مع تسارع التحولات الاقتصادية العالمية، وتنامي دور التكنولوجيا كجسر رئيسي للاندماج في الأسواق، تقف إفريقيا اليوم أمام لحظة مفصلية تتجاوز حدود التجارة التقليدية نحو اقتصاد رقمي متكامل. فالرهان لم يعد مقتصرًا على تحرير المبادلات البينية، بل بات مرتبطًا بقدرة القارة على توظيف الرقمنة كأداة استراتيجية لتسريع النمو وتعزيز السيادة الاقتصادية.
وفي هذا السياق، يكتسب معرض التجارة البينية الإفريقية أهمية استثنائية، إذ تحوّل إلى منصة لطرح الأسئلة الجوهرية حول مستقبل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة: هل تستطيع أن تكون العمود الفقري للتحول الرقمي؟ وهل يملك الشباب الإفريقي ما يكفي من الطاقات الريادية لكسر الحواجز التقليدية وفتح أبواب أسواق جديدة عبر التكنولوجيا؟
أسئلة عميقة كانت محور تصريحات كويمي تسووو، المستشار التجاري الإقليمي الأول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وأمادو تال، المدير العام لشركة Nimba SMS، اللذين قدما رؤيتين متكاملتين حول الدور المحوري لهذه المؤسسات الناشئة والصغيرة في صياغة مستقبل التجارة الرقمية في إفريقيا.

كويمي تسووو، المستشار التجاري الإقليمي الأول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
في حديث خاص لـ"الأيام نيوز"، شدّد كويمي تسووو، المستشار التجاري الإقليمي الأول في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تُشكّل العمود الفقري للاقتصادات الإفريقية، لكنها ما زالت تعاني من هشاشة في بنيتها الرقمية.
وقال:"هذه المؤسسات هي المحرك الحيوي للتشغيل وتنويع الإنتاج، لكنها تواجه تحديات هيكلية تجعلها أقل قدرة على مواجهة المنافسة العالمية. فالتحول الرقمي بالنسبة لها ليس مجرد خيار، بل شرط أساسي لضمان بقائها ونموها."
وأوضح تسووو أن الرقمنة تمنح هذه المؤسسات آفاقًا غير مسبوقة للتوسع في الأسواق الداخلية والخارجية، لكنها تتطلب استثمارات جدية في البنية التحتية الرقمية إلى جانب بناء القدرات البشرية. وأضاف:
"من دون هذه المقومات، سيظل التحول الرقمي شعارًا بعيد المنال. أما إذا تحققت، فإن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ستتحول إلى قاطرة للتنمية، قادرة على دمج الاقتصادات الإفريقية في سلاسل القيمة العالمية وتعزيز موقعها التفاوضي."
أمادو تال..الشركات الناشئة مستقبل إفريقيا ومفتاح سيادتها الرقمية
وفي حديث خاص لـ"الأيام نيوز"، أكد أمادو تال، المدير العام لشركة Nimba SMS، أن الشركات الناشئة باتت تشكّل الرافعة الأكثر ديناميكية للتحول الرقمي في إفريقيا، موضحًا أنها تجاوزت دورها التقليدي كمزوّد للخدمات التكنولوجية لتتحول إلى منصات قادرة على إعادة صياغة أنماط التجارة والاقتصاد في القارة، عبر ابتكار حلول عملية تسد الفجوات الهيكلية وتُيسّر اندماج إفريقيا في الاقتصاد الرقمي العالمي.

أمادو تال، المدير العام لشركة Nimba SMS
وأشار تال إلى أن الابتكار أصبح أداة عملية وفعّالة تتيح لرواد الأعمال الشباب والمستثمرين اختراق أسواق جديدة بسرعة، وتطوير منصات رقمية تعزز الشفافية، وتخفض تكاليف المعاملات، وتسرّع وتيرة المبادلات التجارية عبر الحدود.
وأضاف قائلاً: "إن التقاء الطاقات الريادية للشباب الإفريقي مع مسار التحول الرقمي كفيل بإطلاق قاطرة للنمو الشامل والمستدام، قادرة على كسر الحواجز التقليدية التي كبّلت التجارة البينية لعقود طويلة."
وختم تال بالتأكيد على أن الرهان الحقيقي يكمن في الاستثمار في العقول المبدعة وتوفير بيئة تشريعية ومالية محفزة، معتبراً أن الشركات الناشئة ليست مجرد مشاريع صغيرة عابرة، بل هي مستقبل القارة ومفتاح سيادتها الرقمية.