2025.10.26
دفتر الطلبيات ثقافة

دفتر الطلبيات


آية مصدق
13 أكتوبر 2025

هطلت الأمطار بغزارة تلك الليلة، وكأن السماء تفرغ ما في جوفها دفعةً واحدة. انبعث من الطريق الضبابي ضوء سيارة خافت، كان ياسين عائدًا إلى منزله في الضاحية الجنوبية من البلدة، وفجأة تعطلت السيارة.

وعندما نزل، لمح ضوءًا يتسلسل من منزل قريب على جانب الطريق. اقترب بحذر ودق الباب، لكن لم يُجب أحد. فتح الباب ودخل بحذر، فوجد في الداخل شمعة مشتعلة على طاولة خشبية قديمة، وبجانبها دفتر بدا كأنه دفتر طلبيات وكرسي هزاز يُحدث صوتًا مخيفا.

فتح ياسين الدفتر وبدأ يقرأ: "إذا كنت تقرأ هذه السطور، فهذا يعني أنك زائر جديد للمقهى. اطلب ما تريده مجانًا ودع التحلية لي".

وخُتمت الكلمات برسم لوجه مبتسم بلون أحمر قانٍ يشبه الدم.

شعر ياسين برجفة تسري في جسده عندما قلب الصفحات واطلع على القائمة التي كانت تضم أكلات غريبة. أغلق الدفتر بخوف، لكنه سرعان ما لمح كتابات تتشكل على غلاف الدفتر: "لا يمكنك أن ترحل دون أن تطلب شيئا".

وانقلب الوجه غاضبًا. هرول مسرعًا إلى الباب، لكنه كان مغلقًا. وبعد دقائق، انقطع التيار الكهربائي وانطفأت الشمعة كما لو أن أحدًا أطفأها. غرق الرجل في الظلام الدامس، وتسارعت أنفاسه وتصبّب العرق من جبينه. فجأة، شعر بأصابع باردة تلمس كتفه من الخلف.

- "كنت أنتظر زائرًا منذ سنوات، والآن أنت لي".

كانت هذه آخر كلمات سمعها ياسين قبل أن يسقط في دوامة من الظلام.

في ذلك الصباح، تسللت أشعة الشمس من بين الستائر وانعكس نورها على جدران الغرفة. فتح ياسين عينيه ليجد نفسه ممددًا على السرير، يحيط به البياض، وفجأة سمع صوتًا يقول:

ـ كيف تشعر الآن؟

كان صادرًا من ممرّضة تقف أمام الباب.

غمغم ياسين سائلاً:

-       أين أنا؟

فتقدمت الممرضة نحوه بحذر، تخفي خلفها حقنة، وأجابت بهدوء:

ـ في مستشفى الأمراض العقلية.

وأنهت كلامها بحقن ذراعه. اتسعت عينا ياسين بمزيج من الصدمة والرعب عندما لمح دفتر الطلبيات فوق الطاولة بجانبه، ثم أطبق جفناه مجددًا واستسلم لتأثير المخدّر.