2025.09.30
عاجل :



معرض التجارة البينية بالجزائر 2025.. التكامل الاقتصادي برؤى إفريقية  تقارير

معرض التجارة البينية بالجزائر 2025.. التكامل الاقتصادي برؤى إفريقية 


ربيعة خطاب
10 سبتمبر 2025

في قلب الجزائر العاصمة، حيث نبضت قاعات قصر المعارض بحركية غير مسبوقة، طيلة أسبوع كامل، شكّلت فعاليات معرض التجارة البينية الإفريقية 2025 (IATF) حدثاً اقتصادياً وسياسياً بامتياز، بما عكس نبض قارة بأكملها وهي تسعى لتجاوز تحدياتها ورسم ملامح مستقبلها. ولم يكن المعرض مجرد تجمّع استعراضي أو ملتقى تجاري عابر، بل تحوّل إلى فضاء استراتيجي يجمع بين ضخامة الرهانات وحجم التطلعات، حيث التقت الطموحات الفردية للشركات والمؤسسات مع الرؤية القارية الكبرى لبناء اقتصاد إفريقي متكامل ومستقل.

الحدث لم يقتصر على تبادل الصفقات أو عرض المنتجات، بل كان بمثابة مخبر حي للأفكار، وفرصة لتلاقي العقول والطاقات من شمال القارة وجنوبها، ومن شرقها وغربها.افي مشهد واحد يجسّد وحدة المصير الاقتصادي الإفريقي. وقد جاءت المشاركة الواسعة والمتنوعة  من شركات ناشئة تحمل بذور الابتكار، إلى مؤسسات كبرى بخبراتها الراسخة، مروراً بالمنظمات الدولية المواكبة لمسارات التنمية لتؤكد أن إفريقيا لم تعد تبحث عن دور على الهامش، بل تخطو بثقة نحو مركز الاقتصاد العالمي.

من نيجيريا إلى الجزائر.. KK Kingdom Group تراهن على البناء لتحقيق الوحدة الاقتصادية

في حديث خصّ به الأيام نيوز، أكد كليتوس إكيووا، ممثل مجموعة KK Kingdom Group النيجيرية، أن مشاركة المجموعة في معرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر لا يمكن اختزالها في حضور رمزي أو بروتوكولي، بل هي خيار استراتيجي نابع من قناعة راسخة بضرورة الانخراط المباشر والفعّال في مسار التكامل الاقتصادي للقارة.

كليتوس إكيووا، ممثل مجموعة KK Kingdom Group النيجيرية

وأوضح إكيووا أن رؤية المجموعة تقوم على جعل البناء والإنشاءات والبنى التحتية مدخلاً أساسياً للتكامل الإفريقي، من خلال إبراز قدراتها في مجالات بناء المساكن وتطوير المرافق العامة وإطلاق مشاريع الطاقة المستدامة التي تلبّي احتياجات المجتمعات الإفريقية المتنامية. كما شدّد على أن طموحات المجموعة تتجاوز حدود التجارة التقليدية، إذ تسعى إلى إرساء شراكات عابرة للحدود تقوم على الثقة والشفافية، وتحوّل الرؤى إلى مشاريع ملموسة تخدم التنمية الشاملة.

وفي هذا السياق، أشار إلى أن نقل التكنولوجيا وتنويع الاستثمارات، واستقطاب التمويلات القارية والدولية تشكّل محاور مركزية في استراتيجية المجموعة، بما ينسجم مع أهداف منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) في تعزيز تدفّق الاستثمارات وتسهيل حركة المبادلات. ولم يغفل إكيووا التوقف عند الجزائر كخيار استراتيجي لاحتضان هذه الرؤية، معتبراً أن موقعها الجيو–اقتصادي يجعلها جسراً محورياً بين إفريقيا العربية والمتوسطية من جهة، وإفريقيا جنوب الصحراء من جهة أخرى، وهو ما يمنح مشاريع المجموعة بعداً قارياً ويضعها في قلب ديناميكية التكامل الإفريقي.

Hilts Group.. خبرة نيجيرية لصناعة مستقبل إفريقيا الاقتصادي

في تصريح خاص لـ الأيام نيوز، شدّد بشير أبو بكر عمر، رئيس مجلس إدارة Hilts Group of Companies النيجيرية، على أن مشاركة مجموعته في معرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر تمثل أكثر من مجرد حضور اقتصادي أو استعراض للقدرات، بل هي رسالة استراتيجية تعكس إيماناً راسخاً بقدرة إفريقيا على صياغة مستقبلها الاقتصادي بيد أبنائها.

بشير أبو بكر عمر، رئيس مجلس إدارة Hilts Group of Companies النيجيرية

وأوضح أن المجموعة، بخبرتها الواسعة في مجالات المقاولات، الطاقة، والخدمات اللوجستية، ترى أن التحديات التي تواجه القارة – من فجوة واضحة في البنى التحتية، مروراً بصعوبات التمويل، وصولاً إلى محدودية المبادلات التجارية – لا يجب أن يُنظر إليها كعوائق، بل كفرص حقيقية للابتكار وبناء حلول بديلة.

وأضاف عمر أن التكامل الاقتصادي لم يعد خياراً مطروحاً للنقاش، بل أصبح ضرورة وجودية لقارة تمتلك موارد طبيعية هائلة وثروات بشرية شابة، لكنها تحتاج إلى إدارة رشيدة وتعاون وثيق لتتحول إلى قوة إنتاجية كبرى. ودعا في هذا السياق إلى تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص باعتبارها ركيزة أساسية لتشييد قاعدة اقتصادية متينة قادرة على مواجهة الأزمات وتقلبات الأسواق العالمية.

كما أشاد بالدور الجزائري في احتضان هذا الحدث القاري، معتبراً أن الجزائر ليست مجرد بلد مضيف، بل هي جسر حيوي يربط إفريقيا بالعالم العربي والمتوسط، بما يعزز مكانتها كشريك استراتيجي لا يقل أهمية عن مساهمة نيجيريا كأكبر اقتصاد إفريقي. وختم عمر تصريحه بالتأكيد على أن مستقبل إفريقيا يجب أن يُبنى بأيدي أبنائها، وأن Hilts Group تضع كل خبراتها وإمكاناتها في خدمة هذا الهدف، لأن القارة  كما قال  تستحق أن تحتل المكانة التي تليق بمواردها وثرواتها البشرية.

Acentrium Africa.. المعرفة والشبكات قيمة مضافة للتكامل

من منظور مختلف عن البعد التجاري والاستثماري المباشر، أكدت الأستاذة سميرة الحسن، مديرة العمليات في Acentrium Africa، أن المعرض الإفريقي للتجارة البينية بالجزائر شكّل بالنسبة لشركتها تجربة استثنائية على المستويين المهني والمعرفي.

سميرة الحسن، مديرة العمليات في Acentrium Africa

وأوضحت في تصريحها لـ الأيام نيوز أن قيمة المشاركة تجاوزت إبرام العقود أو عرض الخدمات، لتتجسد في الإثراء المعرفي والتفاعل العميق مع خبراء وصناع قرار من مختلف القطاعات، مشيرة إلى أن هذه الدورة فاقت توقعاتهم، من حيث جودة الحوارات وعمق الملاحظات البنّاءة التي تلقوها.

وأضافت أن الحدث أتاح للشركة بناء شبكات استراتيجية مع شركاء محتملين قادرين على تقديم حلول عملية، إلى جانب الاستفادة من تقييمات نقدية قيّمة من خبراء الصناعة ستسهم في تطوير منتجاتهم وخدماتهم. وبذلك، رأت سميرة الحسن أن المعرض لم يكن مجرد فضاء تجاري، بل تحوّل إلى مصنع للمعرفة والفرص، يعزز مكانة إفريقيا ككتلة اقتصادية واعدة في المشهد الدولي.

رؤية الأمم المتحدة.. الابتكار من أجل الإنسان والتنمية المستدامة

في بعد يتجاوز الأطر الاقتصادية التقليدية، شددت أهونّا إزياكونوا، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة ومديرة المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) بإفريقيا، في تصريحها لـ الأيام نيوز، على أن مستقبل إفريقيا لا يُقاس فقط بمؤشرات النمو أو حجم المبادلات التجارية، بل بقدرة أبنائها على توظيف الذكاء الاصطناعي والابتكار في خدمة الإنسان أولاً .

وأوضحت أن القيمة الحقيقية لأي تقدم تكنولوجي تكمن في تعزيز صمود المجتمعات وتمكينها من امتلاك زمام التنمية والتغيير، لا في الأدوات التقنية ذاتها. وأكدت أن الشراكات المحلية القوية تمثل الأساس لأي حلول مبتكرة، إذ لا يمكن أن يولد الابتكار في الفراغ، بل في بيئة منفتحة تُشرك الجميع وتقوم على التفاعل البنّاء بين مختلف الفاعلين.

كما لفتت إلى أن التحديات المناخية تفرض نفسها اليوم كأولوية قصوى على المشهد الإفريقي، ما يستدعي إدماج بُعد الاستدامة في كل مقاربة اقتصادية أو اجتماعية. وختمت بالتأكيد على أن التنمية المستدامة هي الركيزة الحقيقية للازدهار المشترك في القارة، وأن هذا المسار لا يمكن أن يكون فردياً أو معزولاً، بل قائماً على التضامن والتكامل القاري، حتى تتمكن إفريقيا من تحقيق طموحاتها والانخراط بقوة في المشهد الاقتصادي العالمي.

آراء النخب الإفريقية.. من الإعجاب بالتجربة إلى الدعوة لآليات عملية

لم تقتصر فعاليات معرض التجارة البينية الإفريقية 2025 على الجانب التنظيمي أو الاقتصادي فحسب، بل شكّلت أيضاً مساحة للتفكير الاستراتيجي وتبادل الرؤى بين النخب الفكرية والاقتصادية من مختلف البلدان. ففي تصريحات خصّوا بها الأيام نيوز، أجمع خبراء من الجزائر وموريتانيا ودول أخرى على أن قيمة المعرض تكمن في ما يتيحه من زخم فكري ومقترحات عملية قادرة على تحويل الحلم الإفريقي إلى واقع ملموس.

من الجزائر، شدّد الأستاذ عبد الله أبرزلغ على أن المعرض محطة مفصلية لإعادة التفكير في الاقتصاد القاري، مؤكداً أن الحراك والاهتمام اللذين شهدهما يبرزان وجود إرادة سياسية قادرة على خلق زخم حقيقي للتبادل. لكنه أضاف أن هذا الزخم يحتاج إلى آليات مؤسسية عملية مثل إنشاء منصات معلومات تجارية مشتركة وقواعد بيانات مفتوحة، إلى جانب برامج تمويل ميسّرة تستهدف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها المحرك الأساسي للقيمة المضافة. كما دعا إلى تشجيع التنويع الصناعي وتبسيط الإجراءات الجمركية والإدارية، حتى يتحول المعرض من مناسبة دورية إلى محرك دائم للنمو الإفريقي.

الأستاذ عبد الله أبرزلغ

أما من موريتانيا، فقد أعرب الدكتور شيخ أمادو ما مبا عن إعجابه بجودة التنظيم وتنوّع المشاركين، واعتبر أن المعرض ليس مجرد فضاء عرض، بل هو جسر عملي للتعاون في قطاعات حيوية مثل الزراعة، المصايد، النقل، والطاقة المتجددة. ورأى أن ترجمة هذه الديناميكية تتطلب مبادرات عملية لدعم الشباب ورجال الأعمال عبر برامج تبادل وتدريب مشترك وحاضنات مشاريع، إلى جانب حلول رقمية مبسّطة لتمويل التجارة وتتبّع الشحنات، بما يقلّص التكاليف ويعزّز الثقة بين المتعاملين.

الدكتور شيخ أمادو ما مبا

ومن جانبه، وصف الأستاذ وديع مخلوف المعرض بأنه انطلاقة عملياتية لإعادة بعث التجارة البينية، مشيراً إلى أنه أعاد تسليط الضوء على ثغرات مزمنة، مثل غياب تبادل المعلومة، وهشاشة البنى التحتية، وتعقيدات الإجراءات الجمركية.

الدكتور وديع مخلوف

واعتبر أن الاستثمار في البنية التحتية من طرق وموانئ وشبكات نقل إلى منصات لوجستية رقمية  يمثل حجر الزاوية لأي خطة للتكامل، داعياً المؤسسات المالية الإفريقية وعلى رأسها أفريكسيم بنك إلى لعب دور المموّل الاستراتيجي لمثل هذه المشاريع. كما شدّد على ضرورة تفعيل دور الأمانة العامة لمنطقة التجارة الحرة القارية (زليكاف) في توحيد التعريفات وإزالة العوائق الحدودية، مؤكداً أن احتضان الجزائر لهذا الحدث يبعث رسالة واضحة بأنها تسعى لشراكة إفريقية قائمة على التنمية والتضامن، بعيداً عن أنماط الاستغلال.