2025.10.12



من التكوين إلى الابتكار.. الشركات الناشئة ترسم خريطة الاقتصاد الجزائري اقتصاد

من التكوين إلى الابتكار.. الشركات الناشئة ترسم خريطة الاقتصاد الجزائري


قرشي نيسيا
منذ 3 ساعات

شهدت الساحة الاقتصادية في الجزائر خلال السنوات الأخيرة تحولا نوعيا لافتا، شمل قطاعات إنتاجية وصناعية وتكوينية مختلفة، من خلال بروز الشركات الناشئة التي أصبحت عنصرا جديدا وحيويا في المنظومة الاقتصادية الوطنية، وباتت تفرض وجودها بثبات في مجالات متعددة وصارت تمثل نموذجا للتنمية يعتمد على ثلاثية الابتكار والتكنولوجيا وريادة الأعمال، ما يعكس التوجه التدريجي نحو اقتصاد متنوع ومستدام.

هذا التحول الذي تعيشه الجزائر جعل الشركات الناشئة توصف بالأداة القادرة على إعادة التوازن إلى سوق العمل وخلق فرص جديدة، وترسخ دورها الهام والأساسي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية مما يساهم في تعزيز الاقتصاد ودفع عجلة الابتكار الوطني.

الشركات الناشئة جسر لربط التكوين بسوق العمل

في مجال التكوين، يبرز الدور المحوري للشركات الناشئة في تحديث منظومة التكوين المهني ورفع كفاءتها، فالشركات الناشئة باعتبارها مؤسسات ذات متطلبات متغيرة وسريعة، تقدم بيئة عمل حقيقية وتوفر للشباب المهارات الدقيقة والمطلوبة التي تفتقر إليها المقررات الأكاديمية التقليدية.

وفي هذا الشأن يوضح الخبير الاقتصادي عبد النور قاشي أنّ الجزائر تعتبر رائدة على المستوى القاري في تشجيع ومرافقة الشركات الناشئة لقدرتها على المساهمة في إنعاش الاقتصادي الوطني وتحقيق قيمة مضافة خارج قطاع المحروقات.

ويضيف قاشي في تصريح لـ"الأيام نيوز" أنذ هذه الشركات يمكن أن تتحول إلى شركاء فاعلين لمراكز التكوين عبر توفير فترات تدريبية تطبيقية، أو المساهمة في إعداد برامج تتماشى مع المهارات المطلوبة في السوق، خاصة تلك المرتبطة بالتكنولوجيا، التسويق الرقمي، الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الأخضر.

من جانبه يرى زكريا ربيعي، صاحب مؤسسة ناشئة، أنّ الشركة الناشئة هي فكرة تحولت إلى منتج أو خدمة قابلة للتوسع، وتعتمد على الإبداع في التنفيذ وسرعة التكيف، ويشير المتحدث في حديث لـ"الأيام نيوز" إلى أن أهم ما يميز هذه الشركات استخدامها واعتمادها على التكنولوجيا والابتكار من أجلّ إيجاد حلول لمشكلات واقعية.

الابتكار يرتكز على الكفاءات

وفي السياق يؤكد الخبير قاشي على أنّ ريادة الأعمال والابتكار يحتاجان إلى قاعدة صلبة ومتينة من الكفاءات التقنية والعملية التي يوفرها التكوين المهني، بينما يحتاج التكوين المهني من جهة أخرى إلى المرونة وروح المبادرة الموجودة في ريادة الأعمال.

في هذا الصدد، يظهر حجم الإقبال على المشاريع الخاصة كقاعدة لهذا التطور، حيث سجلت الوكالة الوطنية لدعم وتنمية ريادة الأعمال (NESDA) حوالي 414,000 مشروعاً للمؤسسات الصغرى حتى منتصف 2024، بمتوسط يفوق 15,000 مشروع سنويًا.

"فورماتك إكسبو".. ربط التكوين المهني بريادة الأعمال

وفي سياق الموضوع ذاته، شكّل معرض "فورما تك إكسبو" في طبعته الأولى بالجزائر العاصمة، نقلة نوعية في ربط التكوين المهني بريادة الأعمال والابتكار التكنولوجي، حيث يوضح قاشي بخصوص ما يُميّز هذا المعرض أنّه يجمع بين عروض تكوين حديثة وموجهة وفضاءات عرض للمؤسسات الناشئة، بالإضافة إلى لقاءات مباشرة بين الفاعلين في التكوين، والمستثمرين، والشباب الحاملين لأفكار مشاريع.

وتشمل المجالات المعروضة تخصصات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، تطوير البرمجيات، الطاقات المتجددة، الطباعة ثلاثية الأبعاد، والفلاحة الذكية.

ولضمان دخول المتربصين إلى سوق الشغل بشكل فعال، يشير المختص إلى أن تحديث التكوين المهني بصفة دورية ليتماشى مع متطلبات الشركات الناشئة أصبح ضرورة ملحة.

ووفق المتحدث "تم في هذا الاتجاه الإعلان عن إدخال 40 تخصصا رقميا جديدا في التكوين المهني اعتبارا من السنة القادمة ضمن استراتيجية تطمح إلى تدريب 500,000 مختص في تكنولوجيا المعلومات والاتصال بحلول 2030."

الشركات الناشئة.. حلّ لامتصاص البطالة

تعتبر الشركات الناشئة أداة فعالة لتقليص مُعدّلات البطالة، كما يوضح زكريا ربيعي، صاحب الشركة الناشئة   AET Industries، خصوصا مع تراجع عروض العمل في القطاعين العام والخاص.

ويؤكد ربيعي على أهمية أن يتجه خريجو المعاهد والتكوينات إلى ريادة الأعمال لبناء مسارهم المهني، داعياً إلى استثمار جميع الوسائل المتاحة، بما في ذلك منحة البطالة التي يقترح تحويلها إلى أداة تنموية عبر تمكين الشركات الناشئة من توظيف المستفيدين منها.

ويوافقه الرأي الخبير قاشي، حيث يقول إنّ "الشركات الناشئة تعتبر من أنجع الآليات لمحاربة البطالة لأنها تعتمد على ديناميكية الابتكار وتساهم في تنويع الاقتصاد من خلال إدماج قطاعات جديدة."

ويرى المختص أن الحلول الجذرية لتقليص معدلات البطالة تكمن في تحفيز خريجي التكوين المهني على تأسيس مؤسساتهم الناشئة من خلال إدماج مواد حول ريادة الأعمال في المناهج، وتسهيل الوصول إلى التمويل المصغر، وإطلاق حاضنات داخل مؤسسات التكوين.

تحدّيات ومستقبل الشركات الناشئة

بالرغم من الدعم والإمكانيات، لا يخلو المجال من التحّيات والعوائق، حيث يلفت الخبير قاشي حول هذه النقطة إلى أن قنوات التمويل، وزيادة وعي المتدخلين الاقتصاديين، وضرورة المناولة مع الشركات الناشئة من أبرز العقبات التي تواجه أصحاب المشاريع المبتكرة والناشئة.

أما رائد الأعمال زكريا ربيعي فيذكر أنّ أبرز التحديات التي تواجه الشركات الناشئة تتمثل في نقص التغطية الإعلامية، بالإضافة إلى الإجراءات الإدارية الطويلة "البيروقراطية"، فضلا عن تغير القوانين التي تحكم مثل هذه النشاطات.

ولتجاوز هذه العقبات، يشير قاشي إلى وجود 3 نقاط رئيسية للحلول تتمثل في إطلاق صناديق استثمار في رأس المال المخاطر، تشجيع التمويل التشاركي، ودعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص لإنشاء حاضنات وتمويل مشاريع ناشئة.

وفي الختام، يعتقد المختص أنّ مستقبل التكوين المهني في الجزائر سيشهد قفزة نوعية إذا تم ربطه ببيئة ريادة الأعمال والابتكار، بشرط إدخال التكنولوجيات الحديثة، وتكييف المناهج، وتشجيع عقلية الابتكار لدى المتربصين وطلاب المعاهد التكوينية. في حين يؤكد ربيعي أن مجال الشركات الناشئة لا يزال فتّيا لكنه يمتلك كل المقومات ليكون رافعة حقيقية للاقتصاد الوطني، والشركات الناشئة بحاجة فقط لوجود تشريعات مرنة، وإدارة تشجع الابتكار بدل تعطيله، بالإضافة على التوزيع العادل للفرص.