فقدت الكرة الجزائرية يوم الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 أحد أبرز رموزها، بوفاة الأسطورة جيلالي سالمي عن عمر ناهز 79 عامًا، بعد معاناة مع المرض. اسمه محفور في ذاكرة الملاعب الجزائرية، لا كلاعب فقط، بل كقائد حقيقي ورمز من رموز الوفاء في تاريخ شباب بلوزداد والمنتخب الوطني.
بدأ جيلالي سالمي مسيرته الكروية من الأحياء الشعبية، متحديًا معارضة أسرته وبالأخص شقيقه الأكبر الذي رفض فكرة ممارسته لكرة القدم. لكنه، بعزيمته وإرادته، شق طريقه نحو النجومية، حيث التحق بفريق أولمبي العناصر ثم انضم إلى شباب بلوزداد عام 1967، وهناك بدأت فصول المجد في جيل ذهبي ضمّ أسماء لامعة مثل أحسن لالماس، مختار كالام، عميروش وغيرهم.
مع بلوزداد، قاد سالمي الفريق لتحقيق بطولتي الدوري الجزائري في موسمي 1967 و1976، إضافة إلى تتويجه بكأس المغرب العربي ثلاث مرات متتالية أعوام 1970 و1971 و1972، إلى جانب ألقاب أخرى.
لقّبته الجماهير بـ"بيليه الصغير" بسبب مهاراته الفنية العالية وقدرته التهديفية الكبيرة، لكن المفارقة أنه لم يكتفِ باللقب، بل واجه بيليه نفسه في مباراة ودية تاريخية بوهران ضد فريق سانتوس البرازيلي.
وفي تلك المباراة، راوغ سالمي النجم البرازيلي العالمي وأدهشه بمراوغة "الجسر الصغير" حين مرر الكرة بين قدميه، لحظة لا تزال محفورة في ذاكرة كل من حضر تلك المواجهة.
وقد صرح لاحقًا أن اللعب أمام بيليه كان شرفًا كبيرًا وأنه محظوظ بفرصة مواجهة أحد أعظم اللاعبين في التاريخ.
على مستوى المنتخب الوطني، شارك سالمي في 16 مباراة دولية بين 1967 و1975، وكان أحد أعمدة الفريق خلال نهائيات كأس أمم إفريقيا 1968 بأثيوبيا، وهي أول مشاركة للجزائر في تاريخ البطولة.
رغم الصعوبات الفنية والتنظيمية، قدّم أداءً لافتًا، خاصة في المباراة الثانية التي ساهم خلالها بتمريراته في الأهداف الأربعة التي سجلها الخضر.
بعد اعتزاله، لم يغادر سالمي محيط الكرة، بل تولى مهام إدارية، أبرزها رئاسته لنادي شباب بلوزداد بين عامي 1996 و2000، وخلال تلك الفترة أعاد الفريق إلى منصة التتويج، فظفر بلقب الدوري عام 2000 بعد غياب دام 30 سنة، كما توج بكأس الرابطة في نفس العام، بعد أن شكّل فريقًا تنافسيًا ضمّ أسماءً بارزة في الكرة الجزائرية.
في آخر ظهور إعلامي له، استضافه برنامج "أوفسايد" على قناة "الشروق نيوز"، حيث تحدث بتواضع عن مسيرته، وكشف عن تفاصيل إنسانيته وحبه لكرة القدم، وعبّر عن اعتزازه بمسيرته رغم كل التحديات. لم يكن يفضّل الحديث عن نفسه، بل كان يرى أن الأفعال أبلغ من الأقوال، وفضّل دائمًا أن يتحدث عنه الآخرون.
جيلالي سالمي لم يكن مجرد لاعب أو إداري، بل كان مدرسة في الإبداع والوفاء والانضباط. رحل بجسده، لكنه سيبقى حاضرًا في ذاكرة الجماهير التي لن تنسى أهدافه ولمساته، ومراوغته التاريخية للجوهرة السوداء بيليه. الجزائر تودع أحد رجالها الذين صنعوا المجد بصمت، وتاريخ الكرة الجزائرية يطوي صفحة من أنقى صفحاته.