2025.10.02
عاجل :



أم ميمي لبلال فضل.. رواية غارقة في بذاءةِ اللغة وقذارة الواقع!

أم ميمي لبلال فضل.. رواية غارقة في بذاءةِ اللغة وقذارة الواقع!


سارة النمس
09 يناير 2023

صدرت رواية أم ميمي عن دار المدى العراقية سنة 2021 وأحدثت ضجّة كبيرة بين القراء خاصةً في المجتمع المصري وذلك بعد ترشحها للقائمة الطويلة لجائزة بوكر التي تعدّ أهم جائزة حالية للرواية العربية، فالبعض استهجن البذاءة التي ميّزت لغة الرواية ولم يتحمّل قراءة رواية كاملة كتبت بلغة غارقة في البذاءة بينما وجد قراء آخرون أنّ هذه الرواية تعرّي واقعًا معيّنًا حقيقيًا وموجودًا في بعض الحارات الفقيرة التي لا يصلها ضوء الحضارة والثقافة ورفاهية انتقاء مفردات مناسبة في الحياة اليومية.

الغلاف: "عجوز قبيحة بقدمين جميلتين"

في عصرٍ تصدر فيه مئات عناوين الكتب والروايات كل سنة٬ لم يعد الغلاف مجرد جلدٍ يحمي الأوراق ويقدّمُ اسم الكاتب والكتاب ودار النشر بل أصبح صناعة بحدّ ذاتها وفنًا يجتهد عليه المصمّمون للحصول على أفضل نتيجة للترويج ولفتِ انتباه القارئ وأصبح يمثّل ما يمثله العنوان من عتبة للرواية، فهو إيحاء مباشر أو غير مباشر عن مضمون العمل. وهذا الغلاف صمّم بسيطًا بلون أزرق سماوي وقدمين جميلتين بأظافر ملوّنة بالأحمر ممّا يوحي بأنّها لامرأة شابة أو في منتصف العمر على الأقل وامرأة أنيقة وثرية لتهتم بالمانيكير وربما لعوب من وضعية القدم فوق القدم وهو البعيد كل البعد عن مضمون الرواية وعنوانها، فالرواية عن شاب اسكندراني ينتقل إلى القاهرة لدراسةِ الإعلام معارضًا رغبة والديه ومضطرًا لاستئجار غرفة حقيرة تناسب ميزانيته في بيت المدعوة أم ميمي، سيدة كبيرة في العمر بأمراض مزمنة وتعيش في بيتٍ متهالك وفوضوي ومتسّخ، لا تقوم حتى بتنظيفه وترميمه من أجل المستأجرين وحتى شخصية رحاب الشابة التي تظهر في نهاية الرواية، لا تأخذ مساحة كافية ليتم تصميم غلاف الرواية لأجلها، لهذا يعدّ الغلاف محض حركة تجارية غير موّفقة لجذب القراء إلى تصوّر خاطئ عن هذه الرواية.

لغة غارقة في البذاءة موّجهة للقارئ المصري

كتبَ بلال فضل رواية أم ميمي بلغة مثقلة بالمفردات العامية المصرية وأخرى أكثر غموضًا من مفردات الشوارع يجد القراء من الدول المجاورة صعوبةً في فهمها وهم يصطدمون بمفردات تمّ  إدماجها وتعريبها وتشكيلها بالحركات لتقدّم على أنّها كلمات عربية وهي ليست كذلك، من ناحية أخرى إيجابية بعض الحوارات بالعامية تمنح لمسة واقعية للرواية إلى جانب سرده السينمائي ما يسرق القارئ ويسحبه إلى قلب الحدث والأماكن والشخصيات ولكنّ اللغة الغارقة في البذاءة لم يتحمّلها قراء كثر لأنّها لم تكن على لسان شخصيات معيّنة فقط وفي ظروف سردية تتطلب ذلك النوع من التعبير انعكاسًا لانفعالات تمر بها الشخصيات، ما حدث أنّ بلال فضل كتب 90 بالمئة من الرواية بلغة بذيئة، حتى وهو يوظفها لشخصية البطل، الطالب الخجول، المؤدب، البعيد عن الشجارات العنيفة والمثقف نسبيًا والمهتم بالفنون والقراءة وما إلى ذلك، حتى تلك الشخصية رغم اختلافها لم يكن لها لغة أنظف ومسبات أقل، أحيانًا في مواضع لا تتطلب ولا تحتاج توظيف تلك المسبّات، بينما استمتع قراء آخرون بتلك الجرأة في استخدام الكلمات النابية المناسبة لمزاج الرواية وفضائها المكاني وشخصياتها ووجد فيها خفّة الدم التي يشتهر المصريون بها.

أم ميمي في المشرحة بين يدي غريب!

من أكثر النصوص الغريبة في هذه الرواية، مشهد جثة أم ميمي في المشرحة تنتظر أن يتم تغسيلها على الطريقة الإسلامية لدفنها وعلى الرغم من أنّ الكاتب بلال فضل قام بتصوير الازدواجية والتناقضات التي تميز الشخصيات بين تدّين ظاهري اجتماعي وسقطات أخلاقية لا إنسانية إلاّ أنّ بعض الأمور من الصعب أن تنتهك في المجتمعات المحافظة، فهذه المسّنة التي تموت، لها ابنة وابن ولها جيران وجارات وأقارب ورغم ذلك يُطلب من الطالب الشاب الذي لم يتعد عمره العشرين بعد، الذي كان مستأجرًا في بيتها أن يقوم بتغسيلها هو وزوج ابنة المتوفاة والمعروف في المجتمعات الإسلامية المحافظة أنّ الرجل يغسّل الرجل والمرأة تغسّل المرأة، عادة يفعل ذلك المقرّبون للموتى وفي حال تعذر ذلك يطلبون من متطوع أو متطوعة أن يقوم بالغسل على الطريقة الإسلامية شرط أن يكون من جنسه، لذا كان ذلك المشهد ثغرة فادحة في رواية من المفترض أنّها واقعية وتحاكي أعراف المجتمع المصري وليس مشهدًا متخيّلا في رواية فانتازية أو حلم وما إلى ذلك.

تقنيات السرد في رواية أم ميمي

استخدم بلال فضل تقنيات كلاسيكية  لسرد رواية أم ميمي التي رواها البطل كلّها بضمير المتكلم وبأحداث تصاعدية تبدأ من لحظة انتقال الطالب إلى القاهرة إلى نهاية السنة الدراسية وفراره من بيت أم ميمي، وقد يبدو أنّ أكثر ما برع فيه الكاتب في روايته الأولى هو الوصف الدقيق التصويري إلى جانب تقمص الشخصيات وتفاصيلها،  شخصيات واضحة بملامحها وسلوكها وفضائها المكاني، كما أجاد توظيف تقنية الفلاش باك والتحكّم الزمني في تقديم وتأخير بعض الأحداث مع إفشاء أسرار صغيرة  للقارئ خصّه بها البطل خاصّة في الجزء الأخير من الرواية، منتهيةً بأحداث متسارعة ومستعجلة لا تشبه التمهل والقوّة التي بدأت بها الرواية.