2025.10.12
عاجل :



ماريا كورينا الوجه الجديد لسلام مصنوع في واشنطن.. نوبل تُكافئ الولاء سياسة

ماريا كورينا الوجه الجديد لسلام مصنوع في واشنطن.. نوبل تُكافئ الولاء


ربيعة خطاب
منذ 6 ساعات

في عالم اختلّ فيه ميزان القيم وتاهت بوصلته الأخلاقية، تلقّى الضمير الدولي صفعة مدوية، إذ استيقظ على خبر بدا كأنه مفارقة صارخة: ماريا كورينا ماتشادو، المرأة التي تتهمها شرائح واسعة من الفنزويليين بتأجيج الانقسام الداخلي وفتح الأبواب أمام التدخل الأجنبي، تنال نوبل للسلام؛ الجائزة التي كرّمت عبر تاريخها رموز المصالحة والعدالة، لكنها تختار اليوم وجها مثيرا للجدل لم يعرفه أبناء بلاده إلا بلغة التصعيد والمجابهة.

في شوارع كاراكاس، لم يكن وقع الخبر احتفالا بل دهشة وغضبا؛ فالمرأة التي دعا مؤيدوها إلى "تحرير فنزويلا" من النظام البوليفاري، يتهمها خصومها بأنها كانت دائما جزءا من شبكة مصالح خارجية، أكثر منها زعيمة وطنية مستقلة. وبينما تصفها لجنة نوبل بأنها "رمز للديمقراطية"، يرى كثير من الفنزويليين فيها رمزا لتسييس المعاناة الوطنية.

ووصف المحلّل السياسي الجزائري منصور قدور بن عطية هذا الفوز بأنه "صدمة للعالم، لا لفنزويلا فحسب؛ صدمة لأن العالم يبدو وكأنه يسير بخطى متعاكسة، فمن كان بالأمس سببا في إشعال الأزمات يُكافَأ اليوم بلقب حامل السلام". وأضاف بحدة: "هل أصبحت نوبل تُمنح لمن يُفسد في بلاده ويؤجّج أوضاعها؟".

المحلّل السياسي الجزائري منصور قدور بن عطية

بهذا المعنى، لم يكن فوز ماتشادو حدثا عابرا، بل علامة على تحوّل مقلق في معايير المكافأة الدولية؛ حيث يُعاد تعريف "النضال" وفق خريطة المصالح لا وفق منظومة القيم. وبينما يحتفل الغرب بـ"بطلة الديمقراطية"، يراها كثير من أبناء وطنها أداة في لعبة أكبر من فنزويلا نفسها؛ لعبة تُدار من الخارج تحت شعارات "حقوق الإنسان"، لكنها تخفي وراءها هندسة سياسية واقتصادية تُعيد توزيع النفوذ في أمريكا اللاتينية.

فساد بلا وثائق أم فساد بغطاء الوطنية؟

"ما تكشفه التقارير الإسرائيلية ليس تفصيلا عرضيا في سيرة ماريا كورينا ماتشادو، بل دليلٌ إضافي على أن مشروعها السياسي يقوم على التحالف مع القوى التي لطالما لعبت دور المهيمن في رسم خرائط المنطقة والعالم. إن ارتباطها بحزب الليكود وتوقيعها اتفاقية تعاون مع نتنياهو عام 2020 ينسف تماما خطابها عن الوطنية والسيادة والاستقلال. فحين تصبح زعيمة معارضة في بلد لاتيني يعاني من الحصار والعقوبات طرفا في شراكة معلنة مع اليمين الإسرائيلي، فذلك لا يُعبّر عن دفاع عن الديمقراطية، بل عن انخراط في شبكة نفوذ عابرة للحدود."

ويضيف بن عطية: "هذه ليست علاقة رمزية أو دبلوماسية، بل جزءٌ من هندسة سياسية هدفها تحويل المعارضة الفنزويلية إلى رأس جسر جديد في صراع المحاور. ومن يراجع بنود الاتفاقية التي وقّعتها مع حزب الليكود، يدرك أن الحديث عن القيم المشتركة ليس سوى غطاء أيديولوجي لتقاطع المصالح بين معسكر واشنطن – تل أبيب والمعارضة الفنزويلية، التي تبحث عن شرعية خارجية لتعويض فشلها الداخلي. لم تكتف بالارتماء في أحضان الغرب، بل أعلنت التزامها بنقل سفارة فنزويلا إلى القدس في حال فوزها بالرئاسة، وكأنها تقول علنا: سيادة بلادي مرهونةٌ باعتراف الخارج بي."

ويرى بن عطية أن: "الفساد عند ماريا كورينا لا يُقاس فقط بالمال المنهوب أو الصفقات المشبوهة، بل بفساد المفهوم ذاته للوطن. حين تُختزل الوطنية في شعارات، وتُدار الدولة من المكاتب الأجنبية، يصبح الفساد سياسة ممنهجة أكثر منه انحرافا فرديا. ماريا كورينا تمارس ما أسميه الفساد المشرعن بالحرية، أي تبرير التبعية والتفريط في السيادة باسم الديمقراطية. فهل بعد ذلك من غرابة أن تُكافأ بجائزة نوبل للسلام؟ لقد بات العالم، ببساطة، يمنح الجوائز لمن يُجيدون خدمة أجنداته، لا لمن يخدمون شعوبهم".

نوبل... جائزة السلام أم جائزة السياسة؟

عندما أعلنت لجنة نوبل للسلام فوز زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بجائزتها لعام 2025، بدا المشهد وكأنه مفارقة أخلاقية أكثر منه تكريما إنسانيا. فبينما اعتبرتها اللجنة "رمزا لشجاعة المرأة في الدفاع عن الديمقراطية"، رأى كثيرون أن الجائزة انحرفت عن معناها الأصلي لتصبح وسيلة سياسية تخدم رواية الغرب عن "الحرية" و"الشرعية الديمقراطية".

ماتشادو، التي دعت مرارا إلى تشديد العقوبات على بلادها لإضعاف نظام الرئيس نيكولاس مادورو، كانت من أبرز من دعموا الإجراءات التي أدت إلى انهيار الاقتصاد الفنزويلي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. ورغم ذلك، تُكافأ اليوم بجائزة يُفترض أنها تُمنح لمن يسعى إلى تخفيف معاناة الشعوب، لا إلى مضاعفتها.

وفي تصريح لـ“الأيام نيوز”، قال المحلل السياسي الجزائري منصور قدور بن عطية: "يبدو أن لجنة نوبل لم تعد تكرم صانعي السلام، بل الملتزمين بخطاب الغرب السياسي. فماريا كورينا لم تُنقذ وطنها من أزماته، بل ساهمت في تفاقمها بدعمها العقوبات وتبريرها التدخلات الخارجية. الأدهى من ذلك أنها قاطعت الانتخابات التشريعية الأخيرة في مايو 2025، رافضة الاعتراف بفوز حزب مادورو الساحق، في مشهد يُعرّي ازدواجية خطابها: فهي تدافع عن الديمقراطية حين تفوز، وتطعن فيها حين تخسر."

ويضيف بن عطية: "هذه ليست نوبل للسلام، بل نوبل للولاء السياسي. لجنة الجائزة لم تُكلّف نفسها عناء مراجعة التبعات الإنسانية للعقوبات التي باركتها ماتشادو، ولم تسأل كيف يمكن لمن حرم أبناء وطنه من الدواء والغذاء أن يُكرَّم كصانعة سلام. إنها مفارقة تكشف تحوّل الجائزة إلى أداة جيوسياسية لإعادة تلميع وجوه المعارضة المقرّبة من واشنطن، تماما كما حدث في بلدان أخرى."

ويرى المحلل أن ما جرى ليس سوى تسييس فاضح للجوائز العالمية، مضيفا أن "السلام في زمن ماتشادو لم يعد قيمة، بل غطاء لتبرير الاصطفاف." فالجائزة، بحسب تعبيره، لم تُمنح على أساس إنجاز إنساني أو إصلاح وطني، بل على أساس الاصطفاف مع محور غربي يسعى إلى إعادة هندسة المشهد اللاتيني وفق مصالحه.

نوبل بين التكريم والولاء

في مشهد أثار جدلا واسعا داخل فنزويلا وخارجها، أعلنت الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2025، ماريا كورينا ماتشادو، إهداء الجائزة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإلى "الشعب المعذّب في فنزويلا". هذا الإهداء، الذي بدا للوهلة الأولى بادرة امتنان سياسي، تحوّل سريعا إلى عاصفة من الانتقادات، إذ اعتبره كثيرون دليلا جديدا على ارتباط زعيمة المعارضة الفنزويلية بالأجندة الأمريكية أكثر من ارتباطها بالهمّ الوطني.

فبحسب بيان لجنة نوبل النرويجية، مُنحت الجائزة لماتشادو "تقديرا لجهودها في تعزيز الحقوق الديمقراطية لشعب فنزويلا، ونضالها السلمي من أجل انتقال عادل من الديكتاتورية إلى الديمقراطية". غير أن كلمات الشكر التي وجهتها إلى ترامب، الرئيس الذي دعم العقوبات الاقتصادية القاسية ضد فنزويلا، بدت في نظر كثيرين تناقضا صارخا مع روح الجائزة ذاتها. فكيف تهدي من يُفترض أنها "صانعة سلام" جائزتها إلى من ساهم في خنق اقتصاد بلادها عبر الحصار والعقوبات؟

وفي هذا السياق، صرّح المحلّل السياسي الجزائري منصور قدور بن عطية لصحيفة "الأيام نيوز" قائلا: "كان الأجدر بماتشادو، إن كانت تؤمن حقا بالسلام، أن تُهدي جائزتها إلى وطنها أولا، إلى أمهات الفقراء والعمّال الذين عانوا من تبعات العقوبات التي باركتها. إهداؤها لترامب لا يرمز إلى امتنان شخصي، بل إلى انتماء سياسي واضح، وكأنها تقول للعالم: ولائي لمن دعمني، لا لمن أنتمي إليه. هذا ليس تصرفا رمزيا فحسب، بل رسالة سياسية تُعبّر عن طبيعة مشروعها الموجّه من الخارج."

ويضيف بن عطية: "نوبل في هذه الحالة لم تعد جائزة للسلام، بل وسامَ ولاء سياسي. حين يُكرَّم من أيّد العقوبات وحملات العزل الدولية ضد بلده، فنحن أمام إعادة تعريف لمفهوم النضال نفسه. إنها ليست معركة من أجل الديمقراطية، بل معركة على من يملك رواية الديمقراطية."

هكذا فقدت الجائزة معناها الأخلاقي في عيون كثير من الفنزويليين، الذين رأوا في تصرّف ماتشادو خيانة رمزية لآلامهم. فالجائزة التي كان يمكن أن تُشكّل جسرا للمصالحة، تحوّلت إلى مرآة تعكس عمق الانقسام بين من يرى في واشنطن مُخلّصا، ومن يراها أصل المأساة.

ماتشادو تُكرم ترامب لا وطنه

أعلنت الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2025، ماريا كورينا ماتشادو، إهداء الجائزة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإلى "الشعب المعذّب في فنزويلا". هذا الإهداء الذي بدا للوهلة الأولى بادرة امتنان سياسي، تحوّل سريعا إلى عاصفة من الانتقادات، إذ اعتبره كثيرون دليلا جديدا على ارتباط زعيمة المعارضة الفنزويلية بالأجندة الأمريكية أكثر من ارتباطها بالهمّ الوطني.

فبحسب بيان لجنة نوبل النرويجية، منحت الجائزة لماتشادو "تقديرا لجهودها في تعزيز الحقوق الديمقراطية لشعب فنزويلا، ونضالها السلمي من أجل انتقال عادل من الديكتاتورية إلى الديمقراطية". غير أن كلمات الشكر التي وجهتها إلى ترامب، الرئيس الذي دعم العقوبات الاقتصادية القاسية ضد فنزويلا، بدت في نظر كثيرين تناقضا صارخا مع روح الجائزة ذاتها. فكيف تهدي من يُفترض أنها "صانعة سلام" جائزتها إلى من ساهم في خنق اقتصاد بلادها عبر الحصار والعقوبات؟

وفي هذا السياق، صرّح المحلل السياسي الجزائري منصور قدور بن عطية لصحيفة الأيام نيوز قائلا: "كان الأجدر بماتشادو، إن كانت تؤمن حقا بالسلام، أن تُهدي جائزتها إلى وطنها أولا، إلى أمهات الفقراء والعمال الذين عانوا من تبعات العقوبات التي باركتها. إهداؤها لترامب لا يرمز إلى امتنان شخصي، بل إلى انتماء سياسي واضح، وكأنها تقول للعالم: ولائي لمن دعمني، لا لمن أنتمي إليه. هذا ليس تصرفا رمزيا فحسب، بل رسالة سياسية تُعبّر عن طبيعة مشروعها الموجّه من الخارج".

ويضيف بن عطية أن "نوبل في هذه الحالة لم تعد جائزة للسلام، بل وسام ولاء سياسي. حين يُكرَّم من أيّد العقوبات وحملات العزل الدولية ضد بلده، فنحن أمام إعادة تعريف لمفهوم النضال نفسه. إنها ليست معركة من أجل الديمقراطية، بل معركة على من يملك رواية الديمقراطية."

بهذا الإهداء، فقدت الجائزة معناها الأخلاقي في عيون كثير من الفنزويليين، الذين رأوا في تصرف ماتشادو خيانة رمزية لآلامهم. فالجائزة التي كان يمكن أن تُشكل جسرا للمصالحة، تحولت إلى مرآة تعكس عمق الانقسام بين من يرى في واشنطن مُخلّصا، ومن يراها أصل المأساة. وهكذا، تختتم نوبل عامها بمنح وسام "السلام" لسياسية جعلت من الصراع منهجا، ومن الانقسام هوية.

جائزة نوبل للسلام.. من ديناميت الدمار إلى رمز الإنسانية

تُعدّ جائزة نوبل للسلام، التي تُمنح سنويا في العاشر من ديسمبر بالعاصمة النرويجية أوسلو، واحدة من أكثر الجوائز العالمية إثارة للجدل والإلهام في آن واحد. فمنذ أن أوصى بها العالم والمهندس الكيميائي السويدي ألفرد نوبل في وصيته الشهيرة، ظلّ السؤال قائما: لماذا اختار رجل اخترع الديناميت أن يجعل من "السلام" إحدى أهم جوائزه؟

رغم وضوح الدوافع وراء جوائز نوبل في الكيمياء والفيزياء، بحكم تخصصه العلمي، فإنّ دوافع إدراجه لجائزة تُعنى بالسلام لم تُكشف صراحة حتى يومنا هذا. توفي نوبل سنة 1896 دون أن يترك تفسيرا مكتوبا، لكن المؤرخين يرون أن قراره لم يكن وليد صدفة، بل نتيجة تحوّل داخلي عميق عاشه الرجل بعد إدراكه الآثار المدمّرة لاختراعاته. فالديناميت والمقذفية – اللذان أحدثا ثورة في مجالات البناء والتعدين – استُخدما لاحقا في الحروب وأعمال العنف، مما دفعه إلى السعي لتخليد اسمه في سياق مختلف، عبر جائزة تُكرّس التآخي بين الأمم وتعزيز السلم العالمي.

ويُرجع باحثون في "جامعة نوبل" هذا القرار إلى محاولة الرجل التكفير الأخلاقي عن تطوير أدوات الدمار. كما يشير بعض المؤرخين إلى التأثير الكبير الذي تركته عليه برثا فون سوتنر، الكاتبة والناشطة النمساوية في مجال السلام، والتي أصبحت لاحقا من أوائل النساء الحائزات على الجائزة نفسها. فقد كانت صداقتها لنوبل ومراسلاتها الطويلة معه سببا في بلورة رؤيته الإنسانية الجديدة.

أما عن سبب اختيار النرويج تحديدا لإدارة الجائزة بدل السويد، فقد ظلّ لغزا جزئيا بدوره. غير أن لجنة نوبل النرويجية ترجّح أن نوبل رأى في النرويج بلدا أكثر هدوءا وأقل انخراطا في النزعات العسكرية مقارنة بالسويد، خصوصا في ظل الاتحاد السياسي القائم آنذاك بين البلدين. كما كان البرلمان النرويجي نشطا آنذاك في مبادرات الاتحاد البرلماني الدولي الساعية لحل النزاعات عبر الحوار والوساطة، ما جعلها أرضا خصبة لفكرة السلام.

ومنذ أن مُنحت لأول مرة سنة 1901، تحوّلت جائزة نوبل للسلام إلى منصة أخلاقية عالمية تُكرّم الجهود الإنسانية في مواجهة الحروب والتطرف، وترسّخ إرثا معكوسا لمخترع الديناميت: إرثا لا ينفجر في الأرض، بل في ضمير العالم.