موجة القمع أو إلى فقدان الحراك زخمه، ما قد يمهّد لاحقا لموجة جديدة من الاحتجاجات، أكثر تنظيما وأعمق تأثيرا.