في قلب الزنازين الباردة، حيث يسود الصمت إلا ّمن وقع الأصفاد والأبواب الحديدية، يولد الأطفال وسط قيود لا ترحم. لحظة الميلاد، التي من المفترض أن تكون إعلانا للحياة والفرح، تتحول إلى مأساة: أم ّ مقيدة اليدين والقدمين، محرومة من احتضان طفلها، وطفل يرى النور في عالم بلا دفء، بلا حنان، بلا أمان. هنا، منذ أول صرخة، يصبح الوليد أسيرا، وتصبح كل لحظة من حياته الأولى شهادة على القهر، وعلى عالم يختار الصمت أمام أبسط حقوق الإنسان.
الأمومة في الزنازين ليست مجرد تجربة جسدية قاسية، بل هي معركة مستمرة ضد الحرمان والتهديد. الأم الحامل تواجه وجعًا مزدوجا: ألم الحمل نفسه، وألم القيد النفسي والجسدي، وسط خوف دائم على حياة جنينها. كل نفس تأخذه، وكل حركة في جسدها، تتحول إلى صراع للبقاء، ولحظة ولادة الطفل تصبح فعل مقاومة بحد ذاتها، إعلانا أن الحياة قادرة على الانتصار رغم الظلم.
هذه الولادات المكبلة تكشف عمق الانتهاك: حرمان الأم من أبسط حقوقها، وحرمان الطفل من بداية حياة طبيعية وآمنة، لكنها في الوقت ذاته تصبح رمزًا للصمود، رسالة تقول إن الحرية، وإن سُجنت الأجساد، لن تُقتل، وأن إرادة الحياة أقوى من أي قيود.
الولادة خلف القضبان هي صراع متكامل بين الحياة والموت، بين الحرية والقيد، بين إنسانية مسلوبة وكرامة تصرّ على البقاء حيّة، فكل صرخة طفل وكل نبضة قلب في رحم مقيد، هي شهادة حيّة على أن الإرادة لا يمكن كسرها، وعلى أن الحياة تستطيع أن تنبت حتى في أصعب الظروف.

أمومة خلف القضبان.. جريمة مضاعفة بحق الأسيرات الفلسطينيات
بقلم: أمجد النجار – مدير عام نادي الأسير الفلسطيني
في الوقت الذي يتغنّى فيه العالم بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل، تمارس سلطات الاحتلال الإسرائيلي أبشع صور الانتهاك لتلك الحقوق، وتحديدًا حين يتعلق الأمر بالأسيرات الفلسطينيات الحوامل، اللواتي يجدن أنفسهن يخضن تجربة الأمومة خلف القضبان، مكبلات بالأغلال، وتحت نير التحقيق والتعذيب والحرمان.
منذ اللحظة الأولى لاعتقال الأسيرة الفلسطينية الحامل، تبدأ فصول معاناة قاسية تتحدى المنطق والإنسانية، حيث تُقيَّد أقدامها ويداها، وتُعصب عيناها، وتُلقي بها سلطات الاحتلال في الزنازين الانفرادية لتخضع لأبشع أشكال التحقيق الجسدي والنفسي، دون مراعاة لوضعها الصحي أو إنسانيتها كامرأة حامل.
في هذه الظروف، لا تكون الولادة حدثًا طبيعيًا، بل فصلًا من الألم المركب؛ فالأسيرة الحامل تُجبر على خوض مخاضها وهي مقيدة بالسلاسل في قدميها ويديها، محاطة بعنجهية السجانين، محرومة من وجود زوجها أو أهلها أو حتى أدنى مقومات الرعاية الصحية والخصوصية.
وقد جسدت العديد من الأسيرات الفلسطينيات هذه المأساة بكل تفاصيلها القاسية، فكانت زكية شموط أول من أنجبت في سجون الاحتلال عام 1972، وهي مكبّلة في زنزانة انفرادية. تلَتها ماجدة السلايمة التي وضعت مولودتها "فلسطين" وهي رهن الاعتقال، ثم أميمة الأغا التي أنجبت "حنين" في ظل القيد والتهديد، ففصل الاحتلال بين الأم وطفلتها بعد عامين فقط.
أما ميرفت طه ومنال غانم وسمر صبيح وفاطمة الزق، فكل واحدة منهن شكّلت قصة إنسانية موجعة بحد ذاتها، جمعت بين صرخة الولادة وقيود القهر، بين بكاء الطفل وصمت الزنزانة، وبين غريزة الأمومة وبرودة القضبان. أنجبن أطفالهن تحت قهر السجان، وشاركنهم لحظات لا تنسى من الذل والحرمان، قبل أن يُنتزع هؤلاء الأطفال منهن في سن مبكرة، ليتحول الفراق إلى وجع دائم لا يشفى.
الأسيرة لا تعاني وحدها، بل يُعامل مولودها كأنه "أسير صغير"، محروم من الحليب المناسب، من الدفء، من الألعاب، وحتى من الزيارات، حيث ترفض إدارة السجون بشكل متعمد إدخال مستلزمات الأطفال التي يوفرها الصليب الأحمر، في سياسة انتقامية تعكس حجم الانحدار الأخلاقي والوحشية التي تمارسها دولة الاحتلال.
ولا ينتهي الأمر عند الولادة، بل يمتد إلى "الفصل القسري"، حيث يُنتزع الطفل من أحضان أمه عند بلوغه السنتين، لتبقى هي في زنزانتها وحيدة، ويُحرم الطفل من حنانها دون أي اعتبارات نفسية أو إنسانية.
هذه الجرائم بحق الأسيرات الأمهات، لا يجب أن تبقى طيّ النسيان، ولا أن تُقرأ كمجرد حوادث فردية أو استثناءات، بل هي سياسة ممنهجة تُمارس من قبل دولة الاحتلال بهدف كسر إرادة المرأة الفلسطينية، وتدميرها نفسيًا وجسديًا.
إننا في نادي الأسير الفلسطيني، نُحمّل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات المتواصلة بحق الأسيرات الحوامل والأمهات، ونطالب المؤسسات الدولية، خاصة المعنية بحقوق المرأة والطفل، بتحرك عاجل يتجاوز الإدانة اللفظية إلى الضغط السياسي والقانوني الفعلي، لوقف هذه الجرائم، ومحاسبة مرتكبيها.
ويبقى السؤال مفتوحًا: إلى متى ستبقى الأمومة الفلسطينية مقيدة خلف القضبان، تُنتهك بلا رادع، ويُمارس بحقها هذا الظلم الصارخ على مرأى ومسمع من العالم؟

غلاف العدد بريشة الفنان التشكيلى يوسف كتلو
ولادة خلف القضبان.. حين تتحول صرخة الحياة إلى شهادة على القيد
بن معمر الحاج عيسى
في زمنٍ يتباهى فيه العالم بشعارات حقوق الإنسان، وتُرفع فيه الرايات الأممية المزيّنة بمواد القانون الدولي والاتفاقيات الإنسانية، يولد أطفال فلسطين في أكثر البقاع ظلمةً وقسوة: زنازين الاحتلال. هناك، حيث يُختصر الفضاء في أربعة جدران باردة، وحيث يتحول الزمن إلى وقع أقفالٍ معدنية وصليل سلاسل لا تهدأ، تشهد الإنسانية أكثر صورها انكسارًا. ليس الأمر رواية أدبية أو مشهدًا سينمائيًا من نسج الخيال، بل هو واقع موثّق بشهادات أمهات وأطفال، وبتقارير حقوقية تفضح فصلاً من أبشع فصول التاريخ المعاصر: ولادة خلف القضبان.
المرأة الفلسطينية حين تُعتقل وهي حامل، لا تُسلب حريتها وحدها، بل يُصادر معها الحقّ الأقدس في الحياة: أن تمنح جنينها ميلادًا طبيعيًا في حضن آمن. منذ اللحظة الأولى لاعتقالها، تُقيَّد يداها ورجلاها، وتُلقى في زنزانة لا تعرف للهواء منفذًا ولا للشمس نافذة، لتبدأ رحلة حملٍ مثقلة بأوجاع مزدوجة: ألم القيود وألم الجسد. حملٌ يُفترض أن يكون وعدًا بالفرح، يتحول إلى سجنٍ داخل سجن، حيث الرحم نفسه يُختزل إلى زنزانة أخرى يُحاصرها الخوف والجوع وانعدام الرعاية الصحية.
شهادات الأسيرات تفيض بما يعجز القلم عن وصفه. إحداهن روت أنها حين جاءها المخاض كانت يداها مقيدتين إلى السرير، فيما يقف الحارس مشهرًا سلاحه كأنها متهمة تستعد لارتكاب جريمة لا امرأة تمنح الحياة. أخرى تحدّثت عن اللحظة التي سمعت فيها صرخة مولودها تتردد في الغرفة البيضاء الباردة، دون أن يُسمح لها أن تضمه إلى صدرها. طفل يولد في عالم بلا نافذة، بلا قبلة من أم أو لمسة من أب، بل في مواجهة وجوه غريبة وأعين باردة. في تلك اللحظة، تُختطف الأمومة ذاتها، ويتحوّل الميلاد إلى جرح مفتوح على جبين الإنسانية.
الاحتلال لا يكتفي بحرمان المرأة من الرعاية الطبية أثناء الحمل، بل يصرّ على تحويل لحظة الولادة نفسها إلى أداة إذلال. تُنقل الأسيرة إلى المستشفى مقيدة الأيدي والأرجل، ويُشد وثاقها إلى سرير الولادة حتى اللحظة الأخيرة. لا يسمح لها بوجود الزوج أو الأم أو أي قريب يخفف عنها الألم، بل تُترك وحيدة بين جدران باردة وأسلاك حديدية. وحتى بعد أن تضع مولودها، تعاد إلى السجن مع طفلها، ليُعامل الوليد كـ"أسير صغير"، محروم من الغذاء الملائم، من الحليب، من الألعاب البسيطة، بل ومن أبسط حقوق الطفولة. وحين يبلغ الطفل عامين، يُنتزع من حضن أمه قسرًا، ليُشعل الفراق في قلبها جرحًا لا يندمل، ويُترك هو ليواجه حياة بلا أمومة ولا دفء.
أسماء كثيرة حملت هذه التجربة المريرة. زكية شموط، أول أسيرة فلسطينية أنجبت خلف القضبان عام 1972، وضعت طفلتها نادية في زنزانة انفرادية بمساعدة رفيقاتها الأسيرات. ماجدة السلايمة وضعت مولودتها "فلسطين" وهي رهن الاعتقال. أميمة الأغا أنجبت طفلتها "حنين" وهي مقيدة، ثم فصل الاحتلال بينهما بعد عامين. ميرفت طه وضعت ابنها وائل مكبلة في مستشفى "آساف هاروفيه"، ومنال غانم أنجبت نور ليُفصل عنها قسرًا بعد عامين من الحياة المشتركة في السجن. سمر صبيح أنجبت براء بعملية قيصرية وهي مكبلة بالسلاسل، وفاطمة الزق أنجبت يوسف الذي قضى عامين معها خلف القضبان. كل اسم من هذه الأسماء ليس مجرد سيرة شخصية، بل شاهد على جريمة ممتدة، ودليل حي على أن الاحتلال لم يكتفِ بسلب الأرض، بل أراد أن يسلب حتى أقدس لحظة في مسيرة الإنسان: لحظة الميلاد.
القانون الدولي يقف هنا عاجزًا. المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص بوضوح على حق الأم والطفل في الرعاية الخاصة. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يضمن لكل إنسان أعلى مستوى من الصحة. اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949 تفرض معاملة خاصة للنساء الحوامل وتمنع تعريضهن لأي معاملة قاسية أو مهينة. ومع ذلك، تتحول هذه النصوص إلى مجرد حبر على ورق عند أبواب الزنازين. المجتمع الدولي يكتفي ببيانات إدانة، والصليب الأحمر يعبّر عن قلقه دون قدرة حقيقية على التغيير، فيما تظل الأسيرات يواجهن المخاض مكبلات، والأطفال يولدون أسرى منذ صرختهم الأولى.
الوضع في سجن الدامون، كما وصفه المحامي حسن عبادي، يكشف حجم المأساة المستمرة. ثمانية أسيرات في غرفة واحدة، أربع منهن يضطررن للنوم على الأرض وسط الرطوبة والعفن. انعدام الرعاية الصحية، قلة الغذاء، وغياب كامل للخصوصية مع مراقبة بالكاميرات حتى في غرف الفحص الطبي. الأسيرة تهاني أبو سمحان وضعت مولودها يحيى في مثل هذه الظروف، ليخرج إلى الحياة أسيرًا منذ اللحظة الأولى. لم يكن لديها دواء ولا غذاء كافٍ، ولم يكن لها سوى صرخة تكسر صمت الجدران، صرخة استقبلتها رفيقاتها بالدموع، واحتسبنها نصرًا للحياة على جدار الموت.
ورغم كل القيد، فإن ولادة طفل خلف القضبان ليست هزيمة. إنها فعل مقاومة يتجاوز حدود السجن، ورسالة تقول إن الاحتلال قادر على تقييد الأجساد لكنه عاجز عن إخماد شريان الحياة. كل مولود يولد في الأسر هو شهادة على أن إرادة الفلسطينيين أكبر من السجان، وأن الحياة قادرة على أن تنبت حتى في صحراء القيد. الأسيرة التي تضع مولودها تحت القيد تعلن للعالم أن الحرية ليست مجرد شعار، بل نبض يتجدد في رحمٍ يرفض أن يستسلم للموت.
القضية هنا ليست طبية ولا حقوقية فحسب، بل هي معركة على معنى الأمومة ذاته. الاحتلال يحاول أن يحول الأمومة إلى جريمة، والولادة إلى عقوبة، لكن كل أسيرة تلد خلف القضبان تعيد تعريف الأمومة كفعل مقاومة، وتجعل من كل نبضة جنين صرخة تتحدى السجن وتكسر صمته. ولادة خلف القضبان هي صورة مكثفة عن الصراع بين الحياة والموت، بين الحرية والقيد، بين إنسانية تُذبح على أبواب السجون وكرامة تصر أن تبقى حيّة رغم كل شيء.
إنها ليست مجرد قصص فردية، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر المرأة الفلسطينية وتدميرها نفسيًا وجسديًا. لكن ما يغفل عنه الاحتلال هو أن هذه القصص تتحول إلى رموز وطنية، وأن كل مولود خلف القضبان يصبح شاهدًا على ظلم العالم، ومرآة تكشف زيف ادعاءات الحضارة. الطفل الذي يبدأ حياته في السجن يكبر وهو يحمل ذاكرة القيد، لكنه أيضًا يكبر وهو يحمل في روحه بذرة مقاومة، لأن أول صرخة له كانت في وجه الحديد، وأول مشهد له كان جدران الزنزانة.
وفي خضم هذه المعاناة، يظل السؤال مفتوحًا للعالم أجمع: ما قيمة المواثيق الدولية إذا عجزت عن حماية امرأة تضع مولودها؟ ما معنى أن ترفع شعارات الكرامة الإنسانية بينما تُنتهك في أقدس لحظاتها؟ وكيف يمكن للضمير العالمي أن يبقى حيًا إذا صمت أمام حياة تُسلب منذ لحظتها الأولى؟
الخاتمة تأتي صرخة لا مفر منها: على العالم أن يتوقف عن الاكتفاء بالقلق والبيانات، وعلى المؤسسات الدولية أن تتحرك بما يتجاوز الكلمات إلى الأفعال. الإفراج عن الأسيرات الحوامل يجب أن يكون واجبًا عاجلًا لا يقبل التأجيل. توفير الرعاية الصحية والإنسانية حق لا منّة، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه واجب أخلاقي وقانوني في آن.
إن ولادة طفل خلف القضبان ليست حدثًا عابرًا، بل جرحًا مفتوحًا في جسد الإنسانية. جرحًا يذكّرنا بأن الحرية ليست مطلبًا سياسيًا بل حقًّا فطريًا، وبأن كل أمّ فلسطينية تلد في السجن إنما تلد شهادة حيّة على أن الحرية قد تُسجن لكنها لا تُقتل. وآن الأوان للضمير العالمي أن يفيق، قبل أن يكتب التاريخ على جبينه وصمة عار لن تُمحى: أنه صمت حين وُئدت الحياة في رحم القيد.

ولادة في الزنزانة.. معاناة غير مسبوقة تهزّ الضمير العالمي
بقلم: غدير حميدان الزبون – فلسطين
صباح الخير الذي لا يمرّ عابرًا، صباحٌ ينهض مثقلاً بالأسئلة قبل أنْ يشرق بالنور. صباح يبدأ بخبرٍ صادم يهزّ عرش الإنسانية: عشر أسيرات فلسطينيات أنجبن خلف القضبان، في مشهد يعيد تعريف معنى الانتهاك والظلم في عصرنا الحديث.
طالعتُ في الثالث من أيلول تقريرًا في جريدة القدس يضع أمامنا مرآة من وجعٍ لم يعتد التاريخ الحديث أنْ يعكسه بهذا الحجم، ولادة مقيدة، ميلاد مسلوب الطمأنينة، لحظة تتجاوز الألم الجسدي لتصبح انتهاكًا متعمّدًا لكلّ حقوق الإنسان، وصورة صارخة عن القسوة التي يمكن أنْ تصل إليها منظومة الاحتلال.
فأي عنجهية هذه، وأي ساديةٍ تتجلّى حين يتحول أقدس حدث في حياة الإنسان، الولادة، إلى مشهد إذلال مكتمل العناصر؟ زنزانة ضيقة، جدار أعمى، حارس يحدّق بعينيه الباردتين، وأمّ تصرخ تحت وطأة القيود الحديدية.
لحظة الميلاد، التي خُلقت لتكون إعلانًا للحرية والبدء، تتحول إلى شهادة على القهر والانتهاك الممنهج.
هذه ليست حادثة عابرة، ولا خطأ عرضي، بل فصل من كتاب طويل يُسجّل كيف يُنتزع الحق في الحياة الإنسانية من أقدس لحظاتها.
هي قضية عنصرية وإنسانية في آن، تكشف حجم الصراع بين إرادة الحياة التي تتشبث بها الأمّ وسط منظومة قمعية، وبين آلة الاحتلال التي تحوّل كل شيء إلى أرقام وتقارير رسمية دون روح.
هل تصدق أنّ بعض الأسيرات لم يسمح لهن بالحصول على أي رعاية طبية لائقة خلال المخاض، وأنهن اضطررن للولادة تحت مراقبة حراس مسلحين؟ وهل تعلم أنّ القانون الدولي يُجرّم هذه الانتهاكات ويعتبرها "معاملة قاسية أو مهينة"، لكنّ الضمير الإنساني يبقى صامتًا، وعين العالم غالبًا ما تغض الطرف؟
تخيل: طفل يُولد محاطًا بالحديد والأسلاك، أول صرخة له في الحياة ترتجف تحت ضوء زنزانة بلا نوافذ، وأمه مقيدة اليدين، محرومة من احتضان طفلها بحرية.
كيف يُمكن لعقلٍ بشري أنْ يستوعب هذا الانتهاك، وكيف يمكن لمجتمع أنْ يقبل أنْ تصبح الولادة مأساةً وليس فرحًا؟
إنها ليست مجرد أسئلة عابرة، هي صرخات تتردد في أروقة القانون الدولي، وتتحدى كل نصوص حقوق الإنسان.
إنها دعوة للفضح والإدانة، لتسليط الضوء على واحدة من أكثر صور الظلم وضوحًا، ودرس صارخ في القسوة التي يمكن أنْ يمارسها الاحتلال على أبسط حقوق الإنسان.
وهنا، الجزء الأكثر صدمة: شهادات الأسيرات تكشف عن تفاصيل لم تُنشر على نطاق واسع، حيث تقول إحداهنّ: "كنت أسمع صراخ طفلي وهو يولد، ولم أستطع لمسه، فلم يكن هناك حضن، ولم يكن هناك دفء، فقط الحديد يحدق في عيوننا"، بينما تكشف أخرى أنّ حُكماً قضائياً صغيرًا ألزمهن أنْ تبقى الأجنة مع أمهاتهم لساعات محدودة يوميًا فقط، قبل أن تُسحب عنوةً إلى مراكز الرعاية المؤقتة، بعيدًا عن الحضن والأمان.
إحصاءات صادمة: حسب منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية فالعديد من هؤلاء الأطفال عانوا من مضاعفات صحية بسبب نقص الرعاية، بينما أمهاتهم تعرضن لضغوط نفسية هائلة.
وفي حالات معينة، أُجبرت بعض الأمهات على الولادة بمفردهن تقريبًا، وسط خوف وتهديد دائم، وهو ما يُصنّف قانونيًا إهانة جسيمة لكرامة الإنسان.
كلّ هذه الصرخات، تقف أمام العالم صامتة، إلا لمن يجرؤ على النظر، هنا تُختبر الإنسانية في أقساها، وهنا يُساء تعريف الحرية والحياة نفسها.
إذا كان الميلاد، أعظم لحظة في حياة الإنسان، يُسلب من كرامته، وإذا كانت الحرية تبدأ بحبس النفس قبل الولادة، فالسؤال يبقى مفتوحًا: هل ستظل الإنسانية عاجزة، أم أنّ هذه الصرخات ستصبح نداءً للضمير العالمي؟
الواقع الموثّق
التقارير الحقوقية المتواترة تصف واقعًا صادمًا: الأسيرات الحوامل يفتقدن الرعاية الصحية الملائمة، يواجهن الحمل في ظروف صعبة، بلا أطباء متخصصين، وغالبًا بلا أدوية أو غذاء مناسب.
لحظة الولادة نفسها تُختزل في مشهد مأساوي: أمّ مكبلة، سرير بارد، وحراس يراقبون المشهد كما لو كان جزءًا من نظام أمني.
هذه الولادات لم تعد وقائع فردية، فقد باتت ظاهرة تؤكد إصرار منظومة السجون على انتزاع إنسانية الأسيرة.
فكلّ ميلاد خلف القضبان هو دليل جديد على انتهاك متواصل يتجاهل الحدود الدنيا من الرعاية الطبية والحقوق الإنسانية.
القانون والالتزامات الدولية: النصوص واضحة لا لبس فيها:
• الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 25) : لكلّ أمّ وطفل الحق في الرعاية والمساعدة الخاصة.
• العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية : لكلّ إنسان الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسدية والنفسية.
• اتفاقيات جنيف الرابعة (1949) : تفرض معاملة خاصة للنساء الحوامل، وتمنع تعريضهن لأي معاملة مهينة أو غير إنسانية.
لكنّ السؤال الجوهري: لماذا تبقى هذه المواثيق عاجزة عن حماية الأسيرات؟ وكيف يمكن للقانون الدولي أنْ يفقد سلطته عند أبواب الزنازين؟ وما معنى أنْ تُرفع شعارات "الكرامة الإنسانية" بينما تُنتهك في أكثر لحظاتها قداسة، لحظة الميلاد؟
الصليب الأحمر والضمير الغائب
كثيرا ما عبّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن قلقها إزاء ظروف الأسيرات، بوصفها الجهة المخوّلة بالرقابة على أوضاع السجون، لكنّها تبقى محدودة القدرة على فرض التغيير.
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يكفي أن يُسجَّل القلق في البيانات، بينما الألم يزداد عمقًا؟ وهل يليق أنْ تتحول المنظمة التي تمثل الضمير الإنساني إلى شاهد صامت لا أكثر؟
الرمزية الوطنية – ميلاد يتجاوز القضبان
رغم كلّ هذا القيد، فإنّ الولادة في السجون ليست هزيمة، إنّها رمز صمود.
فالأم التي تضع مولودها تحت القيد تعلن أنّ الحياة لا تُهزم، والطفل الذي يبدأ مسيرته في الأسر يصبح شاهدًا على ظلم العالم، لكنّه أيضًا شاهد على قدرة الوطن على الاستمرار.
وكلّ صرخة ميلاد تتحول إلى وثيقة مقاومة، تقول إنّ الاحتلال يستطيع أنْ يقيّد الأجساد، لكنّه عاجز عن إخماد شريان الحياة.
وهكذا، يصبح الميلاد خلف القضبان مشهدًا وطنيًا بامتياز، فالأرض تنجب أبناءها حتى في ظلال السجن، والحرية تواصل البحث عن طريقها عبر صرخة طفل.
القضية الممتدة
المعاناة لا تتوقف عند لحظة الولادة، فالطفل يعيش بين جدران لا تعرف الدفء، والأم تُختزل أمومتها في دقائق محدودة من الرؤية واللمس، أما العائلة فتعيش حرمانًا مضاعفًا: حرمان الأم وحرمان الطفل.
القضية إذن ليست ملفا طبيا أو حقوقيا، هي معركة متواصلة على معنى الأمومة، على كرامة المرأة، على حقّ الطفل في بداية حياة طبيعية.
إنّ التقرير الذي طالعته في "جريدة القدس" لا يعرض خبرًا عاديًا، بل يضعنا أمام مرآة تكشف قسوة الواقع وعمق العجز الدولي، فالعنوان "عشر أسيرات أنجبن في السجون" يوازي عشر صرخات حياة وسط جدران الموت.
ويبقى السؤال مفتوحًا للعالم أجمع: إلى متى يبقى الميلاد مقيدًا بالحديد؟ وإلى متى تظلّ الأمومة مرهونة بمزاج سجّان؟ وإلى متى يظلّ القانون الدولي شاهدًا بلا فعل؟
إنّها قضية لا تخصّ الأسرى وحدهم، بل تمسّ معنى الإنسان نفسه.
وحين يولد طفل في زنزانة، فإنّ السؤال الأخير لا بدّ أنْ يطرح نفسه بقوة:
هل يمكن لضمير العالم أنْ يبقى حيًا إذا صمت أمام حياة تُسلب منذ لحظتها الأولى؟

خلف القضبان.. أمومة مكبلة وأطفال يولدون أسرى
بقلم: ثورة ياسر عرفات
في زنازين الاحتلال، حيث يخيّم الصمت إلا من صوت الأبواب الحديدية الثقيلة، تولد حكايات تفوق في قسوتها الخيال. هناك، تخوض الأسيرة الفلسطينية تجربة لا تشبه أي تجربة أخرى؛ تجربة الأمومة خلف القضبان.
تدخل الأسيرة غرفة الولادة لا كما تدخلها نساء العالم محاطة بالحب والعائلة، بل يرافقها السجان والسلاح. تُقيد يداها أحيانًا، وتُحرم من وجود أم أو زوج أو قريب يخفف عنها ألم المخاض. تتحول لحظة الولادة، التي يفترض أن تكون أقدس لحظة في حياة أي امرأة، إلى مشهد من القهر والحرمان، حيث يختلط صراخ الجنين بوقع قيود الحديد.
أطفال يولدون أسرى
في بعض الحالات، يُكتب للأطفال أن يروا النور لأول مرة داخل جدران السجون. يعيشون أيامهم الأولى بين القضبان، يذوقون طعم الحرمان قبل أن يتعرفوا على حضن الوطن. هؤلاء الأطفال يختطف الاحتلال طفولتهم البريئة منذ لحظة الميلاد، فيتحول بكاؤهم الأول إلى شهادة على ظلمٍ يتجاوز كل القوانين والأعراف.
الأم الأسيرة لا تعيش ألم المخاض فقط، بل تحمل وجعًا مضاعفًا؛ فهي تلد في ظروف قاسية، وتخشى على وليدها من غياب الرعاية الصحية والإنسانية، ثم تواجه احتمال انتزاعه منها بعد فترة قصيرة. إنها أمومة مقيدة، تُمارس تحت عيون الجند، وتُسلب منها أبسط حقوقها الطبيعية كإنسانة وأم.
خرق صارخ للإنسانية
القوانين الدولية والإنسانية تضمن للمرأة الحامل الرعاية والكرامة، لكن الاحتلال يصرّ على تحويل الولادة إلى فصل من فصول العقاب. بدل أن تكون الحياة بداية جديدة، يجعلها السجن بداية قهر للطفل والأم معًا.
إرادة الحياة أقوى
ورغم كل ذلك، تبقى الولادة خلف القضبان شاهدًا على أن الحياة قادرة على اختراق الجدران، وأن إرادة الأمومة أقوى من كل أشكال القيد. كل صرخة طفل في الأسر هي إعلان بأن الحرية ستولد مهما طال ليل السجان، وأن حكاية الأم الفلسطينية ستظل أكبر من أسوارهم.

اعتقال الحامل والولادة خلف القضبان.. انتهاك مضاعف لحقوق المرأة والإنسان
بقلم: د. منى أحمد أبو حمدية - أكاديمية وباحثة
مقدمة
تشكل تجربة الاعتقال في السجون الاحتلالية واحدة من أقسى أشكال العنف الممنهج ضد النساء الفلسطينيات، لاسيما حين يتعلق الأمر باعتقال المرأة وهي حامل، في مرحلة حساسة تحتاج فيها إلى رعاية صحية متواصلة وبيئة آمنة خالية من الضغوط الجسدية والنفسية. اعتقال الحوامل ليس مجرد تقييد للحرية، بل هو مصادرة لحق الأمومة والإنسانية في لحظة تتجسد فيها أرقى صور الحياة، لتتحول الولادة خلف القضبان إلى رمز للمعاناة والانتهاك المزدوج.
رحمٌ مقيد بين الجدران: معاناة المرأة الحامل في الأسر
ليست معاناة المرأة الحامل في الأسر مجرد فصل عابر في رواية القهر الفلسطيني، بل هي ملحمة وجعٍ مكتومة، تتنفس بين جدران صمّاء وتستصرخ ضمائر غفت على أنينها. أن تُحرم المرأة من فضاء الحرية وهي تحمل في أحشائها بذرة الحياة، يعني أن يتحول الحمل من وعد بالفرح إلى قيد مضاعف، ومن رحلة نحو الولادة إلى مأساة تُكتب بالحديد والدمع.
في تلك اللحظات، تصبح كل حركة من جسدها مثقلة بالوجع: مشيتها البطيئة تتحول إلى صراع مع القيود، أنفاسها المتقطعة تُسابق ضيق الزنزانة، ونبض جنينها يرتجف مع كل صرخة سجان أو صرير مفتاح. الجسد الذي وُهب ليكون مهدًا للحياة، يصبح ساحة مواجهة يومية بين الطمأنينة المفقودة والخوف الذي ينهش الأعصاب.
أما الليل، فهو امتحان أقسى من النهار؛ إذ تتكاثر الهواجس في عتمة الزنزانة، ويغدو الجدار الصامت مرآة لقلقها. كل ارتعاشة في أحشائها تُقرأ كإشارة خطر، وكل وجع صغير يتضخم في خيالها ليصير احتمال فقدان. ومع غياب الرعاية الطبية الحقيقية، تصبح الأمومة نفسها مهددة، ويغدو الحمل سيفًا مسلطًا بدل أن يكون بشرى بالميلاد.
المرأة الحامل في الأسر لا تُعذّب وحدها، بل يُعذّب معها جنينها؛ يشاركها القيد دون أن يعرف للعالم طريقًا، ويستمع إلى دقات قلبها المرتجفة كسيمفونية قلق متواصل. وكأن السجن يمدّ يده الغليظة إلى أعمق أسرار الطبيعة، إلى لحظة الخلق ذاتها، ليشوّهها بالعزلة والخوف. ومع ذلك، فإن ما يثير الدهشة والرهبة معًا هو قدرة هذه المرأة على الاحتمال. فهي، رغم كل القسوة، تحمل في أحشائها شمسًا صغيرة تقاوم العتمة، وتُصرّ أن تمنح للحياة فرصة الميلاد حتى من قلب القبر الإسمنتي. إنّها تُعيد تعريف الأمومة كفعل مقاومة، وتجعل من كل نبضة جنين خلف القضبان صرخة تتحدى الجدران وتكسر صمت العالم.
ملحمة وجعٍ مكتومة: الطقوس القاسية داخل السجن
ليست الأسيرة الحامل في السجن مجرد رقم يضاف إلى قائمة طويلة من الانتهاكات، بل هي جسد مثقل بآلام مزدوجة؛ آلام القيود وآلام الحمل. تدخل الزنزانة وكأنها تدخل رحمًا مظلمًا معكوسًا، لا يهب الحياة، بل يضغط على أنفاسها ويزرع في خلاياها الخوف. في تلك المساحة الضيقة، حيث الجدران عارية إلا من رطوبة الصمت، تُجبر المرأة على أن تحيا بطقوس لا تشبه إلا العقاب الجماعي.
تصبح وجبات الطعام الباردة، التي لا تحمل من الغذاء إلا اسمه، سكينًا خفيًا ينغرز في جسدها وجنينها معًا. تتقلب ليلًا على فراشٍ رقيق، لا يحتمل وزن التعب ولا احتضان بطن يتسع بحياةٍ جديدة، بينما برودة الجدران تتسلل إلى عظامها كأصابع موتى. وحتى النوم يتحول إلى معركة، إذ تقطع صرخات السجان وقع أحلامها، لتعود إلى يقظة معلّقة بين اليأس والرجاء.
أما في أوقات التفتيش، فإن الجسد الحامل لا يُرى كجسد ضعيف يحتاج للرحمة، بل يُعامل ككيس يُفتش بغلظة، وكأن في أحشائه أسرارًا عسكرية. وتزداد المأساة حين تحين لحظة الولادة: تدخل الأم إلى غرفة باردة، مكبلة اليدين أو الساقين، لتلد بين العيون المتربصة لا بين الأذرع الحانية، وتسمع صراخ مولودها الأول يتردد في فراغٍ معتم، بدل أن يستقبل الحياة في دفء صدرها وحنان عائلتها.
إنها طقوس قهر لا تشبه شيئًا في هذا العالم؛ فكل حركة محسوبة، وكل نفس مراقب، وكل أنين موثق في ذاكرة الألم. السجن هنا لا يكتفي بسلب الحرية، بل يحاول أن يقتحم أعمق أسرار الحياة: الولادة نفسها، ليحولها إلى مشهد مناقض للمعجزة، إذ يولد الطفل محاطًا بالقيود بدل الأغاني، وتغمره رائحة الحديد بدل رائحة الأمومة.
الأبعاد الإنسانية والقانونية
وفقًا للاتفاقيات والمواثيق الدولية، وعلى رأسها اتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، فإن اعتقال الحوامل ومعاملتهن بهذه الصورة يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني. ومع ذلك، تستمر الانتهاكات بشكل منهجي، في تحدٍّ صارخ للقيم الإنسانية والشرعية الدولية. إن حرمان المرأة الحامل من حقها في الرعاية الصحية والولادة الآمنة هو جريمة مزدوجة، تطال الأم والطفل معًا، وتحوّل لحظة الميلاد إلى جرح مفتوح على جسد الأمة بأكملها.
مناشدة للمجتمع الدولي
أمام هذه الانتهاكات المستمرة، تبرز الحاجة الماسّة إلى موقف حازم من المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية والإنسانية. فالمطلوب ليس مجرد بيانات إدانة، بل تحرك فعلي يضمن:
1 - الضغط للإفراج عن الأسيرات الحوامل بشكل فوري.
2 - تأمين الرعاية الصحية اللازمة لهن خلال فترة الاعتقال وما بعدها.
3 - محاسبة الاحتلال على انتهاكاته المتكررة بحق النساء والأطفال.
في زنازين الاحتلال، حيث يغيب النهار وتذوب الساعات في بعضها، هناك عالم آخر مطلي باللون الأزرق المطبق على الأنفاس؛ أزرق الجدران الباردة، أزرق الأبواب الثقيلة، أزرق العتمة التي تبتلع كل بارقة أمل. في هذا العالم، يُختزل الإنسان إلى ظلّ، والمرأة إلى جسد مقيد، والأمومة إلى جريمة تحتاج مراقبة.
إن ما يحدث خلف تلك الأبواب ليس مجرد انتهاك عابر، بل هو تجريف للكرامة الإنسانية من جذورها. أن تولد الحياة في قلب الموت، أن يصرخ مولود جديد في زنزانة لا تعرف إلا صدى القيود، هو وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء.
ولذلك، فإن السكوت لم يعد ممكنًا. على الضمير العالمي أن يلتفت إلى تلك اللحظات التي تُسرق فيها الأمومة وتُغتال الإنسانية. على المؤسسات الحقوقية والإنسانية أن تدرك أن كل دقيقة في ذلك العالم الأزرق هي نزيف آخر في الذاكرة الفلسطينية.
إن ولادة طفل خلف القضبان ليست مجرد حدث عابر، بل هي جرح مفتوح في تاريخ العدالة الإنسانية، جرح يصرخ بأن الحرية ليست مطلبًا، بل حقًّا فطريًا، وأن الأمهات اللواتي يلدن في السجون إنما يلدن شهادات حيّة على أن الحرية قد تُسجن، لكنها لا تُقتل.

ولادة مقيدة ومعاناة بلا نهاية.. قصص أسيرات أنجبن داخل الزنازين
في السجون الإسرائيلية، يولد الأطفال وهم مقيدون، ويعيشون أيامهم الأولى بين الجدران والحديد، تمامًا كما تفعل أمهاتهم. الأسيرة الحامل لا تعرف لحظة أمان واحدة، فكل ولادة تصبح اختبارًا للبقاء، وكل نفس يأخذه الطفل أول درس في المعاناة. لا تهوية، لا شمس، ولا رعاية طبية مناسبة، بل قيود وسلاسل تحاصر الأم أثناء المخاض، وألم الفراق ينتظرها عند بلوغ طفلها عامين. هنا، تتحول لحظة الولادة، التي يفترض أن تكون فرحًا، إلى صراع من أجل الحياة، وكابوس يرافق الأم والطفل معًا منذ أول دقيقة من ميلاده.
أبرز الأسيرات اللواتي أنجبن داخل السجون:
زكية شموط
ولدت في حيفا عام 1945، واعتقلها الاحتلال عام 1971 وهي حامل في شهرها الخامس، وحُكم عليها بالسجن 12 مؤبدًا. أنجبت ابنتها نادية في سجن "نيفي ترتسيا" بمساعدة الأسيرات، وبقيت الطفلة معها عامًا واحدًا قبل أن تُفصل عنها. أُطلق سراح زكية عام 1983 وأُبعدت إلى الجزائر، حيث توفيت عام 2014.
ماجدة جاسر السلايمة
ولدت في القدس، واعتقلها الاحتلال في 24 شباط 1978 وهي حامل في الشهر السادس. أنجبت طفلتها فلسطين داخل السجن، وأُفرج عنها عام 1985 ضمن تبادل أسرى.
أميمة موسى محمد الجبور الأغا
ولدت عام 1956، واعتقلها الاحتلال عام 1993 وهي حامل. أنجبت ابنتها حنين في سجن "تلموند"، وبقيت الطفلة معها سنتين قبل أن يفصلها الاحتلال عنها. أُفرج عنها عام 1997 بعد قضاء ما يقارب 4 سنوات.
ميرفت محمود يوسف طه
ولدت في القدس، واعتقلتها قوات الاحتلال عام 2002، وأنجبت مولودها وائل عام 2003 في مستشفى "آساف هاروفيه"، وهي مقيدة بالسلاسل، وأُفرج عنها بعد انتهاء محكوميتها.
منال إبراهيم عبد الرحمن غانم
ولدت عام 1975، واعتقلتها قوات الاحتلال عام 2003 وهي أم لأربعة أطفال. أنجبت طفلتها نور، وتم فصل الطفلة عن والدتها بعد ثلاث سنوات، لتتمكن من رؤيتها فقط عبر زجاج وشبك زمني أثناء الزيارات. أُفرج عنها عام 2007 بعد قضاء فترة حكمها.
عائشة الكرد
أنجبت ابنها ياسر عام 1988 في مستشفى "صرفند" العسكري الإسرائيلي مقيدة بالسلاسل، وأُفرج عنها بشرط الإقامة الجبرية لمدة خمس سنوات. استشهد ابنها لاحقًا في 2014 بقصف إسرائيلي على قطاع غزة.
سمر إبراهيم صبيح
ولدت عام 1983 في مخيم جباليا، واعتقلتها قوات الاحتلال عام 2005 وهي حامل. أنجبت مولودها براء في عملية قيصرية عام 2006، مقيدة بالسلاسل قبل وبعد العملية، وأُفرج عنها عام 2007 مع طفلها.
فاطمة يونس حسان الزق
ولدت عام 1969، واعتقلتها قوات الاحتلال عام 2007 وهي حامل. أنجبت طفلها يوسف عام 2008، وأُفرج عنها مع ابنها عام 2009.
سميحة حمدان
اعتقلت عام 1981 وهي حامل في الشهر السابع، أنجبت طفلتها ثائرة في مستشفى الرملة، وبقيت الطفلة معها سنتين قبل أن تُبعد إلى الأردن، وأُفرج عن سميحة عام 1985.
حسن عبادي.. محامي فلسطيني
المحامي حسن عبادي: الأسيرات تحت وطأة قيود أشد قسوة
قال المحامي حسن عبادي من حيفا، إن وضع الأسيرات الفلسطينيات في سجون "إسرائيل" يزداد ترديًا وسوءا من جميع الجوانب.
وأشار خلال حديثه لبرنامج "شد حيلك يا وطن" عبر شبكة وطن الإعلامية إلى أن 49 أسيرة يقبعن في سجن الدامون، ما يتسبب في اكتظاظ كبير داخل الغرف والزنازين، إذ تعيش 8 أسيرات داخل كل غرفة، 4 منهن يضطررن للنوم على الأرض، فضلًا عن الوضع المتردي للغرف، حيث الرطوبة والعفن.
وتابع أن الأسيرات يمضين 23 ساعة ونصف يوميًا في خنقة الزنزانة بلا هواء، والنصف ساعة الباقية يخرجن للفورة والاستحمام، مضيفًا أن الأسيرات يعانين من غذاء شحيح وحساسية كبيرة.
وذكر أن من بين الأسيرات في سجن الدامون أسيرتين قاصرتين لم تتجاوز أعمارهن الـ17 عامًا، لافتًا إلى أن الأسيرة تهاني أبو سمحان وضعت جنينها داخل السجن حديثًا، بينما تتعرض الأسيرات المريضات بالسرطان لإهمال طبي متعمد.
وتابع أن الأسيرات يعانين من فقدان كامل للخصوصية، حيث يتم مراقبتهن عبر الكاميرات لمدة 24 ساعة، حتى في غرفة الفحص للمريضات، بالإضافة إلى أنهن يرتدين نفس الملابس منذ 7 أشهر، حيث يغسلن ملابسهن الداخلية ويرتدينها مباشرة، ما تسبب في تفشي الأمراض، فضلًا عن أن هذه الملابس اهترأت وتمت حياكتها أكثر من مرة.
ولفت إلى أن الاحتلال لا يضع سوى صابونة واحدة لكل الغرف، ولا يوفر الفوط الصحية، ما يجعل الأوضاع أكثر صعوبة.
ولادة الأطفال داخل السجن
وحول أوضاع الأسيرات الحوامل، قال عبادي إنه تم إطلاق حملة عالمية في الاتحاد الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين، ساهمت في الإفراج عن أسيرتين قبل أن تنجبا بأيام بسيطة، إلا أن الإفراج لم يحالف الحظ الأسيرة تهاني، التي اضطرت إلى الولادة داخل السجن بلا غذاء ولا علاج صحي، فخرج الطفل يحيى إلى الحياة أسيرًا، لافتًا إلى أن ولادة الأسيرة تهاني داخل الأسر سبب ألمًا ووجعًا كبيرًا لكافة الأسيرات اللواتي تناسين معاناتهن مقارنة بما عانته الأسيرة تهاني.
وتطرق إلى أن الأسيرات انتزعن حق الاتصال بأهلهن خلال أسبوعين قبل 7 أكتوبر، لكن بعد عدوان الاحتلال على قطاع غزة، منعت الزيارات العائلية، وباتت وسيلة التواصل الوحيدة مع العالم الخارجي هي المحامون.
وقال عبادي: "إنّا كمحامين ننقل رسائل الأسيرات من وإلى ذويهن، وهي رسائل كلها وجع وألم وأمل وتحدٍ، وإن لكل أسيرة حكاية".
وأفاد أن الاحتلال لا يزال يمنع زيارة أسيرات غزة، وضيق من زيارات أسيرات الضفة بعد 7 أكتوبر.

ثلاثة عقود من الأسر تزيد معاناة الأسير المقدسي أكرم القواسمي
تقرير: إعلام الأسرى
الأسير المقدسي أكرم إبراهيم القواسمي (51 عاما) يقبع منذ ما يزيد على 29 عاما في سجون الاحتلال، محكوما بالمؤبد مرتين، وقد أمضى تنقلات طويلة بين السجون، تعرض خلالها للعزل الانفرادي والقمع المتكرر حتى بات اسمه مرادفا للثبات والإرادة.
منذ نهاية ديسمبر الماضي انقطعت أخباره عن عائلته، إذ يتعمد الاحتلال تغييب أخباره من خلال رفضه المستمر لزيارة محاميه أو السماح بالتواصل معه. ويؤكد شقيقه طارق أن الاحتلال يمارس بحقه سياسة ممنهجة، فيما آخر ما عرفوه عنه أنه فقد نحو 40 كيلوغراما من وزنه وسط قلق كبير على وضعه الصحي خاصة مع معاناته من مرض الضغط وحاجته إلى دواء يومي.
تعيش عائلته معاناة مضاعفة في غيابه، إذ تحرم عائلته من وجوده بينهم منذ ما يقارب ثلاثة عقود، وينتظرون أي خبر يطمئنهم عليه. ويقول طارق القواسمي إن أسيرا محررا تمكن في يناير الماضي من نقل رسالة بأن أكرم يبعث سلامه ويطالبهم بالاستمرار في محاولة إرسال محامين لرؤيته ما يعكس إصراره على إبقاء خيط التواصل مع عائلته قائما رغم تغييب أخباره منذ أشهر طويلة.
الأسير القواسمي يعد من أبرز الأسماء التي ارتبطت بعمليات "الثأر المقدس" عقب اغتيال المهندس يحيى عياش، حيث اتهمه الاحتلال بالمشاركة في تسهيل عمليات كبيرة ضد جنوده ومستوطنيه إلى جانب رفاقه حسن سلامة وأيمن الرازم. ومنذ اعتقاله عام 1996، لم يتوقف عن النضال داخل السجون، فواصل مسيرته التعليمية حتى حصل على شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وأصدر عام 2022 روايته الاعتقالية "فضاءات الثقوب". مكتب إعلام الأسرى يؤكد أن ظروف اعتقال القواسمي تعكس سياسة الإذلال التي تمارسها إدارة السجون بحق قادة الحركة الأسيرة، من منع الزيارة والعزل والحرمان من الرعاية الطبية، إضافة إلى تغييب أخباره منذ فترة، ما يفاقم معاناة عائلته ويثير المخاوف على وضعه الصحي. ويدعو المكتب المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى التدخل العاجل لضمان كشف مصيره وتأمين حقه في الزيارة والعلاج.
بين سجون الاحتلال والوعي المقاوم
تترك الأسماء الثقيلة إنجازاتها لتروي عنها القصص، وتبقى الأرقام شاهدة على الصمود، كما هو حال الأسير أكرم إبراهيم القواسمي (51 عاماً) من مدينة القدس المحتلة، الذي يقضي العام الثلاثين على التوالي في سجون الاحتلال، متنقلاً بين السجون التي أنهكت سنوات حياته، يواجهها بعزيمة وإصرار، ويمثل حالة رعب لإدارة السجون حتى وهو خلف القضبان.
القواسمي يشغل مكانة خاصة في الحركة الأسيرة، إذ تم منع إدراج اسمه ضمن أي صفقات للأسرى، ما جعله واحداً من أبرز الأسماء التي تغيب أخبارها عن ذويها، ويصعب على أسرته معرفة أي جديد عن أوضاعه.
صوت مشحون بالغياب
تحدث مكتب إعلام الأسرى إلى طارق القواسمي، شقيق أكرم، للوقوف على آخر أخباره، ضمن سلسلة تقارير تبرز قضية عمداء الحركة الأسيرة وأصحاب المؤبدات، الذين يقبعون في ظل سياسة العزل الانفرادي المستمرة على خلفية الحرب على غزة، وسلسلة الاعتداءات المتعمدة من إدارة السجون.
يؤكد شقيقه أن الاحتلال يتعمد منع الزيارة منذ بداية هذا العام، قائلاً:
"بذلت المستحيل لإرسال محامين لزيارته، لكن كل المحامين تم رفضهم، هناك تعنت واضح بسبب تأثيره الكبير على المجتمع الأسير. أخبارنا عنه قليلة جداً."
منذ ديسمبر الماضي، انقطعت أخبار القواسمي تماماً عن ذويه، وكانت آخر زيارة لمحامٍ له. ويخشى شقيقه أن يكون محتجزاً في العزل الانفرادي، خصوصاً بعد فقدانه ما يقارب 40 كيلوغراماً من وزنه.
الصمود والتحدي.. الإنسان قبل الأسير
الأسير القواسمي يتناول أدوية يومية لمرض الضغط، فيما لا تعرف عائلته حالته الصحية بالتفصيل، سوى انخفاض وزنه، وما شاهده شقيقه في الصور المتداولة للأسير القيادي مروان البرغوثي جعله يتخيل التغير الكبير في هيئة أخيه.
طارق القواسمي، الذي تعرض بدوره للاعتقال عام 2015 لمدة أربع سنوات، يواصل محاربة صمت إدارة السجون لمعرفة مصير شقيقه، مؤكدًا أن أكرم يقف دائماً في وجه الاحتلال ويواجه التنكيل المستمر، ما يجعل صموده مثالاً للقيادة الأسيرة ورفع معنويات المعتقلين الآخرين.
النضال المبكر والعمليات الميدانية
يُعد أكرم القواسمي أحد أبرز الأسماء التي نشطت ضمن عمليات الثأر المقدس بعد اغتيال المهندس يحيى عياش، حيث تعاون مع الأسير حسن سلامة والمحرر أيمن الرازم، بتوجيهات الشهيد محمد الضيف، في تنفيذ عمليات موجعة للاحتلال.
تضمنت لائحة الاتهام التي قدمها الاحتلال ضده تسهيل مرور القيادي حسن سلامة من غزة للخليل، وتنفيذ عدد كبير من العمليات التي أسفرت عن قتلى في صفوف الاحتلال، ما جعله أحد رموز المقاومة الأسيرة.
رغم الاعتقال الطويل، لم يتوقف القواسمي عن التعلم والتعليم، فاستكمل دراسته الثانوية في سجن الاحتلال، وحصل على شهادتي بكالوريوس في التاريخ والاجتماعيات، إضافة إلى ماجستير في الدراسات الإسرائيلية ودكتوراه في الدراسات المقدسية. كما التحق بعدد من الدورات التطويرية في إدارة الأعمال، وحقوق الإنسان، والصحافة والإعلام، وعلوم التجويد.
في 2022، أصدر روايته "فضاءات الثقوب"، لتوثيق تجربته الطويلة في سجون الاحتلال، مؤكداً أن العلم والمعرفة هما جزء من استمرار المقاومة والوعي الأسير.
الحرمان الشخصي والعقوبات المستمرة
توفي والد القواسمي عام 2002 أثناء اعتقاله، وحُرم من توديعه، لكنه لم يتوقف عن مسيرة التعليم ودعم الحركة الأسيرة. ورغم حكمه بالمؤبد مرتين، واعتداءات إدارة السجون المستمرة، لا يزال أكرم القواسمي رمزاً للصمود والتحدي.
عائلته تناشد اليوم الكشف عن مصيره، في ظل استمرار سياسة الاحتلال الرامية إلى إسكات الأصوات الأسيرة، والتنكيل بالقيادات التي تشكل خطراً على هيمنة إدارة السجون.

الأسير إسلام حامد.. إرادة لا تعزل ونضال يقابل بالقمع
تقرير/ إعلام الأسرى
خطاب، محمد الفاتح، خديجة، أسماءٌ بأعمارٍ غضة لم يتح لعائلتهم أن تجتمع وإياهم في بيت واحد على سفرة واحدة، لم ترهقهم ذكريات المحبة والحضن الدافئ، ففي الوقت الذي كافحت والدتهم حتى تبني لهم بيتاً رغم غياب أبيهم، واجه والدهم حكماً جائراً وعزلاً وضرباً مبرحاً فقط في أعقاب الإجراءات الانتقامية المترتبة بحق الأسرى الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر.
في إطار دوره التوثيقي والإنساني، يطلق مكتب إعلام الأسرى سلسلة تقارير خاصة تسلط الضوء على معاناة الأسرى المعزولين وذوي الأحكام العالية، يستعرض فيها قصصهم الفردية، وتجارب العزل القاسي، والتنقلات التعسفية، والإهمال الطبي الممنهج الذي يتعرضون له في محاولة لكشف جانب من حجم الانتهاكات داخل سجون الاحتلال، والأسير إسلام حسن حامد (40 عاماً) سكان سلواد، قضاء مدينة رام الله أحد هؤلاء الأسرى.
مكتب إعلام الأسرى تحدث إلى شقيق الأسير إسلام حامد للوقوف على آخر المعلومات المتوفرة بحقه في ظل الهجمة الشرسة الممارسة بشكل عام بحق كافة الأسرى في أعقاب حرب ما بعد السابع من أكتوبر، حيث أكد شقيقه بأنه يخضع للعزل في سجن جانوت، ولا معلومات كافية عنه منذ فترة طويلة، وتنتزع العائلة حقها من المعلومات عبر الأسرى المحررين وعبر محامين آخرين تمكنوا من زيارة أسرى يملكون معلومات حول إسلام.
يقول شقيقه" المحامي الذي زار الأسير مروان البرغوثي قال لنا بأن إسلام في عزل جانوت، آخر ما نعرفه عن أخي بأنه كان في أوائل أشهر الحرب قد تعرض لضرب مبرح بعصي "الطواري" رداً على ما حصل في حرب السابع من أكتوبر، حتى أنه أشيع في وقت ما أنه تعرض لكسر في يده ولم تستطع العائلة التحقق من هذه المعلومة، كما لا تعرف تفاصيل خاصة حول وضعه الصحي ولكن تخوفاتها كبيرة إزاء ما يخرج من أخبار في سجون الاحتلال".
يقول شقيق إسلام حامد "أخي صاحب بنية قوية، إنسان رياضي يمارس الرياضة بانتظام، لكنني لا أستطيع تخيل ما حدث له في هذه الأشهر التي انقطعت فيها أخباره، وفي ظل ما نعرف وما أخبرنا به أسرى محررون قبل أن يتم عزله، فقد كان أخي يتعرض لضرب وقمع واعتداءات، ولا نعرف حجم ما خلفته هذه الاعتداءات في جسده حتى اليوم، لكننا نأمل ونؤمن أنه بصحة وعزيمة جيدة".
في الأشهر الأولى للحرب كان الأسير إسلام حامد في سجن النقب ثم جرى نقله إلى نفحة قبل أن يتم دمجه مع سجن ريمون ليصبح سجن جانوت، واليوم إسلام أحد الأسرى المعزولين في جانوت، تغيب معلوماته عن عائلته بشكل متعمد، وبتاريخ 20/1/2024، علم في أثناء اعتقاله بوفاة والده وتلقى الخبر صابراً محتسباً واعداً نفسه ألا يبكي ولا يضعف، ولم تتح له فرصة وداعه وممارسة رفاهية الحزن عليه.
الأسير إسلام حامد منذ تاريخ 25/11/2024، جرى عزله بجانوت بذريعة تحريض الأسرى في السجون، وتحت هذا الشعار يمارس الاحتلال سياسة تجويع وتنكيل بحق الأسير حامد لا يعرف عنها أحد شيئاً ولا تعرف عائلته عنها الشيء الكثير أيضاً، لكن شقيقه وبحجم الأمل والإيمان لديه يقول" في كل محنة هناك منحة ربما جاء عزل أخي لإراحته قليلاً من عذاب الأمراض المنتشرة بين الأسرى قد يخفف العزل من التقاطه لهذه الأمراض".
بهذا الأمل النادر تواجه عائلة الأسير إسلام حامد أيامها، خطاب ابنه البكر صاحب الـ12 عاماً لا يعرف والده، فحين جرى اعتقاله عام 2015 كان بعمر السنتين ولا يعرف من والده الشيء الكثير، ورفقة شقيقيه التوأمين محمد الفاتح وخديجة(4سنوات) ينتظر حرية والده، وينتظر رفقة والدته المكافحة أن يصبح طيف أبيه حقيقة ترافقه في سن مراهقته وشبابه ويحمل من طباعها وخصالها الشيء الذي يفتقد.
الأسير إسلام حامد أحد أوجه المقاومة الحرة حتى وهو خلف قضبان الاعتقال، فعام 2021، رزق بتوأميه عبر النطف المهربة، واستطاع أن يخطو بعائلته خطوة نحو الحرية حتى وهو معتقل، ولكنه بعد أشهر من فرحة عائلته بطفليه الجديدين صدر بحقه حكم نهائي بعد 7 سنوات توقيف ومحاكم ومدته كانت 21 عاماً بتهمة إطلاق نار على المستوطنين.
الأسير حامد خاض جملة من الاعتقالات قبل اعتقاله الحالي فقد بدأ عمره النضالي غضاً بعمر السابعة عشر اعتقل حينها لـ5 سنوات وأفرج عنه وأعيد اعتقاله عام 2008 لمدة عامين إداريين، كما وتعرض لأشهر طويلة لمطاردة الاحتلال له قبل أن يتم اعتقاله، واليوم تدرك عائلته كره الاحتلال له وكره إدارة السجون لشخصه.
الأسير إسلام حامد هو ابن شقيق الأسير القيادي إبراهيم حامد يواجه كلاهما ذات التصعيد الممنهج لقاء نضالهما وحقهما المشروع في الوقوف خلف حرية بلادهما وحقوق أبناء الشعب الفلسطيني، وفي حين يتواجد إبراهيم في سجن شطة بحكمٍ مؤبد وأخبارٍ شحيحة، يتواجد إسلام حامد في عزل جانوت بجسدٍ لا تعرف عائلته حجم ما فعلته الأشهر المغيبة به.

السجون الإسرائيلية.. مأساة متصاعدة في الجلمة والنقب والدامون
تقرير / إعلام الأسرى
تشهد السجون الإسرائيلية في الجلمة والنقب والدامون تصاعدًا مروعًا في الانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين، حيث تتفق شهاداتهم على سياسة ممنهجة للتجويع، الإهمال الطبي، الحرمان من أشعة الشمس، ونقص المستلزمات الأساسية، إلى جانب الإذلال النفسي المستمر. زيارة المحامين الأخيرة لهذه السجون كشفت جانبًا من هذه المعاناة، مؤكدة أن السجون لم تعد مجرد أماكن اعتقال، بل أصبحت أدوات عقاب جماعي وتحطيم معنويات الأسرى.
الجلمة: تحطيم نفسي وإذلال متواصل
في مركز تحقيق الجلمة، أفاد أحد الأسرى أن وزنه تراجع من 71 كغم إلى 57 كغم نتيجة قلة الطعام ورداءته، حيث غالبًا ما يقدم لهم طعام فاسد وخالٍ من السكريات. وأوضح أن لديه لباسًا واحدًا فقط، ومحروم من أدوات النظافة والحلاقة، ما اضطره للجوء إلى قص أظافره بيديه. كما يشير إلى الحرمان الكامل من الفورة ورؤية الشمس، فضلاً عن الإهانات والشتائم اليومية، والتعرض لضغط نفسي شديد خلال التحقيقات، مع منع لقاء المحامي.
النقب: خيام مكتظة وظروف مأساوية
الأسير (ع.س) روى معاناته في قسم الخيام بسجن النقب، حيث تضم كل خيمة نحو 28 أسيرًا في ظروف مكتظة. وزنه تراجع من 86 كغم إلى 70 كغم بسبب قلة الطعام. كما يملك غيارًا واحدًا فقط، وتقتصر الحلاقة على مرة كل شهرين. وتسمح الإدارة للأسرى بفورة ساعة واحدة يوميًا، وسط تعامل قاسٍ وحرمان من المصاحف داخل الخيم، ما يدفعهم إلى ممارسة الصلاة والأذكار سرا.
الدامون: قمع وإهمال طبي متعمد
شهادات الأسيرات في سجن الدامون أكدت تصاعد الانتهاكات، مع إهمال طبي متعمد وغياب الرعاية الصحية. خلال الشهر الجاري، نُفذت أربع عمليات قمع، كان آخرها استهداف غرفة (5). وفرضت عقوبات على الأسيرات حرمن خلالها من الفورة، واقتصرت حركتهن على 10 دقائق يوميًا للحمام، بينما تعرضت بعضهن لإجبار على الخروج دون حجاب. كما تم توزيع الأسيرات على غرف مختلفة كعقوبة، ما يضاعف من معاناتهن.
انتهاك صارخ للقانون الدولي
سياسات الاحتلال تمثل خرقًا واضحًا لاتفاقيات جنيف الرابعة، التي تلزم القوى المحتلة بتوفير الغذاء الصحي والرعاية الطبية والظروف الإنسانية للمعتقلين. كما تتعارض مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يحظر المعاملة القاسية والمهينة.
مكتب إعلام الأسرى أكد أن هذه الانتهاكات تصاعدت بعد السابع من أكتوبر، وأن الاحتلال يستخدم السجون كأداة انتقامية لكسر إرادة الأسرى وصمودهم، داعيًا المؤسسات الحقوقية الدولية إلى التدخل العاجل ومحاسبة الاحتلال على انتهاكاته.
حالة الأسير محمد عاطف أبو عليا: إصابة وحرمان من العلاج
من قرية المغير في رام الله، تعكس تجربة أسرة الأسير محمد عاطف أبو عليا حجم المعاناة الإنسانية. محمد، المعتقل منذ 26 أكتوبر 2023، يعاني من إصابة في قدمه تعيقه عن الحركة، ولا يتلقى سوى حبة مسكن، وفق ما أكدت محاميته لعائلته. ويستمر احتجازه الإداري المتجدد منذ 22 شهرًا، رغم حصوله على أوامر بالإفراج سابقًا، في حين تتعرض أسرته بشكل دوري لاقتحامات منزلية وتوقيفات مؤقتة من قبل الاحتلال، بما في ذلك والده المحرر مؤخرًا.
الأسرة تؤكد أن الاحتلال يتعمد نقل الأبناء بعيدًا عن آبائهم المحررين لمنع اللقاءات الأسرية، ما يعكس استمرارية سياسة العقاب الجماعي النفسي، التي لا تقتصر على الأسرى وحدهم بل تمتد لتطال ذويهم.
حين يطاردك الموت حتى بعد موتك
بقلم: عيسى قراقع
في الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون الموت نهاية الألم، وراحة الجسد، وبداية الخلود، تقلب "إسرائيل" هذا المنطق الإنساني رأسًا على عقب، وتمارس فعلًا لا يشبه إلا الأساطير الظالمة والعهود البهيمية: احتجاز جثامين الشهداء، ودفنهم فيما يُسمى "مقابر الأرقام"، أو إبقاؤهم في برادات الثلاجات القاتلة للكرامة، كأنها تمارس عقوبة أبديّة على من فارق الحياة، أو كأنها تقول: "لن تنجو من الملاحقة، حتى لو متّ"، في هذه الفلسفة الإجرامية، لا تنتهي الجريمة بقتل الجسد، بل تبدأ فعليًا. هنا، لا تتعامل "إسرائيل" مع الشهداء كأموات، بل كـ"رموز متمردة" لا تزال تُهدد، حتى وهي هامدة، فالشهيد في الوعي الفلسطيني ليس جسدًا فقط، بل قصة، ذاكرة، وأرض تتنفس من دمه، ولهذا، يصبح الجسد ذاته ساحة معركة رمزية. الاحتلال "الإسرائيلي" يحتجز 726 شهيدًا في الثلاجات ومقبرة الأرقام، من بينهم 67 طفلًا و85 من شهداء الحركة الأسيرة و10 نساء، ولا يزال أكثر من 1500 شهيدًا من قطع غزة تحتجزهم سلطات الاحتلال، منذ بدء حرب الإبادة في 7 أكتوبر 2023، حسب تقرير أصدرته الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء في شهر آب 2025.
لماذا تحتجز سلطات الاحتلال جثثًا لأطفال، فتيات، أسرى، وشباب؟ لماذا تحرم عائلة من لحظة وداع، من نظرة أخيرة، من شاهد قبر؟ في الأعراف الإنسانية، بعد الموت تنتهي الصراعات، ويتساوى الجميع في حفرة هادئة من تراب، لكن في فلسفة الاحتلال، الجثة نفسها تُعاقَب، لأن وجودها يُدين، يُذكّر، يُحرّض، وذكراهم تخلق فعل مقاومة بعدهم لدى الأجيال. الجثامين المحتجزة تُستخدم كأوراق مساومة في المفاوضات، تُخزّن في الثلاجات لأعوام، أو تُدفن بأرقام لا أسماء، بلا كفن، بلا دعاء، أو وسيلة للانتقام، ومع كل ذلك، تُرتكب جريمة مزدوجة: انتهاك حرمة الموتى، وخنق ذاكرة الأحياء.
لكن ما يجعل هذه السياسة أكثر ظلمة، هو الدافع الجنائي خلفها، فـ"إسرائيل" لا تحتجز الجثامين فقط نكاية أو انتقامًا، بل لإخفاء الأدلة على جرائمها: الإعدامات الميدانية التي تُنفّذ بدم بارد، القتل خارج نطاق القضاء، برصاص مباشر على رأس متظاهر أو شاب أعزل، موت الأسرى في السجون نتيجة الإهمال الطبي أو التعذيب، الجثة هنا شاهدة. وكل دفن علني لها قد يكشف الكدمات، آثار التعذيب، الطلقات في الرأس أو القلب، لذلك يُخطف الجسد، ويُخفى، وتُسرق العدالة قبل أن تبدأ.
في "مقابر الأرقام"، يُدفن الفلسطيني كأنه لا أحد، قبر بلا اسم، بلا تاريخ، بلا شاهد، لا يُزار، ولا يُرثى، تُحوَّل الجثة من إنسان إلى رقم ملف، وهذا التجريد هو أداة استعمارية خالصة: طمس الهوية، وقتل الرواية. وتحلل الجثة زمنيًا، وطمر الذكرى والنسيان، الشهيد المرقّم لا يُبكيه أحد، لا يُذكر، لا يُشهر اسمه في النشرات، لكن الحقيقة؟ كل رقم منهم، هو حكاية مخفية، جريمة مدفونة، ونار تحت الرماد.
ما جرى في غزة في حرب الإبادة المستمرة ليس بعيدًا عن ذات المنهج، فمع القصف المستمر، والمجزرة المستمرة، لم يعد ممكنًا دفن الشهداء، في غزة لا يوجد ثلاجة أو مقبرة أرقام، في غزة تمحى الأجساد والأرواح على الهواء، آلاف دُفنوا في مقابر جماعية:
جثامين طُمست تحت الركام.
أطفال تُركت أجسادهم في الطرقات.
جثث تركت لنهش الكلاب.
جثث مزقت وجمعت في أكياس.
جثث هرست تحت جنازير الدبابات.
جثث تلاشت وتحولت إلى غبار.
جثث سرقت أعضاؤها، واستخدمت للتجارة أو العلاج.
وأحيانًا، لم يبق أحد ليدفن أحد.
حتى الموت لم يعُد له طقوس، غزة في لحظات، تحوّلت من مدينة إلى مقبرة، وبدل جنازات، كانت هناك جرافات، تدفن المئات معًا، بلا أسماء، بلا كفن، بلا وداع، وحين يكتب المؤرخون هولوكوست غزة، يكتشفون أن العالم كله صار جثة، ولن يجدوا من يكتبون إليه.
شاهد العالم عشرات الجثث لأسرى قتلوا في معسكر سدي تيمان الدموي، تنقل في شاحنات وتخفى تحت الرمال، حين لا يكون هناك قبر، ولا جثمان، ولا حتى اسم مؤكد، فلا وداع، لا قهوة مرة، لا عزاء ولا صلاة، لا ترانيم كنائسية ولا آيات قرآنية، اغتيال الرحمة وعدالة السماء، ما هذه الدولة المرتعبة، التي تطارد الشهيد حتى في المنهاج التربوي؟ وتخشى أن يكون اسمًا لشارع أو مدرسة، أو هتافًا في نشيدة.
في الميثولوجيا القديمة، الروح التي لا تُدفن لا ترتاح، تبقى هائمة، تصرخ، تلاحق قاتلها، وفي فلسفة المقاومة، الأرواح تتحوّل إلى قنابل صامتة، إلى طاقة ثأر لا تموت، تحت التراب الفلسطيني، لا يرقد شهداء، هناك جمر، هناك نار مكتومة، وهناك أرواح تنتظر لحظة العودة إلى الحياة.
أرواح الشهداء، التي حُرمت من المقابر، لا تسكت، تسكن الهواء، ترعب العدو، تُحاصر الجندي في نومه، هي الثورة التي لا يراها أحد، لأنها بدأت من تحت الأرض، من تحت الركام، من تحت أرقام المقابر، من زنازين الموتى في ثلاجات الاحتلال، وحين يعجز العالم عن وقف الجريمة، تبدأ ثورة الأرواح.
الجندي الذي يطلق النار على رأس طفل، والذي يدفن جسد امرأة تحت الأنقاض، والذي يشارك في إعدام شاب أعزل، لا يخرج من المعركة كما دخل، ليس لأنه خسر معركة، بل لأن روح القتيل تسكن ذاكرته، كثير من الجنود "الإسرائيليين" – خاصة ممن خدموا في غزة – يعودون بذاكرة مُدمّرة: كوابيس ليلية لا تنتهي، شعور دائم بالملاحقة، نوبات قلق، انهيارات نفسية، اكتئاب، وحالات انتحار تزداد في صفوف من شاركوا في الحرب، الحرب ليست فقط عن من ماتوا، بل على من ظلوا أحياء، وحملوا موتهم معهم إلى الأبد، وفي فلسطين كل الطرق تؤدي إلى مقابر، وفي فلسطين كل البيوت تعيش حالة حداد، وفي فلسطين المقابر تحت المستوطنات: التاريخ وعظام الأجداد. الشهيد الذي لم يُدفن، لا يختفي، بل يعود، لا بسلاح، بل بصورة، بصوت، بكابوس، برواية، هو لعنة معلّقة، لا يرفعها شيء، ولا تمحوها سياسة الإخفاء.
احتجاز الجثامين ليس مجرد سياسة، هو اختصار دقيق لكل ما تفعله "إسرائيل" منذ النكبة: قتل الإنسان، ثم قتل اسمه، ثم دفن ذاكرته، لكن في فلسطين، الذاكرة لا تُدفن، حتى الجثث التي لم تُدفن، تحوّلت إلى قصائد، إلى صور، إلى أسماء معلّقة على الجدران، إلى مآذن تصرخ، إلى أولاد يحملون وجوه آبائهم، الشهداء يقودون المظاهرات، ويحررون الأحياء من صمتهم وموتهم السياسي.
الحرية للأحياء والشهداء، هذا ما دعا إليه الأسير الشهيد المفكر وليد دقة، في مسرحيته: الشهداء يعودون إلى رام الله، ليقود وليد وسائر الشهداء انتفاضة شعارها: حرروا الأسرى الشهداء، حرروا الشهداء الأسرى، رافضًا أن يتحول الشهداء إلى مجرد أيقونات أثرية منقرضة في المتاحف، وما زال وليد يدق على باب الثلاجة، وتصرخ جثته المحتجزة في شوارع رام الله.
في زمن الإبادة، تتعرى الحرية، لتظهر هشاشتها: من يمارسها؟ من يدافع عنها؟ وعودة الشهيد هي اختبار أخير: إما أن يستفيق الناس على صدى صوته وذكراه، أو يغرقوا أكثر في مستنقع الخوف والذل، فعودة البطل ليست فقط ملحمية، بل وجودية.
سياسة احتجاز الجثامين لن تُخرس التاريخ، بل تُشعله، لأن القبر ليس نهاية، بل بداية حكاية لا تموت.
قد يحتجز الجسد، لكن الروح تعود عبر:
القصيدة التي تُكتب باسمهم.
الطفل الذي يكبر على صورهم.
الأغنية، اللوحة، المسيرة، الحكاية، وعندما تصبح الحرية ممارسة وقيمة.
هم يعودون، لا بالجسد، بل بالأثر.
الشهيد يعود، لأن الحرية لا تموت، وإنما تنتظر من يتجرأ على حملها من جديد، ويبقى السؤال المطروح على الجميع: إذا عاد من مات لأجل الحرية، فهل أنتم أحياء بما يكفي لتعيشوها؟

بين رفات عز الدين القسام وزنزانة مروان البرغوثي.. الجري المحموم وراء سراب الردع
بقلم: ماهر داود
تولى عضو الكنيست اليميني المتطرف إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي في حكومة نتنياهو الراهنة منذ 29 كانون الأول/ديسمبر 2022، وقام بتغيير اسم الوزارة، في خطوة رمزية، من وزارة الأمن الداخلي إلى وزارة الأمن القومي، في إشارة إلى نزعة عنصرية تكرس "إسرائيل" بصفتها دولة يهودية قومية يمينية متطرفة. وقد شهدت مناطق الداخل الفلسطيني ارتفاعاً ملحوظاً في عدد القتلى في حوادث جنائية في السنتين الأخيرتين، وذلك في الوقت الذي لا يكف فيه بن غفير عن تأكيد ثنائية الردع وفرض إنفاذ القانون في كل ميدان عملية يصل إليها.
الشعبوية وصعود الخطاب اليميني – الديني – المتطرف، لمحة تاريخية
يوصف القرن الواحد والعشرين بأنه عصر اليمين الجديد والشعبوية، ويأتي ذلك على خلفية صعود متسارع وغير مسبوق لقوى اليمين المتطرف عالمياً، ومحلياً في المشهد "الإسرائيلي" الصهيوني اليهودي تحديداً، ويتميز صعود اليمين هذا بتزعُّم قوى يمينية متطرفة كانت خارج الإجماع الوطني والحزبي لمراكز وزارية وبرلمانية في "إسرائيل"، كزعيم حزب القوة اليهودية (إيتمار بن غفير)، على سبيل المثال لا الحصر، إذ بقي على قوائم النشطاء المراقَبين من جانب الشاباك "الإسرائيلي" والشرطة "الإسرائيلية". وتجلى صعود اليمين المتطرف في الانتقال من دولة ديمقراطية يهودية مع كل ما في التعريف من تناقض، فلا تكون دولة ديمقراطية وقومية - دينية في آن واحد، مروراً بالانزياح نحو اليمين، وصولاً إلى إقرار قانون القومية سنة 2018، والذي يكرس الدولة اليهودية. وقد امتاز هذا التطرف بتطبيعه "إسرائيلياً" واقترابه من مراكز صنع القرار، ويطمح هذا التحول إلى قيام المستعمرين الجدد باستبدال المستعمرين القدامى؛ لأنهم ليسوا صهيونيين بما يكفي، وبالتالي، فهم يحتاجون إلى إعادة تهويد بسبب التراخي في يهوديتهم وهويتهم، والتراجع في انتمائهم القومي (يلاحظ: هنيدة غانم، 2023). وتتمثل قيم اليمين المتطرف الديني في النزعة السلطوية التي تقوم على فرض الهيمنة على القوى الحكومية بأشكالها المتعددة، بما في ذلك اتخاذ القرارات المهمة يمينياً وتحويلها إلى سياسات تُعمَم على المجتمع. وتستخدم تيارات اليمين الجديد مصطلحات كإنفاذ القانون وإنفاذ الحكم، بالإضافة إلى تمجيد الردع والمحاسبة والقوة العسكرية، وهذه المفاهيم تجد لها تعبيراً بارزاً في خطاب حزب "قوة يهودية" بزعامة بن غفير، الذي يكرس فيه خطاباً يحث على التزود بالسلاح من أجل مواجهة التهديد الفلسطيني على حد وصفه (يلاحظ المصدر السابق).
اقتحام زنزانة مروان البرغوثي.. أهداف ودلالات
ما زال اقتحام وزير الأمن القومي "الإسرائيلي" بن غفير زنزانة الأسير القيادي في حركة "فتح" مروان البرغوثي يثير تساؤلات ومخاوف؛ إذ انتشر مقطع الفيديو الذي يوثق الاقتحام على نطاق واسع، وقد وجَّه بن غفير فيه تهديداً مباشراً إلى الأسير مروان البرغوثي، الذي يُعد من أبرز رموز المقاومة الفلسطينية في العقدين الأخيرين، إذ قال مهدداً ومتوعداً: "لن تنتصر، من يعبث بدولة "إسرائيل"، ومن يقتل أطفالنا ونساءنا سنقضي عليه، ويجب أن تعلم أن هذا حدث عبر التاريخ" (يلاحظ، القدس العربي).
اعتقلت "إسرائيل" القيادي في حركة "فتح" مروان البرغوثي في 15 نيسان/أبريل 2002 وقدّمته إلى المحاكمة، وذلك في أوج انتفاضة الأقصى في ظل حكومة أريئيل شارون. وفي الفيديو المنتشر، قال بن غفير مخاطباً مروان البرغوثي – عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" - في سجنه: "لن تنتصروا علينا، ومن يستهدف شعب "إسرائيل" ومن يقتل أبناءنا ونساءنا سوف نمحوه" ("الجزيرة"). وقد أُدين الوزير "الإسرائيلي" المتطرف بن غفير بقضايا تحريض وعنصرية ودعم منظمة كهانا الإرهابية وترويج لمواد دعائية تشجع على العنف والعنصرية. ويعطي بن غفير أهمية بالغة إلى تصوير المقاطع الدعائية ونشْرها عبر مواقع التواصل، الأمر الذي أصبح ظاهرة وصلت إلى حد إطلاق لقب صار مثاراً للسخرية في المجتمع "الإسرائيلي" عليه؛ "وزير التيكتوك"، في إشارة إلى التوجه المحموم إلى نشْر المقاطع الدعائية بدلاً من ممارسة الحكم وتحمُّل المسؤوليات على أرض الواقع، ومثال ذلك ما نشرته "الجزيرة" على منصة "إكس"، خلال زيارة بن غفير لبلدة طوبا الزنغرية في الداخل في إطار حملة لهدم بيوت فلسطينية بدعوى عدم الترخيص (يلاحظ، "الجزيرة مباشر").
كما اشتهر بن غفير في بداية فترة وزارته بلقب "وزير الخبز"، وبالعبرية "سار هبيتا"، وذلك حين ظهر في مقطع فيديو وُصف بالصبياني وهو يتباهى بتناوُل الخبز أمام الكاميرا، ويشيد بقراره بإغلاق مخابز السجون ومنْع الخبز الطازج من الوصول إلى الأسرى الأمنيين الفلسطينيين. وفي ظل أزمة سياسية وعزلة دولية تشهدها "إسرائيل"، أقدم بن غفير على حركة استفزازية للتظاهر بالقوة، فكانت النتيجة إعادة قضية البرغوثي إلى مركز الاهتمام الصحافي العالمي بهذا القيادي، وببقية الأسرى الفلسطينيين الذين يعانون جرّاء أوضاع صعبة من تجويع وعقوبات وإهمال طبي وعزل إنفرادي. وبحسب صحيفة "يديعوت"، فإن الزيارة الاستفزازية فتحت عيون كبرى وكالات الأنباء العالمية؛ كـ "سكاي نيوز"، و"وول ستريت جورنال"، و"سي أن أن"، و"بي بي سي"، على قضية معاناة الأسرى ("واي نت").
التهديد بنقل رُفات عز الدين القسام
تقع مقبرة القسام في بلدة نيشر المقامة على أنقاض بلدة الشيخ المهجرة قضاء حيفا، وما زالت "إسرائيل" تستهدف هذه المقبرة، فخلال جلسة لجنة الداخلية في الكنيست "الإسرائيلي"، دعا رئيس حزب "قوة يهودية"، إيتمار بن غفير، إلى وضع اليد على ضريح الشيخ عز الدين القسام، مطالباً بلدية نيشر بنقْل موقع القبر من مقبرة القسام، والتحفُّظ على رفاته، واستخدامها لأغراض التفاوض مع حركة "حماس". وتبلغ مساحة المقبرة 44 دونماً، وتعود إلى عهد الانتداب البريطاني مطلع القرن العشرين، وتُعد من أكبر المقابر الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل، والتي تضم رفات المجاهد السوري عز الدين القسام الذي سقط في أثناء مقاومته قوات الانتداب البريطاني، ممهداً بذلك لتفجير ثورة سنة 1936. ويُذكر أن عضو الكنيست "الإسرائيلي" إسحاق كروزر من حزب "قوة يهودية"، ورئيس لجنة الداخلية، طرح مقترَحاً لنقل القبر (يلاحظ، محمد وتد، "الجزيرة").
ويدعو بن غفير إلى نقْل رفات القسام والاحتفاظ بها لأغراض التفاوض، وذلك لأن القبر يشكّل مادة للتحريض ودعم "الإرهاب" على حد تعبيره، ومن طرائف الصدف وحزينها أن بن غفير يسكن في مدينة الخليل ضمن مستوطنة كريات أربع مسقط رأس القاتل غولدشتاين، وفي تلك المستوطنة يقع قبر باروخ غولدشتاين قاتل المصلين في مجزرة الحرم الإبراهيمي الشهيرة التي راح ضحيتها عشرات الفلسطينيين بين شهيد وجريح في أثناء أدائهم صلاة الفجر في شهر رمضان المبارك. وفي المستوطنة نصب تذكاري على القبر بمثابة مزار يزوره محبو غولدشتاين ومريدوه، وعلى رأسهم بن غفير الذي علّق صورة غولدشتاين في صالون بيته تفاخُراً وإعجاباً بما اقترفته يداه. فكيف أصبح قبر القسام مادة للتحريض وقد قُتل قبل قيام "إسرائيل" بأعوام؟ أمّا قبر غولدشتاين، فيُعد مزاراً يأمّه المتشددون من اليمين الصهيوني المتطرف.
إنفاذ القانون.. إنفاذ الحكم
كتب الصحافي في صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية آفي كوهين مقالة صحافية تقييمية بعنوان "إنفاذ القانون عند بن غفير: كلٌ منكم يتدبر أمره بنفسه"، لخص فيها ثمار سنتين من وجود بن غفير في وزارة الأمن القومي؛ إذ لم يكتفِ الوزير بتوزيع السلاح على المواطنين اليهود في "إسرائيل"، بل أيضاً عمل على إقامة ميليشيا مسلحة تحت اسم "الحرس الوطني"، وبذلك يكون قد اعترف بالفشل ونقلَ صلاحيات حفظ الأمن من يد الحكومة إلى يد المواطنين. ويقول كوهين: "يَحْضُرُ بن غفير إلى ميدان بعد كل عملية يشنها فلسطيني، فيلتقط الصور، ويطلق التهديدات، ويقدّم المواعظ إلى المواطنين بضرورة التزود بالسلاح لفرض إنفاذ القانون وتحقيق الردع، متجاهلاً بذلك أحد أهم الواجبات الأساسية الملقاة على كاهل الدولة وهو حفظ الأمن الشخصي لمواطنيها." وبحسب الكاتب، فليست هناك جهة تراقب وتضبط فوضى حمل السلاح، وبالتالي تترك الدولة مواطنيها غير المؤهلين لمواجهة الخطر يلاقون مصيرهم، وتتخلص من مسؤولياتها وتلقي بها على كتف المواطن، وهذا تحديداً ليس إنفاذاً للقانون، إنما هو هروب الدولة من مسؤوليتها الأساسية المنصوص عليها في القانون؛ حفظ أمن المواطن (كوهين، "يسرائيل هيوم").
خلاصة
بين تشديد الإجراءات القمعية على الأسرى الأمنيين الفلسطينيين، والزيارة الاستفزازية لسجن القيادي مروان البرغوثي، ومقترح نقل رفات القسام وإزالة قبره، والجري من كاميرا إلى أُخرى لتسجيل المواقف وبث الدعاية، تتجلى سياسة شعبوية تقوم على التحريض والسعي للكسب السريع للمواقف في ميدان مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل كسب ثقة القاعدة الانتخابية في ظل فشل 7 تشرين الأول/أكتوبر وتراجع الردع "الإسرائيلي" وتدهوُر المشهد الأمني على أرض الواقع. في ثمانينيات القرن الماضي، كان أعضاء الكنيست من اليمين ومن الليكود - الذي يحكم اليوم - يغادرون القاعة عندما يصعد شخص كزعيم حركة "كاخ" سابقاً مائير كهانا إلى المنصة. كان كهانا يعيش على هامش المشهد السياسي "الإسرائيلي" بما فيه اليمين المتطرف من ذلك المشهد، وقامت المحكمة بإخراج حركته خارج القانون وحظرها، واليوم، أصبح أحفاده في مركز المشهد السياسي "الإسرائيلي" وفي صلب عملية صنع القرار، ويشغل أبرز مؤيدوها، بن غفير، منصب وزير الأمن القومي المسؤول عن الشرطة وعن تطبيق القانون وعن مفوضية مصلحة السجون.
وفي العقود الأخيرة، بات المجتمع "الإسرائيلي" يشهد انزياحاً نحو اليمين، مع تركيز كبير على معاداة قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتحريض ضد العرب، وتعزيز رؤية أرض "إسرائيل" لشعب "إسرائيل" في ظل خطاب إقصائي متطرف، وسياسة حثيثة تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، إمَّا بالطرد، وإمَّا بالإبادة، وإمَّا الاعتقال. وفي ظل هذا المناخ، يجري أحد زعماء أكثر الأحزاب تطرفاً وعنصرية جرياً محموماً، بين زنزانة البرغوثي المحكوم بالسجن المؤبد، ومقبرة القسام التي يبلغ عمرها قرابة قرن من الزمن من أجل البحث عن الردع... وعن إنفاذ القانون، للتعبير عن شيء من السيادة.
المراجع
▪ "اليمين الجديد في (إسرائيل) : مشروع الهيمنة الشاملة" تحرير : هنيدة غانم (رام الله : المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار، 2023).
▪ "بن غفير يهدد مروان البرغوثي في زنزانته ومخاوف من إعدامه"، "الجزيرة"، 14/8/2025.
▪ "مروان البرغوثي و23 عاماً من الأسر... ما نعرفه عن 'مانديلا فلسطين‘"، "الشرق الأوسط"، 16/8/2025.
▪ "وزير التيك توك‘. الناشط 'محمد هيب‘يهاجم بن غفير خلال زيارته قرية طوبا الزنغرية في الداخل المحتل بعد قرارات بهدم منازل بدعوى البناء دون ترخيص"، صفحة "الجزيرة مباشر" على منصة "إكس"، 31/7/2025.
▪ محمد وتد، "لماذا تستهدف إسرائيل مقبرة القسام في حيفا؟"، "الجزيرة"، 13/8/2025.
▪ آفي كوهين، "إنفاذ القانون على طريقة بن غفير : كل يتدبر أمره" (بالعبرية)، "يسرائيل هيوم"، 28/10/2024.
▪ "'إهانة علنية ‘أراد بن غفير التظاهر بالقوة فوضع البرغوثي في مركز الاهتمام العالمي" (بالعبرية)، "يديعوت أحرونوت"، 16/8/2025.
* ماهر داود : باحث في الشؤون الإسرائيلية
▪ مؤسسة الدراسات الفلسطينية

الأسيرة انتصار العواودة.. عذابات السجن المضاعفة
تقرير: مؤسسة العهد الدولية
لم تكن سجون الاحتلال يوماً مكاناً يحمل بين جنباته الإنسانية، أو يلائم المكوث الآدمي، ولم تكن قوات الاحتلال سوى نظام قمعي يتفنن في تعذيب البشر، وإدارة السجن كانت ولم تزل أكثر أذرعه وحشية وقذارة، وبعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، تخلى نظام الاعتقال لدى الاحتلال عن ورقة التوت التي كانت تستر عورته أمام أكاذيب المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وظهر وجهه الحقيقي الذي لا يتخيل أحد مقدار قبحه.
اعتقال "الانتصار"
منتصف مارس من العام الجاري، كانت الناشطة السياسية الدكتورة انتصار العواودة على موعد مع الاعتقال، الذي بدأ سعاره بجنون بعد أحداث أكتوبر، وقد حول الجيش كل شيء إلى مادة للاعتقال، الحديث والتغريد، والابتسام، والهتاف، والكتابة، وحتى النوايا والتفكير، كل ذلك في محاولة يائسة لمحو صورة هزيمته المذلّة يوم مقتلة جنوده، وطريقة هوجاء لكسر الانتصار، وفي تلك الموجة، تمت بعد مداهمة منزل الدكتورة انتصار في دورا جنوب الخليل، ووجهت لها مخابرات الاحتلال تهمة "التحريض"، التي لا تفسير لها.
رحلة الاعتقال
أول الأمر نُقلت العواودة الى مركز تحقيق المسكوبية، حيث مكثت هناك ثلاثة أسابيع ثم نقلت الى سجن الشارون، حيث مكثت ثلاث ليالٍ في فترة العيد، وكان المكان مقرفاً جداً، المغسلة تفيض بالماء القذر، الغرفة مليئة بالقمامة، الحمام ملئ أيضاً بالقمامة، المجاري مفتوحة، والأكل كان سيئاً وبارداً، قالت انتصار إنها حاولت لمّ القمامة بالشبشب، وأغلقت فتحات المجاري بعلب الأكل لتخفيف الرائحة، كما عانت من انتشار حشرة "البقّ"، التي سببت قرصاتها المستمرة حساسية شديدة! وتقبع العواودة الآن في سجن الدامون، ولا تزال موقوفة حتى اليوم. ومهما بدت الفقرة السابقة مخيفة، فإن ما تحمله في جوفها من تفاصيل أكثر رعباً، وما تنطوي عليه هذه المعتقلات من عذاب لا يمكن وصفه، لكن انتصار حاولت تقريب الصورة
صور من العذاب
تمنع قوات الاحتلال عن الأسيرات الملابس، وخاصة الملابس المحجبة، وتستخدم الأسيرات لباس الصلاة لستر أنفسهن، وعندما تؤخذ الملابس إلى الغسيل، تبقى الأسيرات بالملابس الداخلية، ولا يسمح لهن باستحضار بديل! تتكرر "القمعات" وتتتالى لدرجة أن الأسيرات يقلن إنه تم تحطيم الرقم القياسي لعدد القمعات والعقوبات، حيث تمنع الفورة (الاستراحة للخروج من الزنازين)، ويخرجن فقط إلى الحمام، وتظل السجانة بالباب تطرق وتصرخ طول الوقت "يلّا اطلعي"! تم تعذيب الأسيرات وتقييدهن، والسبب ارتفاع صوتهن بالليل! في 24.06.25 حدثت ما تسمّيها الأسيرات "القمعة الكبيرة"، حيث اقتحمت قوات اليماز (أمن السجون) مع الكلاب الزنازين، وقامت بتفتيش الأسيرات تفتيشاً عارياً داخل الحمام، كما قيدت الأسيرات وأجلستهن أرضاً على ركبهن خارج الحمام، لحين الانتهاء من تفتيش الجميع! ثم قاموا بهجوم على زنزانتين بغاز الفلفل، وأخذوا 5 بنات إلى المخابرات، حيث تم تهديدهن بالاعتداء الجنسي، وأسمّعوهن كلاماً بذيئاً، ومسبات قذرة. وفي إحدى المرات تقول الأسيرة انتصار العواودة إنهم أخذوا منها الملابس الداخلية في المعتقل، وبقيت بلا ملابس مدة 15 يوماً، فاضطرت أن تلفّ نفسها بالبطانية طوال الوقت لعدم وجود ملابس تسترها! هكذا تمضي الأسيرات أيامهن، يتقاسمن العذاب مع أسيرات غزة في سجنهن الكبير، وظلم الزنازين مع قهر الخيمة، وظلام السجن مع عتمة الحصار، ودموع القيد مع غصّة الجوع..

الأسيرة بشرى قواريق.. العروس التي سُجِنت فرحتها
تقرير: مؤسسة العهد الدولية
في السابع والعشرين من يوليو، أي قبل أيام معدودة، كان الموعد المقرّر لفرحة العمر، كانت الدار ستتزين، والأحباب سيجتمعون، والزغاريد ستعلو، كان اللقاء سيجمع قلبين معاً في رباط السعادة الأبدي، وتبدأ حياة أخرى، جديدة، يملأها الحب، وتغمرها المودة، وتظللها السكينة. كان، لكنه لم يحدث!
"بشرى"
19 ربيعاً هو مجموع سنوات عمر بشرى قواريق، من بلدة عورتا جنوب نابلس، كانت بشرى تعيش أزهى أيامها، وهي تحضرّ لزفافها المرتقب، لم تعرف بعد من الحياة الكثير، فليس في سنوات عمرها الغضة متسع لتجرب كل شيء، لكنها كانت منطلقة، متحمسة، لتحيا الحياة بكل ما فيها من متعة، وقسوة، ودروس، لم تكن تخشى ذلك وقد اطمأنت إلى رفيقها الذي ستقطع الدرب بصحبته... في نابلس، كانت بشرى قد حفظت أبجديات حب الوطن، وفرضية الانتماء إليه، وكانت تقاسي بين أحضانه ظلم الاحتلال، وثقل القيد، وغصة الأرض السليبة، لكنها كانت تعي تماماً أنه لا بقاء لمحتل، ولا خلود لظالم، ولا فناء لثائر.
شهران بين الحلم والكابوس
في إحدى ليالي شهر مايو، انقضت قوات جيش الاحتلال على منزل بشرى، وبطريقة وحشية داهم الجنود المنزل، وراحوا يصرخون ويخربون ويضربون، وطلبوا من بشرى مرافقتهم للاعتقال، وسط صراخ وترويع، وذهول العائلة المفزوعة، لم يسمح الجنود لبشرى بتغبير ملابسها، واقتادوها بملابس النوم، ولم يسمحوا لها بإحضار أية أغراض شخصية، أو احتياجات أساسية، وصادروا مقتنياتها الخاصة، واقتادوها إلى مركز تحقيق "هشارون"، ومنذ ذلك المشهد، لم ينته ليل العائلة، الذي حوّل حلم فرحتهم المرتقبة إلى كابوس.
الكابوس
في مركز التحقيق، خضعت بشرة لتفتيش مهين، ترك فيها آثاراً نفسية عميقة، ولم يكن ثمة شيء منطقي في اعتقال واتهام عروس تعيش أحلامها المستقبلية الوردية، لكن المجرم لا يعرف للإنسانية سبباً، ولا يعيش بلا كذب وتنكيل وافتراء، نقلت بشرى إلى سجن "الدامون"، وتقبع فيه حتى الآن في ظروف غير إنسانية، وقالت في رسالة لها من داخل السجن إنها مع زميلاتها يعشن في عزلة عن العالم، بلا فورة، ولا خصوصية، وإن الطعام سيئ، والاحتياجات الشخصية مفقودة، حتى ملابس الصلاة تتم مصادَرتها، وإنهن يتعرضن للتفتيش ليلاً، وتمعن إدارة السجن في إذلالهن.
صبر، شوق وأمل
وسط معاناتها النفسية والجسدية، وضياع فرحة عمرها، بقيت بشرى بقلبها الطيب، وحملت همّ والديها، وبرقّة فتاة تجاوزت سنّ الطفولة بعام واحد، وجهت رسالة مؤثرة إلى والديها، تطمئن عليهما، وتوصيهما بالاهتمام بنفسيهما، وطلبت من والدتها رضاها، وحثّتها على استكمال جلسات غسيل الكلى، وأوصت والدها بأن يحاول الامتناع عن التدخين لسلامته.
وصلت الرسالة إلى قلبي والديها المعذّبين، وبثّت فيهما حزناً جديداً، لكن الأمل الذي تحلّت به بشرى، حمل لهما الـ"بشرى"، بفرج، وفرح قريب..

الصحافة في قبضة الاحتلال.. علي السمودي أسير الصوت الحر
تقرير: مؤسسة العهد الدولية
تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تصعيدها الممنهج ضد الصحفيين الفلسطينيين من خلال سياسة الاعتقال الإداري والاحتجاز التعسفي، في إطار سعي واضح لإسكات الأصوات الحرة ومنع كشف الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الصحفيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية وصل إلى 55 صحفياً، بينهم 50 اعتقلوا منذ بدء حرب الإبادة المستمرة على غزة، ومن بينهم صحفية واحدة. وفق مؤسسة العهد الدولية، فقد اعتقل الاحتلال منذ السابع من أكتوبر الماضي ما مجموعه 197 صحفياً وصحفية، كان آخرهم الصحفي أسيد عمارنة الذي اعتقل مساء أمس.
تؤكد المؤسسة أن هذه السياسة ليست عشوائية، بل تمثل جزءاً من منهج ممنهج للسيطرة على الإعلام الفلسطيني وفرض الرقابة القسرية على التغطية الصحفية، وسلب الصحفيين حقهم في حرية التعبير، وصولاً إلى استهدافهم المباشر بالقتل أو الاغتيال في مناطق النزاع.
يعد الاعتقال الإداري أداة أساسية في سياسة الاحتلال ضد الصحفيين، حيث يتم احتجازهم لفترات طويلة دون توجيه أي تهم واضحة تحت ذرائع غامضة مثل "الملف السري". هذه الممارسة تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وتخالف جميع المعايير الأساسية للمحاكمة العادلة، فيما يعاني المعتقلون، بمن فيهم الصحفيون، ظروفاً قاسية تهدد حياتهم الصحية والنفسية، خصوصاً لمن لديهم ملفات طبية حرجة.
علي السمودي.. صوت الحقيقة خلف القضبان
يبرز اسم الأسير الصحفي علي حسن السمودي (58 عاماً) من مدينة جنين كنموذج صارخ للاستهداف المزدوج للصحفيين الفلسطينيين، عبر الاعتقال الإداري دون تهمة والإهمال الطبي المتعمد. فقد اعتقل السمودي في 29 أبريل 2025 من منزل ابنه عقب تهديدات متكررة، وصدر بحقه أمر اعتقال إداري لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، دون أي تهمة محددة.
السمودي معروف كأحد أبرز الأصوات التي نقلت تفاصيل الاجتياحات الإسرائيلية في جنين. يعاني الصحفي من إصابة برصاصة في ظهره يوم استشهاد الزميلة شيرين أبو عاقلة عام 2022، إضافة إلى أمراض مزمنة تشمل ارتفاع الضغط والسكري. ورغم حاجته الماسة للعلاج والأدوية والنظارات الطبية، تحرمه إدارة السجون من معظم الاحتياجات الأساسية، مكتفية بتقديم مسكنات بسيطة مثل "الأكامول"، في سياسة تشكل تهديداً مباشراً لحياته.
تعيش عائلة السمودي حالة قلق مستمر على مصيره، في ظل تدهور صحته وتفاقم آلامه. تؤكد العائلة أن الصحفي لم يعد قادراً على تحمل ظروف الاعتقال القاسية، فيما تفتقده مدينة جنين وأبناؤه الثلاثة: مجد، فرح، ومحمد، الذين يعانون من غيابه بعد وفاة والدتهم.
وتطالب العائلة المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية بالتدخل العاجل لضمان الإفراج الفوري عن علي السمودي وتوفير العلاج اللازم له، معتبرة أن استمرار وضعه الحالي يمثل خطرًا حقيقياً على حياته.
استهداف ممنهج.. الاحتلال يكتم الأصوات الحرة
أكدت مؤسسة العهد الدولية أن استهداف الاحتلال للصحفيين، ومن بينهم علي السمودي، يندرج ضمن سياسة ممنهجة لإسكات الإعلام ومنع كشف الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني. وأوضحت المؤسسة أن هذه السياسة أصبحت جزءاً من منهج متكامل لتقييد حرية الإعلام وفرض رقابة قسرية على التغطية الصحفية.
وقالت المؤسسة إن الاعتقال الإداري للصحفيين، ومن بينهم السمودي، يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، إذ يتم احتجازهم لفترات طويلة دون لوائح اتهام واضحة أو محاكمة عادلة، تحت ذرائع "الملف السري". وأضافت المؤسسة أن الهدف الحقيقي لهذه الممارسات هو تكميم الأفواه واستهداف الصحفيين على خلفية عملهم المهني، فيما يمثل الإهمال الطبي المتعمد بحق المعتقلين شكلاً من أشكال العقاب الجماعي والتصفية البطيئة، إذ تُحرم هذه الفئة من العلاج الأساسي والأدوية اللازمة، في خرق واضح لما تنص عليه اتفاقيات جنيف التي تضمن حق الأسرى في الرعاية الصحية.
ودعت المؤسسة المجتمع الدولي والهيئات الحقوقية إلى التدخل العاجل والضغط على الاحتلال للإفراج عن الصحفيين وضمان عملهم بحرية وأمان.
انتهاكات القانون الدولي.. الاعتقال والإهمال كجريمة حرب
من الناحية القانونية، يمثل اعتقال الصحفيين الفلسطينيين، ومن بينهم علي السمودي، انتهاكاً صارخاً لعدة مواثيق دولية. حيث تكفل المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في حرية الرأي والتعبير، بما في ذلك "حرية التماس الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة".
كما تحظر المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف استهداف الصحفيين أثناء أداء واجبهم المهني، بينما يمكن أن يرقى الإهمال الطبي الممنهج بحق الأسرى، ومن بينهم السمودي، إلى جريمة حرب وفق المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة.
وأكدت تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية أن هذه الممارسات تمثل اعتقالاً تعسفياً وعقاباً جماعياً، وتخرق المعايير الأساسية للمحاكمة العادلة. وتشكل قضية الصحفي الأسير علي السمودي تجسيداً لمأساة الصحافة الفلسطينية، حيث يتحول حامل الكلمة الحرة إلى أسير خلف القضبان، يواجه الاعتقال الإداري بلا تهمة والإهمال الطبي كعقوبة مضاعفة، بينما تستمر آلة الاحتلال بمحاولة إخفاء الحقيقة وإسكات الأصوات الحرة.

المتحدث باسم نادي الأسير الفلسطيني، أمجد النجار: "الاعتقالات الجماعية في الضفة وغزة عودة لأبشع أدوات القمع"
حذر المتحدث باسم نادي الأسير الفلسطيني، أمجد النجار، من تصاعد وتيرة الاعتقالات الجماعية التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مختلف مناطق الضفة الغربية، لا سيما في المخيمات والقرى الفلسطينية، والتي أصبحت ساحات مفتوحة لممارسات أمنية قمعية تسترجع أسوأ فترات الاحتلال خلال العقود الماضية.
وقال النجار: "ما نشهده اليوم بعد السابع من أكتوبر هو عودة منهجية لسياسة الاعتقالات الجماعية، ولكن بأساليب أكثر قسوة وابتكارًا. الاحتلال لا يكتفي باعتقال الأفراد، بل يحول المنازل، لا سيما بيوت الشهداء والأسرى، إلى مراكز تحقيق ميداني، يجري فيها استجواب المعتقلين لساعات طويلة، في ظروف قهرية وغير إنسانية."
وأضاف أن هذه السياسة لا تقتصر على التوقيف المؤقت، بل تشمل التحقيق الميداني المتواصل، التهديد، والإذلال أمام العائلة، في ممارسات تهدف إلى كسر إرادة المعتقلين وتفكيك الروابط الأسرية والمجتمعية.
التحقيق الميداني في بيوت الأسرى والشهداء
أوضح النجار أن قوات الاحتلال تقوم بتحويل بيوت الأسرى والشهداء إلى غرف تحقيق مؤقتة، حيث يُستجوب المعتقلون لساعات طويلة بلا رقابة أو ضمانات قانونية. وتابع:
"غالبًا ما تُحجز الأسرة بأكملها في غرفة واحدة تحت التهديد، ويتعرضون للضغط النفسي، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية والإنسانية، بما فيها اتفاقيات جنيف."
وأشار النجار إلى أن هذه الممارسات تُعيد المجتمع الفلسطيني إلى حقبة مظلمة من الانتهاكات الأمنية والسياسية، حيث أصبح كل بيت محتملًا أن يتحول إلى مكان للتعذيب النفسي والمادي، في إطار سياسة ممنهجة للسيطرة على الأرض والناس.
الاعتقالات الجماعية.. عودة إلى مربع الانتهاكات القديمة
أكد النجار أن الاعتقالات الجماعية في المخيمات والقرى الفلسطينية تعيد إلى الأذهان مرحلة انتفاضة 1987 وانتفاضة الأقصى، حيث نفذت قوات الاحتلال مئات حملات الاعتقال الجماعي يوميًا.
وأشار إلى أن المرحلة الحالية تستخدم نفس الأدوات القديمة، ولكن بغطاء قانوني زائف، مع الكم الهائل من المعتقلين الذين يُحتجزون دون تقديم معلومات دقيقة عن أماكن احتجازهم أو وضعهم القانوني، ما يندرج ضمن سياسة الإخفاء القسري المحظورة بموجب القانون الدولي، ويزيد من معاناة الأسر الفلسطينية.
وأضاف النجار أن هذه الاعتقالات تستهدف بشكل خاص الناشطين السياسيين وقيادات العمل الوطني، بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي وبث الرعب في أوساط المجتمع الفلسطيني.
غزة.. الاختفاء القسري تحت بند "المقاتل غير الشرعي"
حول الوضع في قطاع غزة، كشف النجار أن الاحتلال صعّد من اعتقال المواطنين مستندًا إلى ما يُعرف بـ"قانون المقاتل غير الشرعي"، الذي يتيح له احتجاز الأفراد دون توجيه تهم واضحة أو عرضهم على المحاكم.
وأشار إلى أن هذا القانون أصبح أداة لفرض الاختفاء القسري لآلاف الفلسطينيين، دون معرفة مصيرهم أو السماح لمحاميهم أو ذويهم بالوصول إليهم، ما يشكل انتهاكًا صارخًا لكل المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المعتقلين.
وأكد النجار: "نحن أمام سياسة تتوسع على كل المستويات: جغرافيا، وعددًا، وأدوات قمعية. الهدف منها ليس فقط إخضاع الشعب الفلسطيني، بل تفكيك النسيج المجتمعي وبث الرعب والارتباك في كل بيت فلسطيني."
وأوضح النجار أن الاعتقالات الجماعية لها أثر مباشر على الأسر والمجتمع، فهي تترك الآلاف من الأطفال والنساء دون أب أو معيل، وتزيد من الضغوط النفسية والمادية على العائلات. وأضاف:
"الاحتلال لا يكتفي بالاعتقال، بل يسعى من خلاله إلى ضرب الروابط الاجتماعية والمجتمعية، وإضعاف قدرة الأسر على الصمود، وخلق بيئة خوف دائم."
وأشار النجار إلى أن هذه السياسة تُعد تكريسًا لأساليب العقاب الجماعي، حيث يتم توجيه الاعتقال والتحقيق بشكل يطال الجميع في المنزل، سواء كانوا نشطاء سياسيين أو أبرياء، وهو ما يمثل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني.
دعوة عاجلة إلى التحرك الدولي والحقوقي
اختتم النجار تصريحه بالدعوة إلى تحرك حقوقي ودولي عاجل لوقف هذه الانتهاكات، مطالبًا المؤسسات الدولية بإيفاد لجان تحقيق مستقلة إلى الأراضي الفلسطينية، لتوثيق جرائم الاعتقال الجماعي والتحقيق الميداني، واعتبارها جرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي.
وقال:"آن الأوان لكشف الحقيقة للعالم. فالقضية لم تعد مجرد قضية أسرى، بل قضية شعب يتعرض يوميًا للاعتقال والتنكيل الجماعي، في ظل صمت دولي مخزٍ."
وأضاف أن فضح هذه الممارسات هو مسؤولية إنسانية وقانونية مشتركة على المجتمع الدولي، ويجب أن يترافق مع الضغط على الاحتلال لوقف الانتهاكات فورًا وضمان حقوق المعتقلين، بما في ذلك حقهم في المحاكمة العادلة والتمتع برعاية إنسانية أساسية.

متنفَّس عبرَ القضبان (133)
حسن عبادي/ حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيدًا عن أيّ أنجزة و/أو مؤسّسة)؛قمتُ بمئات الزيارات ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوّليّة بعد كلّ زيارة؛ أصدرت كتابًا بعنوان "يوميّات الزيارة والمزور– متنفّس عبر القضبان" تناول زياراتي لأحرارنا حتى السابع من أكتوبر 2023، وتم إشهاره يوم 18.10.2024 في معرض عمّان الدولي للكتاب (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع)؛ عُدت لزيارة سجن مجيدو بعد طول انقطاع بسبب المنع الأمني الذي فرضته سلطة السجون وتمّ فكّه بعد اللجوء إلى القضاء؛ وجدت الوضع كارثيًا ويندى له الجبين؛ وجدت اكتظاظًا وتجويعًا وأمراضًا متفشّية وإهمالًا طبّيًا وعزلًا عن العالم، وحكايا تقشعرّ لها الأبدان. ونحن على العهد، نشجب ونستنكر ونحمّل المسؤوليّة.
صمتُنا عارُنا..
عقّب عمر مصطفى سمحة (والد الأسير علي): "تحيّاتي أخي الحبيب، بوركت وبوركت جهودك، قرأت ما كتبت عدّة مرّات وكأني كنت حاضرًا في تلك الزيارة، وبقدر ما أنا فخور بعليّ بقدر ما أشتاق لاحتضانه وتقبيله، أسأل الله أن يكون ذلك قريبًا، وأسأل الله أن يفرّج كرب الأسرى جميعًا، وأن يعيدهم إلى أهلهم سالمين غانمين. وأخيرًا بجملة للرأي العام. فرق هائل بين من يزور إيمانًا برسالة وبين تجّار الزيارات، احترامي".
وعقّب الأسير المحرّر قتيبة مسلم: "الأستاذ المحامي سيّد الفعل ونافذة الأمل الصادق. جهودك بوّابة انتصار وحكاية ألم وشموخ والإكبار لكلّ فارسات الوطن أخواتنا العظيمات لهنّ تنحني الجباه".
وعقّب الشاعر سامي عوض الله من المنافي والشتات: (حاسس حالي روّحت بها الزيارة)، ما أجمل الأثر الذي تتركه زيارتك صديقي حسن، وما أبسط ما يتمناه الأسير علي لنفسه وما أجمل ما يريده لأحبابه. الوطن بستاهل كل هذه الفتوة والقوّة والجمال. فكّ الله أسره وأسر الجميع".
وعقّبت الأسيرة المحرّرة شروق شرف: "الله يفرّجها عليه وعلى كل الأسرى... والله قد ما نحكي زيارة المحامي للأسير شو بتعني ما بنقدر نوفي... قعدت أربع شهور من يوم إصدار الحكم ليوم الإفراج وأنا نفسي أعرف خبر عن عيلتي بس عالفاضي كانوا يبعتولي أخبارهم مع أي محامي جاي يزور بس للأسف حتى السلام ما وصل... بارك الله فيك".
وعقّب الصديق سامح سمحة: "أوّلًا: أخي وصديقي الأستاذ حسن عبادي ألف ألف شكرًا لك وكل الاحترام والتقدير لجهودك فأنت السدّ والسند للأسرى والأسيرات وطني بامتياز. ثانيًا: حبيبي أبو عدي ربّنا يفرّج كربك ويفكّ أسرك قريبًا عاجلًا ويجمعك مع أسرتك وأهلك وأنتم جميعًا بألف خير. اشتقنا لك يا أبو عديّ".
وعقّبت مرجانة هريش (أسيرة محرّرة): "الله يفرّجها عليه وعلى جميع الأسرى. يا الله كيف الكلام بوجع وفعلاً لما محامي يزورك ويكون جايبلك تفاصيل وأخبار عن أهلك وأحبابك بتحسّ حالك روّحت وارجعت وأصلًا بكون مش جاي عبالك تطلع من عند المحامي بدّك يضل يحكيلك عنهم، الله يلمّ شمل كل الأسرى بعائلاتهم، ويعطيك العافية أستاذ حسن، عاليوم لو وقتها جيت زورتني الله يعطيك العافية يا رب".
وعقّب الصديق جمال كرامة: "أبو الأسيرات، حقًّا علينا أن نذكر هذا الأستاذ الفاضل في مواقع التواصل وفي كل مكان، المحامي والكاتب حسن عبادي محامٍ وكاتب وناشط حقوقي وثقافي مقيم بمدينة حيفا المحتلّة مواليد 1959، ولديه على صفحته لكل أسيرة قصّة وحكاية لو قرأتها الصخور لتفتّت من قهر ظلم السجّان. يزور بناتنا وأخواتنا الأسيرات في الداخل المحتل رغمًا عن أنف السجّان. دائمًا يتواصل مع أهالي الأسيرات وهو المتنفّس الوحيد للأسيرات لا يطلب أجرًا ولا هديّة ولا أيّ شيء. ألا يحقّ لنا أن نذكره؟".
"رايح أحتفل بعيد ميلادِك هون لحالي"
التقيت ظهر يوم الاثنين 30.06.2025 في سجن "مجيدو"، أو تل المتسلم، في مرج ابن عامر، بالأسير علي عمر مصطفى سمحة من جيوس، ويسكن رام الله (مواليد 16.11.1990)، اعتقل يوم 18.03.2024، وحين استفسرت عن سبب البغتة أجابني بعفويّة أنّه فكّر أنّه "انتسى"، عرّفته بنفسي، وأنّ الزيارة بناءً على توصية قريبه وصديقي سامح فانفرجت أساريره حين سمع باسمه "رافع راسي بسمعته الطيّبة ومن كثر ما بحكولي عنه بالخير".
أخبرته "سيف كبر وصار يقعد ويحبي ويلعب ويضحك، وشبه عدي كثير"، فدمعت عيناه وقال: "ضرورة أرشفة كل شي، وخاصة سيف. مشتاق أزور الأرشيف العائلي" (سيف ولد وعليّ في الأسر ولم يحظَ برؤيته حتى اليوم).
علي بغرفة 2 بقسم 4؛ (زملاء الزنزانة: مراد أبو صلاح/ طولكرم، رائد رضا، سعد حسن/ مخيّم طولكرم، غسّان السعدي/ مقهى دمشق-جنين، محمّد أبو رضا/ قباطية، بهاء أبو سرحان/ بيت لحم، أمير سلمي/ قلقيلية، رمزي العارضة/ طولكرم، ومحمّد دراوشة/ إكسال).
الوضع في السجن صعب، أخفّ من أوّل بس في زملاء نزلوا 50 كيلو! أخيرًا بلّشوا بعلاج مرضى السكابيوس، وضع الغيارات أصلح من قبل.
انقطع عن الدخان "ممتاز، فطام مجّاني"، "خلِصِت من الكيلوات الزايدة"، و"مِلت للالتزام".
طلب إيصال رسائل لوالده "كل شي تعلّمته منّك طبّقته بالسجن، لمّا أروّح وأحكيلك رايح تكون رافع راسك كثير"، لوالدته "ما زلت ملتزمًا جدًّا، بالرغم من صعوبة الظروف حفظت سورة البقرة"، لإخوته "ديروا بالكم ع حالكم، وجودكم أمان"، لزوجته سلمى "رايح أحتفل بعيد ميلادك هون لحالي"، لأولاده عُدي وتِيا، وناي... وسيف باشا، ومحمّد "توقّعاتي منك عالية جدًّا، بدّي إيّاك تجتهد يا طويل".
وسامح... الزيارة شحنته معنويّة "حاسس حالي روّحت ورجعت بهالزيارة".
حين افترقنا قال فجأة: "عودتي قريبة، بدّي مسخّن ع الترويحة، والحلو بنختلفش عليه". لك عزيزي عليّ أحلى التحيّات، على أمل أن نلتقي قريبًا "على أرض الوطن".
مجيدو/ حيفا حزيران 2025

"الأيام نيوز" تحاور الأسير المحرر نهاد صبيح .. قصة خمسة مؤبدات وعزم لا ينكسر
أجرى اللقاء: بن معمر الحاج عيسى
في زوايا السجون حيث يتكثّف الليل على الأرواح، ويمتدّ القيد كظلٍّ طويلٍ لا ينكسر، وُلدت حكاية نهاد صبيح؛ الأسير الذي حوّل العتمة إلى منارة للوعي، والألم إلى مدرسة للصبر، والقيود إلى صدى يرنّ بالحرية. ليست شهادته مجرّد استعادة لتجربة اعتقالٍ قاسية، بل هي غوص في أعماق رحلة إنسانٍ حَمَل على كتفيه خمسة مؤبّدات وقرونًا من السنين، ومع ذلك ظلّ مؤمنًا أن الفجر أقرب من ليل الزنزانة. في هذا الحوار يفتح نهاد صبيح قلبه لـ "الأيام نيوز"، ليروي تفاصيل مطاردةٍ امتدت لعامين، وحكمٍ جائرٍ صاغته محاكم الاحتلال انتقامًا من انتمائه، وليُعيد رسم صورة سنواتٍ مضنية عاشها بين جدران السجون الإسرائيلية، حيث الجوع والعزلة والتعذيب، وحيث تولد المعرفة من بين ركام الألم. حكاية نهاد ليست مجرد سيرة فردية، بل هي جزء من ذاكرة وطنٍ تُعيد وصل المحنة بالمقاومة، والغياب بالحلم المستمر بالعودة والتحرّر.
الأيام نيوز: بدايةً، حدثنا عن خلفية اعتقالك… كيف تمت عملية الاعتقال، وفي أي سنة؟
نهاد صبيح: اعتُقلت عام 2003 بعد مطاردة استمرت قرابة عامين. في تلك الليلة حاصر الاحتلال المنزل الذي كنتُ متواجدًا فيه في مدينة نابلس، وتم اعتقالي مكبَّلًا وسط بردٍ قارس، ثم نُقلت مباشرة إلى مركز تحقيق في الداخل المحتل يُعرف بـ "بتاح تكفا".
الأيام نيوز: ما هي التهم التي وجهها لك الاحتلال والتي أفضت إلى إصدار حكم قاسٍ بخمس مؤبدات و500 سنة؟
نهاد صبيح: خلال التحقيق وُجّهت لي اتهامات عديدة رفضت الاعتراف بها، لأنني لست مجرمًا بل مقاتل من أجل حرية شعبي وأرضي. في المحكمة اتُّهمت بالانتماء إلى "كتائب شهداء الأقصى"، والمشاركة في عمليات ضد قوات الاحتلال أسفرت عن مقتل خمسة جنود صهاينة وإصابة عدد من المستوطنين، إضافة إلى تصنيع متفجرات محلية الصنع. لذلك جاء الحكم تعسفيًا وانتقاميًا، لأنه لم يكن عقوبة على أفعال بقدر ما كان انتقامًا من انتمائي إلى قضيتي الوطنية.
الأيام نيوز: كيف استقبلت هذا الحكم الجائر؟ وما الذي خطر في بالك حين نُطق بالحكم؟
نهاد صبيح: حين صدر الحكم لم يخطر في بالي سوى حقيقة واحدة: أننا نحن أصحاب الحق، وهم الباطل. كانت معنوياتي عالية، مؤمنًا بأن هذا الحكم لن يدوم، وأن الحرية أقرب مما يتخيّلون. صحيح أن الحكم كان صعبًا على عائلتي، وخاصة على أمي، لكنني واجهت المرحلة بالصبر والإرادة والصمود....
الأيام نيوز: كيف مرت عليك سنوات الأسر الطويلة؟ وهل يمكنك أن تصف لنا الروتين اليومي داخل السجون؟
نهاد صبيح: لا أدري إن كان ما أبقاني ثابتًا هو الصبر أم الإيمان بالله أم الأمل، لكنها جميعًا اجتمعت لتمنحني القوة. بصراحة، سنوات السجن التي أمضيتها كانت قاسية ومضنية، مليئة بالألم والمعاناة، ولا أستطيع اختزالها في كلمات قليلة. روتين السجن كان أشد ما يعذّب؛ أيامٌ تتكرر لا يتغير فيها سوى التاريخ على الورق. ومع ذلك، استطعنا أن نتجاوز القسوة، أن نكسر الحواجز ونصنع لأنفسنا مجتمعًا فلسطينيًا داخل السجون، نعيش فيه كجماعة لها قيمها وأحلامها، رغم القيود والجدران.
الأيام نيوز: ما هي أسوأ مراحل السجن التي مررت بها؟ وهل تعرّضت للتعذيب أو العزل الانفرادي؟
نهاد صبيح: دائمًا في الحياة نتعلّم أن البدايات أو النهايات تكون جميلة، لكن في السجن هي أسوأ ما في الأمر. من وجهة نظري، كانت النهاية مفزعة، وخصوصًا بعد 7 أكتوبر، حيث لم نُعامل كبشر، ومن كان يتعامل معنا لم يكن بشرًا؛ لقد أُعدمت الإنسانية حينها. عشنا أوقاتًا صعبة للغاية، وظروف الاعتقال كانت تؤدي بنا إلى الموت البطيء. كل يوم في السجن كان كأنه مائة سنة مما تعدون. رأينا وسمعنا وعشنا الويلات وأصناف العذاب، من مشاهد الحقد الأعمى والقتل الممنهج.
لم أعش في حياتي أسوأ من تلك الفترة، ومن الصعب الحديث عنها أو وصفها. لقد كانت ظروفنا قاسية جدًا، ولولا إيماننا وإرادتنا وصمودنا في مواجهة الموت، لكنّا في عداد الشهداء. الاحتلال قاسٍ ولئيم ومجرم بحق الإنسانية. تخيّل أن تبيت ليالي في البرد القارس بلا غطاء ولا ملابس، وأن تنام على الحديد الصدئ، وأن يُحرمك السجّان من الاستحمام لفترات طويلة تتجاوز خمسة أشهر، وأن يُحرمك الطعام والشراب إلا القليل. قبل 7 أكتوبر 2023 كان وزني 94 كيلوغرامًا، وعندما تحررت كان وزني 65 كيلوغرامًا.
الأيام نيوز: كيف كنت تحافظ على معنوياتك وتتماسك رغم سنوات الحكم الطويلة؟
نهاد صبيح: نعم.. استمد المعنويات من إيماني بالله عز وجل أولا وزملائي وأسرتي وأبناء شعبي الذين يواصلون مقاومتهم للاحتلال وهذا سر صمودنا طوال السنوات، بالاضافه الى المطالعة والرياضة والندوات والعديد من الانشطه التي كنا نمارسها رغما عن السجان.
الأيام نيوز: ماذا عن التعليم، الثقافة، التنظيم داخل السجن؟ هل كان للأسرى دور في تطوير وعيك السياسي والنفسي؟
نهاد صبيح: نقطه الضوء في السجن والحارس الأمين لنا كانت هي التعليم الذي انتزعناه رغما عن السجان بفعل الخطوات الاحتجاجية والإضراب عن الطعام، فقد شكل لي نقطه تحول ومسار أخر لحياتي داخل القلاع، لقد استثمرت وقتي وجهدي في العلم والمعرفة والمطالعة والحمد لله حصلت على شهادة البكالوريوس ومن ثم الماجستير وشكل لي ذلك مع سنوات السجن الطويلة وعيا مختلفا، خصوصا ما يجري دوليا وإقليميا ومحليا وكانت التجربة فريدة.
الأيام نيوز: كيف كانت علاقتك مع بقية الأسرى؟ وهل عايشت شخصيات بارزة في المقاومة داخل الأسر؟
نهاد صبيح : علاقتي بالإخوة هي علاقة لا تشبه أي علاقة ،يمتزج فيها الهم الواحد والألم الواحد والمعاناة الواحدة، هذه عشرة عمر وسنوات هي أجمل ما في السجن ،كل مناضل عاش معي في السجن كان رمزا للصمود ولكن ما يميز بعضنا هي التجربة والسن مثل الإخوة المناضلين والبارزين كما تسميهم أولهم من رحلوا عنا شهداء في السجون، الأسير المناضل ميسره أبو حمديه واحمد ابو السكر وكمال ابو وعر وخالد الشاويش ووليد دقه ومنهم من ينتظر كأمثال القائد مروان البرغوثي واحمد سعدات وإبراهيم حامد وعباس السيد وناصر عويص وماجد المصري وانس جرادات ووجدي جوده وباسم الخندقجي والعديد من الشخصيات البارزة التي التقيتها في محطات السجن وانهالوا علينا بعلمهم وتعليمهم.
الأيام نيوز: كيف وصلك خبر الإفراج ضمن صفقة التبادل؟ وماذا كان شعورك حين علمت أنك ستخرج إلى الحرية؟
نهاد صبيح: سؤال صعب للغاية، كان خبر الإفراج عني صدمة عانيت منها بعد الخبر، حين رأيت الأسرى من حولي الذين عشت معهم الألم والمعاناة طوال سنوات. وقفت حائرًا لا أعلم ماذا أقول لهم، وكيف سأتركهم خلفي ونحن تقاسمنا الألم والمعاناة. صدقًا، كانت فرحة الصدمة، وحينها بكيت كثيرًا على فراقهم في ظروف صعبة للغاية. لم تكن هناك فرحة حقيقية، وكل يوم نسمع خبر استشهاد أخٍ لنا في السجون. لم تكن هناك أية مشاعر...
الأيام نيوز: ما تفاصيل لحظة الإفراج؟ من كان في انتظارك؟ وكيف كانت لحظات اللقاء بالعائلة بعد غياب كل تلك السنوات؟
نهاد صبيح: لقد كانت لحظة الإفراج صعبة للغاية. مكثنا أكثر من عشرة أيام ننتظر الخروج من السجن، بعد أن تأجلت الصفقة أسبوعًا كاملًا، عشنا خلاله حالة من القهر وفقدنا أعصابنا، لأننا كنا نشهد يوميًا أشكالًا من التعذيب النفسي الممنهج والجسدي. إلى أن مَنَّ الله علينا بالحرية وخلّصنا من قيود السجّان.
لكن ما لم أكن أعلمه آنذاك أن والدي قد توفَّيا وأنا في السجن، فكانت تلك الصدمة الثانية. كما أن الاحتلال منع عائلتي من السفر للقائي حتى يومنا هذا. وحده ابن أخي مراد كان في انتظاري لحظة وصولي، منفيًا عن وطني، في مصر.
الأيام نيوز: كيف تقيّم هذه الصفقة من حيث رمزيتها السياسية والإنسانية؟ وهل ترى أنها حققت إنجازًا للمقاومة والأسرى؟
نهاد صبيح: في الإنسان في ديننا الحنيف له قيمة عظيمة، ومن أجله تُخاض الحروب. وللأسرى مكانة رفيعة، خاصة لدى شعبنا والمقاومة. لذلك فإن هذه صفقة مشرفة وعظيمة، تحمل دلالات واضحة على أن المقاومة لا يمكن أن تتخلى عن أبنائها مهما كان الثمن باهظًا.
أما في الشق السياسي، فأرى أنها أعادت للقضية الفلسطينية بريقها بعد أن كانت مهمَّشة وذاهبة إلى النسيان في ظل حكومات صهيونية طاغية وظالمة. إن العمل من أجل فلسطين واجب وفرض على كل مسلم، وليس على أبناء المقاومة وحدهم.
الأيام نيوز: بعد شهرين من تحررك، كيف تعيش حياتك اليوم؟ وهل وجدت صعوبة في التأقلم مع الواقع بعد سنوات الأسر؟
نهاد صبيح: بعد التحرر، لا شيء سهل في الحياة واجهنا نحن معشر الأسرى العديد من الصعوبات أهمها غياب الأهل والأحبة والبعد عن الوطن بعد سنون وسنوات في السجون أما على الصعيد الشخصي، فحالة التأقلم لم تكن صعبه، حيث احتضننا الشعب المصري بقلوبهم قبل أيديهم وكانوا لنا أهلا وعونا، فهو شعب يمتاز بالطيبة وحب الفلسطيني لم أتصوره هكذا..
الأيام نيوز: هل تفكر بالانخراط مجددًا في النضال الوطني، سواء عبر العمل الشعبي أو السياسي أو الإعلامي؟
نهاد صبيح: نحن أصلا لن نفتك حتى ننخرط ما دام الاحتلال جاثم على أرضنا فنحن مناضلون بشتى الوسائل وفي أي موقع نتواجد فيه، حتى نيل حريتنا واستعادة أرضنا المسلوبة ظلما والعودة الحتمية ولن نستسلم مهما طال الزمن ...وجيل يسلم جيل.
الأيام نيوز: ما رسالتك للأسرى الذين ما زالوا خلف القضبان، وخاصة من يقضون أحكامًا طويلة مثلك؟
نهاد صبيح: أقول لهم إن الصبر هو مفتاح الفرج والحرية حتمية وسنراكم بيننا قريبا بإذن الله.
الأيام نيوز: وماذا تقول للعالم، للمؤسسات الحقوقية، ولمن لا يزال يجهل مأساة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال؟
نهاد صبيح: العالم ظالم والعالم يعلم حقيقة هذا الكيان الصهيوني ويعلم جيدا الممارسات الإجرامية التي يقوم بها ضد شعبنا وأرضنا وأسرانا لكنه لا يحرك ساكنا، أوجّه رسالتي لشعبي لا للعالم، أقول مزيدا من الصمود والتحدي ولأهلنا في غزة أقول إن ما يجري هو خير دليل أننا على الحق وسنبقى ثابتين حتى نيل حريتنا...يرونها بعيده ونراها قريبة.
الأيام نيوز: لو طُلب منك أن تلخّص تجربتك كلها في جملة واحدة، فما هي؟ وما العبرة التي خرجت بها من هذه الرحلة القاسية؟
نهاد صبيح: التضحية شيء عظيم من أجل قضية عادلة، التجربة هي لا مستحيل في الحياة.
الأيام نيوز: كلمة أخيرة للشعب الجزائري والعربي من خلال موقع الأيام نيوز
نهاد صبيح: أقول بشكل خاص للشعب الجزائري: أنتم عنوان البطولة، وقد تعلمنا منذ صغرنا من تجربتكم كيف كنستم الاحتلال الفرنسي عن أرضكم. لكم كل الحب، فأنا متعلق بالشعب الجزائري الحر الأبي، ومعجب جدًا بالقادة العظام أمثال العربي بن مهيدي، عمروش، سي الحواس، مصطفى بن بلعيد، والأيقونة جميلة بوحيرد، وكافة رموز وقادة الثورة الجزائرية، وبالزعيم الخالد المناضل هواري بومدين. حفظكم الله جميعًا أيها الشعب الجزائري الحر، ولكم مني كل التحية، ولصحيفتكم العظيمة كل التقدير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.