جدّدت الجزائر، اليوم الثلاثاء، دعمها الكامل للمبادرات الإفريقية الرامية إلى تجريم الاستعمار ومحاسبة الدول الاستعمارية، وفي مقدمتها فرنسا، عن الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت بحق شعوب القارة، بما فيها الجرائم البشعة التي طالت الجزائر طيلة 132 عامًا من الاحتلال الاستيطاني الدموي.
وفي كلمة ألقاها خلال المؤتمر الدولي حول "جرائم الاستعمار في التاريخ الإنساني"، المنعقد في العاصمة الجزائرية، شدّد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، على أن الجرائم الاستعمارية لا تسقط بالتقادم ولا تُطوى بالتناسي، بل تُعالج بالاعتراف والعدالة، مؤكدًا أن الجزائر لن تتنازل عن حقها في محاسبة الاستعمار الفرنسي على ما خلّفه من مآسٍ إنسانية ودمار شامل.
وأضاف الوزير أن الجزائر ترفض سياسة الإنكار التي ما تزال بعض الدول الاستعمارية، وعلى رأسها فرنسا، تتمسّك بها، رغم حجم الأدلة الدامغة على الجرائم المرتكبة، من مجازر جماعية وتهجير قسري ونهب للثروات وتجارب نووية كارثية في الجنوب الجزائري.
وفي هذا السياق، أعادت الجزائر التأكيد على أن ملف الذاكرة الاستعمارية يشكّل أحد أبرز الملفات العالقة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، والتي لن تُسوّى إلا عبر اعتراف صريح من باريس بمسؤوليتها التاريخية، واسترجاع الأرشيف والمنقولات، وتعويض ضحايا التجارب النووية وتنظيف المناطق الملوثة في الصحراء.
ويأتي هذا الموقف في ظل تبني الاتحاد الإفريقي، خلال قمته الأخيرة في فيفري 2025، لـ "اللائحة الإفريقية لتجريم الاسترقاق والاستعمار", والتي تنص على تشكيل جبهة موحدة للمطالبة بالعدالة التاريخية والتعويضات، عن الجرائم المرتكبة بحق الأفارقة والأشخاص من أصل إفريقي، بما يشمل الاستعمار، والاستعباد، والفصل العنصري، والإبادة الجماعية.
وقد تم تكليف أربع دول، هي الجزائر، وجنوب إفريقيا، وتوغو، وغانا، بمتابعة تنفيذ هذه المبادرة، وتنسيق الجهود على المستوى القاري والدولي، لتوثيق الجرائم وتفعيل الضغط السياسي والدبلوماسي من أجل الاعتراف الدولي والاستجابة لمطالب القارة.
وفي تصريحات سابقة، عبّر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف عن ارتياح الجزائر لما وصفه بـ"الزخم الإفريقي المتصاعد لتصحيح مظالم التاريخ"، مشيرًا إلى أن القارة الإفريقية تُطالب اليوم بتجريم الاستعمار، وفتح ملفات التعويض واستعادة الممتلكات المنهوبة.
وتُعد الجزائر من أكثر الدول تضررًا من المشروع الاستعماري الفرنسي، حيث خلّف الاحتلال أكثر من مليون ونصف مليون شهيد، خلال ثورة نوفمبر فقط، إلى جانب تفكيك البنية الاجتماعية، وتدمير مقوّمات الهوية، وتشويه الذاكرة الجماعية، وهو ما يجعل من قضيتها نموذجًا مركزيًا في الحراك الإفريقي الراهن ضد الاستعمار القديم وآثاره المستمرة.