2025.10.09



تخلّص منهم الأوروبيون ورموهم إلى فلسطين.. اليهود.. اللعنة التي يتقاذفها الجميع

تخلّص منهم الأوروبيون ورموهم إلى فلسطين.. اليهود.. اللعنة التي يتقاذفها الجميع


admin
28 يناير 2024

قد يثير موقف الولايات المتحدة الأمريكية وكل دول أوروبا إزاء الكيان الصهيوني الذي يواصل ارتكاب جرائم إبادة ضد الشعب الفلسطيني، تساؤلات لدى الجميع عن سبب هذا الانحياز السافر واللامعقول - على حساب أصحاب الحق - لفائدة الاحتلال القائم على فكرة عنصرية تولّدت من شعور اليهودي بأنه منبوذ، في كل العالم - خاصة لدى الغرب - حيث تعرّض للاضطهاد منذ العصور الوسطى (من عام 1000 إلى 1300 ميلادية تقريبا)، حين اعتبر الأوروبيون، اليهود مصدر كلّ الشرور واتهموهم بأنهم يستخدمون دماء الأطفال المسيحيين في طقوسهم الدينية، وأنهم كانوا يسمّمون آبار المياه ويمارسون كافة الضغوط على المجتمع الأوروبي باستخدام الابتزاز المالي، وهكذا نشأت فكرة غربية محضة - لا تزال راسخة إلى اليوم - وتتمثل في ضرورة التخلص من اليهود مهما كان الثمن. === أعدّ الملف: حميد سعدون - م. ب - س. س === عقب تعرّضهم للضغوط وسياسات التهجير في أوروبا، بدأ اليهود عام 1299 الهجرة إلى الدولة العثمانية، التي كانت في طور التوسّع، لتبدأ مدن عثمانية مثل إسطنبول وإزمير بجذب موجات الهجرة اليهودية، وبينما كانت الظروف المعيشية سيئة في أحياء اليهود بأوروبا أواخر القرن الـ17، كانوا يتمتعون بحياة حرة وكريمة في الدولة العثمانية، التي باتت ملجأً لليهود، خاصة ممن يعانون من الضغوط في أوروبا. انتشر في القرن الـ19 اضطهاد اليهود على نطاق واسع في روسيا وبولندا - وهما المركزان الرئيسيان للشتات اليهودي - وارتُكبت مذابح ضد اليهود في الإمبراطورية الروسية، خاصة في عهدي ألكسندر الثالث (1881-1894) ونيكولاس الثاني (1894-1917)، بتشجيع من الحكومة. وخلال هذه الفترات، حقّق عديد من الأحزاب التي تدافع عن معاداة اليهود نجاحاً انتخابياً مبهراً في النمسا وفرنسا وألمانيا والمجر، وبعد تعرضّهم للقمع والإذلال، اختار عديد من يهود أوروبا الشرقية بدء حياة جديدة بالهجرة إلى الولايات المتحدة، أما الذين لم يتمكّنوا من ذلك، أصبحت "الصهيونية" - بكل ما تحمل من عنصرية ونزعة التدمير والقتل - أملاً بديلاً لهم للهروب من الاضطهاد. معاداة السامية لتبرير الإبادة الجماعية وشنّ الزعيم النازي أدولف هتلر حملة لمصادرة ممتلكات اليهود وطردهم من وظائفهم في الأوساط الأكاديمية والقضاء والجيش والخدمة المدنية، وأُغلقت متاجرهم ودُمّرت أماكن عبادتهم، وحُظر الزواج منهم، بعد الحرب العالمية الأولى ونتيجة لمعاهدة فرساي (1919)، سُلبت معظم الحقوق السياسية لليهود، الذين تحمّلوا مسؤولية التضخم والأزمة الاقتصادية في ألمانيا. في أعقاب سياسات التمييز و"معاداة اليهود" في أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى، والإبادة الجماعية في الحرب العالمية الثانية، دعّمت الدول الأوروبية هجرة اليهود إلى فلسطين لإقامة الكيان المحتل، وتبنّت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فكرة توطين اليهود الباقين على قيد الحياة في فلسطين. وغالبا ما يُثار التساؤل عمّا إذا كان السبب الكامن وراء الموقف الأوروبي من سياسات الكيان وأفعاله بعد قيام الورم الصهيوني في فلسطين، الشعور بالذنب أم التخلّص من اليهود بالسماح لهم بممارسة نزعة الإجرام لديهم بعيدا عن الغرب، وبالتحديد في فلسطين. حين تقاطعت مصالح الحركة الصهيونية، مع الدولة الاستعمارية - بريطانيا - التي أنهت بدخولها أرض فلسطين، 400 عام من الحكم العثماني عقب معارك طاحنة دارت بين الطرفين داخل الأراضي الفلسطينية خلال الحرب العالمية الأولى عام 1917، ليبدأ بعدها تاريخ من الاضطهادات والتشريد والقمع بحق الفلسطينيين، مع تغيير ديمغرافية الأرض باستقطاب الهجرة اليهودية على مدار الانتداب حتى إعلان إنهائه عام 1948. وبعد انسحاب الانتداب البريطاني، قامت قيادات صهيونية بإعلان قيام سرطان الكيان المحتل يوم 14 ماي عام 1948، وتم دعوة "يهود الشتات" إلى الإقامة في فلسطين المحتلة، والمطالبة بدعم الكيان المستحدث والتي سارعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى الاعتراف به بعد دقائق من إعلانه. وبات الانحياز البريطاني لصالح العدوان الصهيوني - على غرار كل الغرب - لا يختلف عن سياساتها وقت الانتداب بعد سلسلة قرارات وخطوات معادية أصدرتها تجاه فلسطين، بدأت قبل "وعد بلفور" عام 1917، الذي مهّد لتأسيس الكيان المحتل، مرورا بتسهيل عمليات الهجرة اليهودية، وطرد السكان وهدم القرى والمنازل وارتكاب المجازر حتى إعلان قيام سرطان الكيان عام 1948، إلى اليوم.

تم التخلص منها بـ"وعد بلفور"..

لعنة بشرية أصابت العالم

كانت الفكرة الصهيونية قد نضجت في مناخ أوروبي منذ القرن السادس عشر الميلادي، وترعرعت في الأجواء السياسية الإمبريالية التي سادت القارة في القرن التاسع عشر، وتحديداً بعد عام (1870م)، وقامت الفكرة الصهيونية على أساس إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بعد أن تمت الصفقة بين الحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني على أساس "وعد بلفور" الشهير في 2 نوفمبر من سنة (1917م). بدأ تطبيق الانتداب البريطاني عام 1917 باحتلال القدس بالإضافة إلى مناطق واسعة من أراضي الدولة العثمانية التي حكمت المنطقة طيلة أربعة قرون تقريبًا، وفي سبتمبر عام 1922، صادقت عصبة الأمم على الانتداب بإصدار ما عرف بصكّ الانتداب على فلسطين، وهي الوثيقة الدوليّة التي حمّلت الحكومة الانتدابيّة مسؤولية تنفيذ وعد بلفور المشؤوم الذي أصدرته بريطانيا عام 1917، والذي تعهّدت من خلاله بزرع الورم الصهيوني المسمى (وطن قومي) لليهود في فلسطين، في فترة الانتداب البريطاني وتم وضع الأساسات الّتي قام عليها سرطان الاحتلال الصهيوني لتخليص بريطانيا وكل أوروبا مما كان يسمى "الوباء اليهودي". وللتوضيح، فإنّ التاريخ اليهودي ذاته يشير إلى أنّ نزعة الكراهية ضد اليهود أصلها أوروبي وليس عربيا كما يعتقد البعض، غير أنّ هذه الكراهية تم نقلها بخبث إلى الشرق الأوسط، منذ بدء الاحتلال عام 1948، حيث مارست الصهيونية كل أشكال الإجرام ضد الفلسطينيين، تعويضا عن مشاعر النقص لدى اليهود في أوروبا الذين كانوا ولا يزالون مكروهين هناك إذ يراد الاستمرار في تهجيرهم إلى فلسطين للتخلص منهم نهائيا. وسبق أن ذكرت "رايا كيلينوفا" - نائبة الرئيس التنفيذي للكونغرس اليهودي الأوروبي - في مقابلة تلفزيونية عبر يورونيوز أنّ الكراهية ضد اليهود، زادت مؤخرا بنسبة 74 في المائة في فرنسا، والاعتداءات ضد اليهود في ألمانيا ارتفعت إلى 16,000 حادثة بزيادة قدرها 10 في المائة، لكن هذه الزيادات لم تكن وليدة اللحظة بل هي نتيجة كراهية متراكمة على مدى التاريخ الذي يثبت أنّ وعد بلفور لفائدة الكيان الصهيوني كان في أهم جزء منه يهدف إلى التخلص التام من اليهود الذين يوصفون بأنهم ما إن يحلوا في مكان حتى يفسد ويسود فيه الشقاق. لقد طردت فرنسا اليهود وطردتهم إيطاليا، البرتغال، إسبانيا وإنكلترا، أما ألمانيا فقد حاولت إزالتهم من الوجود خلال الحرب العالمية الثانية، على اعتبار أنهم - وفق الاعتقاد الأوروبي - لعنة بشرية أصابت العالم، وهكذا فإنّ الانحياز الغربي للكيان الصهيوني ليس بدافع محبة اليهود بل لاستمرار فرضهم في فلسطين حتى لا يعودوا إلى أوروبا ويعيثوا فيها فسادا كما كانوا يفعلون هناك ويفعلون الآن في فلسطين.

منطق الاجتثاث.. الحل النهائي" لـ"المشكلة اليهودية"

إن نزعة الكراهية ضد اليهود في أوروبا لم تظهر في عهد أدولف هتلر بل تعود إلى العصور القديمة، فقد كانت اليهودية منبوذة بالنسبة إلى المسيحية بعد تأسيسها، حين أُلقِيَ على اليهود ذلك الجرم الأكبر المتمثل في "مَوت المسيح"، وقد استغرق هذا الاعتقاد الديني لأكثر من ألف عام قبل أن تصبح الكراهية العَنيفة ضد اليهود جُزءًا من الحياة اليومية للمجتمعات اليهودية في أوروبا. ففي معظم أنحاء أوروبا - خلال العصور الوسطى - تم إقصاء اليهود من حقوق المواطنة وإجبارهم على العيش في أحياء معزولة، وهو ما دفع لاحقا إلى ابتداع مصطلح معاداة السامية من قِبل الصحفي الألماني "فيلهلم مار"، عام 1879 لوصف الكراهية أو العداء لليهود، وهو البعبع الذي يستخدمه الأوروبيون اليوم ضد كل من ينتقد ممارسات الصهيونية في البلاد العربية، في محاولة لنقل "المشكلة اليهودية" إلى العرب ليكون الأوروبيون بذلك قد تخلّصوا من ذنبهم التاريخي إزاء اليهود بالتخلص من اليهود أنفسهم وزرعهم في فلسطين ولو بالإرهاب وحرب الإبادة التي تتجلى أبشع مظاهرها اليوم في غزة. لقد عاملت محاكم التفتيش اليهود، خاصة في إسبانيا والبرتغال، أسوأ معاملة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر وبشكل خاص اليهود المتحوّلين إلى الكاثوليكية بسبب ممارستهم طقوس ديانتهم خفية والتي تتضمن أعمالا إجرامية ضد الأطفال، فكان أي شخص إذا ارتدى يوم السبت ثيابا نظيفة أو أحسن مما كان يرتدي غير يوم السبت أو أكل لحم حيوان مذبوح أو سمى ذريته بأسماء عبرية يتهم أنه يهودي وإذا قبض على المتهم يرمى في السجن ويعذب بأقسى طريقة. وخلال القرون الوسطى في أوروبا كان يطلب من اليهود أن يميّزوا أنفسهم عن المسيحيين بشارة صفراء يضعونها على ملابسهم، أو قبعة خاصة تسمى جودنهاوت، وعندما أصبح بعض اليهود بارزين في الأعمال المصرفية وإقراض الأموال وهو ما تحرّمه المسيحية بسبب الفوائد، أدى ذلك إلى طرد اليهود من عدة دول أوروبية بما في ذلك فرنسا وألمانيا والبرتغال وإسبانيا خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر. كما تم حرمان اليهود من الجنسية والحريات المدنية، بما في ذلك الحرية الدينية في جميع أنحاء أوروبا خلال العصور الوسطى، وانتشرت أفعال غريبة لدى اليهود مثل "تشهير الدم"، وخطف وقتل الأطفال المسيحيين لاستخدام دمائهم في صنع خبز عيد الفصح اليهودي، وهذه ممارسات جعلت الأوروبيين يعاملون اليهود على أنهم خطر كبير يجب التخلص منه، وقد انعكست القناعات الأوروبية على السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المعادية لليهود التي امتدت إلى العصور الوسطى الأوروبية. وقد دعا الإصلاحي الألماني مارتن لوثر إلى حرق الكنائس اليهودية ومنع الحاخامات من مزاولة عملهم تحت تهديد عقوبة الإعدام، وعندما صعد أدولف هتلر والنازيون إلى السلطة في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي ازداد حال اليهود سوءا عل خلفية تسبّبهم في هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وهكذا تم طرد اليهود من الخدمة المدنية وتمت تصفية الشركات المملوكة لهم. لقد أدخلت قوانين نورمبرغ عام 1935 العديد من السياسات المعادية لليهود وحدّدت تعريف من كان يهوديا على أساس النسب، على خلفية اعتقاد ألماني بأنّ اليهود عرق منفصل، ووفقا لقوانين نورمبرغ، فإنّ اليهود ليسوا مواطنين وبالتالي لا يحق لهم التصويت، بعد ذلك، بدأ هتلر والنازيون في تنفيذ خطتهم لإبادة الشعب اليهودي والتي أشاروا إليها باسم "الحل النهائي" لـ"المشكلة اليهودية". والغريب في الأمر أنّ مفارقات التاريخ، أفضت إلى أن يمارس اليهود - وبأضعاف مضاعفة - الإجرام الذي تعرّضوا له، بل زايدوا في ذلك إلى حد اللامعقول وبدعم من الغرب الذي نكل بهم، وما لا يعلمه إلا المتخصصون، هو أنّ الكراهية ضد اليهود موجودة إلى الآن في أوروبا، فعندما اعترف دونالد ترامب بالقدس في ديسمبر 2017 كعاصمة للكيان، كانت أوروبا أكثر مكان غطى المحلات الصغيرة بالأعلام الفلسطينية. ولم يكن ذلك، دعما للفلسطينيين بقدر ما هو كره لليهود، فهناك استطلاعات للرأي نشرها موقع CNN ذكر فيه أنّ أكثر من ربع الأوروبيين الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أنّ لليهود نفوذا كبيرا في الأعمال التجارية والمالية، وقال واحد من كل أربعة تقريبا إنّ لليهود تأثيرا كبيرا في النزاعات والحروب عبر جميع أنحاء العالم، وقال واحد من كل خمسة إن لليهود نفوذا كبيرا في وسائل الإعلام ويعتقد العدد ذاته أن لديهم تأثيرا كبيرا في السياسة. ثلث الأوروبيين قالوا إنّ اليهود يستخدمون الهولوكوست لتعزيز مواقفهم وأهدافهم، ومع هذه الآراء المناهضة لليهود، فإنّ أغلبية الأوروبيين (54 في المائة) يعتقدون أنّ للكيان الصهيوني الحق في الوجود كـ(دولة يهودية) وهذا قد يدلّ أنّ اعتقادهم بهذا الحق نابع للتخلص منهم، لذلك أكّد الكاتب الألماني كريستو لازريفيتش أنّ معاداة السامية جزء من صلب الديانة المسيحية وتاريخ أوروبا وليست مستوردة من قِبَل المسلمين في أوروبا كما يشاع.

بريطانيا المتحالفة مع الصهيونية..

أول دولة أوروبية طردت اليهود وأجبرتهم على وضع شارات خاصة تميّزهم

قبل ثلاثة قرون من قيام إسبانيا بطرد اليهود من أراضيها كان ملك إنكلترا إدوارد الأول، قد أمر في 31 أوت 1290 أصدر أمراً بطرد كل اليهود من بلاده وأصبح أول بلد يقدم على هذا الإجراء في أوروبا، رغم أن إنكلترا أصبحت فيما بعد الحليف الأساسي للصهيوني من خلال زرع كيان لهم في فلسطين واستخدامه لفرض سياسات أوروبا على العرب. وصل اليهود إلى إنكلترا عام 1070 بدعوة من ويليام الفاتح الذي كان بحاجة لاقتراض المال بهدف تنفيذ برنامجه الخاص ببناء القلاع والكاتدرائيات، ولأن التعاليم الكاثوليكية لا تسمح للمسيحيين بالإقراض بفائدة فقد تم تشجيع اليهود على المجيء للعمل في هذا المجال – وفي مجالات أخرى مشبوهة - حتى يستطيع اقتراض المال الذي تحتاجه حكومته. وفي الوقت الذي تحول فيه بعض اليهود المقرضين مثل آرون من لينكولن وليكوريتشيا من أوكسفورد إلى أشخاص فاحشي الثراء فإن الكثيرين من اليهود عملوا في مهن مختلفة داخل طوائفهم بداية من الطب وليس انتهاء بتجارة السمك، وكانوا يعيشون في أنحاء عديدة من ويلز وإنكلترا حيث يمارسون طقوسهم الغريبة في بعض الأحياء الكبيرة. وكان على اليهود دفع ضرائب أعلى من غيرهم مقابل حماية من قبل التاج، ويصعب الحصول على صورة كاملة لحياة اليهود في إنكلترا في القرن الثالث عشر إذ لا توجد أي مواد مكتوبة وإن ظهرت أسماء يهود في بعض سجلات الضرائب والوثائق القانونية، كما أن هناك بعض المباني المسجلة بأسمائهم مثل بيت اليهود في لينكولن وبقايا حمام الطقوس في بريستول. شعب مكروه أوروبيا ولكن نزعة معاداة اليهود تصاعدت في القرنين الثاني عشر والثالث عشر اللذين شهدا العديد من الاعتداءات عليهم، فمع صعود الصليبيين تزايد تزايدت الهجمات ضد اليهود والتي أثارها أحيانا رجال دين اتهموا اليهود بالمسؤولية عن قتل المسيح، وعندما كانت الأوضاع تزداد صعوبة في البلاد يُعامل اليهود على أنهم أسباب كل ما يحل من خراب في البلاد بسبب أعمالهم المشبوهة. وفيما ازداد اعتماد التاج في إنكلترا على البنوك الإيطالية قل الاعتماد على أثرياء المال اليهود وبالتالي قلت الحماية الممنوحة لهم وبالتدريج انقلب عليهم الملك، وفي عامي 1189 و1190 وقعت مذابح شديدة ضد اليهود في لندن ويورك. وفي عام 1255 جرى اتهام يهود لينكولن بتعذيب وقتل طفل إنكليزي في طقوس دينية، وقد اعتقل الملك هنري الثاني 93 من اليهود المحليين وأعدم 18 منهم، وفي العام التالي فرضت قيود عديدة على اليهود الذين باتوا يمثلون خطرا على المجتمع. وفي عام 1260 فرض الملك هنري الثالث ضرائب كبيرة على اليهود مما أجبرهم على مطالبة الناس برد القروض ما أثار مشاعر عدائية كبيرة ضدهم فاندلعت أعمال شغب مناوئة لهم قتل فيها المئات من اليهود وأحرقت الوثائق التي تثبت الأموال التي يدين الناس بها لهم، وفي عام 1275 أصدر الملك إدوارد الأول قرارا يحظر على اليهود الحصول على فوائد مقابل القروض بل وأعفي المقترضين منهم من رد الديون. وقد أكسب هذا القرار الملك شعبية، ولكنه كان كارثياً على اليهود الذين دخل أغلبهم دائرة الفقر المدقع، كما فرض إدوارد الأول على اليهود ارتداء شارات صفراء، ولم يسمح لهم بالعيش إلا في عدد قليل من المدن، وكان إدوارد الأول يريد من اليهود اعتناق المسيحية وهو الأمر الذي استجاب له قلة منهم ولكن الغالبية رفضت. وفي عام 1290 أصدر إدوارد الأول مرسوما بطرد من تبقى من اليهود من إنكلترا وكان عددهم يقدر بنحو 3 آلاف أجبروا على السير إلى الشاطئ الجنوبي وعبور البحر إلى أوروبا كلاجئين وقد مات الكثيرون منهم في الرحلة، وظل بعض اليهود في إنكلترا كمسيحيين وقد استغرق الأمر نحو 4 قرون حتى استطاع اليهود العودة لإنكلترا. وكانت لقصة قتل الأطفال المسيحيين في طقوس يهودية والتي انطلقت من إنكلترا وانتشرت في أوروبا أثرها في تعرض العديد من اليهود للقتل، وكانت إنكلترا هي أول بلد يجبر اليهود على ارتداء شارات صفراء وهو الإجراء الذي قلده النازيون في القرن العشرين، وبعد أن طردت إنكلترا اليهود عام 1290 قلدتها دول أخرى وطردتهم مثل المجر عام 1349 وفرنسا 1394 والنمسا 1421 ونابولي 1510 وميلانو 1597 وإسبانيا 1492 والبرتغال 1497 وغيرها.

شتات اليهود..

تعويض القتيل بمنحه فرصة ممارسة القتل

يدفع صمت الدول الغربية أمام العدوان الصهيوني ضد غزة، إلى ربط الدعم الغربي للكيان الصهيوني بالماضي واعتباره ديناً تؤدّيه أوروبا لفائدة الاحتلال، وذلك على خلفية مسلسل الطرد الذي تعرض له اليهود خلال العصور الوسطى، بعدة دول أوروبية، ليصدر بعد نحو 500 عام وعد بلفور لتعويض اليهود على حساب العرب وخاصة الشعب الفلسطيني، إذ تم منحهم الضوء الأخضر لممارسة الإجرام ضد المدنيين - من الأطفال والنساء - في فلسطين المحتلة. والأهم أن الأوروبيين - وفي مقدمتهم بريطانيا - توجسوا من تأثير السرطان الصهيوني على الاقتصاد وفرص العمل بالنسبة إلى الشباب الأوروبي، لكن قصص الطرد هذه لها تاريخ طويل في أوروبا. روما: إدانة "إلهية" فبحلول عام 1555، أصدر البابا بولس الرابع قراره المعروف باسم "Cum nimis absurdum" والذي أدان فيه اليهود بقتل المسيح يسوع بن مريم رسميا، حيث قال في كلمات المرسوم الأولى: "بما أنه من العبث وغير المريح تمامًا أن اليهود الذين أدانهم الله من خلال خطأهم الخاص إلى العبودية الأبدية"، وفى أعقاب ذلك فر الكثير من اليهود من الولايات البابوية، وقد وألغى المرسوم جميع حقوق الجالية اليهودية وفرض قيودًا دينية واقتصادية عليها في الولايات البابوية، وجدد التشريعات المعادية لليهود الذين تعرضوا لمختلف القيود. وبناء على المرسوم البابوي، تم إنشاء الحي اليهودي الروماني وطلب من يهود روما، الذين كانوا موجودين كمجتمع منذ العصور المسيحية وكان عددهم حوالي 2000 في ذلك الوقت، أن يعيشوا فيه، وكان هذا الحي عبارة عن محتشد سكني محاط بأسوار وثلاثة بوابات يتم إغلاقها ليلاً. وبناء على المرسوم أيضا طلب من الذكور اليهود ارتداء قبعة صفراء مدببة، والإناث اليهودي منديل أصفر، وطُلب من اليهود حضور الخطب الكاثوليكية إجباري، كما أخضع المرسوم اليهود لقيود أخرى مختلفة مثل حظر حيازة الممتلكات وممارسة الطب بين المسيحيين، ولم يُسمح لليهود بممارسة كثير من الأعمال. فرنسا: الجهاد المقدس وفى 3 نوفمبر من عام 1394 أمر الملك شارل السادس، حاكم فرنسا، بنفي جميع اليهود من البلاد، وهو القرار الذي استمرت فعاليته طوال العهود الوسطى، وجاء بعد نحو قرن من الزمان من قرار الملك إدوارد الأول ملك بريطانيا بطرد كل اليهود من إنكلترا، في 31 أوت عام 1290، ليكون قرار الملك الفرنسي استكمالا لمسلسل شتات اليهود في أوروبا خلال فترة القرون الوسطى. بحسب كتاب "إظهار الحق: المجلد الرابع" لـ"رحمة الله الهندي"، فإنه خلال تلك الفترة كانت انتشرت المعاملة السيئة، وممارسة كل أنواع الظلم المجتمعي، من قبل المسيحيين في فرنسا، نحو اليهود، حتى إنه في إحدى الأقاليم الفرنسية، كانوا يلطمون وجوه اليهود في عيد الفصح، كما كانوا يرمون الأهالي اليهود بالحجارة. ويوضّح الكتاب أن سلاطين فرنسا المتعاقبين، دبروا أمرا في حق اليهود، حين كانوا يتركونهم إلى أن يصيروا متمولين بالكسب والتجارة، ثم يسلبون أموالهم، وبلغ هذا الظلم لأجل الطمع غايته، وعندما صار فيليب أغسطس ملكا على البلاد، أخذ أولا الخمس من ديون اليهود التي كانت على المسيحيين، ثم أبرأ الباقي ذمة المسيحيين، وما أعطى اليهود شيئا قبل طردهم من مملكته. وتذكر المراجع التاريخية، التي استند إليها المؤلف، إلى أن عدد اليهود الذين أخرجوا لن يقل عن أكثر من 70 ألف منزل، بجانب قتل الكثير منهم ونهب كثير منهم، فيما نجا القليل وهم من تنصروا، مشيرا إلى آخرين أهلكوا سواء بالإغراق في البحر أو بالإحراق بالنار، وقتل غير المحصورين منهم في الجهاد المقدس. الأندلس صدر مرسوم في مارس عام 1492 يحمل اسم "مرسوم الحمراء" أو قرار طرد اليهود الذين رفضوا أن يتحولوا إلى المسيحية من قشتالة وأراغون، وسلسلة من المراسيم، التي فرضت على المسلمين في إسبانيا التحول الديني الإجباري. فبحسب دراسة نشرت بعنوان "أسرار اليهود المتنصرين في الأندلس" للدكتورة هدى درويش فإن الملك فريناند وزوجته الملكة إيزبيلا، ملوك قشتالة وليون وأراغون، من الكاثوليك المتشددين للمسيحية، وبسبب بغضهم لليهود بسبب موقفهم من المسيح فقد أرادا وضع نهاية لتواجد اليهود في الأندلس، فأمروا بضرورة اعتناق اليهود هناك للمسيحية. كما قررا نفي من يرفض تنفيذ الأمر، ووقع الملكان سالفا الذكر مرسوما ملكيا في 31 مارس ينص على أن جميع اليهود الموجودين في البلاد غير المعمدين، أيا كانت أعمارهم أو أحوالهم، عليهم أن يتركوا الأندلس، في موعد أقصاه 31 جويلية 1492، ولا يسمح لهم بالعودة، ومن يخالف ذلك يكون عقوبته الإعدام، كما أن عليهم أن يتخلصوا من أمتعتهم خلال هذه المدة، ولهم أن يأخذوا معهم الأمتعة المنقولة وصكوك المعاملات دون النقد من ذهب وفضة. النمسا وعانى اليهود خلال العصور الوسطى وما بعدها من شتات في أوروبا بسبب صدور أكثر من قرار بطردهم من بلدان مثل فرنسا وإيطاليا وإنكلترا والأندلس "إسبانيا"، لكن كيف كان وضعهم في النمسا، وبحسب المجلد الرابع من موسوعة "الجماعات اليهودية: تواريخ" للمفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري، فإن استقرار الجماعات اليهودية في النمسا يعود إلى أيام الغزو الروماني. ومع العصور الوسطى أصبح تاريخ يهود النمسا هو تاريخ يهود فيينا، وتحدد وضع اليهود بوصفهم أقنان بلاط وجماعة وظيفية وسيطة خلال تلك الآونة، شأنهم شأن كل الجماعات اليهودية في أوروبا، وأصدر الدوق فريدريك الثاني حاكم النمسا آنذاك عام 1244 م، ميثاقا يمنح اليهود مزايا ويحدد حقوقهم كيهود بلاط، وأصبح هذا الميثاق نموذجا للمواثيق المماثلة في المجر وبوهيميا وبولندا. وفى عام 1356، أصدر ما يعرف بالفرمان الذهبي، الذي وضع اليهود تحت حماية الحكام الإمبراطوريين المنتخبين، فأصبح لهم حق فرض الضرائب على أعضاء الجماعات اليهودية وحمايتهم أو حتى طردهم دون تدخل الإمبراطور، وبدء منذ عام 1421 طرد اليهود من النمسا، ولكنهم لم يختفوا تماما.

ركلة على قفا الوعي الصهيوني..

حين تسرّع "المقاومة الفلسطينية" تحوّلات التاريخ

أكّد الأكاديمي والمحلّل السياسي الفلسطيني، الدكتور صالح الشقباوي، أنّ عملية "طوفان الأقصى" أحدثت صدمة سيكولوجية كبيرة في بنية الوعي الشعبي لدى المواطن الإسرائيلي، الذي فقد أمنه وأمانه على هذه الأرض، وفقد إيمانه بأن الجيش الإسرائيلي جيشٌ لا يقهر وجيشٌ لا يُهزم، وأصبح الجميع يدرك أنّ هناك تغييرًا دراماتيكيًا يحدث في العالم من خلال قوى الهيمنة والسيطرة وقوى الصراع، أي أنّ هناك بروزًا لعالم جديد، ولقوى جديدة، هناك أيضًا تغيير في بنية النظام الدولي الجديد، إذ نشهد بروزًا للصين وروسيا، وبالتالي سيكون هذا العالم أكثر عدلاً وأكثر إنصافًا، الأمر الذي سينعكس حقيقةً على الخارطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط وفي فلسطين المحتلة ككل. وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور الشقباوي في تصريح لـ "الأيام نيوز"، أنّ "إسرائيل" فقدت مكانتها في العقل اليهودي العالمي كونها حارسةً للقيم اليهودية وحارسةً للتراث اليهودي والبقاء اليهودي في العالم وفي فلسطين تحديدًا، فاليوم نحن نقف على وجود هجرة معاكسة لليهود، خاصةً إذا ما علمنا أنّ كل يهودي إسرائيلي يحمل جنسية ثانية، الأمر الذي يعني أنه سيتوجّه إلى البلد الذي يحمل جواز سفره بمجرد شعوره بعدم الأمان في أرضٍ يدّعي زورًا أنها أرضه، إذًا، هذا الأمر يؤكد أنّ فكرة الانتماء إلى المكان وفكرة أرض الميعاد وشعب الله المختار هي مجرد أفكار زائفة على مرّ التاريخ، وها هم اليهود بأنفسهم يؤكّدون ذلك، بأنه لا علاقة لهم بهذه الأرض وأنهم محتلون وغاصبون، والعلاقة التي تربطهم بهذه الأرض لا تعدو أن تكون علاقة براغماتية قائمة على مبدأ المصلحة والمنفعة، أي أنها ستنتهي بمجرد انتهاء هذه المصلحة. وتابع المتحدث: "بالنظر إلى المعطيات الموجودة على الأرض يُمكن أن نؤكّد أنه سيكون هناك نمط جديد في التعاطي مع ما يسمى عبثًا "دولة إسرائيل"، أي أنّ قاطنيها سيتركونها ويعودون إلى بلدانهم الأصلية التي جاؤوا منها إلى فلسطين، وهذا ما يُعزّز بشكلٍ أو بآخر نظرية التفكّك والانحلال الديمغرافي الذي يربطهم بـ "إسرائيل" الآخذة في الانهيار والانزياح والهزيمة النكراء". تجدر الإشارة، إلى أنّه خلال السنوات الأخيرة عرفت معدلات هجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة تراجعًا كبيرًا، خاصةً في ظلّ تزايد عمليات المقاومة، فحسب بياناتٍ صادرة عن وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلي والوكالة اليهودية، فقد انخفضت أرقام الهجرة إلى فلسطين المحتلة بشكلٍ حاد خلال النصف الأول من عام 2023، حيث تراجعت عملية استقدام اليهود بنحو 20 بالمائة من أمريكا وأوروبا. في السياق ذاته، أبرز المحلّل السياسي الفلسطيني أنّ عملية "طوفان الأقصى" قد أعادت المجد والكرامة، ليس فقط للفلسطينيين ولكن أيضا لكل الأمة العربية والإسلامية بتسطيرها لأروع ملاحم التاريخ، فقد استطاعت هذه المعركة أن تعود بالقضية من بعيد إلى هرم اهتمامات المجتمع الدولي الذي اعتقد أنها انتهت بهيمنة الكيان الصهيوني على المنطقة، فغضَ البصر عن حقوق الفلسطينيين الوطنية الشرعية، ظانا أنّ مقولة "غولدا مايير" قد تحقّقت حينما قالت "إنّ الكبار يموتون والصغار ينسون"، لكن بعد أن وطأت أقدام رجال المقاومة أرض فلسطين المحتلة، متغلّبين بذلك على كل إمكانات الكيان التكنولوجية والعسكرية الاستخباراتية، تغيّرت طبيعة وجدلية الصراع، معلنة عن عدم جدوى استظلال المطبّعين بهذه القوة التي فشلت في صدّ هجمات "أسود القسام"، الذين أسروا ما يزيد عن 200 شخص من بينهم عسكريون برتب عالية، ما أصابهم بصدمة نفسية كبيرة تماما كما أصيبت بها أوروبا وأمريكا. خِتامًا، أكّد الدكتور الشقباوي أنّ عملية "طوفان الأقصى" دفعت بالقضية الفلسطينية دفعا قويًا إلى الأمام، بعدما أدّبت الكيان الصهيوني ومرّغت أنفه على رمال الأراضي الفلسطينية المحتلة وبأحذية رجاله البواسل، كما دفعت هذه الأحداث بقضيتنا لتأخذ الصدارة والاهتمام على المستوى الدولي، ونأمل في أن تعود كقضية مركزية للأمة العربية أيضاً، فلابد على كل الفاعلين الدوليين أن يقتنعوا بأنّه لا حل ولا استقرار إلاّ بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ومن بينهم تلك الأنظمة العربية المطبّعة التي يستوجب عليها بعد كل هذه المجازر التي ارتكبها الكيان أن تراجع نفسها، فيما يتعلّق بتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، هذا الكيان المغتصب لأرض ليست بأرضه.

من خلال فضح المقولات المزيّفة..

الباحث أسامة بوشماخ يفكّك المصطلحات الصهيونية الملغومة

أبرز الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أسامة بوشماخ، أنّ معركة "طوفان الأقصى" بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي، جاءت في ظل جملة من التحوّلات الجيوسياسية البالغة الأهمية، سواء على المستويين الدولي أو الإقليمي، ونتحدث هنا عن الأزمة الروسية الأوكرانية، وما تشهده منطقة الباسفيك وتداعيات ذلك على النظام الدولي، بالإضافة إلى ما يحدث في كل من منطقة الساحل ومنطقة الشرق الأوسط، وفي هذا الشأن كان قد حذّر عدد من أساتذة الجيوبوليتيك من أنه ستكون هناك معركة قوية جدّا أو على الأقل ستكون هناك معركة لها انعكاساتها الخاصة على هذه التحوّلات الدولية. وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوشماخ في تصريح لـ "الأيام نيوز"، أنّ الدعم اللامشروط والمنقطع النظير الذي تقدّمه الولايات المتحدة الأمريكية لليهود الذين لا أرض لهم، إنما يندرج في حقيقة الأمر في إطار التحالف الصهيوني الغربي للحفاظ على مصالح هذه الدول في منطقة الشرق الأوسط، فمن أصل 813 قاعدة عسكرية أمريكية في العالم، نجد أكثر من ثمانين قاعدة في منطقة الخليج، كلها مسخرة لحماية الكيان الصهيوني. في السياق ذاته، أفاد محدثنا، بأن هناك أربع مصالح حيوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وهي على الترتيب الآتي، الأمن، الرفاهية، النظام الدولي، ثم القيم، والكيان الصهيوني يأتي في إطار المصلحة الأولى بالنسبة للولايات المتحدة، والتي تتعلق أساسًا بـ "الأمن"، ومن هنا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال سلسلة التطبيع التي كانت بين عدد من الدول العربية والكيان الصهيوني، اعتقدت عبثا أنها قامت بما يسمّى بـ "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، وظنّت أنها تمكّنت من تجسيده وتحقيقه على الأراضي العربية، من خلال خلق "ناتو جديد" في هذه المنطقة تقوده "إسرائيل"، حتّى تغادر الولايات المتحدة الأمريكية المنطقة وتتفرّغ إلى منطقة الباسيفيك لمواجهة التحوّلات التي تحدث في النظام الدولي وهنا نتحدث عن الصعود الصيني. في سياق ذي صلة، تحدث الأستاذ بوشماخ، عن توقيف سلسلة التطبيع مع الكيان الصهيوني، خاصة إذا ما أشرنا إلى الجانب السعودي، والذي كان من الممكن أن يشكّل ضربة قوية للقضية الفلسطينية، على اعتبار أن السعودية هي دولة محورية وقيامها بتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل"، سيؤدي بشكل أو بآخر إلى قيام عدد كبير من الدول الرافضة للكيان الصهيوني في منطقة إفريقيا وآسيا، بالحذو حذوها والقيام بتطبيع علاقاتها مع الاحتلال الصهيوني. إلى جانب ذلك، أكّد الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن اليهود الذين لا أرض لهم، والذين كانوا في حالة تشتت وتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، تم إبعادهم إلى منطقة الشرق الأوسط، بسبب المشاكل والفوضى التي أحدثوها في دول العالم الغربي، وحتى بالنسبة إلى روسيا، ومن هنا نجد أن المنظومة الغربية ككل قامت بإبعاد اليهود من أوروبا والذهاب بهم إلى منطقة الشرق الأوسط، حتى تتخلص منهم ومن مشاكلهم التي كانت عبارة عن تراكمات كبيرة امتدت إلى قرون وقرون كثيرة في أوروبا. وكان وعد بلفور بتاريخ الثاني من نوفمبر 1917، بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين، استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذّر في هذه الأرض منذ آلاف السنين، بناء على المقولة المزيفة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وجاء الوعد بصيغة رسالة يتعّهد فيها وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر بلفور للورد روتشيلد بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، صيغة الرسالة أُدرجت بطريقة غريبة أعطت الحق لليهود في اغتصاب أرض مأهولة بأصحابها، في تحدّ سافر لكل الحقوق التي تكفلها القوانين والمواثيق الدولية بل وتحمل غموضا مبطنا، حيث لم يكن تعداد اليهود في فلسطين آنذاك يتعدى الـ 5 بالمائة من مجموع عدد السكان، وقد أرسلت الرسالة قبل أن يحتل الجيش البريطاني فلسطين. وفي ختام حديثه لـ "الأيام نيوز"، أوضح الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أسامة بوشماخ، أنّ معركة "طوفان الأقصى"، أسقطت وهم وفكرة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، وأكّدت أنّ هذا الكيان عبارة عن وحش ورقي يمكن أن يتم تجاوزه بسهولة تامة، لو توفّرت الإرادة لدى الشعوب العربية، وبالتالي نحن أمام نوعين من الدول، هناك دول الشرف، وهناك دول العلف، دول الشرف على غرار دولة أصحاب الحق، هذا الشعب الفلسطيني الذي يبذل الغالي والنفيس من أجل استرجاع أرضه وتحريرها من البحر إلى النهر، مثلما فعله الجزائريون إبّان ثورة التحرير المظفرة، كما أنّ هناك دولا تسمّى بدول العلف وهي عبارة عن سوبرماركت لتسويق المنتجات الغربية ونقصد بها اليهود الذين لا أرض لهم.

الباحث الفلسطيني أليف الصباغ لـ"الأيام نيوز":  

"اليهودي لا وطن له"

يرى الباحث الفلسطيني والمختص بالشأن الإسرائيلي، الدكتور أليف الصباغ، أنّ كل مجتمع استيطاني هو مجتمع في حالة تشكّل وهذا يستغرق مئات السنين، يرتبط فيه المهاجر بالدولة أي بالمؤسسات وليس بالأرض أي الوطن، لذلك نجد سلوك المستوطن في الأزمات يختلف عن سلوك أبناء الوطن الأصليين، حيث نجد أنّ المستوطن يدافع عن الدولة وهذه هي لغة المستوطن اليهودي، بينما يدافع الفلسطيني عن وطنه مهما تغيّرت الحكومات والمؤسسات والدول على أرض وطنه. وفي هذا الشأن، أشار الدكتور الصباغ في تصريحه لـ "الأيام نيوز"، إلى ما جاء على لسان كارل ماركس عن اليهود، حيث قال: "إنّ اليهودي لا وطن له، فوطنه حيث يكون رأسماله"، فإذا قمنا بفحص وتمحيص للهوية الدينية أو العرقية للمهاجرين الصهاينة نجد أنهم من عشرات الأعراق ومنهم من لا صلة له بالدين اليهودي أو لا صلة له بالإيمان أصلا، فكل ما يجمعهم هو القوة العسكرية التي تحمي كيانهم المشترك، فإذا ما انكسر هذا الكيان أو شكّك المستوطنون في قوّته أو في قدرته على توفير الأمن والرفاهية المادية على حساب الشعب الأصلي سرعان ما يبحث المستوطن عن مكان آخر أو يعود إلى بلاده الأصلية، وهذا ما نقف عليه اليوم. وفي السياق ذاته، أبرز الباحث الفلسطيني والمختص بالشأن الإسرائيلي، أنه ولفهم الموضوع أكثر يمكن أن نتخيّل موقف المستوطن العربي في أستراليا أو كندا أو نيوزيلاندا، ونتخيّل كيف يتصرّف المهاجر لو تغيّر الحال في بلده الأصلي وأصبح الوطن حضنا قادرا أن يوفّر له ما يتوفّر له في المهجر، فهل سيبقى هناك أم سيعود؟

نهاية زمن الاستنجاد بالوهم..

الحقيقة فلسطينية والزيف صهيوني

بقلم: علي أبو حبله - محام فلسطيني اليهود وعبر تاريخهم هم في حالة تشتّت وتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، وهذه من سنن الله القدرية في تفرّق اليهود والخلاف والعداوة والبغضاء بين بعضهم، وعدم اجتماع كلمتهم، وشتاتهم في العالم. اليهود عبر تاريخهم بلا وطن وبلا هوية وناضلوا طويلاً في دول أوروبا حتّى حصلوا على الاعتراف بهم كمواطنين يتمتّعون بما يتمتّع به المواطن في تلك الدّولة من الحقوق المدنية، وليعترف لهم بممارسة شعائرهم وطقوسهم الدّينية حسب شرائع التّلمود، وكان الخوف لدى غالبيتهم من أن تسحب منهم تلك الحقوق إذا وجدت لهم دولة وكيان وأن يجبروا على الرّحيل إليها، وبذلك تفوتهم المصالح التّجارية والصّناعية التي تمتّعوا من خلالها بامتيازات تمكّنهم من التحكّم بعصب اقتصاديات هذه البلدان وتمكّنهم من إثبات وجودهم وهذا ما صرّح به بيجر في برلين عام 1905 قائلاً: "قد يترتّب على هذا الموقف - الدّعوة إلى إقامة وطن قومي لليهود - سحب الحقوق المدنيّة الذي يلزم أن يتّخذه التّشريع الألماني ضدّ الصّهيونية، ويكون الردّ الوحيد الذي يمكن أن يصدر عن الضّمير القومي الألماني". وكتب الوزير اليهودي في الحكومة البريطانية - عندما علم بعزم الحكومة البريطانية إصدار وعد بلفور - محتجاً: "لقد بدت الصّهيونية لي دائماً عقيدة سياسية لا يمكن أن يؤمن بها أي مواطن مخلص للمملكة المتّحدة، ذلك أنّ اليهودي الإنكليزي الذي يتطلّع إلى جبل الزّيتون ويتوق إلى اليوم الذي يستطيع فيه أن ينفض عن حذائه التّراب البريطاني، ويعود إلى نشاطه الزّراعي في فلسطين، إنّما يعترف بذلك أنه لا يصح للاشتراك في الحياة العامّة في بريطانيا العظمى". وبرّر احتجاجه بمبادئ أربعة هي: أولاً: عدم وجود أمّة يهودية تجمع بينها مقومات الأمّة الواحدة. ثانيًا: إن الدّول ستتخلّص من اليهود المقيمين فيها بمجرّد القول إنّ فلسطين وطنهم. ثالثًا: إنّ فلسطين ليست مشتملة على مقدّسات اليهود وحدهم بل هناك المقدّسات المسيحية والمقدّسات الإسلامية. رابعا: تعداد اليهود في العالم يبلغ ثلاثة أضعاف ما تستوعبه فلسطين، ولم تنته الاحتجاجات على تجميع اليهود في فلسطين بل استمرت حتّى بعد قيام الدّولة "الإسرائيلية" في فلسطين: فقد أقر مؤتمر فيلادلفيا في نوفمبر 1969 أنّ الهدف الإلهي لـ"إسرائيل" ليس هو استعادة الدّولة اليهودية القديمة، تحت حكم أحد خلفاء داود، وهو ما يستلزم أن ينفصل اليهود للمرّة الثّانية عن أمم الأرض. وإنّما الهدف هو اتحاد جميع أبناء الله في الاعتراف بوحدة الله، بما يحقّق وحدة جميع المخلوقات العاقلة ودعوتهم إلى القداسة الرّوحية". وبحقيقة الواقع لا يوجد على هذا الكوكب ما يؤكّد وجود دولة يهودية عبر تاريخهم سوى إنشاء كيان لهم في فلسطين عبر وعد بلفور وفي هذا ما ذكره الرّاحل عبد الوهاب المسيري، إعادة للتّذكير بأنّ أعضاء الجماعات اليهودية لم يكونوا قطّ شعبًا واحدًا ذا "وحدة يهودية عالمية" ويتّسق بهوية واحدة ويبحث عن "وطن قومي" وأن القضايا الخاصة بالهوية اليهودية لم تحسم بعد. ويضرب مثلاً بقانون العودة الذي صدر بعد إعلان قيام الدّولة عام 1948 وينصّ على أنّه يحقّ لكلّ يهودي أن يهاجر إلى "إسرائيل"، لكن واضعي هذا القانون لم يحدّدوا أيّ يهودي تحقّ له العودة كما لم يعرفوا بالضّبط ما اليهودية التي يؤمن بها هذا اليهودي في ظلّ تعدّد الموروثات الدّينية والعرقية للجماعات اليهودية التي لا تستمدّ هوياتها "من هوية يهودية عالمية" بل من مجتمعات عاشت في ظلّها. ويسجّل المسيري في كتابه (من هم اليهود؟ وما هي اليهودية؟) أنّ قضية تعريف اليهودي ليست مجرّد قضية دينية أو سياسية لكنها "مصيرية" تتعلق برؤية الذات والعالم كما تعد مصدرًا لشرعية الدّولة العبرية نفسها. ويقول إنّ المؤسسة "الصّهيونية" الحاكمة لا تملك الحدّ الأدنى من الاتّفاق حول هذا السّؤال ولهذا لجأت إلى تجاهله أو تأجيل النّظر فيه وتوصّلت إلى "حلول تلفيقية مؤقتة" ويتساءل.. "هل يمكن تأسيس دولة يهودية دون تعريف الهوية اليهودية ودون التوصّل إلى تعريف من هو اليهودي؟" لائمًا الإعلام العربي الذي لا يعطي هذه الإشكالية ما تستحقّ من اهتمام. ويضيف أنّ "الحل الدّارويني السّحري" في بداية القرن العشرين تمثّل في "تصدير المشكلة (اليهودية) إلى الشّرق بإقناع الفائض البشري اليهودي بأنّ تهجيره إلى فلسطين ليس محاولة للتخلّص منه وإنّما هو عودة إلى أرض الميعاد إلى آخر هذه الترهات وبالفعل قامت الإمبريالية الغربية بتأسيس الدّولة الصّهيونية لتستوعب هذا الفائض ولتكون قلعة أمامية تدافع عن مصالح العالم الغربي في المنطقة" العربية. ويقول المسيري في كتابه (من هم اليهود؟ وما هي اليهودية؟) إنّ الرّؤية الصّهيونية اختزالية تنطلق من فكرة وجود تاريخ واحد لليهود وتؤمن بمفهوم الوحدة اليهودية العالمية بافتراض أنّهم حافظوا على هذه الوحدة عبر ألوف السّنين. ويتساءل.. هل هو تاريخ يهودي أم تواريخ لجماعات يهودية؟ ويضيف أنّ تعريف اليهودي قضيّة أساسية "للعقد الاجتماعي الصّهيوني" على خلاف الدّول الأخرى فالولايات المتحدة مثلاً تستمدّ شرعيتها من مصادر خارج الدّيانة المسيحية "أمّا الدّولة الصّهيونية فهي تدّعي أنّها يهودية وأنّها تجسّد قيمًا إثنية دينية أو دينية قومية يهودية وأنّها استمرار للدّولة اليهودية القديمة ولذا يطلق الصّهاينة على "إسرائيل" اصطلاح الهيكل الثّالث باعتبار أنّ هيكل سليمان هو الهيكل الأوّل وأن هيكل هيرود هو الهيكل الثاني" مضيفًا أنّ ما يصفه بالفشل في تعريف اليهودي يضعف القدرة التعبوية لـ"إسرائيل" ويضرب أسطورة الشّرعية الصّهيونية في الصّميم. ويرى أنّ معظم الجماعات اليهودية انصهرت في المجتمعات التي عاشت فيها ضاربًا المثل بيهود منطقة القوقاز ويهود جورجيا الذين فقدوا "بمرور الزمن علاقتهم باليهودية الحاخامية" واندمج يهود الصّين "تمامًا وكان كلّ ما يعرفونه عن اليهودية هو أنّهم يهود" كما أصبح يهود العالم العربي عربًا واكتسبوا الصّفات العربية.

لا مستقبل للوباء الصهيوني..

لعنة التاريخ أقوى من تلوين الجغرافيا

بقلم: إبراهيم باجس عبد المجيد - باحث مقدسي "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". مقولة، بل فرية، صدَّعت بها اليهودية العالمية رؤوسنا ورؤوس العالم أجمع. ادّعت في هذه المقولة أنّ فلسطين كانت أرضاً خراباً يباباً لا يسكنها إلا قلّة من البشر غير المتحضّرين. وأنّ هذه الأرض كانت بحاجة إلى من يسكنها ويعمرها، وهم اليهود الذين لا أرض ولا وطن لهم، وهو ادِّعاء باطل وكاذب في شِقَّيه: أمَّا الشقّ الأول من هذه المقولة اليهودية الصّهيونية، فهو افتراء واضح وكذب صارخ، فمنذ آلاف السّنين كانت فلسطين عامرة بأهلها من كنعانيين عرب وفينيقيين، ثم عمرها أهلها المسلمون منذ أن فتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى يومنا هذا، وقد كانت أرض فلسطين حاضرةً علمية وثقافية، ومركزًا دينياً وتجاريًا، بل كانت صلة الوصل بين قارتي آسيا وإفريقيا عبر العصور. وأمّا الشقّ الثّاني من هذه المقولة، وهو موضوع مقالتنا هذه، (شعب بلا أرض)، فهو أيضًا ادعاء باطل، لأنّه قام على أساس باطل، وهم زعم أن اليهود (شعب)، والشّعب له مقوِّمات يقوم عليه؛ إمَّا نسب أو قومية أو عرق. أمّا اليهود فلم يكونوا في يوم من الأيام شعباً بالمفهوم الصّريح للشّعب، إنّما هم أتباع ديانة، ولا يجمعهم رابط إلا هذا الرّابط الدّيني فقط. ولو تتبّعنا التّاريخ اليهودي لبني "إسرائيل"، لوجدنا أنّهم في كثير من أطوارهم وأزمانهم لم يكن لهم دولة، ولم يكن لهم وطن يعيشون فيه، بل عاشوا مشتَّتين مفرَّقين في كل البلاد.. لم تحتمل الأرض وجودهم مجتمعين عليه، ولم يحتملهم أهل الأرض كذلك. وما ذلك إلا لسلوكهم المشين والدّنيء أينما حلُّوا في كل زمان ومكان. انظر حالهم أيام نبيهم موسى عليه السلام، وهو يدعوهم إلى دخول الأرض المقدسة (فلسطين)، {يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ}، ولكنهم يرفضون ذلك ويأبون الانصياع إلى أمر نبيهم، وقالوا بكل صلف {قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَآ}. فلم يدخلوها، وكأنّ هذه الأرض المقدسة أيضًا أبت أن يدخلها هؤلاء العُصاة لنبيهم، فلفظتهم وبقوا خارجها مشتتين مشردين، ومنذ ذلك الوقت، كتب الله عليهم الشتات والتِّيه.. وكان أرض فلسطين المقدسة، وبنص القرآن الكريم، {مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ}. وانظر حالهم بعد ذلك، في العهد الروماني، فقد حاولوا الثورة عليه، مما جعل القائد الروماني (تيطس) يعمل على استئصالهم، وتشريد وتهجير من تبقى منهم. وانظر أخي القارئ حالهم في العهد الإسلامي الأول، زمن النبوة، في المجتمع المدني.. كانت المدينة النبوية هادئة وادعة بمجتمعها المتناسق المتآلف، لكن جرثومة الشر والخبث من هؤلاء اليهود بشتى أعراقهم وقبائلهم (بنو قريظة وبنو النضير قينقاع) أبت إلا أن تحيك المكائد للمجتمع المسلم، فتحالفت مع القبائل العربية المعادية للمسلمين من أجل القضاء على هذه الدّولة الإسلامية الناشئة الوليدة، ولكنّ الله ردَّ كيدهم وجعله وبالاً عليهم، فكان جزاؤهم القتل والتّشريد والشّتات في بقاع المعمورة. وظلَّ "اليهود في حالة تشتت وتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، ولم يكن يسمح وقتها لهم بالسكنى في بيت المقدس، بل كان من بنود المعاهدة بين نصارى بيت المقدس وعمر بن الخطاب، رضي الله عنه ألَّا يسمح لليهود بالسكن في بيت المقدس. فاستمرَّ اليهود في التشتت والتمزُّق في أنحاء الأرض إلى بداية القرن العشرين". وانتقل كثير منهم وهاجر إلى بلدان أوروبا، ونقلوا معهم جرثومة الشر، هذه الجرثومة التي وُجدت في (جِيناتهم)، ولا يستطيعون الخلاص منها. وفي أوروبا لم يعيشوا مسالمين كما ينبغي على أي وافد أو غريب أو ضيف أن يكون، بل بدؤوا بزرع شرورهم حيثما حلُّوا وأينما وُجدوا، وأخذوا في حياكة الدّسائس والمؤامرات في المجتمعات التي وفدوا إليها، وعملوا على إحداث الفرقة بين مكونات تلك المجتمعات، وعملوا على السيطرة على التجارة والاقتصاد من خلال تعاملهم الرّبوي الفاحش، وإغراق النّاس، بل الدّول في الدّيون التي لا يستطيعون سدادها. وبهذا تشتَّت اليهود في أنحاء الأرض، وسلَّط الله عليهم الأمم يسومونهم سوء العذاب ببغيهم وفسادهم وسوء أخلاقهم. وفي هذا يقول الله عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}. وفعلاً، لقد سامتهم الأمم سوء العذاب، وطُردوا من الدول التي سكنوا فيها، وما ذلك إلا بسبب سوء أخلاقهم، وإساءاتهم المستمرة للشعوب التي استقبلتهم وآوتهم، فلم يحفظوا المعروف ولا الجميل، بل مارسوا الغدر والخيانة؛ فطُردوا من فرنسا، طُردوا من إنجلترا، وطُردوا من روسيا، ومن إسبانيا، ومن ألمانيا، ومن غيرها من الدول، وحلَّت عليهم العنان من الله ومن الناس، وأصبحوا {ملعونين أينما ثُقفوا}.

للتخلّص من آفة الاستعلاء وتحقير الآخر..

طرد اليهود مبدأ عالمي

بقلم: الدكتور عبد الله المَشوخي - أكاديمي فلسطيني المتأمّل في تاريخ اليهود يلحظ أنّ كافة دول العالم لم تتقبّلهم، وسعوا لطردهم من كافة بلدانهم، لاسيما دول أوروبا في القرون الوسطى، حيث تمّ طردهم من إنجلترا وإيطاليا وفرنسا وسويسرا وإسبانيا والمجر وبولندا والبرتغال.. وغيرها من الدّول. كذلك تعرّض اليهود لكراهية سائر الأمم منذ القدم؛ من بابليين وفُرس وروم وآشوريين وحيثيين.. إلخ. هذه العداوة والكراهية تعود لعدّة عوامل؛ منها: العامل الدّيني: إذ يعتقد اليهود أنّهم وحدهم شعب الله المختار؛ فهم أبناء الله وأحباؤه، وجميع الشّعوب الأخرى لا قيمة لها ولا وزن، بل هي شعوب تافهة ومنحطّة، لذلك يطلقون عليها (غوييم)، أو غيار احتقاراً لها. ولفظ غوييم من غوي، وهي تدلّ على حيوانات مجتمعة في قطيع أو حشرات. كذلك يعتقد اليهود أنّهم خُلقوا من جوهر الله، فيما سائر البشر خُلقوا من طينة شيطانية، وهذه النّظرة الاستعلائية ارتبطت بعقيدتهم المنحرفة، حيث جاء في سفر أشعيا ما نصه: "ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حرَّاثيكم وكرَّاميكم، أما أنتم فتدُعون كهنة الرّب، تسمون خدامَ الهنا، تأكلون ثروة الأمم وعلى مجدهم تتأمرون". وبسبب هذا الاستعلاء تجدهم يستعبدون الآخرين، ويستبيحون دماءهم، كما ورد في سفر التّثنية، حيث جاء فيه: "حين تقرب من مدينة لتحاربها استدعها للصّلح، فإن أجابتك إلى الصّلح وفتحت لك، فكلّ الشّعب الموجود فيها يكون لك للتّسخير ويُستعبد لك". ومن الأمور التي تسبّبت في بغض اليهود، بل وقتلهم وطردهم: اتهامهم في خطف أطفال المسيحيين واستخدام دمائهم لصنع خبز عيد الفصح اليهودي لديهم. وهذا ما حدث في بريطانيا، حيث تم قتل طفل انجليزي على عهد الملك هنري الثاني، واتهم 93 من اليهود وأعدم 18 منهم. وفي هذا كتب الأديب والروائي المصري نجيب الكيلاني روايته (دم لفطير صهيون(. ومن الأمور التي تسبّبت في بغض اليهود، لاسيما في أوروبا: نزعة العداوة لغير المسيحيين مع صعود حملاتهم الصّليبية، حيث زادت حدّة العداوة لليهود بسبب اتهامهم بالمسؤولية عن قتل المسيح وفق اعتقادهم، حيث حرَّض اليهود (بيلاطس) على قتل عيسى عليه السلام، وقالوا له: "دمه علينا وعلى أولادنا". كما ورد في سفر متى. ونتيجة لما سبق، نجد كراهية اليهود تصدَّرت خطابات رجال الدين أمثال (مارتن لوثر)، حيث صرح أنّ اليهود مبدأ الشّر والضّرر الاقتصادي والخيانة الإلهية. عامل سوء أخلاقهم: من العوامل التي تسبّبت في بغض اليهود: سوء أخلاقهم من غدر وخيانة ونقض للعهود والمواثيق ونشر للفساد. وعلى سبيل المثال: من الأمور التي أثارت حفيظة الألمان على اليهود: اتهام النازيين الألمان اليهودَ بخيانتهم في الحرب العالمية الأولى مما تسبّب في هزيمتهم. كما اتّهموهم بنشر الفساد والرّذيلة والشّذوذ الجنسي والانحطاط الخلقي في برلين بسبب سيطرتهم على الصّحافة والإعلام والمسرح، كما تسبّبوا في مشكلات اقتصادية وبطالة بسبب الرّبا. وصدق فيهم قول الله سبحانه وتعالى: "ويسعون في الأرض فساداً". عامل الجشع ومراباتهم: من العوامل التي أدّت إلى بغض اليهود وكراهيتهم: بُخلهم الشّديد وجشعهم المادّي، واستغلال حاجات النّاس، واستباحة المعاملات الرّبوية مع غير اليهود، إذ ورد نصّ في سفر التّثنية يبيح مراباة غير اليهودي، وينهى عن مراباة اليهودي، حيث جاء فيه: "لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء ما مما يقرض بربا، للأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا". وهذا التّعامل بالرّبا سَّبب إفلاساً وبطالة داخل المجتمعات الأوروبية، يضاف إلى ذلك تعاملهم بالرّهن الذي تسبّب في فقد كثير من النّاس بيوتهم ومزارعهم، ممّا أثار حفيظة سائر النّاس على اليهود وبغضهم. وسرّ تحكّم اليهود في البنوك والمصارف في القرون الوسطى يعود إلى منع الكنيسة إقراض النّاس مقابل فوائد، فاستغل اليهود ذلك، وتحكّموا بعصب الاقتصاد الأوروبي، وتسبّبوا بإفلاس وبطالة أغلب الناس في أوروبا. وقد جسد شكسبير شخصية اليهودي المرابي في مسرحيته الشّهيرة (تاجر البندقية) حيث ربط شخصية اليهودي بالرّجل الطّماع الجشع الشَّرِه، الذي لا يعرف الرحمة في قلبه. كذلك اتسمت الشخصية اليهودية في العديد من المسرحيات الأوروبية بالرّجل المهووس بالمال المتعطش للدّماء. لكلّ ما سبق تعرض اليهود لبُغض وكره وطرد من سائر المجتمعات الغربية، كما حدث في فرنسا حيث تم طرد 100 ألف يهودي سنة 1148 م. وفي عام 1290 م أصدر ملك إنجلترا إدوارد الأول أمراً بطرد كل اليهود من بلاده. وفي جنيف تم تخصيص حي لليهود، ولم يسمح لهم بلمس أي طعام في السوق. وفي روسيا تم اضطهاد اليهود بسبب جريمتهم في اغتيال القيصر الكسندر الثاني سنة 1881م. وفي أمريكا حذّر الرّئيس الأمريكي السّابق (فرانكلين) عام 1789م الشّعب الأمريكي من خطر اليهود، وخشيته من سيطرة اليهود على أمريكا وتحكمهم في سائر مرافق الحياة وتحويل الشعب الأمريكي كعبيد يعملون عندهم. ومما قاله: "أيّها السادة في كل أرض حلّ بها اليهود أطاحوا بالمستوى الخلقي وأفسدوا التجارة فيها.." وختاماً، فإنّ كراهية الشّعوب والدّول وسائر الأمم لليهود يعود لسِمات وأخلاق فاسدة اتَّصفوا بها عبر العصور، صفات وسمات راسخة ثابتة تتوارثها أجيالهم عبر التّاريخ بسبب ارتباطها بعقيدة محرَّفة تُمجِّد كل يهودي وتُحقِّر سائر البشر.