2025.10.01
عاجل :



إلى أين يتجه الحراك الشعبي في المغرب؟ سياسة

إلى أين يتجه الحراك الشعبي في المغرب؟


ربيعة خطاب
منذ 3 ساعات

لليوم الثالث على التوالي، تتواصل موجة الاحتجاجات الشعبية في المغرب، وهي المظاهرات التي انطلقت احتجاجًا على ما يعتبره الشارع المغربي فسادًا متجذرًا ومطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة. هذه التحركات الشعبية التي تشهدها المدن الكبرى والجامعات والمناطق الحضرية تعكس حالة استياء عامة تتجاوز حدود الشباب الجامعي، لتشمل فئات اجتماعية واسعة تعاني من ضعف الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم وفرص العمل. وقد تزامنت هذه الاحتجاجات مع أحداث رياضية كبرى تشهدها المملكة، حيث أُعلن عن تأجيل كل الفعاليات المرتبطة بكأس أمم إفريقيا، في إشارة إلى حجم التوتر الداخلي والقلق الحكومي من وتيرة التصعيد الشعبي.

المشهد المغربي اليوم ليس مجرد احتجاج عابر، بل هو تعبير عن صرخة متراكمة على مدى سنوات من الإهمال، إذ يرفع المتظاهرون شعارات تطالب بمستشفيات ومدارس قبل الملاعب، في إشارة رمزية ومباشرة إلى أولويات التنمية الحقيقية التي يتطلع إليها الشعب.

هذه المطالب تعبّر عن إحباط عميق وإحساس متزايد بالفجوة الكبيرة بين الموارد المخصصة للمجالات الترفيهية أو المشاريع الرياضية الكبرى، وبين الحاجة الماسة إلى خدمات أساسية تكفل حياة كريمة للمواطنين. في هذا السياق، تبدو الحشود المنظَّمة والمتزايدة مؤشرًا على تحوّل الاحتجاج من حركة محدودة إلى ظاهرة اجتماعية سياسية، يمكن أن تشكل ضغطًا مستمرًا على السلطات هناك.

من منظور سياسي داخلي، تُظهر هذه المظاهرات هشاشة الثقة بين الشعب والمؤسسات الرسمية، وهي رسالة قوية للنخبة الحاكمة بأن السياسات القائمة لم تعد تلبي تطلعات المواطنين، خصوصًا الشباب منهم. كما أن استمرار القمع الأمني يشير إلى خيار السلطة في مواجهة الاحتجاج بالتصدي الأمني المباشر بدلًا من الانخراط في حوار وطني شامل، ما يزيد من تعقيد المشهد ويطرح تساؤلات حول مدى قدرة المؤسسات المغربية على استيعاب هذا الغضب الشعبي وتحويله إلى عملية إصلاحية حقيقية.

على المستوى الدولي، تتابع القوى الكبرى والمنظمات الحقوقية هذا الملف عن كثب، غير أن التجارب السابقة أكدت أن مايثير اهتمام المجتمع الدولي هو مصالحه، في حين أن موضوع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ماهو إلا شمّاعة أو عريضة اتهام جاهزة للدول التي ترفض أن ترهن قرارها السيادي، بينما هو ليس أكثر من مجرد ذر للرماد في العيون، للاستهلاك المحلي، عندما يتعلّق الأمر بالدول التي تقدّم خدمات مجانية للدول الكبرى. فبينما يراقب العالم احتجاجات الطلاب والشباب، تثار تساؤلات حول مدى استعداد المجتمع الدولي لتقديم مساعدة سياسية أو حقوقية لدعم المطالب الشعبية في المغرب. 

في الوقت نفسه، فإن الصورة النمطية للمغرب كدولة مستقرة اقتصاديًا وسياسيًا تتعرض لاختبار حقيقي أمام هذه الاحتجاجات، ما يضع المملكة أمام تحدٍ مزدوج: داخلي يتمثل في استعادة الثقة بين الشعب والحكومة، وخارجي يتمثل في الحفاظ على صورة خارجية إيجابية، خصوصا أن المملكة تعتمد اعتمادا أساسيا على السياحة التي تحتاج بدورها إلى أمن واستقرار .

 وبينما يرفع المتظاهرون شعارات صريحة، مطالِبة بالقطيعة مع سلطة المخزن، يبقى السؤال الأبرز: هل ستستمع السلطة المغربية لصرخة شعبها قبل أن تتحوّل الأزمة إلى مرحلة أكثر تعقيدًا، قد تعصف بالبلد ككل، وهل ستلقى هذه الصرخة الدعم والاهتمام من المجتمع الدولي بما يكفل تحقيق مطالب العدالة والحقوق المشروعة للشعب المغربي؟

في هذا السياق، أكد المحلل السياسي المغربي هاشمي الهمامي للأيام نيوز أن الاحتجاجات الشعبية الراهنة تمثّل نقطة تحوّل حقيقية في المشهد السياسي والاجتماعي بالمغرب، مشيرًا إلى أن الشعب المغربي أصبح أكثر وعيًا بمسؤولياته وحقوقه، وأن حراكه الراهن قادر على تحقيق انتصارات تاريخية، إذا استمر بتلك القوة والتنظيم. وقال الهمامي: "الشعب المغربي لن يتراجع أمام أي تضييق أو قمع، وسينتصر في النهاية، لأنه يحمل إرادة التغيير والإصلاح في صميمه. ما نراه اليوم ليس مجرد احتجاج عابر، بل هو تصحيح لمسار العلاقة بين المواطن والدولة، وكشف حقيقي عن هشاشة النظام المخزني الذي استمر لعقود في إهمال مطالب الشعب".

المحلل السياسي المغربي هاشمي الهمامي

وأضاف الهمامي أن الوضع في مختلف القطاعات الحكومية والخدماتية متردٍ بشكل خطير، وهو ما يعكس إخفاقات طويلة الأمد في إدارة الموارد وتحديد الأولويات: "نحن أمام أزمة عميقة في الصحة والتعليم والبنية التحتية، إضافة إلى تفشي البطالة بين الشباب، وكل هذه المشكلات تتفاعل لتصبح قنابل موقوتة تدفع المواطنين إلى التعبير عن غضبهم في الشارع. هذه الأوضاع المزرية ليست مفاجئة، بل هي نتيجة تراكم سياسات فاشلة للمخزن، الذي اختار المشاريع الرمزية والمظاهرية على حساب احتياجات المواطنين الأساسية".

وأشار الهمامي إلى أن استمرار القمع الأمني ضد المحتجين لن يحقق سوى تعميق الفجوة بين الشعب والسلطة، مؤكدًا على ضرورة الانفتاح على حوار وطني حقيقي: "القمع وحده لن يحل الأزمة، بل سيزيد الاحتقان. المطلوب الآن هو إصلاحات ملموسة تلامس حياة المواطنين اليومية، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والشعب. المخزن يجب أن يدرك أن الاستقرار الحقيقي لا يُبنى بالقوة، بل بالعدالة والشفافية والمساواة في الحقوق والفرص".

واختتم المحلل السياسي تصريحاته بالتأكيد على أن المستقبل سيكون للشعب الذي صبر طويلًا وانتظر العدالة: "الزمن يصنع الأبطال، والشعب المغربي أثبت أنه قادر على الوقوف في وجه أي نظام لا يستجيب لمطالبه. ما يحدث اليوم هو بداية مرحلة جديدة في تاريخ المغرب، مرحلة ستسجل فيها الإرادة الشعبية أولوياتها الحقيقية، وستسقط كل السياسات الزائفة التي خنقت طموحات المواطنين لعقود".