2025.09.30



المنسق العام لـ \

المنسق العام لـ "منبر أدباء بلاد الشام" الشاعر "محمد شريم" في حوار مع "الأيام نيوز".. "عاشق القدس" يُطلق "حمامة القسطل" في سماوات الوجدان الفلسطيني


في البدء كان الحرف، والحرف عند الشعراء وطنٌ يُستعاد كلما ضاقت الأرض بما رحبت. ومن رحم الجرح الفلسطيني تولد القصيدة التي لا تُقال للزينة، بل تُكتب لتكون سيفًا في وجه النسيان، وجسرًا يعبر من ضفة الحلم إلى ضفة الحقيقة. في هذا السياق، يطلّ علينا الشاعر الفلسطيني "محمد شريم"، فاتحًا قلبه وقلمه لأول حوارات سلسلة "لقاء المنبر"، بالشراكة ما بين وجريدة "الأيام نيوز" الجزائرية و"منبر أدباء بلاد الشام".

"محمد شريم" شاعرٌ يرى نفسه وريثًا لفرسان القصيدة العمودية، يعتلي صهوة الوزن والقافية كمن يعتلي حصانًا عربيًا أصيلًا. وفي صوته يتردد صدى: المتنبي والمعري وشوقي، غير أنه يضيف إليهم وجع المنفى الفلسطيني، وصرخة القرى المهدمة، وحنين الأرض التي ما زالت تنتظر عودة أصحابها.

من "حمامة القسطل" التي غدت رمزًا ومدرسة، إلى ديوانه "عاشق القدس"، ومن حلمه بتوحيد أدباء الشام في منبر واحد، إلى إيمانه بأن اللغة العربية حصنٌ لا يجوز التفريط به… يقدّم "شريم" ذاته شاعرًا مقاومًا، وناشطًا ثقافيًا، وطفلًا لا يزال واقفًا على أطلال "ديرأبان". إنه حوار مع شاعر يسكب ماء قلبه في حوض السياسة، لكنه يرفض أن يغتسل في بِرَكها الملوّثة… شاعر آمن بأن الحرف حين يخلص، يتحوّل إلى وطن آخر..

الأيام نيوز: أستاذ محمد أرحب بك في هذا اللقاء الذي أجريه معك باعتبارك المنسق العام لمنبر أدباء بلاد الشام، وهو اللقاء الافتتاحي الأول ضمن سلسلة حلقات (لقاء المنبر) وهو لقاء أدبي - كما تعلم - سنجريه بشكل منتظم بالتعاون ما بين (منبر أدباء بلاد الشام) والجريدة اليومية الجزائرية "الأيام نيوز".

محمد شريم: أشكرك أختنا الأديبة المبدعة قمر عبد الرحمن، المنسقة الإعلامية لمنبر أدباء بلاد الشام، ونحن على ثقة تامة بأنك أهل لهذه المهمة الصعبة التي تشرفين بها المنبر. كما يطيب لي أن أوجه شكري الجزيل إلى هذه الجريدة الغرّاء جريدة "الأيام نيوز" وإلى سائر الصحف الجزائرية على تعاونها المقدر مع منبر أدباء بلاد الشام في إيصال رسالته، وأشكرها أيضًا على ما تقدّمه من دعم إعلامي لشعبنا الفلسطيني في سبيل إطلاع العالم على قضيته العادلة وحقه في استرداد وطنه المسلوب. وفي هذا السياق فإنني أتوجه بأسمى كلمات التقدير للدور العظيم الذي يؤديه أخي الإعلامي الأستاذ خالد عز الدين (من سفارة دولة فلسطين في الجزائر) في خدمة المنبر وقضية شعبنا الفلسطيني وأسراه على وجه الخصوص.

محمد شريم
محمد شريم

الأيام نيوز: أستاذ محمد، بم تعرّف نفسك للقارئ الجزائري والعربي؟

محمد شريم: محمد شريم، شاعر وكاتب فلسطيني، أنحدر من أسرة مُهجّرة من قرية "ديرأبان" إحدى قرى القدس المدمرة. لي ستة إصدارات، منها كتابي "جواهر الحكمة في نظم كليلة ودمنة" وهو نَظم شعري، بالشعر الموزون المقفى لكتاب "كليلة ودمنة" التراثي المعروف الذي ترجمه إلى العربية "عبد الله بن المقفع". أما آخر إصداراتي فهو ديوان شعر بعنوان "حمامة القسطل" وقد صدر عن (مكتبة كل شيء) في حيفا عام 2024، وسبقه ديوان "عاشق القدس" الذي صدر عن وزارة الثقافة الفلسطينية عام 2022 ضمن "احتفالية بيت لحم عاصمة الثقافة العربية".

الأيام نيوز: أستاذ محمد، المتأمل لكتاباتك يلاحظ أنك عظيم الاهتمام بالقصيدة العمودية لدرجة أن الكثيرين يعتبرونك من أبرز من يمثل هذا النمط من الشعر في فلسطين وحتى في الوطن العربي.. ما هي قصتك مع القصيدة العمودية؟

محمد شريم: قصتي مع القصيدة العمودية هي قصة الشعراء العرب منذ امرئ القيس وحتى الآن، فهي القصيدة التي حملت مشاعرنا وأحاسيسنا بحلوها ومُرّها منذ أكثر من ألف وخمسمائة عام، وما أنا إلا امتداد لكل من سبقني من الشعراء القدامى، ولست إلا وريثًا لهم في ركوب حصان الشعر الأصيل، ومع ذلك فقد نظمت قصيدة التفعيلة، وحتى النثر الفني الذي يسمّونه قصيدة النثر.

الأيام نيوز: إذًا لا مشكلة لك مع قصيدة التفعيلة؟

محمد شريم: قصيدة التفعيلة هي البنت الشرعية للقصيدة العمودية، وليست لدي مشكلة مع الأم حتى تكون لدي مشكلة مع ابنتها.

الأيام نيوز: ولكن لك مشكلة مع قصيدة النثر؟ لا تَقل لي عكس هذا!

محمد شريم: وحتى هذه لا مشكلة لي معها، فأنا مع أيّ قالب تعبيري يختاره الكاتب أو الشاعر، ولكن إن كانت ثمة مشكلة فهي مع التّسمية الاصطلاحية فقط لا غير.. فأنا لا أدري لماذا يصرّ بعض الإخوة على هذا المصطلح الذي يحمل الشيء وخلافه في آن (قصيدة النثر)، ونحن نعرف أن النثر ليس بشعرٍ والشعر ليس بنثر. أنا أحب هذا النمط من التعبير، ويعجبني الكثير مما كتب منه.. يعجبني بصورة الجميلة المعبّرة وموسيقاه الداخلية ومرونته الاستيعابية، وهو إن أتقنه مؤلفه يكاد أن يكون شعراً، ولكنه - في النهاية - ليس بشعر..

الأيام نيوز: ما دمنا نتحدث عن الشعر والنثر.. هل لك أن تحدثنا عن إبداعاتك النثرية؟

محمد شريم: نعم، فأنا أكتب الخاطرة والمقالة والحكاية والقصة القصيرة..

الأيام نيوز: ولكن هذه الإبداعات لم تصدر ضمن كتب مستقلة خاصة بك حتى الآن...؟

محمد شريم: نعم، الخواطر والمقالات والحكايات نُشرت غالبيتها في الصحافة، أما القصص القصيرة فما نشر منها قليل.. نشر بعضها في كتب بالاشتراك، وإحداها نشرت في كتاب مترجم للإنجليزية، أما الصحف والمجلات فلم أرسل للنشر فيها لأنني أكتب القصة القصيرة بعدد صفحات لا طاقة للجريدة أو المجلة بأن تستوعبه.

الأيام نيوز: ثمة من يقول إنك تبالغ في التشدد في اللغة، ليس في نتاجك الأدبي الخاص فحسب، بل في التعامل مع إبداعات زملائنا في منبر أدباء بلاد الشام.. هل هذا صحيح؟

محمد شريم: أنا لست متشددًا في اللغة، بل أحب أن أعطي اللغة حقها دون تهاون ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. فما دامت اللغة وسيلة تفاهم وإفهام واستفهام، فيجب أن تكون اللغة سليمة حتى نتفاهم جيدًا، وفي هذا السياق فإن توظيف الكلمة - أو الحرف - في مكانها الصحيح يحقق هذا الغرض، بل إن وضع علامة الإعراب المناسبة وعلامة الترقيم الملائمة يساعدان المرسل والمتلقّي على تحقيق التفاهم المناسب بينهما والتفاعل الواعي، والعكس بالعكس.

الأيام نيوز: هذا ما يتعلق باللغة الفصحى، وماذا تقول في اللهجات المحكية الدارجة وما يكتب بها؟

محمد شريم: اللهجات المحكية هي جزء من تراثنا، وقد أبدع آباؤنا وأجدادنا فنونًا من خلالها كالزّجل مثلاً والشعر الشعبي وحكايات الجدّات وغيرها، ولا مانع من توظيفها من باب الحفاظ على التراث أو للتعبير عن النفس من قبل من لا يستطيع التعبير بالفصحى. ومع ذلك أقول إن اللهجات الدارجة هي لهجات محلية قد لا تُفهم بعض مفرداتها بين قريتين متجاورتين، فما بالك بالوطن الكبير، بالإضافة إلى صعوبة كتابة النصوص بهذه اللهجات وفق قواعد لغوية أو إملائية متعارف عليها، فإن كتبت مثل هذه النصوص فثمة صعوبة ليس في فهمها فقط بل في قراءتها أيضاً. حاولي قراءة نص مكتوب باللهجة الدارجة وستفهمين ما أقول، وهذا يعني أن اللهجات المحكية لا يمكنها أن تكون لغة علوم.. تصوري كلية للهندسة أو الطب أو التاريخ تؤلِّف كتبها باللهجة المحكية! وكذلك من الصعوبة أن تكون لغة أدب خارج إطار الفنون التراثية التي تحدثنا عنها آنفا.

الأيام نيوز: ولكنننا نقرأ أو نسمع - وإن كان بشكل نادر - من يدعو إلى الكتابة باللهجات المحكية أعني كتابة الأدب وحتى استخدامها في الإعلام.. أليس كذلك؟

محمد شريم: هذه ليست دعوات جديدة، فهي دعوات قديمة من القرن الماضي على الأقل، وعلى الرغم من وجود أشخاص حسني النية من بين هؤلاء، وهم يعبّرون عن وجهة نظر خاصة، ربما تنطلق من عواطف غير مدروسة، ولكن من بين هؤلاء أيضًا أناس يخدمون جهات استعمارية معادية تريد تفتيت جسد الأمة، وهم يحاولون ذلك من خلال إيجاد شروخ بين أبناء الأمة الواحدة بإذكاء النعرات الدينية أو المذهبية أو القطرية أو بالتشتيت اللغوي في هذه الحالة من خلال محاولات بائسة يائسة لتفتيت اللغة إلى لغات، وعندما نقول أنهم يعمدون إلى محاولة تفتيت اللغة إلى لغات فإنهم يعتمدون في سبيل ذلك أساليب شتى، ومن ذلك محاولة إيجاد روابط لغوية بين المفردات المحكية ولغات مندثرة أو شبه مندثرة في بعض الأقطار، ونحن إذ لا ننكر تأثر اللهجات المحكية بلغات كانت سائدة في عصر من العصور، فإن التمازج بين تلك اللغات واللغة العربية كان من الأسباب الرئيسة في تكون اللهجات المحكية، ولكن عندما يصل الحال إلى ليّ أعناق كلمات وتطويع معانيها للبحث عن شبيه لها بهذا القدر أو ذاك في لغة قديمة، مع العلم أن تلك الكلمات عربية أصيلة ولها جذر لغوي في المعجم العربي تدرك كم هو حجم العداء للعربية الأمّ الرؤوم الجامعة، وكم من النوايا السوداء يقفن وراء مثل هذا التوجه.

الأيام نيوز: ولكن يا أستاذ محمد هنالك بالفعل كلمات في اللهجات الدارجة في بعض الأقطار العربية - في بلاد الشام مثلاً - بينها وبين كلمات في لغات قديمة بعض الشبه في اللفظ والمعنى؟

محمد شريم: نعم هذا صحيح، ولكن ذلك لا ينفي عن تلك الكلمات أنها عربية صرفة، فاللغة العربية هي واحدة من اللغات السامية، وهذه اللغات جميعها تفرّعت عن اللغة السامية الأمّ، بما فيها اللغة العربية، وبهذا المعنى فإن اللغات السامية الأخرى هي شقيقة للعربية، ومن الطبيعي وجود تشابه بين هذه اللغات في الكثير من المفردات كما أنه من الطبيعي وجود صفات وراثية مشتركة بين الأشقاء.

 الأيام نيوز: يبدو أننا ابتعدنا عن "محمد شريم" الشاعر والأديب قليلاً.. بعد هذه السنين من العطاء الأدبي، من الأديب الذي لا يزال تأثيره حاضرًا داخلك؟

محمد شريم: كل من يقرأ لهم الأديب أو الشاعر مرشّحون لأن يتركوا أثراً ما في داخله، وهذا ما يمكن أن ينعكس على كتاباته، وأنا قرأت للكثيرين، ولكن أدبائي المفضّلين في سنوات الصبا تركوا في نفسي أثرًا. لقد كنت مُحبًّا لأشعار المتنبي، وللمعلقات، وأشعار المعري، وأحمد شوقي، ومن الأدباء يحضرني الآن أنني أحببت كتابات المنفلوطي، وجبران، ومن العالميين قرأت لعدد لا بأس به من الأدباء، ومنهم تشيخوف، غوركي، كما قرأت لشكسبير، وهيمنجواي، وموليير وغيرهم، وكل واحد من هؤلاء ترك بصمة ما في طريقة تفكيري أو كتاباتي في مرحلة البدايات..

الأيام نيوز: والشاعر القروي.. رشيد سليم الخوري، لقد تحدثت عنه ذات يوم...؟

محمد شريم: نعم، إنه شاعر عروبي مجيد.. طالما أعجبت بانتمائه القومي، ودافع بقوة عن فلسطين وقضيتها.. وقد حفظت في صباي قصيدته في ذم "وعد بلفور" المشؤوم عن ظهر قلب..

الأيام نيوز: هل أنت من الشعراء الذين يهتمّون بتهيئة طقسٍ للبدء في الكتابة؟ أم أنك تكتب تحت أغلب الظروف؟

محمد شريم: الكتابة الإبداعية تختلف عن الكتابة الوظيفية - كما تعلمين - وهذا يعني أن على الأديب أن يهيّئ نفسه وما حوله للكتابة.. لا أدري إن كان هذا يعتبر طقسًا. أحب أن أجلس إلى مكتبي، وهو مكاني المفضل للكتابة، في جو هادئ، وأستحسن الكتابة على دفتر وبقلم حبر أزرق أو أخضر ليتسنّى لي تدقيق ما كتبت باللون الأحمر عند المراجعة النهائية.. ولكنني لست متشددًا في التقيد بهذه الطقوس.

الأيام نيوز: قصائدك المطروحة ضمن المناهج الدراسية الفلسطينية، هل كتبتها لأجل ذلك؟ أم أن ارتباطها بموضوع المنهج جعلها حاضرة فيه؟

محمد شريم: تضمّن منهاج اللغة العربية الفلسطيني السابق بيتين شعريين من نظمي أدرجَا ضمن أمثلة كتاب (العلوم اللغوية) الخاص بالصف الثاني الثانوي ( الثانوية العامة) الذي بُدئ بتدريسه في العام الدراسي (2006 - 2007) وذلك ضمن الوحدة المخصّصة للعروض من الكتاب، وقد أخذ مؤلفو الكتاب تلك الأبيات من كتابي "الوهج" الصادر عام 2004م. أما في المنهاج الذي يدرس حاليًّا، فإن كتاب اللغة العربية للصف الخامس الأساسي الذي بُدئ بتدريسه في المدارس الفلسطينية منذ العام (2017 - 2018) يتضمّن قصيدتي (حمامة القسطل) وقد نظمتها بطلب من قسم اللغة العربية في مركز المناهج ولجنة تأليف الكتاب لتكون نصًّا للمحفوظات ضمن وحدة تتعلق بمعركة "القسطل" الشهيرة، والقصيدة من أكثر النصوص الشعرية انتشارًا وتردّدًا على ألسنة طلبة فلسطين لما تحمله من مضامين وطنية وقيم سامية ولطبيعة صياغتها كنص حكائي شعري سهل المفردات واضح المعاني عذب الإيقاع تضمن العديد من الأساليب اللغوية.

الأيام نيوز: ما دمنا نتحدث عن "حمامة القسطل" فإن من الناس الذين أعجبوا بالقصيدة من جعل من عنوانها لقبًا تكريميًّا للشاعر "محمد شريم" وكأنهم بهذا يوحّدون ما بين الشاعر وإبداعه، ما بين الحمامة المتخيّلة ومبتدعها، هل هذا صحيح؟

محمد شريم: نعم صحيح، و"حمامة القسطل" هو لقب لا ينطبق على "محمد شريم" فقط بل على كل إنسان فلسطيني يتألم لحال وطنه الرازح تحت الاحتلال وقريته المدمرة وأهله المهجرين ولكنه يبقى مصرًّا على البقاء فيه، وحتى أصدقك القول فإنني عندما يتهيّأ لي أن أزور قريتي المُهجّرة المدمرة - وهي على مرمى حجر من قرية القسطل - وأقف على أطلال منزل والدي في "ديرأبان" فإنني أشعر بما تشعر به "حمامة القسطل" وأقول ما تقول.. حمامة القسطل رمز.. وهي ترمز للفلسطيني المنكوب المكروب الصامد على أرض الوطن.

الأيام نيوز: وما دمنا نتحدث عن الألقاب فهنالك من أطلق عليك أيضًا لقب "بيدبا الفلسطيني" فما قصة هذا اللقب؟ وهل ترى نفسك (بيدبا الفلسطيني) بالفعل؟

محمد شريم: إنه لقب تكريمي أطلقه عليّ الإعلامي المعروف الصديق "إبراهيم ملحم"، وقاله بعده آخرون. فبعد أن صدر كتابي "جواهر الحكمة في نظم كليلة ودمنة" أرسل إليّ الأستاذ إبراهيم صحفيين اثنين شابين، يعملان تحت إدارته، شاب وفتاة، ليعدّا مقابلتين معي، واحدة مُصوّرة لنشرها في موقع (جريدة القدس) الإلكتروني، والأخرى كتابية لنشرها في الموقع وفي الجريدة نفسها، فاصطحباني إلى موقع (برك سليمان) الأثرية، وهناك دار الحوار، وعندما أنهى الشاب، واسمه "عبد الرحمن يونس"، إعداد تقريره الصحفي عن الكتاب قدّمه إلى مديره الأستاذ إبراهيم  ليطلع عليه، فكتب الأستاذ "إبراهيم ملحم" عنوان هذا التقرير بنفسه، كما عرفت منه لاحقًا، وكان  على النحو التالي: (بيدبا الفلسطيني يقاسم نظيره الهندي جواهر الحكمة)، ونشر التقرير في الجريدة الورقية بهذا العنوان في عددها الصادر بتاريخ: 23 – 2 – 2016.

هي قصة هذا اللقب، أما بالنسبة لسؤالك إن كنت أرى في نفسي (بيدبا الفلسطيني) فإنني أقول: إن الشخصيات الأدبية تعيش مرّة واحدة ولا تتكرر، فإنه لا يمكننا أن نستنسخ المتنبي ثقافيًّا أو أدبيًّا، ولا بديع الزمان الهمذاني ولا طاغور ولا بيدبا، فكل واحد من هؤلاء وغيرهم إنما يؤدي دوره في الحياة ويقدّم ما يمكنه أن يقدمه في سياق المرحلة التي يعيش فيها، ولكنه لا يتكرر حتى لو وجد الناس نوعًا من الشبه أو المشابهة بين ما فعله اللاحقون بما فعله السابقون من أمثال هؤلاء. أنا أنظر إلى هذا اللقب باعتباره لقبًا تكريميًّا لإنجازي كتابي (جواهر الحكمة في نظم كليلة ودمنة) ولاهتمامي بشعر الحكمة.

الأيام نيوز: الشاعر محمد شريم، بصفتك المؤسس لمنبر أدباء بلاد الشام، ما هو المنبر؟ كيف نشأت فكرته؟ وما هي دوافع تأسيسه؟

محمد شريم: منبر أدباء بلاد الشام - كما تعلمين - هو جماعة أدبية قمت بالإعلان عن تأسيسها في بيت لحم بفلسطين في 2 - 7 - 2019، وأعلنت عن هدفها الرئيس بوضوح وهو العمل على تعزيز الوحدة الثقافية لإقليم بلاد الشام من خلال الإبداع الأدبي وتحقيق التفاعل بين الأدباء بالتواصل وإنجاز الأعمال المشتركة وغير ذلك من مجالات العمل الثقافي، وسرعان ما انضم إلى هذه الفكرة الكثير من الأدباء من كتاب وشعراء من أقطار بلاد الشام الأربعة (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين)، وقد حقّق المنبر رغم انعدام الإمكانيات العديد من الإنجازات التي نعتزّ بها.

الأيام نيوز: وما الهدف الأسمى من وجود منبر أدباء بلاد الشام وأنت ترى الحالة التي يعيشها هذا الإقليم الآن؟

محمد شريم: الحالة التي يعيشها إقليم بلاد الشام الآن من ضعف القوة وتشتت الإمكانيات وتزايد (الفواصل) ولا أقول (الحدود) بين نواحيه يزيد من أهمية وجود جماعة أدبية وحدوية كمنبر أدباء بلاد الشام، فمسوغ وجود المنبر من حيث الأساس هو حالة التجزئة التي تعيشها بلاد الشام، ومن هنا جاءت الفكرة بإطلاق المنبر للمساهمة في تعزيز الوحدة الثقافية لهذا الإقليم على أمل أن يأتي ذات يوم من يعمل على توحيده سياسيًّا - بتراضي أبنائه - كما كان في مراحل كثيرة من مسيرة التاريخ.

ومن المناسب أن نتذكر أن سوريا العثمانية كانت تضم أقطار بلاد الشام الأربعة وإن كانت هنالك بعض التقسيمات والصلاحيات الإدارية التي تتميز بها بعض المناطق، وأنه على هذه الأراضي أعلنت دولة الوحدة، وكان البرلمان السوري الأول (المؤتمر السوري العام)، وأمين سره المفكر الفلسطيني "محمد عزت دروزة" ابن مدينة نابلس، يضم ممثلين عن أقطار بلاد الشام الأربعة في فترة قيام المملكة العربية السورية حتى تدخّل المستعمرون الفرنسيون ومعهم الإنجليز وقسموا البلاد وشتتوا العباد، ولا أريد أن أدخل في حيز التاريخ لأنه ليس مجال اختصاصي.

الأيام نيوز: هل هذا يعني أنك تتطلع إلى وحدة سياسية تضم بلاد الشام ذات يوم؟

محمد شريم: في الأيام التي نعيشها يبدو الأمر على أنه حلم بعيد المنال، ومع ذلك، أنا أتطلع إلى قيام وحدة عربية تضم أقطار الوطن الكبير، أما بلاد الشام فهي القطر العربي الوحيد الذي تم تفتيته إلى أجزاء لأهداف استعمارية ومنها إقامة الكيان الصهيوني، ومن المؤكد أن جميع أبنائه وأنا منهم يتطلعون إلى وحدة تضم أجزاءه بشكل متفق عليه ولا يقصي أحدا.

الأيام نيوز: وبالطبع فلسطين جزء من هذا الحلم؟

محمد شريم: طبعًا.. أليست هي جزء من بلاد الشام؟ فلسطين كانت موجودة على مرّ التاريخ، وباسم فلسطين، و(جند فلسطين) هو أحد أجناد بلاد الشام الخمسة زمن الخلفاء الراشدين، وقبل ذلك كانت فلسطين منذ فجر التاريخ وستبقى، وعندما تحصل فلسطين على حق شعبها في تقرير مصيره وإقامة دولته كسائر أقطار بلاد الشام فسوف تكون فلسطين جزءًا من أية توجّهات وحدوية على مستوى بلاد الشام والوطن العربي، فالشعب الفلسطيني وحدوي بطبعه وقد عانى كثيرًا من أهوال التجزئة. أنا شاعر وكاتب وناشط في المجال الثقافي ولست سياسيًّا، ولكنني كرجل وحدوي أتمنى أن يتحقق هذا الحلم وأسعى لتحقيقه بفكري وقلمي الذي لا أملك سواه.

الأيام نيوز: ولكنك كشاعر وأديب مضطر للتفاعل مع الأحداث السياسة.. أليس كذلك؟

محمد شريم: أنا أصبّ ماء قربتي النقي في حوض السياسة ولكنني لا أستحمّ في تلك البركة الملوّثة.

الأيام نيوز: كيف استطعت توحيد الشعراء والأدباء الشاميين تحت راية المنبر من خلال العالم الافتراضي فقط، دون حاجتك للتنقل من دولةٍ لأخرى لظروفٍ تحكمنا جميعًا؟

محمد شريم: كانوا بحاجة إلى من يناديهم. كل واحد من هؤلاء الإخوة الأدباء المنبريين يشعر بما أشعر به، ويفكر مثلما أفكر، وإذا كان لي شيء من الفضل فهو أنني ناديتهم فلبّوا النداء.

الأيام نيوز: هل لك أن تحدثنا عن الإنجازات الأدبية والوحدوية لمنبر أدباء بلاد الشام...؟

محمد شريم: لقد أنجزنا الكثير من الإنجازات - والحمد لله - على مدى السنوات السابقة.. منها ما هو على المستوى القانوني وبضمن ذلك التسجيل الرسمي لجمعية منبر أدباء بلاد الشام في فلسطين وملتقى منبر أدباء الشام في سوريا، ومنها ما هو على المستوى الإعلامي وبضمن ذلك منشوراتنا في الصحف الجزائرية وغيرها من الفضاءات الإعلامية، ومنها ما هو على المستوى الميداني كعقد الندوات والمشاركة في الأنشطة، ومنها ما هو على المستوى الاجتماعي من خلال التواصل بين الأدباء، ومنها ما هو على المستوى الإداري، وبضمن ذلك نجاحنا في عقد المؤتمر الإقليمي الأول للمنبر في شهر أيار/ ماي من العام الماضي. أما التفاصيل فلا مجال لذكرها الآن.

الأيام نيوز: ما هي المعايير الرئيسة للانضمام لمنبر أدباء بلاد الشام؟ وهل يستقطب المنبر الشخصيات الأدبية المعروفة، أم أن الانضمام متاحٌ لمن يرغب بذلك؟

محمد شريم: شروط الانضمام إلى منبر أدباء بلاد الشام يحددها النظام الداخلي للمنبر، وبضمن ذلك أن يكون المتقدم للعضوية من أقطار بلاد الشام، ولا نمانع في قبول عضوية الإخوة العرب ضمن الدائرة العربية في المنبر، وعلى المتقدم للعضوية أن يعلن موافقته على كل من النظام الداخلي الذي ينظم عمل المنبر و(الوثيقة الأساسية) التي توضح الهوية الثقافية للمنبر، تلك الهوية التي يجتمع المنبريّون في منبرهم على أساسها. وبشأن السؤال عن المستوى الإبداعي للراغبين في الانضمام فإننا نستقبل من يوافق على النظام الداخلي والوثيقة الأساسية إذا كان أديبًا مبدعًا في حقل من حقول الإبداع الأدبي، أما المستوى النقدي للإبداع فهذا من شأن النقاد، على أن يتوفر في نتاج الكاتب الحد الأدنى من معايير الكتابة الأدبية السليمة.

الأيام نيوز: كيف ترى المنبر بعد خمس سنوات؟ أو ما هي الأهداف المرسومة لتحقيقها خلال خمس سنوات على الأقل؟

محمد شريم: أنا تحدثت في إجاباتي السابقة عن إنجازات المنبر في السنوات الخمس الماضية، أما السنوات الخمس المقبلة فأقترح أن نتركها لتتحدث هي عن نفسها، ونأمل خيرًا بإذن الله.

الأيام نيوز: أستاذ محمد، هل من كلمة توجهها إلى أعضاء المنبر، وإلى شعبنا الفلسطيني المجروح؟

محمد شريم: إلى أعضاء المنبر أقول: تقدّم المنبر وتحقق أهدافه مرهون باجتهادكم. وإلى أبناء شعبي الفلسطيني أقول: بلسم جراحنا هو الوحدة، وأملنا في الله ثم في المخلصين من أبناء الأمة وأحرار العالم عظيم.

الأيام نيوز: كلمة أخيرة إلى جريدة "الأيّام نيوز" وشراكتها الفريدة المتميزة معنا؟

محمد شريم: لا يفوتني في هذا المقام أن أوجّه كلمة شكر إلى جريدة "الأيام نيوز" الغراء على ما تقدمه من عطاء إعلامي دعمًا لفلسطين وقضيتها، وعلى ملحقها الثقافي الجميل، والشكر موصول لها على ما تقدّمه أيضًا لمنبر أدباء بلاد الشام بجهود مباركة من أخي الإعلامي الأستاذ خالد عز الدين، وأقول لهم جميعا: دمتم بعطاء لا ينصب.

الأيام نيوز: شكرًا أستاذ محمد شريم المنسق العام لمنبرنا.. منبر أدباء بلاد الشام..

محمد شريم: احترامي أختنا الأستاذ قمر.. وفقّك الله وأنا دائم الاستعداد لمساعدتك في كل ما يصعب عليك بشأن سلسلة "لقاء المنبر" التي افتتحناها بهذا اللقاء..