تعيش إفريقيا اليوم، وخصوصا غربها، مرحلة دقيقة من تاريخها الاقتصادي، إذ تقف على مفترق طرق بين ماضٍ مثقل بجراح الانقسام الداخلي وإكراهات التبعية للخارج، ومستقبل واعد يقوم على التكامل والانفتاح الذاتي، وسط واقع دولي متذبذب لا يرحم.
فالمشهد الدولي، الذي تهيمن عليه التكتلات العملاقة مثل الاتحاد الأوروبي وآسيا الصاعدة، يفرض على القارة السمراء البحث عن أدوات جديدة لحماية مصالحها وتعزيز حضورها في السوق العالمية. ومن بين هذه الأدوات، تبرز المعارض الاقتصادية الإفريقية كبوابات حقيقية لترجمة خطاب الوحدة إلى مشاريع ملموسة.
المعرض التجاري البيني الإفريقي ليس مجرد فضاء للعرض والتسويق، بل هو مختبر عملي لاختبار قدرة القارة على بناء جسور اقتصادية بين مكوناتها المختلفة، وتفعيل مشروع منطقة التجارة الحرة القارية الذي طال انتظاره.
وفي هذا الإطار، يكتسب الحضور المؤسسي للتكتلات الإقليمية وزناً استثنائياً، لأنها تمثل العمود الفقري لأي مشروع تكاملي واسع النطاق.
وهنا تتقدم المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإكواس) لتؤكد حضورها القوي في المعرض، حاملة معها تجربة رائدة في التنسيق الإقليمي ورؤية واضحة حول مستقبل التعاون التجاري. فالإكواس لا تشارك لمجرد تسجيل موقف أو تلبية بروتوكول، بل لأنها تدرك أن هذا الحدث يمثل فرصة استراتيجية لتثبيت موقع غرب إفريقيا في قلب المنظومة الاقتصادية للقارة، وإبراز إمكاناتها كسوق ناشئة تحمل فرصاً ضخمة للاستثمار والشراكات العابرة للحدود.
في هذا السياق، أكد إيمانويل بلي كونجو، ممثل وزارة التجارة والصناعة لدول الإكواس، في تصريح خص به الأيام نيوز، أن المشاركة في هذا الحدث الاقتصادي ليست مجرد حضور بروتوكولي، بل هي تعبير عن قناعة راسخة بأهمية المعرض كمنصة للتكامل التجاري والصناعي.
وقال كونجو: "وجودنا هنا يعكس إدراكنا العميق لأهمية التعاون الإفريقي – الإفريقي. نحن في الإكواس نعتبر هذا المعرض فضاءً مثالياً لعرض قدراتنا الصناعية، وإبراز فرص الاستثمار، والأهم من ذلك، بناء روابط مباشرة مع شركائنا من مختلف مناطق القارة."
وأوضح ممثل وزارة التجارة والصناعة أن مشاركة الإكواس في هذا المعرض لم تأتِ من باب الحضور الشكلي، بل انطلقت من رؤية استراتيجية تستهدف إعادة رسم موقع غرب إفريقيا في الخريطة الاقتصادية القارية.
فالمجموعة كما قال تسعى أولاً إلى تعزيز التجارة البينية، ليس فقط بين دولها الأعضاء، وإنما مع بقية مناطق إفريقيا، بما يتيح توسيع حركة السلع والخدمات وتخفيف الاعتماد على الأسواق الخارجية.
كما تحمل الإكواس طموحاً واضحاً لتأسيس شراكات صناعية متقدمة، تقوم على مشاريع مشتركة ترفع مستوى القيمة المضافة محلياً وتدعم سلاسل الإنتاج الإفريقية. وإلى جانب ذلك، حرص الوفد على إبراز الفرص الاستثمارية الكبرى التي يزخر بها فضاء غرب إفريقيا، خاصة في قطاعات الزراعة والطاقة والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية، وهي مجالات يراها كونجو قادرة على أن تشكّل رافعة فعلية للنمو المشترك، إذا ما حظيت بالدعم والشراكات المناسبة.

إيمانويل بلي كونجو، ممثل وزارة التجارة والصناعة لدول الإكواس
وفي معرض تقييمه لأجواء المعرض، عبّر إيمانويل بلي كونجو عن انطباعه الإيجابي حيال مستوى التنظيم ونوعية المشاركة الإفريقية، معتبراً أن ما شهده في الجزائر يعكس صورة "إفريقيا الجديدة"، القارة التي لم تعد تقبل أن تكون مجرد تابع في الاقتصاد العالمي، بل تسعى إلى رسم مسارها بنفسها من خلال التجارة البينية والتكامل الصناعي. وأكد أن ما يميز هذه التظاهرة هو قدرتها على تجسيد الإرادة الجماعية للدول الإفريقية في كسر دائرة التبعية والانطلاق نحو بناء اقتصاد قائم على أسس داخلية متينة.
وأشار كونجو إلى أن خلفية مشاركة الإكواس في هذا الحدث ليست ظرفية ولا بروتوكولية، وإنما تستند إلى التزام تاريخي بمسار التكامل الإفريقي، موضحاً أن المنظمة لا ترى في حضورها مجرد فرصة لعرض منتجات أو إبراز مؤشرات اقتصادية، بل تعتبره جزءاً من عملية أوسع لتكريس مشروع منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) باعتباره خياراً استراتيجياً وحتمية تنموية، لا مجرد شعار سياسي.
واختتم ممثل وزارة التجارة والصناعة لدول الإكواس حديثه بالتأكيد على أن المشاركة القوية للمنظمة تعكس وعياً متزايداً بأن مستقبل إفريقيا مرهون بتعزيز التجارة البينية وتطوير سلاسل إنتاج متكاملة داخل القارة. وأضاف بنبرة حاسمة: "عندما تتحدث إفريقيا بصوت اقتصادي واحد، فإنها لا تعزز فقط قوتها التفاوضية، بل تفرض نفسها لاعباً رئيسياً على الساحة الدولية، قادراً على الدفاع عن مصالحه وابتكار مسارات نمو مستقلة."