2025.10.12



بعد رحلة بحث دامت عاما كاملا.. الزائري يجد الجيم المفقود ثقافة

بعد رحلة بحث دامت عاما كاملا.. الزائري يجد الجيم المفقود


ربيعة خطاب
منذ 14 ساعة

شهدت الجزائر العاصمة حدثا ثقافيا مميزا، من خلال تنظيم ندوة لعرض كتاب "بحثا عن الجيم" للكاتب والمستشار الثقافي لسفارة إيران في الجزائر، محمد رضا زائري، وذلك بمبادرة من الدار العثمانية للنشر والتوزيع وجريدة «الأيام نيوز»، بالتعاون مع المستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالجزائر.

أُقيمت الندوة يوم السبت 11 أكتوبر 2025 على الساعة الثانية بعد الزوال بمكتبة الاجتهاد، وسط حضور عدد من الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين، في إطار تفعيل الحوار الثقافي وتبادل التجارب الفكرية بين الشعوب.

تخللت الندوة مداخلات من بعض الحضور، وقد ألقى، الأستاذ عزالدين بن عطية، مدير جريدة الأيام نيوز، كلمة بالمناسبة رسم فيها مسار رحلة "البحث عن الجيم" مع الكاتب خلال فترة عام كامل، التزم فيها الدكتور محمد رضا زائري، بنشر عمود صحفي كل يوم أحد.

ولقد حرص المؤلف محمد رضا زائري، المستشار الثقافي الإيراني بالجزائر، على أن يترك بصمته الأدبية والشخصية في الترويسة المرافقة لغلاف كتابه، فكتب عبارة لافتة تعكس روح الكتاب وبُعده الرمزي، جاء فيها: "لقبي زائري، ينقصه جيم ليصبح جزائري، فجئت إلى الجزائر بحثا عن الجيـم!".

هذه الجملة المكثفة تختزل رؤية الكاتب الذي أراد من خلالها التعبير عن حالة التلاقي الثقافي والوجداني بين إيران والجزائر، وعن رحلة البحث عن الهوية والمعنى في فضاء إنساني مشترك. فهي ليست مجرد جملة افتتاحية، بل إشارة رمزية إلى انصهار التجارب وتلاقح الحروف مع الوجدان، حيث يتحوّل الحرف إلى جسر بين الشعوب والثقافات.

رحلة الحبر والحنين.. من طهران الى الجزائر

مقدمة كتاب محمد رضا زائري، تمثّل مدخلا دافئا إلى تجربته الإنسانية والثقافية في الجزائر، حيث يروي كيف بدأت رحلته بعد تعيينه مستشارا ثقافيا للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الجزائر، وكيف أن خبرته الصحفية الطويلة التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاما ساعدته على التواصل مع وسائل الإعلام الجزائرية وفهم المشهد الإعلامي والثقافي عن قرب.

لم يكن هدفه مجرد أداء مهام دبلوماسية، بل كان يسعى للغوص في تفاصيل الحياة اليومية للجزائر وشعبها، والتعرّف على ثقافة هذا البلد، والتقرب من أهله الذين شعر بهم إخوة وأخوات.

ويستحضر زائري في مقدمته تجربته السابقة مع كتابه "مسافر التقاليد في الألفية الثالثة"، الذي جمع يومياته وذكرياته، مشيرا إلى أنه أراد أن تكون كتاباته عن الجزائر مزيجا بين صرامة العمل الصحفي والإحساس الإنساني، لتكون شهادة صادقة عن بلد أحبّه الإيرانيون جميعا، وسعى هو شخصيا لأن يكون جسرا للتفاهم والمحبة بين الشعبين.

تتجسد هذه الروح في سلسلة مقالاته "بحثا عن الجيم"، التي نشرتها جريدة «الأيام نيوز» برعاية وإشراف الأستاذ عز الدين بن عطية، حيث لقيت استحسانا واسعا لدى القُرّاء، وتلقّى الكاتب تعليقات مؤثرة، منها ما أبدت فيه سيدة جزائرية ازدياد حبها للعاصمة بعد قراءة كتاباته، ومنها ما عبّر فيه أحد القراء عن إعجابه بقدرته على الكتابة "بقلب نابض وعين تلتقط المعاني خلف التفاصيل الصغيرة".

كما عبّر زائري عن امتنانه للأستاذ عز الدين بن عطية لدعمه ومراجعته لبعض الأخطاء اللغوية، مؤكدا أن هذه المقدمة ليست مجرد سرد لتجربة دبلوماسية، بل شهادة إنسانية على حب الجزائر، وتقدير شعبها وثقافتها، وتجربة شخصية جمعت بين العمل الصحفي والإحساس العميق والصادق بالوطن الثاني.

بين السطور تنبض الجزائر

في رحلة متميزة عبر تفاصيل الحياة المهنية والعائلية، يأخذنا الكاتب في سرد شخصي غني بالتجارب والانطباعات، متجولا بين ذكريات السفر والانغماس في ثقافات مختلفة، بدءا من لحظة مغادرته بلده إلى الجزائر، حيث يصفها بـ"البلد الثاني" الذي احتضن قلبه وروحه. في البداية، يرسم الكاتب صورة لطيفة لمغامرة السفر، مستكشفا أجواء الوطن من منظور مختلف، فيجعلنا نشعر وكأننا نحلق معه في سماء الجزائر، نتأمل شوارعها وألوانها وعبقها.

وليس السفر وحده ما يترك أثره في ذاكرة الكاتب، بل تفاصيل الحياة اليومية التي يواجهها، من لسعة "البعوض الذكي" إلى مأكولات المدينة التي تجمع بين البساطة والتنوع الثقافي؛ فالخبز الفرنسي يلتقي بالخبز السوري، والمقروط يثير لديه فضولا خاصا، بينما البرتقال والليمون يطرحان أسئلة لا تخلو من الشغف عن الاختيارات الغذائية.

حتى الخضراوات والفواكه، مثل الخيار، تصبح موضوعا للتأمل والتجربة، ويخصص الكاتب مساحة لأفضلية الشاي على القهوة، قبل أن يشاركنا كيف علّمته الجزائر فنون الطبخ، مع إشارة خاصة إلى طبق "الشخشوخة" الذي صار جزءا من طقوسه اليومية.

الكاتب لا يغفل عن الناس الذين التقى بهم، فيصف الجزائريين بالكرم والدفء، بينما يلاحظ الفروق الثقافية بين الإيرانيين والجزائريين، خاصة في عاداتهم وتقاليدهم، مثل خوف الإيرانيين من الباب، ولغة الدارجة الجزائرية التي أضفت على تجربته المحلية علاقة ود وتسامح. لم يفت الكاتب الانتباه إلى تفصيل حب الناس للأطفال وعاطفتهم الطبيعية تجاههم، وهو ما جعل الرحلة تجربة إنسانية متكاملة.