2025.11.06
عضو المجلس الثوري لحركة فتح ديمتري دلياني لـ\ حوارات

عضو المجلس الثوري لحركة فتح ديمتري دلياني لـ"الأيام نيوز": "من الجزائر تعلّمنا أن السيادة تُنتزع ولا تُمنح"


يتحدث عضو المجلس الثوري لحركة فتح ديمتري دلياني، في حواره مع "الأيام نيوز"، عن التحوّل العميق الذي أحدثته الثورة الجزائرية في الوعي العربي، وكيف أعادت صياغة معنى التحرر والسيادة والكرامة في المنطقة، مستعرضًا أثرها على التجارب العربية اللاحقة، ولا سيما القضية الفلسطينية التي يرى أنها الامتداد الطبيعي لروح نوفمبر، بما حملته من قيم المقاومة والعدالة والإرادة الحرة في وجه الاستعمار.

الأيام نيوز: كيف أسست الثورة الجزائرية لوعي عربي جديد تجاه فكرة التحرر الوطني، وكيف غيّرت النظرة إلى مفهوم السيادة والكرامة في المنطقة العربية؟

دانيالي ديمتري: الثورة الجزائرية، التي اندلعت في الأول من تشرين الثاني عام 1954، كانت لحظة مفصلية أعادت تعريف الوعي العربي بمعنى التحرر والسيادة. فحين واجه الجزائريون نصف مليون جندي فرنسي بإمكانات محدودة، وارتقت أرواح أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، تحوّل الاستقلال إلى فكرة فلسفية تتجاوز حدود الجزائر لتصبح رؤيةً عربية للكرامة والحرية. بهذا المعنى، أرست الثورة الجزائرية معادلة جديدة في الفكر السياسي العربي: أن السيادة لا تتحقق إلا حين يصبح الإنسان مستعدا لدفع ثمنها كاملا من دمه وإرادته، وأن الأمة التي ترضخ لا يمكنها أن تكون حرّة.

الأيام نيوز: ما الأثر الذي تركته التجربة الجزائرية في نفوس الشعوب العربية، خصوصا في زمن كانت فيه المنطقة تحت الاستعمار والانقسام؟

دانيالي ديمتري: الثورة الجزائرية أحدثت زلزالا في الوجدان العربي بأسره. فالمجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في سطيف وقسنطينة عام 1945 كشفت بشاعة المنظومة الاستعمارية، ورسّخت قناعةً بأن الحرية لا تأتي إلا عبر المواجهة. وحين انهار الاحتلال الفرنسي بعد سنوات من الكفاح، رأت الشعوب العربية في التجربة الجزائرية نموذجا يُحتذى، فانبثقت من روحها ثوراتٌ أخرى في اليمن وسورية وفلسطين. وما يعيشه شعبنا الفلسطيني اليوم تحت القصف الإسرائيلي والإبادة الجماعية في غزة والتطهير العرقي في القدس وباقي أنحاء الضفة الغربية، يعيد إلى الأذهان صورة الفرنسي الذي كان يقتل ليحكم. بهذا المعنى، تحوّلت الجزائر إلى مرجعيةٍ أخلاقيةٍ للمقاومة العربية ضد الظلم.

الأيام نيوز: في رأيكم، إلى أي مدى ساهم الخطاب السياسي للثورة الجزائرية في بلورة خطاب المقاومة العربية، وخصوصا في فلسطين؟

دانيالي ديمتري: الخطاب السياسي للثورة الجزائرية صاغ أساسا جديدا لخطاب المقاومة العربية، إذ دمج بين الواقعية السياسية والفكر التحرري الأخلاقي. جبهة التحرير الوطني لم تتحدث بلغة العداء، بل بلغة التحرر والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهي ذات المفردات التي تبنّاها الخطاب الفلسطيني لاحقًا. فحين استضافت الجزائر إعلان الاستقلال الفلسطيني في 15 تشرين الثاني 1988، كانت تعيد وصل الحاضر بالماضي، لتؤكد أن نضال الشعب الفلسطيني امتدادٌ طبيعي لروح نوفمبر الجزائرية التي لا تؤمن بالانكسار.

الأيام نيوز: كيف استطاعت الثورة الجزائرية أن تحوّل التضامن العربي من مجرد موقف عاطفي إلى التزام سياسي وميداني، انعكس لاحقا في دعم القضية الفلسطينية؟

دانيالي ديمتري: الثورة الجزائرية غيّرت مفهوم التضامن العربي، من عاطفة عابرة إلى التزام سياسي فاعل. فقد أكدت الجزائر أن دعم قضايا التحرر لا يكون ببيانات ولا شعارات، بل بمواقف ومبادرات تُختبر على أرض الواقع. ولهذا لم يكن غريبًا أن تتصدر الجزائر المشهد الدبلوماسي في مجلس الأمن عام 2024 مطالبةً بوقف الإبادة الإسرائيلية في غزة، متحمّلةً مسؤوليتها الأخلاقية والتاريخية تجاه فلسطين. هذا الامتداد الطبيعي لتجربة الاستقلال يؤكد أن الجزائر ترى في معركة شعبنا الفلسطيني اليوم استمرارًا لمعركتها بالأمس.

الأيام نيوز: هل يمكن القول إن الثورة الجزائرية منحت القضية الفلسطينية بعدًا رمزيًا وروحيًا جديدًا، باعتبارها امتدادًا لمعركة الأمة ضد الاستعمار؟

دانيالي ديمتري: منحت الثورة الجزائرية القضية الفلسطينية بعدًا روحيا ورمزيا فريدا. فإعلان الدولة الفلسطينية من الجزائر لم يكن محض صدفة، بل تعبيرًا عن وحدة المعنى بين أرضٍ تحررت وأخرى ما زالت تناضل. بذلك أصبحت فلسطين الامتحان الأخير لتجربة تحررٍ عروبي صاغته الجزائر بدمائها. هذا الوعي الجمعي جعل من فلسطين جوهر الذاكرة التحررية للأمة العربية، وقضيتها المركزية في مواجهة آخر استعمارٍ استيطاني في العالم تمثله دولة الإبادة الإسرائيلية وجيشها الإجرامي.

الأيام نيوز: في زمن التحولات الراهنة، كيف يمكن استلهام روح الثورة الجزائرية في إعادة شحن الوعي العربي بالقيم التي جمعت بين الجزائر وفلسطين: الحرية، والعدالة، والكرامة؟

دانيالي ديمتري: في زمن التحولات الكبرى، تبدو الحاجة إلى استلهام روح الثورة الجزائرية أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى. فالقيم الثورية التي جمعت الجزائر وفلسطين (الحرية، العدالة، الكرامة) تشكل مشروعا سياسيا متجدّدا. علينا جميعًا أن نتعاون من أجل توظيف هذه القيم لإحياء الوعي الجمعي وإعادة تعريف الصراع مع دولة الإبادة كقضية تحررٍ إنساني. فكما حوّلت الجزائر تضحياتها إلى استقلالٍ مشرف، فإن فلسطين، بما تمتلكه من إرادةٍ وصمودٍ وذاكرةٍ إنسانيةٍ مقاومة، وعمقٍ عربي، قادرة على تحويل مأساتها إلى انتصارٍ للتاريخ. لأن الحرية، كما علّمتنا الجزائر، لا تُستجدى من المحتل، بل تُنتزع بوعيٍ راسخ وإيمانٍ بعدالة الوجود الإنساني على أرضه.