في اليوم الوطني للصحافة الجزائرية، 22 أكتوبر من كل عام، تستحضر الأسرة الإعلامية وجوها غابت بأجسادها، لكنها لا تزال حاضرة بصوتها وحبرها في ذاكرة المهنة، فقد كان 2025 من أكثر السنوات حزنا على المشهد الإعلامي الوطني، إذ ودّعت الجزائر نخبة من الصحفيين والإعلاميين الذين كان لهم حضور قوي ومؤثر: من الميدان إلى الكلمة ومن الميكروفون إلى الكاميرا. وبينما نال الأحياء أمس جوائز الاستحقاق، يظل رحيل أولئك الذين خدموا الصحافة بإخلاص، تذكرة بأن هذه المهنة تتجدد بمن حملوا رسالتها وواصلوا الطريق.
خلال عام 2025، ترك خبر رحيل عدد من الصحفيين الجزائريين أثرا عميقا في المؤسسات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية. أسماء كثيرة رحلت بهدوء، بعضها من الرعيل الأول الذي عاش بدايات المهنة وتحوّلاتها، وبعضها من الجيل الوسيط الذي جمع بين الصحافة الورقية والرقمية، وكلّها شكّلت خيوطًا في نسيج ذاكرة إعلامية مشتركة.
من وهران إلى العاصمة، ومن الإذاعة الوطنية إلى الصحف الجهوية، تنوّعت المسارات لكن الرسالة بقيت واحدة: الدفاع عن الحقيقة وخدمة الوطن بالكلمة والصورة. هذا التقرير ليس رثاء بقدر ما هو توثيق لرحلة مهنية امتدّت لعقود، ومحاولة لتثبيت الذاكرة في زمن يتغيّر بسرعة أكبر من أرشيفه.
حمزاوي بن شهرة… المراسل الذي جعل من الميدان مدرسة
رحل الصحفي حمزاوي بن شهرة في 11 جانفي 2025 بعد مسيرة طويلة في الميدان الإعلامي جعلته من أبرز المراسلين الجهويين في الغرب الجزائري. بدأ مشواره في الصحافة المحلية منذ التسعينيات متنقلا بين عدد من اليوميات الوطنية، وكان صوته قريبا من المواطن في نقل انشغالاته. عُرف بدقته وهدوئه، وبقي وفيا للميدان حتى آخر أيامه، مؤمنا أن الخبر يُصنع بين الناس لا خلف المكاتب.
نور الدين مرداسي… المثقف الذي صاغ ذاكرة الكلمة
وفي 9 فيفري 2025 فقدت الساحة الثقافية والإعلامية أحد أعمدتها برحيل نور الدين مرداسي، الذي امتزج في شخصه الصحفي بالأديب. بدأ مسيرته في جريدة “المجاهد” سنة 1965، وواصل في “الجزائر الأحداث”، تاركا وراءه مقالات وتحليلات صنعت ذاكرة ثقافية مميزة. كان من الأصوات الهادئة والعميقة التي ربطت بين الثقافة والإعلام بوعي ومسؤولية، فبقي اسمه حاضرا في وجدان القراء والنقاد على حدّ سواء.
هدى نذير… صوت الجيل الجديد في “المساء”
غادرت الصحفية هدى نذير الحياة في مطلع مارس 2025 بعد تجربة مهنية قصيرة لكنها مؤثرة داخل يومية “المساء”. عُرفت بشغفها بالتحقيقات الاجتماعية واهتمامها بقضايا الشباب والمرأة. كانت تمثل نموذج الصحفية الهادئة التي تعمل بصمت وتكتب بصدق، وجعلت من الصحافة نافذة للتعبير عن الفئات التي لا صوت لها.
محمد لمسان… الميكروفون الذي دافع عن القضية الصحراوية
وفي 7 مارس 2025، فقدت الإذاعة الوطنية أحد أصواتها البارزة برحيل محمد لمسان، الذي شغل منصب نائب مدير الإنتاج بالقناة الأولى. ارتبط اسمه بالدفاع عن القضايا العادلة، خاصة القضية الصحراوية، وكان من الوجوه التي مثّلت الجزائر في المحافل الإذاعية العربية والدولية. عرفه المستمعون بصوته الرزين ومواقفه المهنية الثابتة.
نور الدين عزوز… قلم التزم الحرف حتى آخر يوم
وبرحيل نور الدين عزوز في 20 ماي 2025، خسر الوسط الإعلامي أحد الصحفيين الذين جمعوا بين الصرامة المهنية والهدوء الشخصي. عمل في عدد من اليوميات الوطنية، وكان من الأقلام التي تحرص على توثيق الأحداث بدقة دون ضجيج. ترك أثرا طيبا بين زملائه الذين عرفوه إنسانا نبيلا قبل أن يكون صحفيا ملتزما.
عبد الرحمن مخلف… من “واج” إلى ذاكرة الصحافة الوطنية
وفي 8 جوان 2025، ودّعت وكالة الأنباء الجزائرية أحد أبنائها القدامى عبد الرحمن مخلف، الذي كان شاهدا على مراحل تطور الصحافة الوطنية منذ عقود. عُرف بدقته في تحرير الأخبار وتكوينه لجيل كامل من المحررين الشباب داخل الوكالة. كان نموذجا في الانضباط والوفاء للمؤسسة، وظلّ اسمه مقترنا بالخبر الموثوق والتحرير المتوازن.
علي ذراع… المتحدث الذي ظلّ وفيا لرسالة الإعلام
في 15 جويلية 2025، رحل علي ذراع، الذي كان صوتا حاضرا في الإعلام الرسمي طيلة سنوات، ومتحدثا باسم رئاسة الجمهورية في فترة حساسة. ترك خلفه تجربة ثرية جمعت بين العمل الصحفي والإدارة الإعلامية، وظلّ حتى أيامه الأخيرة حريصا على الدفاع عن أخلاقيات المهنة وكرامة الصحفي.
جمال الدين مرداسي… بين الرواية والصحافة، سيرة مثقف حرّ
وبرحيل جمال الدين مرداسي في 17 جويلية 2025، فقدت الجزائر أحد الأقلام التي جمعت بين الأدب والصحافة. كتب في عدد من الجرائد، وأصدر روايات ومؤلفات نقدية ميزته في المشهد الثقافي. كان من الأصوات التي تؤمن بأن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل شكل من أشكال الكتابة الأدبية الملتزمة بالواقع.
مسعود بوصوار… من أروقة الوكالة إلى وجدان الزملاء
في 23 جويلية 2025، خيّم الحزن على وكالة الأنباء الجزائرية مرة أخرى بعد رحيل الصحفي مسعود بوصوار، الذي عُرف بتفانيه وهدوئه داخل المؤسسة. كان من المحررين الذين يصنعون الحدث دون أن يسعوا إلى الواجهة، ملتزما بالدقة والرصانة في كل ما يكتب، وترك وراءه سيرة إنسانية قبل أن تكون مهنية.
ناصر طيّر… الصحفي الذي أحبّ الميكروفون حدّ الشغف
توفي ناصر طيّر في 25 جويلية 2025 بعد صراع مع المرض، وكان أحد أبرز الأصوات في القناة الثانية الأمازيغية. عرفه المستمعون بشغفه بالمهنة وبقدرته على الجمع بين الهوية والثقافة في برامجه. مثّل نموذج الصحفي الذي ينقل رسائل الوحدة الوطنية عبر تنوّع لغات الجزائر وثقافاتها.
عبد المجيد كاوة… كاتب ترك الحبر شاهدا على صدقه
في 28 جويلية 2025، فقدت الصحافة الجزائرية الكاتب والصحفي عبد المجيد كاوة، أحد الأقلام التي ظلت وفية للكلمة الصادقة. اشتُهر بمقالاته الاجتماعية وتحليلاته السياسية التي اتسمت بالاعتدال والعمق. ظلّ يؤمن بأن الصحافة رسالة أخلاقية قبل أن تكون مهنة للعيش.
خالد لومة… الإذاعي الذي أضاء أمسيات المستمعين
وفي 24 أوت 2025، فقدت الإذاعة الجزائرية الإعلامي خالد لومة، أحد الأصوات التي رافقت المستمعين لسنوات عبر القناة الثالثة. تميز بأسلوبه الهادئ وقدرته على إدارة الحوار الثقافي والإنساني، فكان حضوره محببا لجمهوره وزملائه على حد سواء.
أحمد بن يعقوب… مذيع من جيل التأسيس والتأثير
في 24 سبتمبر 2025، غيّب الموت الإعلامي أحمد بن يعقوب، أحد أعمدة التلفزيون الجزائري. عُرف بصوته الرزين وحضوره المهني الرفيع، وكان من الجيل الذي أسهم في تكوين هوية التلفزيون الوطني منذ بداياته. امتدت مسيرته لعقود شهدت تحولات كبيرة، لكنه بقي ثابتا على مبادئ المهنية والصدق.
أبو بكر حميدشي… الصحفي والكاتب الذي عاش للثقافة
في 12 أكتوبر 2025، ودّعت الساحة الإعلامية والثقافية الكاتب والصحفي أبو بكر حميدشي، الذي ترك إرثا غنيا من المقالات والدراسات الفكرية. مثّل جسرا بين الصحافة والثقافة، وكان من المدافعين عن اللغة العربية في الإعلام وعن دور المثقف في خدمة الوعي العام.
مسعود رمضاني… رجل الميكروفون الهادئ الذي لا يُنسى
وفي اليوم نفسه، 12 أكتوبر 2025، رحل الصحفي مسعود رمضاني، أحد الأصوات الهادئة في القناة الأولى للإذاعة الجزائرية. عُرف بانضباطه ومهنيته العالية، وبتواضعه الذي جعله محبوبا من كل من عمل معه. شكّل رحيله نهاية فصل من فصول الإذاعة الكلاسيكية التي تربّت على صوته أجيال من المستمعين.
رحل هؤلاء الصحفيون واحدا تلو الآخر، لكنهم لم يغادروا المشهد فعليا، إذ ترك كلٌّ منهم أثرا واضحا في ذاكرة المهنة التي لا تعرف الفراغ. خلف كل صوت صمت، وكل قلم توقّف، وُلدت مسؤولية جديدة على جيل يُمسك اليوم بالكاميرا والميكروفون والحاسوب ليواصل الرسالة ذاتها: أن تبقى الصحافة الجزائرية ضميرا للأمة وصوتا للحقيقة. فبين من كتبوا التاريخ بالحبر ومن يصنعونه اليوم عبر الديجيتال، تمتد خيوط مهنة لا تموت، بل تتجدّد في كل جيل يعي أن الوفاء للكلمة هو أسمى أشكال الخلود.
أنور خيري

