لم يكن الاحتفال بيوم السيادة في إثيوبيا حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل محطة تاريخية تستحضر واحدة من أعمق اللحظات المؤسسة في الوعي الإفريقي: انتصار معركة "عدوة" عام 1896، حين تمكّنت القوات الإثيوبية بقيادة الإمبراطور منليك الثاني من هزم الجيش الإيطالي وإجهاض المشروع الاستعماري في القرن الإفريقي. هذا النصر تحوّل إلى رمز للتحرر الوطني، جعل من إثيوبيا الدولة الوحيدة في القارة التي أفلتت من الاستعمار المباشر، وألهم لاحقًا الحركات التحررية في الجزائر وأنغولا وجنوب إفريقيا وغيرها.
اليوم، وبعد أكثر من قرن، يوظّف الإثيوبيون هذا اليوم الوطني لإبراز هويتهم السيادية وتأكيد استقلال قرارهم السياسي، مع استدعاء رمزية التاريخ في خدمة الحاضر. فإثيوبيا، التي احتضنت عام 1963 مقر منظمة الوحدة الإفريقية في أديس أبابا، تواصل عبر هذه المناسبة لعب دورها كفاعل قاري يسعى إلى الموازنة بين حماية مصالحه الوطنية والانخراط في القضايا الإفريقية الكبرى.

رئيس جمهورية الصحراء الغربية ابراهيم غالي رفقة نائبة رئيس المفوضية للإتحاد الإفريقي سلمى حدادي
ضمن هذا السياق، برزت القضية الصحراوية كأحد الملفات التي وجدت في أجواء يوم السيادة الإثيوبي سندًا دبلوماسيًا لايخلو من دلالاته الرمزية. فالمعركة التي يخوضها الشعب الصحراوي اليوم من أجل تقرير المصير، يستحضرها الأثيوبيون في خطاباتهم كامتداد طبيعي لمسيرة التحرر الإفريقية، التي كان الانتصار في "عدوة" إحدى محطاتها التأسيسية.

رئيس جمهورية الصحراء الغربية رفقة الرئيس السنغالي السابق ماكي صال
وقد شهدت الفعاليات الأخيرة حضور الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي على هامش قمّتَي إفريقيا–الكاريكوم وإفريقيا للمناخ (الدورة الثانية)، حيث التقى برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي وعدد من القادة الأفارقة.
مصادر دبلوماسية أوضحت لـ"الأيام نيوز" أن هذه اللقاءات شكّلت فرصة لتكثيف التشاور حول الأمن والتنمية والتغير المناخي، وفي الوقت ذاته لإبراز القضية الصحراوية كملف محوري ضمن الأجندة القارية.
القيادة الصحراوية تستفيد من هذه المنصات لتعزيز حضورها السياسي وتوسيع شبكة تحالفاتها الاستراتيجية، في وقت تؤكد فيه أديس أبابا أن الدفاع عن السيادة الوطنية هو قيمة لا تخص الإثيوبيين وحدهم، بل هي ركيزة في مشروع القارة نحو الاستقلال الفعلي والقرار الحر.
بهذا المعنى، يتحوّل يوم السيادة الإثيوبي من مجرد ذكرى تاريخية إلى أداة دبلوماسية معاصرة: يربط بين ملحمة الماضي ومعارك الحاضر، ويمنح القضايا العادلة وفي مقدمتها الصحراء الغربية شرعية إضافية ضمن نسيج التضامن الإفريقي.