2025.10.12



في سبيل غزة.. الصحفي صالح الجعفراوي يلتحق بصديقه أنس الشريف سياسة

في سبيل غزة.. الصحفي صالح الجعفراوي يلتحق بصديقه أنس الشريف


إيمان بن يمينة
منذ 4 ساعات

أفاد المركز الفلسطيني الدولي للإعلام أن الصحفي والناشط الفلسطيني صالح الجعفراوي استُشهد مساء اليوم الأحد، خلال تغطيته حجم الدمار والخراب الذي خلفه العدوان العسكري الصهيوني في جنوب مدينة غزة.

وأوضح ذات المصدر أن جثمان الشهيد الجعفراوي وصل إلى مستشفى المعمداني بعد أن تعرّض لإطلاق نار من قبل مجهولين في حي الصبرة، حيث أكد شهود عيان أن "خارجين عن القانون" أطلقوا النار عليه وسرقوا مقتنياته.

أدّى واجبه حتى النهاية

كان الشهيد الجعفراوي طوال فترة الحرب الصهيونية التي دامت أكثر من عامين، ينقل معاناة الغزاويين على امتداد كل لحظة في هذا العدوان الوحشي.

وعمل في ظروف بالغة الصعوبة، محاطًا بخطر مستمر بين الغارات الجوية والقصف المدفعي، وبين انقطاع الكهرباء والاتصالات، وأحيانًا وسط دمار هائل لم تسلم منه حتى المستشفيات والملاجئ.

وتعرض الجعفراوي خلال تغطيته الميدانية للعديد من التهديدات من قبل قوات الاحتلال التي حاولت مرارًا استهدافه بسبب نقل رواية المدنيين والنازحين الذين يعيشون مأساة يومية لا تنتهي.

كما تعرض لمضايقات وضغوط شديدة، إضافة إلى المخاطر التي تحيط بالصحفيين الفلسطينيين بسبب الفوضى الأمنية في بعض المناطق، التي أسفرت عن استهدافه من جهات مسلحة غير معروفة في حي الصبرة.

وأكدت مصادر محلية وعائلية للمركز أن الشهيد الجعفراوي كان يتلقى تهديدات مستمرة بالقتل والاغتيال، ومع ذلك استمر في عمله دون تردد، ملتزمًا بمهمته في نقل الحقيقة كاملة، مهما كلفه ذلك من ثمن شخصي.

وقبل استشهاده بساعات قليلة، نشر الصحفي والناشط صالح الجعفراوي فيديو يوثق فيه حجم الدمار الهائل الذي خلفه العدوان الصهيوني على جنوب مدينة غزة، حاملاً رسالة الحقيقة والصمود رغم المخاطر التي كانت تحيط به.

وهذا الفيديو الأخير يعكس شجاعة الجعفراوي والتزامه بنقل معاناة أهل غزة بكل تفاصيلها، حتى اللحظة الأخيرة من حياته.

حصيلة مرعبة

على امتداد عامين من الحرب الصهيونية المتواصلة على قطاع غزة، تحوّل الصحفيون الفلسطينيون إلى أهداف مباشرة لقوات الاحتلال في محاولة واضحة لطمس الحقيقة وفرض الرواية الصهيونية الوحيدة.

ووفق بيان نقابة الصحفيين الفلسطينيين، المنشور يوم الأربعاء الماضي، استشهد منذ 7 أكتوبر 2023، 254 صحفيًا وصحفية في حصيلة غير مسبوقة، من بينهم 27 صحفية، إضافة إلى إصابة 433 صحفيًا واعتقال 48 منهم خلال تغطيتهم للعدوان المستمر.

وأكدت تقارير ميدانية وأممية، نقلها المركز الفلسطيني الدولي للإعلام، أن قوات الاحتلال تستهدف الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بشكل متعمد، رغم الحماية القانونية الدولية التي يتمتع بها الصحفيون، في مسعى لإسكات أصوات الحقيقة.

وقد استشهد نحو 11 صحفيًا ومصورًا من بينهم مراسلو قناة الجزيرة، خلال غارات مباشرة على مواقع التغطية الإعلامية في غزة، بالإضافة إلى تدمير عشرات المؤسسات الإعلامية.

وتشير البيانات الرسمية الفلسطينية إلى أن الاحتلال دمّر 12 مؤسسة صحفية ورقية، و23 رقمية، و11 إذاعة، و16 قناة فضائية، إلى جانب 5 مطابع كبرى و22 مطبعة صغيرة و53 منزلًا لصحفيين. وقدّرت الخسائر المادية للقطاع الإعلامي بأكثر من 800 مليون دولار، رغم ذلك، لا تزال 143 مؤسسة إعلامية تواصل عملها وسط ظروف استثنائية.

ممارسات متعمدة

وترى منظمات حقوقية أن استهداف الصحفيين في غزة ليس عارضًا بل هو مقصود، بهدف منع توثيق الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق المدنيين.

وأكدت منظمة "مراسلون بلا حدود" في تحقيقاتها أن القوات الصهيونيةتعمدت إطلاق النار على الصحفيين رغم ارتدائهم سترات الصحافة الواضحة.

ووفقًا للجنة الدولية لحماية الصحفيين، تعتبر الحرب الصهيونية على غزة "الأكثر دموية في تاريخ العمل الصحفي"، إذ تجاوز عدد الصحفيين الذين قُتلوا فيها مجموع ضحايا الحرب العالمية الثانية "69 صحفيًا" وحرب فيتنام التي استمرت عقدين "63 صحفيًا".

وفي ظل الحصار، منعت سلطات الاحتلال دخول الصحفيين الأجانب إلى القطاع، وسمحت فقط لمرافقي الجيش، ما جعل الصحفيين الفلسطينيين المحليين هم المصدر الرئيسي للرواية الإعلامية الدولية، رغم الظروف القاسية التي يعملون فيها والتهديدات الدائمة.

ويقول مركز حماية الصحفيين الفلسطينيين إن ما يجري في غزة هو إحدى أوسع وأبشع الجرائم بحق الصحافة في التاريخ الحديث، في حين يواصل الصحفيون الفلسطينيون المحليون توثيق المأساة اليومية، رغم الجوع والنزوح وفقدان أفراد عائلاتهم، ناقلين مشاهد المجاعة والدمار والمعاناة في وجه صمت عالمي مريب.

فوي ظل هذا التهديد المتواصل، كان الصحفي صالح الجعفراوي أحد الصحفيين الذين وجدوا أنفسهم في صميم معركة الحق ضد آلة الاحتلال.

ومع استشهاد صالح، يخسر الإعلام الفلسطيني أحد أبرز الوجوه التي نقلت الواقع الغزاوي بكل تفاصيله. 

الجعفراوي وأنس الشريف.. صداقة وشهادة مشتركة

ومن المفارقات المؤلمة أن الصحفي الجعفراوي كان من أبرز أصدقاء الصحفي المغتال أنس الشريف، الذي استُشهد في غارة صهيونية في 10 أوت الماضي ، أثناء تغطيته للأحداث في غزة.

وكان صالح قد أبدى حزنه العميق لفقدان صديقه، الذي كان يشترك معه في نقل معاناة الغزاويين وأحداث الحرب.

وبذلك، أصبح الجعفراوي آخر الصحفيين الفلسطينيين الذين يلتحقون بالشهادة في نفس السياق الذي أودى بحياة أنس الشريف، ويمضيان معًا على درب الصحافة الفلسطينية الملتزمة بحمل الحقيقة إلى العالم.

ومن المعروف أن الصحفي أنس الشريف قد كان أحد المراسلين البارزين في قناة الجزيرة، وقد تعرض لمخاطر متعددة خلال تغطيته الحرب على غزة، مثل تهديدات الاحتلال ومحاولات استهدافه.

وقد كان يعبر عن رؤيته بوضوح عبر تغريداته وتقاريره التي كانت تفضح قسوة الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين.

وبرغم التهديدات الصهيونية والمشاكل التي واجهها، إلا أن الشريف بقي ثابتًا في مهمته الصحفية، وهو ما فعله الجعفراوي أيضًا، كان الاثنان ناقلين للحق، حتى اللحظة الأخيرة.