في فلسطين، لكل أسرة فراغ لا يملأه أحد منذ لحظة اعتقال الابن أو الابنة، الزوج أو الزوجة.
الأسرى ليسوا مجرد أرقام في سجلات المحاكم، ولا أسماء في تقارير حقوق الإنسان، بل رموز صمود وحرية، رجالا ونساء، حراسا لذاكرة وطن كامل.
كل حكم مؤبد يُفرض عليهم محاولة لاقتلاع الحياة، لكنه يزرع فيهم الوعي والإبداع. الزنازين تصبح مدارس، والرسائل تتحول إلى مؤلفات، والصبر يتجسد قوة تعانق التاريخ.
من عبد الله البرغوثي إلى مروان البرغوثي، ومن أحمد سعدات إلى إبراهيم حامد، تمتد قصص الصمود عبر الأجيال، يكتبون ملحمة الحرية بحروف من صلابة الحديد، ملامسا كل قلب ينبض بحب الوطن.
رغم العزل والانتهاكات والحرمان، يثبت هؤلاء الأسرى أن العمر الضائع خلف القضبان يمكن أن يتحول إلى عمر للأمة بأكملها. قيود الاحتلال لا تملك أن تكسر الروح الحرة، ولا أن تطفئ شعلة الوطن في قلوبهم.
هذه ليست مجرد قصة سجن، بل شهادة على القوة التي يولّدها الظلم، ورسالة صادقة إلى العالم: الحرية لا تُسلب، والكرامة ستظل صامدة مهما طال الليل.

من عتمة السجون إلى أحرار العالم
يا شعوب الأرض الحرّة، يا من تنبض قلوبكم بالعدل،
من خلف الجدران الغليظة، من قلب القيد وأنياب السجّان، نبعث إليكم صرخة لا تعرف الصمت، نُعلن حضورنا رغم الغياب،
نحن هنا.. لا زلنا نحمل أسماءنا كاملة، وذاكرتنا لم تُنتزع.
نحن الأسرى الفلسطينيون، نُساق إلى المحاكم مُكبَّلي الأيدي، بلا تُهَم، بلا دليل، وتُمدَّد اعتقالنا مرارًا كأنما الزمن عدوُّنا الوحيد.
لقد مضت أعمارٌ، وسُرقت أعمارٌ،
في المعتقلات والزنازين كبرنا، شابت أحلامُنا، وتكسّرت أعوامُنا على حوافّ التحقيق.
بيننا آباء حُرِموا من رؤية أبنائهم، وأمهات حُرِمن من وداع أبنائهن،
بيننا من وُلِد خلف القضبان، وكبُر لا يعرف طَعم البحر ولا لون السماء.
نحن لسنا أرقامًا في سجلاتهم، نحن:
أسرى الحلم والكرامة.
شباب اختُطِفت زهرة أعمارهم في وضَح القهر.
أطفال كبروا في حِضن الأسلاك والجدران.
مرضى يتآكلهم الألم تحت أنظار العالم الصامت.
يا من تؤمنون بالحرية.. هل من صدى لصوتنا؟
هل من منصّة تسمع آهاتنا؟ هل من قلم يكتب وجعنا؟
نُناشد ضمائركم الحيّة، نُنادي فيكم الإنسان، فلسطين تنزف من بوّابة السجون، وهناك آلاف خلف القضبان لا ينتظرون سوى لحظة إنصاف.
لسنا نرجو المستحيل، نحن نطالب بما هو حقّ لنا:
أن نُعامَل كبشر، أن نُحاكَم بعدل، أن نُحرَّر من القيد.
نعاهدكم:
لن نَكسر، لن ننهار، سنبقى أوفياء للحرية، وسنظل نؤمن أن صوت المظلوم لا بدّ أن يصل، وأن الجدران مهما علت، لا تستطيع حجب الشمس عن فجر آتٍ.
أصواتكم حريّتنا كونوا معنا، فأنتم الأمل الأخير.
– إخوانكم الأسرى في سجون الاحتلال

شهادات حية من خلف القضبان... سلسلة توثيقية تسلط الضوء على معاناة الأسرى في سجون الاحتلال
إعداد: مكتب إعلام الأسرى
تعد قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال من أبرز القضايا الإنسانية والسياسية التي تستدعي التوثيق والمتابعة، إذ يعيش آلاف الأسرى، ومن بينهم مئات النساء والأطفال، في ظروف اعتقالية قاسية تتسم بالإهمال الطبي والعزل الانفرادي وأحكام المؤبد المتكررة. ومن هنا، جاءت فكرة "سلسلة شهادات من خلف القضبان" الصادرة عن مكتب إعلام الأسرى، لتوثيق الروايات الحية التي يرويها ذوو الأسرى ومحاموهم، وإبراز معاناة الأسرى وأثر الاعتقال والعزل على حياتهم اليومية ومسيرتهم النضالية. هذه السلسلة هي جهد إعلامي توثيقي يهدف إلى كسر العزلة المفروضة على الأسرى وإيصال صوتهم إلى العالم.
ثانيا: رؤية السلسلة
نحو كشف حقيقة العزل والانتهاكات داخل سجون الاحتلال وتدويل معاناة الأسرى الفلسطينيين.
ثالثا: رسالة السلسلة
تسعى سلسلة "شهادات من خلف القضبان" إلى جعل صوت الأسرى حاضرا في الإعلام والرأي العام من خلال الاعتماد على روايات مباشرة من عائلاتهم ونشرها عبر قوالب توثيقية قابلة للانتشار.
رابعا: أهداف السلسلة
1 - التوثيق: تسجيل الانتهاكات بحق الأسرى المعزولين وأصحاب المؤبدات والأحكام العالية، وتقديم مادة موثوقة توضح تفاصيل حياتهم داخل السجون.
2 - التوعية: إيصال صورة دقيقة للرأي العام المحلي والدولي حول واقع السجون وما يجري فيها بعيدا عن أعين الإعلام.
3 - الدعم المعنوي: إبراز صمود الأسرى ونقل رسائلهم من خلال عائلاتهم بما يخفف من وطأة العزلة المفروضة عليهم.
4 - المناصرة: تعزيز الحملات الحقوقية والإعلامية المطالبة بإنهاء سياسة العزل الانفرادي وممارسات الاحتلال القمعية.
5 - الحفاظ على الرمزية الوطنية: تأكيد أن الأسرى هم عمود أساسي في القضية الفلسطينية، وأن نضالهم لا يمكن فصله عن مسيرة الشعب نحو الحرية.

الأسير إسلام حامد.. إرادة لا تعزل ونضال يقابل بالقمع
الأسير إسلام حسن حامد
- من بلدة سلواد – رام الله، يبلغ من العمر 40 عاما
- ابن شقيق القائد الأسير إبراهيم حامد
- متزوج ولديه 4 أبناء اثنين منهم عبر النطف المهربة
- تعرض لعدة اعتقالات آخرها عام 2015
- حكم بالسجن : 21 عامًا
- منذ 25/11/2024 معزول في سجن جانوت
- تعرض للضرب المبرح بعصي "الطواري"
- سياسة تجويع وتنكيل متعمدة
- أخبار منقطعة عن وضعه الصحي
خطاب، محمد الفاتح، خديجة، أسماءٌ بأعمارٍ غضة لم يتح لعائلتهم أن تجتمع وإياهم في بيت واحد على سفرة واحدة، لم ترهقهم ذكريات المحبة والحضن الدافئ، ففي الوقت الذي كافحت والدتهم حتى تبني لهم بيتاً رغم غياب أبيهم، واجه والدهم حكماً جائراً وعزلاً وضرباً مبرحاً فقط في أعقاب الإجراءات الانتقامية المترتبة بحق الأسرى الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر.
في إطار دوره التوثيقي والإنساني، يطلق مكتب إعلام الأسرى سلسلة تقارير خاصة تسلط الضوء على معاناة الأسرى المعزولين وذوي الأحكام العالية، يستعرض فيها قصصهم الفردية، وتجارب العزل القاسي، والتنقلات التعسفية، والإهمال الطبي الممنهج الذي يتعرضون له في محاولة لكشف جانب من حجم الانتهاكات داخل سجون الاحتلال، والأسير إسلام حسن حامد(40 سنة) سكان سلواد، قضاء مدينة رام الله أحد هؤلاء الأسرى.
مكتب إعلام الأسرى تحدث إلى شقيق الأسير إسلام حامد للوقوف على آخر المعلومات المتوفرة بحقه في ظل الهجمة الشرسة الممارسة بشكل عام بحق كافة الأسرى في أعقاب حرب ما بعد السابع من أكتوبر، حيث أكد شقيقه بأنه يخضع للعزل في سجن جانوت، ولا معلومات كافية عنه منذ فترة طويلة، وتنتزع العائلة حقها من المعلومات عبر الأسرى المحررين وعبر محامين آخرين تمكنوا من زيارة أسرى يملكون معلومات حول إسلام.
يقول شقيقه" المحامي الذي زار الأسير مروان البرغوثي قال لنا بأن إسلام في عزل جانوت، آخر ما نعرفه عن أخي بأنه كان في أوائل أشهر الحرب قد تعرض لضرب مبرح بعصي "الطواري" رداً على ما حصل في حرب السابع من أكتوبر، حتى أنه أشيع في وقت ما أنه تعرض لكسر في يده ولم تستطع العائلة التحقق من هذه المعلومة، كما لا تعرف تفاصيل خاصة حول وضعه الصحي ولكن تخوفاتها كبيرة إزاء ما يخرج من أخبار في سجون الاحتلال".
يقول شقيق إسلام حامد "أخي صاحب بنية قوية، إنسان رياضي يمارس الرياضة بانتظام، لكنني لا أستطيع تخيل ما حدث له في هذه الأشهر التي انقطعت فيها أخباره، وفي ظل ما نعرف وما أخبرنا به أسرى محررون قبل أن يتم عزله، فقد كان أخي يتعرض لضرب وقمع واعتداءات، ولا نعرف حجم ما خلفته هذه الاعتداءات في جسده حتى اليوم، لكننا نأمل ونؤمن أنه بصحة وعزيمة جيدة".
في الأشهر الأولى للحرب كان الأسير إسلام حامد في سجن النقب ثم جرى نقله إلى نفحة قبل أن يتم دمجه مع سجن ريمون ليصبح سجن جانوت، واليوم إسلام أحد الأسرى المعزولين في جانوت، تغيب معلوماته عن عائلته بشكل متعمد، وبتاريخ 20/1/2024، علم في أثناء اعتقاله بوفاة والده وتلقى الخبر صابراً محتسباً واعداً نفسه ألا يبكي ولا يضعف، ولم تتح له فرصة وداعه وممارسة رفاهية الحزن عليه.
الأسير إسلام حامد منذ تاريخ 25/11/2024، جرى عزله بجانوت بذريعة تحريض الأسرى في السجون، وتحت هذا الشعار يمارس الاحتلال سياسة تجويع وتنكيل بحق الأسير حامد لا يعرف عنها أحد شيئاً ولا تعرف عائلته عنها الشيء الكثير أيضاً، لكن شقيقه وبحجم الأمل والإيمان لديه يقول" في كل محنة هناك منحة ربما جاء عزل أخي لإراحته قليلاً من عذاب الأمراض المنتشرة بين الأسرى قد يخفف العزل من التقاطه لهذه الأمراض".
بهذا الأمل النادر تواجه عائلة الأسير إسلام حامد أيامها، خطاب ابنه البكر صاحب الـ12 سنة لا يعرف والده، فحين جرى اعتقاله عام 2015 كان بعمر السنتين ولا يعرف من والده الشيء الكثير، ورفقة شقيقيه التوأمين محمد الفاتح وخديجة(4سنوات) ينتظر حرية والده، وينتظر رفقة والدته المكافحة أن يصبح طيف أبيه حقيقة ترافقه في سن مراهقته وشبابه ويحمل من طباعها وخصالها الشيء الذي يفتقد.
الأسير إسلام حامد أحد أوجه المقاومة الحرة حتى وهو خلف قضبان الاعتقال، فعام 2021، رزق بتوأميه عبر النطف المهربة، واستطاع أن يخطو بعائلته خطوة نحو الحرية حتى وهو معتقل، ولكنه بعد أشهر من فرحة عائلته بطفليه الجديدين صدر بحقه حكم نهائي بعد 7 سنوات توقيف ومحاكم ومدته كانت 21 سنة بتهمة إطلاق نار على المستوطنين.
الأسير حامد خاض جملة من الاعتقالات قبل اعتقاله الحالي فقد بدأ عمره النضالي غضاً بعمر السابعة عشر اعتقل حينها لـ5 سنوات وأفرج عنه وأعيد اعتقاله عام 2008 لمدة عامين إداريين، كما وتعرض لأشهر طويلة لمطاردة الاحتلال له قبل أن يتم اعتقاله، واليوم تدرك عائلته كره الاحتلال له وكره إدارة السجون لشخصه.
الأسير إسلام حامد هو ابن شقيق الأسير القيادي إبراهيم حامد يواجه كلاهما ذات التصعيد الممنهج لقاء نضالهما وحقهما المشروع في الوقوف خلف حرية بلادهما وحقوق أبناء الشعب الفلسطيني، وفي حين يتواجد إبراهيم في سجن شطة بحكمٍ مؤبد وأخبارٍ شحيحة، يتواجد إسلام حامد في عزل جانوت بجسدٍ لا تعرف عائلته حجم ما فعلته الأشهر المغيبة به.

الأسير المؤبد بلال البرغوثي.. الجندي المجهول في تاريخ الحركة الأسيرة.. صامد في العتمة
الأسير بلال يعقوب البرغوثي
- من سكان بيت ريما برام الله يبلغ من العمر 39 عاما
- محكومة بالسجن المؤبد 17 مرة
- يعاني من معاملة قاسية في سجن جلبوع
- يتم احتجازه في غرفة معزولة تماما
- فقد إحدى كليتيه نتيجة إصابته عام 1994
- يعاني من ضغط الدم المرتفع وارتفاع نسبة الدهون
- يعاني من مرض السكابيوس (الجرب)
- يقطع الدواء عنه ولا يقدم له العلاج المناسب
تعرف بلاده اسمه ونضاله وتاريخ حبه لحجارتها وبساتينها، تحفظه قراها التي مر بها مجاهداً على طريق الحرية، وتنصفه حتى وإن لم تنصفه الأقلام، الجندي المجهول في معركة السجون، صاحب الحكم المؤبد، والسجل المرضي الذي يزداد سوءاَ يوماً إثر يوم، مدرسة نضالية منفردة بذاتها، تهددها أمراض وعزل انفرادي وتعنت في تقديم العلاج وانتقام لشخصه.
العزل والأسلوب الانتقامي من إدارة السجون هو عنوان مرحلة السجن التي يعيشها الأسير المؤبد بلال يعقوب البرغوثي (٤٩ عاما)، سكان بيت ريما، قضاء مدينة رام الله، يزيد من صعوبته عدد من الأمراض المزمنة والأمراض التي نتجت عن سنين الاعتقال، ورفض إدارة السجون تنظيم فترات تقديم العلاج اليومي له، وإدخال مستلزمات يحتاجها طبياً لإعانته على تحمل أمراضه.
مكتب إعلام الأسرى تحدث إلى بيان البرغوثي، أمل الحياة الجديد للأسير بلال، خطيبته التي ارتبطت به رغم حكمه المؤبد، للوقوف على آخر تطورات وضعه الصحي والاعتقالي ضمن سلسلة تقارير ينشرها مكتب إعلام الأسرى لإبقاء أسماء أسرى الأحكام العالية والمؤبدات ماثلة في أذهان أبناء شعبهم.
تقول بيان البرغوثي" أبرز ما يجب الحديث عنه بما يتعلق ببلال هو وضعه الصحي الراهن، حيث تحرر أسرى حديثاً من سجن جلبوع حيث يتواجد، في ظل انعدام زيارات المحامين في الآونة الأخيرة وعدم معرفتنا بأخبار السجون، وأكدوا لنا بأن وضعه الصحي سيء للغاية، وأخبرنا أحد الأسرى المحررين بأن بلال موجود في غرفة خاصة كأسلوب عقابي بحقه حيث لا نوافذ ولا ضوء ولا هواء ولا شيء فيها، وأوضاع بلال الصحية لا تحتمل ذلك أبداً".
تضيف بيان" بلال يعاني من ملف مرضي، بدأ بإطلاق الاحتلال الرصاص عليه عام ١٩٩٤، وقد فقد إحدى كليتيه في ذلك الوقت وهو اليوم مريض كلى بحاجة لأن يأخذ دوائه بشكل مستمر، هناك أسير آخر أخبرنا أنه في سجن جلبوع في قسم معزول ومتعب للغاية واليوم لا نعرف عنه إلا هذه المعلومات، آخر زيارة لمحامي له كانت في شهر ديسمبر الماضي حيث استطعنا في ذلك الوقت الحصول على تقريره الطبي، واليوم لا نعلم عنه إلا ما يخبرنا به أسرى محررون من ذات قسمه، ولا نعلم تطورات ملفه الطبي بشكل دقيق خلال هذه الفترة".
الملف الطبي للأسير بلال البرغوثي الذي وفره المحامي نهاية العام الماضي يعرض أن بلال يعاني من مرض للكلى ومن ارتفاع في ضغط الدم، وارتفاع في نسبة الدهون نتيجة لأن إدارة السجن تعطيه نوع طعام لا يتلاءم مع طبيعة مرض الكلى لديه حيث يحتاج أصحاب هذا المرض لتناول أطعمة معينة والامتناع عن تناول عدد آخر منها، فيما لا توفر ظروف السجن هذه الرفاهية في ظل فرض سياسة التجويع بحق الأسرى.
يعاني الأسير بلال علاوة على كل ذلك من مرض النقرس ومرض سكابيوس حيث أكد المحامي الذي زاره أن جسده متحفر للغاية نتيجة هذا المرض، كما تطالب عائلته بإدخال جوارب طبية خاصة بمرض الدوالي الذي يعاني منه فوق كل ذلك، تقول خطيبته بيان" كل هذه الأمراض هي نتاج الاعتقال الذي خضع له بلال، مسيرة بلال بدأت عام 1994، حين تعرض خلال مواجهات شارك فيها ضد الاحتلال لثلاث رصاصات، اثنتين في منطقة الظهر، وواحدة في منطقة الكبد، وعلى إثر هذه الإصابة فقد بلال كليته وجزء من الكبد، ونتيجة إصابته بنزيف حاد مكث قرابة الشهر في المستشفى إلى أن تم اعتقاله بعد خروجه من المشفى بأسبوعين، وأمضى مدة شهر في الاعتقال في ذلك الوقت، ثم نال حريته".
بلال كان تاريخاً منفرداً بذاته واصل مسيرته النضالية إلى أن استطاع تجنيد ابن عمه عبد الله البرغوثي في صفوف كتائب القسام، ليقوم الاحتلال على إثر ذلك بوضعه على قائمة الشبان المنوي اغتيالهم، كما وقام بهدم منزل عائلته بتاريخ 24/10/2001، استمرت مطاردة الاحتلال لبلال حتى تاريخ 2/4/2002، حيث اعتقله الاحتلال بعد قصف مقر الوقائي وصدر بحقه حكم مدته 17 مؤبداً، بتهمة الانخراط في قيادة كتائب القسام وتجنيد عبد الله البرغوثي، ومسؤوليته المباشرة عن عملية سبارو بمشاركة أحلام التميمي وضياء الطويل.
توضح بيان البرغوثي بأن بلال أستاذ في المقاومة، وتنسب له العديد من العمليات البطولية التي حدثت في كافة أرجاء البلاد، تصفه خطيبته بأنه أحد أبرز القادة الذين لا يتحدثون عن أعمالهم بل يتركوها هي لتتحدث عنهم، فلم يترك معقلاً للجهاد إلا وانخرط به، وكان من أبرز المؤسسين للعمل العسكري في الجامعات الفلسطينية، بلال كان كادراً عسكرياً بحد ذاته ما شكل اعتقاله هاجساً طويلاً لدى المحتل، واليوم يتعرض كباقي الأسرى لسياسات ممنهجة من الاعتداءات ضد شخصه قبل كل شيء.
الأسير بلال البرغوثي اسم لامع في تاريخ الحركة النضالية في فلسطين قيادي جند أسماء كبيرة من أبناء الحركة الاسيرة وشهداء البلاد، الجندي المجهول الذي لا يحب أن يكتب أحد عنه وعن مسيرة حياته، الاحتلال يتعمد حسب آخر معلومات تتوفر لعائلة بلال عدم الالتزام في تقديم دواء الكلى لديه رغم أنه دواء يومي يحتاجه تباعاً في حين يقدمه الاحتلال له يوم ويقطعه عنه أيام، وحتى العام الماضي تجهل العائلة حقيقة وضعه الصحي بشكلٍ منتظم.
تصف بيان بلال بأنه من خيرة أبناء بلادها، إنسان يستحق الحياة، تنتظر حريته على أحر من الجمر، جهزت بيتاً لهما، وأسست حياة ترغب أن تمتلئ بصوته، بيان ابنة البلاد صاحبة العلم التي ترى أنها لا تضحي بارتباطها ببلال بسنوات عمرها بل على العكس ترى في معرفتها له حياة وأملاً وحباً، تؤكد على أن الأمر ليس سهلاً ولا يعرف وجعه إلا من ذاق مرارته، لكنها نعم النساء التي تقف خلف تضحيات أبناء بلادها.
تقول بيان" أنا كلي أمل بأن بلال سينال حريته، الطريق ليس سهلاً، لكنني فرحة لأني أصبحت باب أمل جديد لبلال، فقد أكد لي عبر أسرى محررين وعبر أكثر من مناسبة بأنه نال حريته حين ارتبط بي، فكيف لي ألا أقف خلفه حتى ينال حريته".
اليوم تعاني عائلة الأسير بلال البرغوثي من تخوفات نتيجة غياب أخبار بلال عنهم، اليوم تبذل رفيقة دربه بيان كل جهودها لتعين محامين يزوروه بشكل منتظم رغم ما تتعرض له عائلات الأسرى من مشاكل نتيجة قطع رواتبهم وصعوبة إيجاد محامين متطوعين، اليوم تجاهد بيان وحدها للوقوف لتوفير علاج يومي لآلام بلال في السجون، لكن أوضاع السجون ما بعد حرب السابع من أكتوبر تجعل مهمتها شبه مستحيلة في ظل عزل قيادات الحركة الأسيرة ومنع زيارات المحامين، وتعمد الاحتلال تغييب صوت الأسرى إلا من محررين من الأسرى يخرجون بشجاعة بعد سنوات وأشهر ويروون سلسلة من الكوابيس التي أذاقتهم إدارة السجون مرارتها ولا زالت تذيقها لمن خلفهم من الأسرى.

الأسير المقدسي أكرم القواسمي.. ثلاثة عقود من الأسر والوعي تقض مضاجع السجان
الأسير أكرم إبراهيم القواسمي
- من القدس يبلغ من العمر 51 عاما
- محكوما بالسجن المؤبد
- أمضى أكثر من 30 عاما في الأسر
- انقطعت أخباره منذ ديسمبر 2024
- فقد 40 كيلوغراماً من وزنه
- مريض بالضغط ويحتاج أدوية يومية
- يتعرض للتنكيل والتجويع
- شارك في عمليات الثأر المقدس
- حصل على بكالوريوس، ماجستير، ودكتوراه
- ألّف رواية فضاءات القلوب
تترك الأسماء الثقيلة أعمالها وإنجازاتها النضالية لتروي عنها القصص، تقف خلفها الأرقام ك30عاماً في سجون الاحتلال، متواصلة باعتداءاتها، بتنقلاتٍ خاضها الأسير ما بين السجون التي أنهكت سنوات حياته، يواجهها بعزيمة كبيرة، وإنجازات تعليمية ونضالية لا يمكن حصرها ببضع كلمات، فاليوم لا تزال سجون الاحتلال تغلق أبوابها على الأسير أكرم إبراهيم قواسمي(51عاماً) سكان مدينة القدس المحتلة للعام ال30 على التوالي، إغلاق تخلله منع إدراج اسمه ضمن صفقات الأسرى، فالأسير القواسمي يشكل حالة رعب منفردة بذاتها لإدارة السجون حتى وهو داخل معتقلاتهم، حتى بات اليوم على رأس قائمة الأسرى الذين تغيب أخبارهم عن ذويهم تماماً، والذين يتصيد أهلهم صوتاً ما يخبرهم ولو بالقليل عنهم وعن أوضاعهم الاعتقالية.
مكتب إعلام الأسرى تحدث إلى طارق القواسمي، شقيق الأسير المؤبد أكرم القواسمي للوقوف على آخر أخباره ضمن سلسلة تقارير يقدمها المكتب لإبراز قضية الأسرى من عمداء الحركة الأسيرة وأصحاب المؤبدات والذين يقبعون في ظل استمرار حرب الإبادة على غزة في العزل الانفرادي، ضمن سياسة ممنهجة لكتم صوتهم وتغيب أخبارهم والاعتداء عليهم.
يؤكد شقيق الأسير القواسمي أن الاحتلال يتعمد شقيقه بمنع الزيارة منذ بداية هذا العام، يقول "بذلت المستحيل لأرسل له محامي، كل المحامين الذين بعثتهم لزيارته تم رفض زيارتهم، هناك تعنت كبير من إدارة السجن لزيارة أخي، رفض لشخصه كما نعلم ولحجم تأثيره على مجتمع الحركة الأسيرة، واليوم نعرف عنه الشحيح من الأخبار فقط".
منذ نهاية شهر ديسمبر من العام الماضي انقطعت أخبار الأسير القواسمي تماماً عن ذويه، كانت آخر زيارة لمحامي له، اليوم يحارب شقيقه في سبيل معرفة أي شيء عنه، ويؤكد بأنه رفع قضايا كثيرة عبر محامين لأجل معرفة مصيره دون جدوى، وسبب منع زيارته.
اليوم يتواجد الأسير القواسمي في سجن شطة ويشير شقيقه إلى أن انقطاع أخباره هو نذير لوجوده في العزل ربما، ويؤكد بأن آخر ما علموه عن شقيقه هو نزول ما يقارب ٤٠ كيلو من وزنه، ويتساءل كيف به الآن بعد انقطاع أخباره منذ أشهر طويلة؟ وفي ظل استمرار سياسة التجويع التي تفرضها إدارة السجون بحق الأسرى؟ يقول شقيقه" في شهر يناير تمكن أسير محرر من إيصال رسالة لي عقب حريته بأن شقيقي يبلغنا سلامه ويخبرنا بأنه يعلم إصرارنا على بعث محامي لزيارته ويريد أن نستمر في ذلك، وحتى وقت قريب لا زلت أكرر إرسال محامين لزيارته أملاً في أن يستطيع محامي ما منهم من الدخول وإبلاغنا عن أحواله".
الأسير القواسمي يتناول أدوية يومية لمرض الضغط الذي يعاني منه ولا تعلم عائلته حيثيات وضعه الصحي في الفترة الأخيرة باستثناء نزول وزنه، ويؤكد شقيقه بأنه حين رأى مشاهد التصوير للأسير القيادي مروان البرغوثي تخيل شقيقه بذات الهيئة وقد تغير تماماً وحتى اليوم يحارب هو ليعلم ماذا حدث لهيئة أخيه وماذا فعلت به الأشهر الطويلة الماضية وكيف أثرت في شكله.
طارق القواسمي والذي تعرض بدوره لاعتقال عام ٢٠١٥ ومكث ٤ سنوات في سجون الاحتلال يعلم مرارة السجون ويناشد لمعرفة مصير شقيقه في ضوء ما وصفه بمنع إدراج اسمه ضمن أي لائحة إفراج عن الأسرى ضمن صفقات المقاومة، ويؤكد بأن أسرى محررين في الصفقة الأخيرة أكدوا له بأن أخاه يقف دائماً في وجه إدارة السجون وبأنه يتعرض بشكل مستمر للضرب والتنكيل لقاء صموده ورفعه لمعنويات الأسرى وتمثيله لهم.
طارق القواسمي المحارب في قضية شقيقه وزيارته، كان اعتقل وحرمته إدارة السجون أن ينقل لريمون ليكون رفقة شقيقه، كما وحتى العام 2018 حرم من زيارته في سجون الاحتلال، كأسلوب عقابي ضده وضد شخص شقيقه.
الأسير القواسمي أحد أبرز الأسماء الاعتقالية التي تتعرض للتنكيل المستمر على يد إدارة السجون، يشكل علامة فارقة في تاريخ النضال فهو من أبرز الأسماء التي نشطت ضمن عمليات الثأر المقدس لاستشهاد يحيى عياش، ومنذ اعتقاله تعرض لسلسة من الانتهاكات وتعرض لفترات طويلة من العزل الانفرادي.
كان للأسير القواسمي الدور الأبرز فيما عرف بعمليات الثأر المقدس، التي أعقبت اغتيال الاحتلال للمهندس يحيى عياش، فالقواسمي عمل رفقة الأسير حسن سلامة والمحرر أيمن الرازم، بتوجيهات مباشرة من الشهيد محمد الضيف، وأطلق عليهم في ذلك الوقت اسم "مجموعة تلاميذ يحيى عياش"، لائحة الاتهام التي قدمها الاحتلال للأسير القواسمي عقب اعتقاله تضمنت تسهيل مرور القيادي الأسير حسن سلامة من غزة للخليل لتنفيذ عمليات موجعة للاحتلال، علاوة على الضلوع في تنفيذ عدد كبير من العمليات التي أوقعت أعداد كبيرة من القتلى في صفوف الاحتلال.
القواسمي إنسان محب للحياة والتعليم وبذل الجهود في سبيل حرية وطنه، فقد تعلم المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينته القدس، وحصل على شهادة ثانوية عامة من الفرع الصناعي قبل أن يلتحق بكتائب القسام، عقب اعتقاله عام 1996 والذي أعقب سلسلة عمليات كان له دور بارز فيها وجرى اعتقاله في كمين استهدفه بشكل شخصي بعد 25 يوماً من عملياتهم الموجعة والتي أذاقت الاحتلال الويلات، لم يتوقف الأسير القواسمي عن العمل الدؤوب، فقد حصل على شهادة ثانوية عامة أخرى أثناء فترة اعتقاله، وحصل على شهادتي بكالوريوس في تخصص التاريخ من جامعة الأقصى في غزة، وكذلك في تخصص اجتماعيات من جامعة القدس المفتوحة، كما وحصل على شهادة ماجستير في الدراسات الإسرائيلية، ودرجة دكتوراه في تخصص مدينة القدس وانتهاكاتها، والتحق بعدد من الدورات التطويرية في إدارة الأعمال ودورات تدريبية في التنمية البشرية والقانون الدولي وكذلك في حقوق الإنسان وعلوم الصحافة والإعلام، علاوة على علوم التجويد.
عام 2002 توفي والده وهو خلف القضبان وحرمه اعتقاله من فرصة وداعه إلى مثواه الأخير، ولم يثنه حزنه عن مواصلة مسيرته التعليمية ودعم الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، فعام 2022 أصدر رواية سيرة ذاتية لحياته الاعتقالية في سجون الاحتلال وكان عنوانها" فضاءات القلوب.
اليوم يصنف الأسير القواسمي بأحد أبرز عمداء الحركة الأسيرة، ورغم أن الأسير القواسمي يصارع حكماً بالسجن المؤبد مرتين إلا أن الاحتلال يواصل ملاحقة شخصه داخل السجون، على مدار سنوات تعرض لاعتداءات كثيرة، واليوم تناشد عائلته للكشف عن مصيره، ويؤكد شقيقه بأنه يعيش أيامه ساعياً للوصول له في سجن شطة، تقلقه أخبار السجون وما يرد عن أحوال الأسرى وسياسات الاحتلال الرامية لاغتيالهم ويتطلع لمعرفة أي خبر عن شقيقه وعن وضعه الصحي.

شهادات من خلف القضبان.. حين يتحول السجن إلى مقصلة للروح والجسد
بقلم: بن معمر الحاج عيسى
في عتمة الزنازين الإسرائيلية، حيث تتكثف الجدران لتصبح سجناً أكبر من حجمه، يقبع آلاف الأسرى الفلسطينيين، رجال ونساء وأطفال، بين أنياب منظومة عقابية لا تعترف بقوانين ولا بشر. إنهم ليسوا أرقاماً ولا مجرد ملفات عالقة في أروقة المحاكم العسكرية، بل وجوه وأسماء وأحلام عائلات تُسرق منها الحياة كل يوم، بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي ممارسة سياسات ممنهجة من عزل انفرادي وتجويع متعمد وإهمال طبي يرقى إلى جريمة قتل بطيء. هذه الشهادات الحية التي توثقها سلسلة "شهادات من خلف القضبان" تكشف عن جراحٍ لم تلتئم، وتضع العالم أمام حقيقة دامغة: أن الأسرى الفلسطينيين يواجهون حرب إبادة بطيئة خلف القضبان، وأن القانون الدولي الإنساني يُذبح معهم في الزنازين.
إسلام حسن حامد، ابن بلدة سلواد القريبة من رام الله، شاب في الأربعين من عمره، متزوج وأب لأربعة، اثنان منهم جاء إلى الحياة عبر النطف المهربة في ملحمة تحدٍ للسجان. منذ العام 2015 يعيش حكماً بالسجن 21 سنة، لكنه منذ نوفمبر 2024 نُقل إلى العزل الانفرادي في سجن جانوت. تعرض للضرب المبرح بعصي "الطواري"، قُطع عنه الطعام والدواء، وحُرم من وداع والده حين وافته المنية، فيما يترقب أطفاله صورة الأب الذي لم يجلس معهم على مائدة واحدة. شهادات عائلته تؤكد أن عزله ليس إلا عقوبة انتقامية لأنه يرفض الانكسار، وأن صموده يحرم الاحتلال من مبتغاه. في قصته يتجلى كيف يُستخدم العزل كأداة للتعذيب النفسي والجسدي، وكيف يتحول غياب المعلومة إلى سلاحٍ ينهش قلوب الأمهات والأبناء.
أما بلال يعقوب البرغوثي، ابن بيت ريما قرب رام الله، فهو نموذج آخر للجندي المجهول الذي صاغ اسمه بصمت داخل الحركة الأسيرة. محكوم بـ17 مؤبداً منذ العام 2002، يعاني من أمراض الكلى والكبد والضغط والدهون والنقرس، وفقد إحدى كليتيه إثر إصابة سابقة، لكنه اليوم يعيش عزلاً خانقاً في سجن جلبوع. شهادات خطيبته بيان، التي اختارت أن ترتبط به رغم مؤبده، تؤكد أنه محاصر في غرفة بلا نافذة ولا هواء، وأن الدواء يُعطى له يوماً ويُقطع أياماً. إنها ليست مجرد قصة أسير مريض، بل وثيقة إدانة لنظامٍ يعاقب الأسرى بحرمانهم من العلاج، مخالفاً اتفاقيات جنيف التي تلزم بتوفير الرعاية الطبية. ومع كل تفاصيل معاناته يظل بلال رمزاً للصمود، يحول خطيبته إلى نافذة أمل لا يغلقها السجان.
وفي القدس، يقضي أكرم إبراهيم القواسمي أكثر من ثلاثين سنة من عمره خلف القضبان، حُكم عليه بمؤبدين منذ 1996، وتحوّل اسمه إلى كابوس يلاحق السجان. انقطعت أخباره منذ ديسمبر 2024، فقد أربعين كيلوغراماً من وزنه، ويعاني من الضغط دون علاج، بينما تمنع إدارة السجون المحامين من زيارته، في محاولة لعزله عن العالم. ومع ذلك، يواصل مسيرته التعليمية، حاصلاً على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، مؤلفاً رواية "فضاءات القلوب" من خلف القضبان. قصته تفضح التناقض بين جسدٍ يذوي وعقلٍ يتفتح رغم القيود، وتؤكد أن الاحتلال لا يكتفي باعتقال الجسد بل يسعى أيضاً إلى إعدام الروح.
محمد عبد الباسط الحروب من الخليل، محكوم بأربعة مؤبدات، يعيش عزلاً مطبقاً في سجن مجدو منذ أكتوبر 2023. لا أخبار عنه سوى ما يرويه أسرى محررون، فيما يواجه التجويع وحرمانه من الماء والطعام الكافي. عائلته دفعت ثمناً مضاعفاً؛ اعتقالات متكررة، هدم منزلهم، وفرض غرامات مالية تعسفية. ورغم ذلك يبقى محمد رمزاً لصلابة عائلة لا تُقهر، تتلقى ضربات الاحتلال وتعيد صياغتها في قوة وإيمان.
أيمن سدر، المقدسي الذي دخل السجن عام 1995 ولم يخرج بعد، يمضي مؤبداً يتجاوز عمر ابنه الوحيد محمد الذي وُلد قبل اعتقاله بأشهر. ثلاثون سنة في الأسر تعادل عمر ابنه، ثلاثة عقود لم يعرف فيها دفء العائلة ولا حضن الحفيد الذي وُلد العام الماضي. زوجته تروي أنهم لم يعرفوا عنه شيئاً منذ بداية الحرب إلا عبر محامٍ استطاع زيارته مؤخراً، مؤكدة أنه يتعرض للتجويع والضرب والتضييق في الفورة والاستحمام، وأنه يعاني من أمراض مزمنة بلا علاج. قصته تختصر معنى الزمن حين يُختطف العمر، وحين تتحول الثلاثون سنة إلى لحظة انتظار معلّقة بين جدران السجن.
محمد زكريا الحمامي من نابلس، محكوم بثلاثة مؤبدات، يعيش اعتقاله منذ 2004 بعد مشاركته في عملية سوق الكرمل التي وصفتها «إسرائيل» بـ "الجحيم". في السجن، واصل دراسته حتى البكالوريوس، علّم الأسرى التجويد والخط، لكنه يعاني اليوم من قرحة في المعدة، ضعف في النظر، والتهابات في اللثة، بينما يُحرم من العلاج منذ أكتوبر الماضي. شقيقته تخوض معركة يومية لمعرفة أخباره، لتؤكد أن الاحتلال لا يكتفي بعزله بل يفرض تعتيماً كاملاً على ملفه الصحي.
يعقوب قادري، أحد أبطال "نفق جلبوع"، حوّل الحلم إلى واقع حين انتزع حريته رفقة رفاقه قبل أن يُعاد اعتقاله. محكوم بمؤبدين و35 سنة وأضيفت له 5 سنوات بعد هروبه، يعيش اليوم في عزل جانوت، يعاني من أمراض في الغدة الليمفاوية والظهر والضغط، فيما لا تعرف عائلته عنه الكثير منذ أشهر. فقد والديه دون أن يتمكن من وداعهما، لكنه ظل أيقونة للحرية التي لا تُكسر حتى حين تُدفن في الزنازين.
معمر شحرور من طولكرم، المحكوم بـ29 مؤبداً، يعاني من الروماتيزم وحُرم من العلاج والحقن الشهرية، ما سبب له مشاكل حركية وفقد أكثر من 20 كيلوغراماً من وزنه. منذ فبراير 2024 يقبع في عزل جانوت بقرارات تمديد متواصلة، كأن الاحتلال يصر على أن يبقى رهينة بين الموت والحياة. ورغم ذلك، لم تنكسر إرادته، فواصل تعليمه حتى الماجستير وصار رمزاً للحركة الأسيرة.
أما مناضل انفيعات، الشاب الذي لم يتجاوز التاسعة والعشرين، وأحد أبطال "نفق جلبوع"، فيقبع اليوم في عزل جانوت بظروف إنسانية قاسية. فقد 15 كيلوغراماً من وزنه، عاجز عن الحركة لأكثر من أربعين يوماً دون علاج، يصلي بالتيمم على الحائط، ويعاني من دوار وضيق في التنفس وآلام في القلب. شهادات عائلته تكشف أنه بالكاد استطاع أن يتحدث لمحاميته بضع دقائق قبل أن يغلبه التعب. قصته تجسد معنى القهر حين يواجه شاب في عمر الربيع سياسة إعدام بطيء خلف القضبان.
إن هذه الشهادات ليست مجرد حكايات فردية، بل مرآة لسياسة ممنهجة تمارسها «إسرائيل» ضد الأسرى الفلسطينيين، في خرقٍ فاضح لكل القوانين الدولية. فالعزل الانفرادي الذي يمتد لأشهر وسنوات يتعارض مع قواعد مانديلا التي تحظر العزل المطوّل، والإهمال الطبي يتنافى مع المادة 91 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتجويع يخرق أبسط مبادئ الكرامة الإنسانية. ما يمارس بحق الأسرى من حرمان للزيارة وقطع أخبارهم عن ذويهم هو جريمة مضاعفة: جريمة بحق الأسير وجريمة بحق عائلته التي تُترك معلقة على حافة الانتظار.
ورغم كل ذلك، يظل الأسرى الفلسطينيون عنواناً للكرامة، يخطون بدمائهم وجوعهم وأوجاعهم أسطورة نضال لا تنكسر. فمن نطفة مهرّبة تولد حياة جديدة، ومن عتمة الزنزانة تخرج رواية، ومن جسدٍ مريض يُحرم من العلاج يتفجر إصرار على الحياة. إنهم ليسوا ضحايا فقط، بل قادة يواجهون الاحتلال بأجسادهم وأرواحهم، ليقولوا للعالم: الحرية حق، والكرامة خط أحمر، والزنازين مهما اشتدت ظلمتها ستظل عاجزة عن إطفاء نور الإنسان.
إنّ ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن وصفه إلا بجرائم ضد الإنسانية، فهو انتهاك ممنهج للقانون الدولي الإنساني، وتجاهل فاضح لاتفاقيات جنيف التي تكفل للأسير الحق في الغذاء والعلاج والكرامة. العزل الانفرادي الذي يمتد لشهور وسنوات، والإهمال الطبي الذي يحوّل الأمراض البسيطة إلى أحكام بالإعدام البطيء، والتجويع الممنهج الذي يُستخدم كسلاح للتركيع، كلها سياسات تشكل منظومة متكاملة من العقاب الجماعي، لا تطال الأسرى وحدهم بل تمتد إلى عائلاتهم ومجتمعهم بأسره.
إنّ المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف تحظر التعذيب والمعاملة القاسية، كما أن اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 تجرّم أي فعل يسبب ألماً جسدياً أو نفسياً بقصد الإذلال أو العقوبة، ومع ذلك يواصل الاحتلال هذه الممارسات في ظل صمت دولي مريب، يكشف ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان. إنّ حرمان الأسرى من العلاج والزيارة والاتصال بالعالم الخارجي، ومنع محاميهم من الوصول إليهم، لا يُعتبر فقط انتهاكاً للقانون، بل يُعد جزءاً من عملية ممنهجة تهدف إلى كسر إرادتهم وإعدام روحهم النضالية.
من هنا، يصبح لزاماً على المؤسسات الدولية، من الأمم المتحدة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تتحرك بشكل فعلي لا شكلي، وأن تُدرج هذه الانتهاكات في تقاريرها الدورية باعتبارها جرائم ممنهجة. كما يجب على محكمة الجنايات الدولية أن تفتح تحقيقات جادة في ملف الأسرى باعتباره جزءاً من ملف الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. المطلوب اليوم ليس بيانات شجب عابرة، بل خطوات عملية تبدأ بفرض آليات مساءلة حقيقية، وإرسال لجان تحقيق دولية إلى السجون، وتفعيل أدوات الضغط السياسي والاقتصادي على دولة الاحتلال.
إنّ قضية الأسرى الفلسطينيين ليست ملفاً إنسانياً فحسب، بل هي قضية سياسية ووطنية تمس جوهر الصراع، فالأسرى هم رموز الحرية وامتداد المقاومة الفلسطينية. إن تدويل قضيتهم، وتبنيها في المحافل الدولية كقضية عادلة غير قابلة للتجاهل، يشكل واجباً أخلاقياً على كل من يرفع شعار العدالة وحقوق الإنسان. فالزنازين مهما اشتدت ظلمتها، ستظل شاهدة على بشاعة الاحتلال وعلى عظمة من يقاومونه بأجسادهم العارية وكرامتهم الصلبة، وستظل صرخة الأسرى تلاحق ضمير العالم: "نحن هنا، لن ننكسر، والحرية لنا حقٌ لا يموت".

المؤبّد كسلاح استعماري.. الأسرى الفلسطينيون بين العزل وانتهاك القانون الدولي
إعداد: مكتب إعلام الأسرى
منذ عقود يخوض الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال معركة البقاء الإنساني في مواجهة منظومة قمعية تستهدف أجسادهم وأرواحهم. تتعدد الانتهاكات بين العزل الانفرادي، الإهمال الطبي، التجويع الممنهج، القمع النفسي والجسدي وقطع أخبارهم عن ذويهم. يشكل الأسرى أكرم القواسمي، إسلام حامد، وبلال البرغوثي نماذج لهذه السياسات، حيث تكشف معاناتهم تفاصيل منظومة عقابية متكاملة تهدف إلى كسر إنسانية الأسير وإضعاف عزيمته في مخالفة صارخة للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
أولًا: الأسير القائد أكرم إبراهيم القواسمي – القدس المحتلة
العمر: 51 عاما
تاريخ الاعتقال: 1996
الحكم: مؤبدان
مكان الاحتجاز: سجن شطة (مع ترجيحات بالعزل الانفرادي)
أبرز الانتهاكات:
1 - سياسة التجويع: فقد نحو 40 كغم من وزنه نتيجة تقليص الطعام ورداءته.
2 - قطع الأخبار: منع المحامين من زيارته وعزل عائلته عن أخباره.
3 - الإهمال الطبي: يعاني من ضغط دم مرتفع بلا متابعة.
4 - التنكيل والإهانة: قمع وتفتيش مذل متكرر.
*الانتهاكات في ضوء القانون الدولي :
- المادة (20) من قواعد مانديلا تضمن للأسير الحق في غذاء كاف وصحي، بينما يتعرض القواسمي لتجويع ممنهج.
- المادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة تُلزم دولة الاحتلال بتوفير رعاية طبية مناسبة وهو ما يحرم منه بشكل واضح.
ثانيا : الأسير القائد إسلام حسن حامد – رام الله
العمر: 40 عاما
تاريخ الاعتقال: 2015
الحكم: 21 عاما
مكان الاحتجاز: عزل سجن جانوت منذ 25/11/2024
الوضع العائلي: متزوج وأب لأربعة أبناء.
*أبرز الانتهاكات:
• العزل الانفرادي لأكثر من 9 أشهر بذريعة التحريض.
• الاعتداء الجسدي بالضرب المبرح بعد 7 أكتوبر.
• الحرمان من العلاج والمعلومات الطبية.
• القمع النفسي بحرمانه من وداع والده عند وفاته.
• النقل التعسفي المتكرر بين السجون.
• استهداف العائلة وحرمان الأبناء من الزيارة.
*الانتهاكات في ضوء القانون الدولي :
• المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحظر التعذيب والمعاملة القاسية وهو ما ينطبق على العزل الطويل والضرب المتعمد.
• تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة يعتبر العزل الانفرادي المطوّل (أكثر من 15 يوما) شكلا من أشكال التعذيب النفسي بينما يتجاوز عزل حامد 9 أشهر.
ثالثا : الأسير القائد بلال يعقوب البرغوثي – رام الله
العمر: 39 عاما
تاريخ الاعتقال: 2/4/2002
الحكم: 17 مؤبدا
مكان الاحتجاز: عزل سجن جلبوع
*أبرز الانتهاكات :
• عزل انفرادي في غرفة بلا نافذة ولا هواء.
• معاناة صحية مركبة : فشل كلوي جزئي، أمراض كبد، ضغط دم، نقرس، سكابيوس، ودوالي.
• حرمان متعمد من الأدوية الخاصة بمرض الكلى.
• سياسة التجويع عبر طعام غير ملائم لحالته الصحية.
• قطع الأخبار عن عائلته منذ آخر زيارة محامٍ في ديسمبر 2024
*الانتهاكات في ضوء القانون الدولي :
• المادة (76) من اتفاقية جنيف الرابعة تُلزم باحتجاز المعتقلين في ظروف إنسانية بينما يحتجز البرغوثي في عزل قاس.
• المادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة تلزم بتوفير أدوية وعلاج مناسب للأمراض المزمنة لكن الاحتلال يتعمد منعها.
• حرمان الأسير من العلاج يعد بموجب نظام روما الأساسي جريمة ضد الإنسانية باعتبارها "تصفية بطيئة".
انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي الإنساني في التعامل مع الأسرى
رغم وضوح القواعد التي وضعها القانون الدولي الإنساني لحماية الأسرى والمعتقلين، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي حول الأسرى الفلسطينيين إلى ساحة مفتوحة لانتهاك هذه القواعد على نحو ممنهج.
تنص المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع على حظر التعذيب والمعاملة القاسية، وضمان ظروف احتجاز إنسانية، إلا أن الواقع داخل السجون الإسرائيلية يكشف عن ممارسات مناقضة تماما: عزل انفرادي يمتد لسنوات، حرمان من العلاج حتى الموت، اعتقال إداري دون تهمة أو محاكمة عادلة، وتعمد إذلال الأسرى في تفاصيل حياتهم اليومية.
كما تؤكد اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 أن أي شكل من أشكال التعذيب النفسي أو الجسدي محظور بشكل مطلق.
غير أن الاحتلال جعل من التعذيب سياسة ثابتة، تبدأ من لحظة الاعتقال بالضرب والشبح والتحقيق الطويل ولا تنتهي عند الإهمال الطبي المتعمد الذي حصد أرواح عشرات الأسرى منذ بداية الحركة الأسيرة.
أما القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد نص بوضوح على حق المعتقلين في مراجعة قضائية عادلة وفي معاملة إنسانية تحفظ كرامتهم.
لكن الاحتلال أفرغ هذه النصوص من مضمونها عبر محاكم عسكرية تفتقر للحد الأدنى من العدالة، وعبر منع الأسرى من زيارة محاميهم أو التواصل مع ذويهم الأمر الذي جعل من الاعتقال أداة عزل تام عن العالم الخارجي.
ورغم التوثيق الواسع لهذه الانتهاكات من قبل المؤسسات الحقوقية والأممية يواصل الاحتلال الإفلات من المساءلة الدولية، ما يعكس حالة انفلات من العقاب ويشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الأسرى.
ويؤكد مكتب إعلام الأسرى في هذا السياق أن ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون "يمثل خرقا صارخا لكل القوانين والمواثيق الدولية، ويكشف عن ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع جرائم الاحتلال، الأمر الذي يجعل حياة الأسرى وكرامتهم الإنسانية مهددة على نحو يومي".
رابعا : الأسير محمد عبد الباسط الحروب – الخليل
*العمر : 30 عاما (مواليد 1995)
*مكان السكن : بلدة دير سامت – محافظة الخليل
*تاريخ الاعتقال : 19/11/2015
*الحكم : 4 مؤبدات ،متهم بتنفيذ عملية على مفرق "عتصيون" عام 2015 أدت إلى مقتل 4 مستوطنين وإصابة 16 آخرين
*مكان الاحتجاز : عزل سجن مجدو
*أبرز الانتهاكات :
1 - عزل انفرادي متواصل منذ السابع من أكتوبر وسط انقطاع كامل عن العالم الخارجي.
2 - سياسة التجويع والإهمال الطبي وحرمان من المياه والطعام الكافي.
3 - منع زيارة المحامين، وحرمان العائلة من أي تواصل.
4 – إجراءات انتقامية بسبب رمزيته وحكمه العالي، أبرزها هدم منزل العائلة وفرض غرامات مالية.
خامسا : الأسير القائد أيمن عبد المجيد سدر – القدس المحتلة
*العمر : 59 عاما
*تاريخ الاعتقال : 1995
*مدة الاعتقال : 30 عاما حتى الآن
*الحكم : مؤبد (سجن مدى الحياة)
*مكان الاحتجاز : سجن "جانوت"
أحد قدامى الأسرى وعمداء الحركة الأسيرة، له ابن في عمر سنوات الأسر (30 عاما) لم يعش معه سوى عام و11 شهرا، ولم يرَ حفيدته بعد
*أبرز الانتهاكات :
1 - انقطاع أخباره لفترة طويلة منذ الحرب حتى سبتمبر 2025.
2 - الضرب والتجويع والتضييق في الفورة والاستحمام.
3 - حرمان العائلة من الزيارة لفترة طويلة ما تسبب في قلق ورعب مستمر لهم.
4 - معاناة من أمراض مزمنة (جيوب أنفية، دمل في الرقبة سابقا) دون أي متابعة طبية.
5 وجوده في قسم تنتشر فيه عدوى "السكابيوس" الجلدية.
6 - سياسة التعتيم على وضعه الصحي وإخفاء تفاصيل معاناته عن ذويه.
سادسا : الأسير محمد زكريا الحمامي – نابلس
*العمر : 46 عاما
*مكان السكن : الجبل الشمالي – نابلس
*تاريخ الاعتقال : 15/1/2004
*الحكم* : 3 مؤبدات ، أحد منفذي عملية "سوق الكرمل" عام 2004 التي وصفت بـ"الجحيم" للاحتلال
*مكان الاحتجاز : سجن "جانوت" (مع ترجيحات بالعزل الانفرادي)
*أبرز الانتهاكات :
1 - إهمال طبي: ضعف نظر، التهابات وتقرحات في اللثة، آلام المعدة والقرحة، مع انقطاع العلاج بعد 7 أكتوبر.
2 - حرمان من الأخبار: منع الزيارات أكثر من 3 مرات، وإبلاغ المحامي أحيانا أنه "محجور" دون تفسير.
3 - تنكيل جسدي: تعرض للضرب والإهانة خلال إحدى التنقلات.
4 - عزلة عن العائلة: شقيقته تخوض معركة شخصية لمعرفة أخباره وسط سياسة التعتيم.
*الانتهاكات في ضوء القانون الدولي
- المادة (20) من قواعد مانديلا تضمن للأسير الحق في غذاء كاف وصحي، بينما يتعرض القواسمي لتجويع ممنهج.
- المادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة تُلزم دولة الاحتلال بتوفير رعاية طبية مناسبة وهو ما يحرم منه بشكل واضح.
*الانتهاكات في ضوء القانون الدولي :
- المادة (76) من اتفاقية جنيف الرابعة تُلزم باحتجاز المعتقلين في ظروف إنسانية بينما يحتجز الحروب في عزل قاس.
- المادة (91) من اتفاقية جنيف الرابعة تلزم بتوفير أدوية وعلاج مناسب للأمراض المزمنة لكن الاحتلال يتعمد منعها.
- حرمان الأسير من العلاج يعد بموجب نظام روما الأساسي جريمة ضد الإنسانية باعتبارها "تصفية بطيئة".
*انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي الإنساني في التعامل مع الأسرى
رغم وضوح القواعد التي وضعها القانون الدولي الإنساني لحماية الأسرى والمعتقلين، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي حول الأسرى الفلسطينيين إلى ساحة مفتوحة لانتهاك هذه القواعد على نحو ممنهج.
تنص المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع على حظر التعذيب والمعاملة القاسية، وضمان ظروف احتجاز إنسانية، إلا أن الواقع داخل السجون الإسرائيلية يكشف عن ممارسات مناقضة تماما: عزل انفرادي يمتد لسنوات، حرمان من العلاج حتى الموت، اعتقال إداري دون تهمة أو محاكمة عادلة، وتعمد إذلال الأسرى في تفاصيل حياتهم اليومية.
كما تؤكد اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 أن أي شكل من أشكال التعذيب النفسي أو الجسدي محظور بشكل مطلق.
غير أن الاحتلال جعل من التعذيب سياسة ثابتة، تبدأ من لحظة الاعتقال بالضرب والشبح والتحقيق الطويل ولا تنتهي عند الإهمال الطبي المتعمد الذي حصد أرواح عشرات الأسرى منذ بداية الحركة الأسيرة.
أما القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد نص بوضوح على حق المعتقلين في مراجعة قضائية عادلة وفي معاملة إنسانية تحفظ كرامتهم.
لكن الاحتلال أفرغ هذه النصوص من مضمونها عبر محاكم عسكرية تفتقر للحد الأدنى من العدالة، وعبر منع الأسرى من زيارة محاميهم أو التواصل مع ذويهم الأمر الذي جعل من الاعتقال أداة عزل تام عن العالم الخارجي.
ورغم التوثيق الواسع لهذه الانتهاكات من قبل المؤسسات الحقوقية والأممية يواصل الاحتلال الإفلات من المساءلة الدولية، ما يعكس حالة انفلات من العقاب ويشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الأسرى.
ويؤكد مكتب إعلام الأسرى في هذا السياق أن ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون "يمثل خرقا صارخا لكل القوانين والمواثيق الدولية، ويكشف عن ازدواجية المعايير في تعامل المجتمع الدولي مع جرائم الاحتلال، الأمر الذي يجعل حياة الأسرى وكرامتهم الإنسانية مهددة على نحو يومي".

قادة خلف العزل: عامان من الإبادة وذاكرة المؤبد لا تموت.. أحياء تحت الأرض: أسرى المؤبدات يواجهون النسيان والتصفية المعنوية"
بقلم: أمجد النجار: مدير عام نادي الأسير (المتحدث الرسمي)
بعد مرور عامين على حرب الإبادة التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، يقبع أسرى المؤبدات الفلسطينيون في عتمة الزنازين، وسط حصار مضاعف وقمع ممنهج، لا يكتفي بسرقة حريتهم، بل يمعن في تجريدهم من آخر خيوط التواصل مع العالم الخارجي. أولئك الذين شكّلوا في يوم من الأيام عقل الحركة الأسيرة وعماد تنظيمها، باتوا اليوم معزولين، بلا زيارات، بلا محامين، بلا صوت. هؤلاء الأسرى، الذين نحتوا من جدران السجون مدارس في الصبر والتعبئة والتنظيم، كانوا القادة الفعليين للحركة الوطنية داخل السجون، وعمادها الفكري والاستراتيجي. واليوم، في أعقاب الإفراج عن عدد كبير من الأسرى في صفقات التبادل الأخيرة، يُنظر إلى من تبقّى منهم كقنابل موقوتة، تُخيف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، لأنها تدرك تمامًا من هم هؤلاء، وتخشى من عودتهم إلى دورهم الطبيعي في قيادة الوعي المقاوم داخل الأسر، وخارجه. منذ الحرب، تصاعدت الإجراءات القمعية بحق أسرى المؤبدات، وخاصة القيادات منهم. عمليات النقل المتكرر، الإذلال، العزل الانفرادي الطويل الأمد، الحرمان التام من الزيارات – حتى من المحامين – هي يوميات متكررة، تُمارس تحت ذريعة "التهديد الأمني"، بينما هي في حقيقتها شكل من أشكال الإعدام البطيء. وما يزيد الخطر فداحة، هو هذا الصمت العالمي المريب، والتطبيع الإعلامي مع الرواية الإسرائيلية التي تبرر كل تلك الجرائم بلغة "الأمن والدفاع".
المؤبد… سجن مفتوح على المجهول
في تعريفه القانوني، يُعتبر حكم المؤبد في «إسرائيل» بمثابة سجن مدى الحياة، دون سقف زمني أو أفق قانوني للإفراج. لكنه، في سياقه السياسي، عقوبة انتقامية تستخدمها سلطات الاحتلال بشكل تعسفي، خاصة ضد كل من تورط في عمل مقاوم ضدها، أو حتى شارك بالتخطيط أو الدعم المعنوي أو اللوجستي. ما يثير القلق أن هذا الحكم لا يُستخدم فقط كرد على أعمال قتالية أسفرت عن مقتل «إسرائيليين، بل توسعت المحاكم الإسرائيلية لاستخدام المؤبد حتى في القضايا التي لم تسفر عن قتلى، ما يؤكد أن الهدف ليس فقط العقاب، بل الإبادة المعنوية. والأكثر قسوة أن بعض الأسرى حُكم عليهم بعدد من المؤبدات التي قد تصل إلى عشرات الأحكام، كما في حالة الأسير عبد الله البرغوثي، المحكوم بـ67 مؤبدًا، في مشهدٍ سوريالي يفوق خيال القصاص الإغريقي.
العزل: القبر داخل القبر
لم تعد الزنازين مجرد غرف مظلمة، بل تحوّلت إلى مقابر للوعي والإرادة، خاصة في سياق العزل الانفرادي، الذي يُستخدم اليوم على نطاق واسع ضد أسرى المؤبدات، بذريعة "منعهم من تشكيل خطر على أمن الدولة". لكن الحقيقة أن هذا العزل يُمارَس للانتقام من شخصيات أسرت الكرامة الفلسطينية لعقود، وباتت تُلهم الأجيال داخل وخارج الأسر. هؤلاء الأسرى اليوم مقطوعون تمامًا عن العالم الخارجي. لا زيارات عائلية، ولا لقاءات مع المحامين، ولا تواصل مع الصليب الأحمر، ولا حتى خروج إلى ساحة السجن بشكل منتظم. وبعضهم يعيش في عزلة مطلقة منذ عامين كاملين، ما يشكل خرقًا فاضحًا للقوانين الدولية، واتفاقيات جنيف الرابعة، التي تنص على حقوق الأسرى السياسيين والمعتقلين في زمن الحرب.
نفي داخلي وإبعاد خارجي
في الوقت الذي أُفرج فيه عن بعض أسرى المؤبدات في صفقات التبادل، جرى إبعاد عدد منهم خارج الوطن، إلى منفى قسري في دول عربية أو أوروبية، تحت شعار "التحرر المشروط". هذا الإبعاد، رغم كونه نجاة من السجن، إلا أنه نفي قاسٍ من نوع آخر، يفتّت الانتماء ويضع الأسير السابق في عزلة من نوع آخر، بعيدًا عن الأرض والقضية والذاكرة الحية.
أما من تبقّى داخل الأسر، فهم اليوم في دائرة الاستهداف المباشر. الاحتلال يعتبرهم رموزًا يجب تحييدها، أو تصفيتها معنويًا، وهم يعرفون ذلك جيدًا. ولهذا فإن حياة هؤلاء القادة، من أمثال مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، وغيرهم من القادة، باتت على المحك.
خاتمة: كرامة لا تُؤبد
السجن المؤبد، كما أراده الاحتلال، هو مقصلة دائمة للحرية والكرامة، ولكنه – في حقيقة الوجدان الفلسطيني – عنوان للصمود والوفاء. أسرى المؤبدات لا يُنظر إليهم فقط كأشخاص خلف القضبان، بل كحَمَلة راية مستمرة، لا يُطفئها العزل، ولا تُنهكها السنون، ولا تسرقها صفقات الوقت الضائع. إن الوقوف إلى جانب هؤلاء الأسرى اليوم، في ظل هذا الظرف الكارثي، هو واجب وطني وأخلاقي وسياسي. فلا نضال يُستكمل إن تُرك القادة خلف القضبان، ولا حرية تُنجز إذا كانت تُستثني من سقطت عليهم سكين المؤبد.
حان الوقت لرفع الصوت، لا فقط من أجل الحرية، بل من أجل العدالة… من أجل أولئك الذين لم تغب عيونهم عن فلسطين، حتى من خلف الجدران.

أعمار معلّقة خلف القضبان
بقلم: ثورة ياسر عرفات
في فلسطين، لكل بيت حكاية أسير، ولكل عائلة وجع يثقل القلب. حين يهلّ موسم القمح، وتتمايل السنابل تحت شمس حزيران، وحين تملأ رائحة الزيتون شوارع القرى في تشرين، تبقى هناك فراغات لا يملأها أحد. على موائد العائلات كراسٍ فارغة لم يجلس عليها أصحابها منذ سنين، وصور مُعلّقة على الجدران تزداد اصفرارًا كلما طال الغياب.
أسرى المؤبدات هم أولئك الذين توقّفت أعمارهم عند لحظة الاعتقال، بينما استمرت الحياة خارج الأسوار.
عبدالله البرغوثي، المحكوم بسبعةٍ وستين مؤبدًا، يشيخ بين دفاتر السجن، يكتب للأرض ولأطفاله الذين لم يكبروا بين يديه.
إبراهيم حامد، بخمسةٍ وخمسين مؤبدًا، ترك والدين عجوزين على وعد اللقاء، لكن الموت سبق الأحلام.
مروان البرغوثي، الذي كان يهتف في شوارع رام الله للحرية، صار صوته اليوم يتردد من خلف الأبواب الحديدية، كأنه ما زال قائدًا في الميدان.
أما أحمد سعدات، فحوّل زنزانته إلى منبر سياسي، يكتب رسائل من قلب العتمة لتبقى حية في ضمير كل فلسطيني.
وهناك أيضًا حسن سلامة، المحكوم بثمانٍ وأربعين مؤبدًا، يواجه الزمن بابتسامة أسير لا يعرف الانكسار.
وراء كل اسم، هناك أم تنتظر. أم تضع كرسيًا فارغًا بجانبها كل صباح، وتقول في سرّها: "يمكن اليوم يرجع".
هناك زوجة شبّت على أبواب السجن، كبرت تجاعيدها وهي تحلم أن يمدّ يده ليمسح دمعةً عن خدها.
هناك ابن لم يعرف والده إلا من الصور والرسائل، يسأل كل ليلة: "متى رح يجي بابا؟"
المؤبد عند هؤلاء الأسرى لم يكن موتًا، بل حياة معلّقة. حياة بلا أفق، بلا بيادر ولا زيتون، لكنها مليئة بالكرامة والصبر.
وإذا كان الاحتلال قد أراد للأحكام أن تكون قبرًا مفتوحًا، فإن الأسرى جعلوها مدرسة للحياة. كتبوا وتعلّموا، وحوّلوا الزنازين إلى جامعات، وزرعوا الأمل في قلوب شعبهم كما تُزرع السنابل في الحقول.
أسرى المؤبدات لم يحصدوا القمح ولم يقطفوا الزيتون، لكنهم زرعوا ما هو أبقى: زرعوا في ذاكرة فلسطين معنى الصمود، وأثبتوا أن العمر الضائع خلف القضبان يمكن أن يتحوّل إلى عمر للأمة بأكملها.

أسرى المؤبّدات.. صمود يتجاوز القضبان ويكتب ملحمة الحرية
بقلم: فراس الطيراوي - ناشط سياسي وكاتب عربي فلسطيني عضو الامانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام - شيكاغو
منذ عقودٍ طويلة، لم يتوقف الاحتلال عن استخدام سلاح الاعتقال التعسفي بحق الشعب الفلسطيني، لكنّ أحكام المؤبّدات تبقى الوجه الأكثر قسوةً ووضوحًا في منظومة العقاب الجماعي التي يمارسها. إنّها أحكام لا تقف عند حدّ السجن المؤبّد لمرة واحدة، بل تصل أحيانًا إلى عشرات المؤبّدات بحق الأسير الواحد، في سابقة لا مثيل لها في العالم، تهدف إلى قتل الحاضر والمستقبل معًا.
أحكام بلا سقف
في سجون الاحتلال، يقبع مئات الأسرى المحكومين بالمؤبّدات، بعضهم منذ أكثر من 40 عامًا، كالأيقونة كريم يونس الذي تحوّل إلى رمز وطني بعد أن قضى أربعين عامًا خلف القضبان قبل الإفراج عنه. أما الأسير الشهيد وليد دقّة، فقد شكّل نموذجًا للصمود والإبداع خلف القضبان، حيث كتب وألّف وأنتج فكرًا سياسيًا وأدبيًا رغم سنوات السجن الطويلة، قبل أن يرتقي في نيسان/أبريل 2024 نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمّد. استشهاده جاء ليكشف بوضوح الوجه الإجرامي للاحتلال، الذي يترك الأسرى يصارعون المرض حتى الموت، في محاولة لقتل الجسد بعدما عجز عن كسر الروح. وهناك أيضًا الأسير عباس السيد، المحكوم بـ 35 مؤبّدًا و20 عامًا إضافية، وهو مثال صارخ على عقلية الانتقام الإسرائيلية. أما الأسير عبد الله البرغوثي، فيحمل الرقم القياسي بأحكام تصل إلى 67 مؤبّدًا، في رسالة واضحة من الاحتلال مفادها: “لن نترك لك حتى بصيص أمل”.
معاناة تتجاوز الزمن
الحياة اليومية لأسرى المؤبّدات تكاد تكون رحلة عذاب مفتوحة: حرمان من زيارة الأهل، وداع الأحبّة، ومتابعة تفاصيل الحياة. بعضهم دخل السجون وهو في العشرينات من عمره، واليوم باتوا شيوخًا ينتظرون لحظة تنفس الحرية. هؤلاء لم يُحرموا فقط من الحياة الطبيعية، بل من أحلامهم، عائلاتهم، وحقّهم الطبيعي في العيش الكريم. إلى جانب القيد الجسدي، هناك القيد الصحي الذي يثقل معاناتهم. فالإهمال الطبي سياسة ممنهجة، حيث يُترك الأسير المريض يصارع وحده الألم والمرض، كما في حالة الأسير نائل البرغوثي الذي تجاوز الـ 44 عامًا بين اعتقال وإعادة اعتقال، ليصبح عميد الأسرى وأطولهم بقاءً في سجون الاحتلال.
مدرسة للصمود والإبداع
ورغم هذه الظروف، لم يستسلم أسرى المؤبّدات. فقد حوّلوا السجون إلى مدارس للفكر والوعي. كتبوا رسائل ومؤلفات، أنجبوا أجيالًا من الوعي الوطني، وأسّسوا لأدبيات تُدرّس في الصمود. الأسير مروان البرغوثي، على سبيل المثال، تحوّل داخل السجن إلى قائد سياسي ورمز عالمي للمقاومة الفلسطينية. أما الأسير أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية، فشكّل من زنزانته نموذجًا للصلابة السياسية التي لا تلين. هذه النماذج لم تكتفِ بالصمود، بل شكّلت حالة إلهام للشعب الفلسطيني وللأحرار في العالم، مؤكدة أن الأسر لا يقتل الروح، بل يصقلها ويحوّلها إلى قوة أشدّ ثباتًا.
مسؤولية أخلاقية وإنسانية
إن قضية أسرى المؤبّدات ليست شأنًا فلسطينيًا داخليًا فحسب، بل هي قضية إنسانية تمسّ جوهر العدالة الدولية. كيف يمكن للعالم أن يتغنّى بحقوق الإنسان فيما يُترك مئات الأسرى ليموتوا ببطء خلف القضبان؟ أين صوت المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة حين تُسلب حياة إنسان كاملة، ويُحكم عليه بالموت الحيّ لعشرات السنين؟ استشهاد وليد دقّة لم يكن حادثًا عابرًا، بل جرس إنذار يذكّر العالم بأن كل لحظة تأخير في إنقاذ الأسرى الآخرين تعني المزيد من الشهداء داخل السجون.
خاتمة
أسرى المؤبّدات هم حراس الذاكرة الفلسطينية، وأيقونات الحرية في زمنٍ يصرّ فيه الاحتلال على تكبيل الأجساد وسحق الأحلام. لكنّهم، وبإرادة لا تُقهر، حوّلوا السجن إلى قلعة صمود، وأثبتوا أن الحرية تبدأ من الداخل، وأن الاحتلال مهما طال عمره سيبقى عابرًا أمام صلابة إرادة الأسرى. إنّ الحديث عنهم ليس ترفًا إعلاميًا، بل هو واجب وطني وإنساني، حتى يبقى صوتهم حاضرًا في وجدان الأمة، وحتى لا يغيبوا مرتين: مرة خلف القضبان، ومرة أخرى في صمتنا.

الأسرى الفلسطينيون: بين إنسانية مسلوبة وذاكرة تصرخ بالحرية
بقلم: نهى عودة – ياسمينة عكّا
قضية الأسرى الفلسطينيين ليست قضية عابرة أو حدثاً طارئاً في مسار الصراع مع الاحتلال، بل هي في جوهرها قضية إنسانية بامتياز. فهي تكشف عن واقعٍ مأساوي يعيشه آلاف الفلسطينيين الذين يرزحون خلف قضبان السجون الإسرائيلية، رغم أنّ سماء الوطن التي تُظلّلهم هي سماؤهم هم. إنّها المفارقة الأكثر إيلاماً: أن يُحاط المرء بسورٍ صنعه مستعمر غريب جاء من أصقاع الأرض ليُصدر أحكامه الأبدية ويمارس سلطته وسطوته على أصحاب الأرض الشرعيين. ما يجري في تلك السجون يتجاوز حدود الإنسانية، إذ تحوّلت إلى معسكرات اعتقال مغلقة، تُشكّل خطراً جسيماً على حياة الأسرى منذ اللحظة الأولى لاعتقالهم وحتى لحظة الإفراج عنهم، أو رحيلهم شهداء تحت وطأة القهر، المرض، والإهمال الطبي المتعمَّد. إنّ أصعب ما في الوجود أن يُسلب المرء حريته، فكيف إذا كان مناضلاً يقف في وجه احتلالٍ يستهدف اقتلاع شعبٍ بكامله ليزرع مكانه مستوطنين غرباء؟ لم يكن الفلسطيني يوماً إرهابياً؛ بل حمل قضية عادلة فطرية، هي الرغبة في دفع الظلم عن نفسه وأهله، واستعادة المعاني الأصيلة للأرض والحرية والكرامة. غير أنّ الاحتلال حوّل هذه الفطرة إلى جريمة، وزجّ بالأحرار في غياهب السجون ليحوّلهم إلى أرقام في قوائم الاعتقال. وتشير الإحصاءات الحديثة إلى وجود أكثر من 11,100، علمًا أنّ هذا الرقم لا يشمل المعتقلين المحتجزين في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال. بينهم مئات الأسرى الإداريين الذين يُحتجزون بلا محاكمة أو لائحة اتهام، في انتهاكٍ صارخ لكل القوانين الدولية. ومن بين هؤلاء، ما يزيد على 578 أسيراً محكوماً بالمؤبد، بعضهم بعشرات المؤبدات التي تكاد تتجاوز عمر الزمن نفسه؛ كعبدالله البرغوثي. المحكوم بـ 67 مؤبداً، وإبراهيم حامد المحكوم بـ 54 مؤبداً. هذه الأرقام ليست إحصاءات باردة، بل وجوهٌ وأرواحٌ مُعلّقة بين سماء الوطن وسجون المحتل، تُصارع الموت البطيء يوماً بعد يوم. إنّها حكاية بشرية تنطق بصرخة الحرية، وتؤكّد أنّ قضية الأسرى هي شاهدٌ دائم على مأساةٍ مستمرة، وعلى صمودٍ لم ينكسر رغم القيد والجدران العالية.
وخلف هذه الأرقام تختبئ شهادات دامغة عن الممارسات القمعية:
"كانوا يقتحمون الغرفة عند منتصف الليل، يضيئون الأنوار بقسوة، يصرخون في وجوهنا، ويقلبون الأغطية والملابس، حتى كنا نشعر أن النوم جريمة لا تُغتفر." – أسير محرَّر.
"أمضيتُ ستة أشهر في العزل الانفرادي، لا كتاب، لا نافذة، فقط جدران رمادية وصوت خطوات السجّان. كنت أعدّ ثواني النهار والليل كي لا أفقد عقلي." – أسير محرَّر.
"كنتُ مريضة بحاجة إلى علاج عاجل، لكن الطبيب كان جزءاً من آلة القمع، يكتفي بإعطائي مسكّناً للألم ويعيدني إلى الزنزانة. شعرتُ أن المرض صار سلاحاً آخر بيد الاحتلال." – أسيرة محرَّرة. "منعوني من لقاء أطفالي لسنوات. ابني كبر ولم يعرفني إلا رجلاً خلف الزجاج. الاحتلال لم يسجنني وحدي، بل سرق طفولته أيضاً." – أسير محرَّر.
هذه الشهادات ليست حوادث فردية، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة الأسير الفلسطيني وإضعاف عزيمته. لكنها تتحول إلى وقود إضافي لصموده، إذ يخرج كثيرون من التجربة أكثر تمسكاً بالحرية والوطن، كأن السجن نفسه مدرسة قاسية للكرامة.
إنّ الأسرى الفلسطينيين ليسوا مجرد ملفات مؤجلة أو قضايا مطروحة على طاولة المفاوضات، بل هم نبض حيّ في جسد الوطن، وذاكرة لا تنكسر رغم محاولات الاحتلال طمسها. قضيتهم تختصر معركة الفلسطيني مع الزمن والحرية، معركة تتجاوز الزنازين لتصل إلى وجدان كل إنسان حرّ في هذا العالم.
فالقيد مهما اشتدّ لا يستطيع أن يسجن الحلم، والزنزانة مهما ضاقت لا يمكن أن تحتجز الأمل. سيبقى الأسرى شهوداً على أن الحرية أغلى من العمر، وأن الوطن يستحق أن تُختزل فيه حياة بأكملها.

صمود أصحاب المؤبدات في سجون الاحتلال
بقلم: د. جمال عبد الناصر أبو نحل
صمود الأسرى الأشاوس أصحاب المؤبدات في سجون الاحتلال _ "صبر أيوب" تُعتبر قضية الأسرى الفلسطينيين الأبطال في سجون عصابة الاحتلال الصهيوني الفاسد المُفسِّد في الأرض، المجُرم العنصري الفاشي المتُوحش الفاحش البذيء؛ من أهم القضايا المركزية التي تهم أغلبية الشعب الفلسطيني الصابر المثابر المجاهد المناضل المكافح الماجد ضد عصابة المعتدين؛ حيثُ تتوافق قضية الأسرى التي تُعد واحدة من أكثر القضايا الانسانية إلحاحًا في الصراع العربي الفلسطيني- ضد الكيان الصهيوني مع قضية المسجد الأقصى المبارك؛ لأن الأشاوس الميامين الأماجد الأسرى الفلسطينيين الأبطال جاهدوا ضد الباطل البطال من عصابة المحتلين الأوغاد، وقدم الأسرى زهرة شبابهم، وحياتهم رخيصة من أجل تحرير فلسطين، والمسرى، وكل المقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، وتم اعتقالهم بسبب عملياتهم الفدائية البطولية ضد عصابة المستوطنين المحتلين الغاصبين لفلسطين، وللمسجد الأقصى المبارك؛ وحكم عليهم الاحتلال العنصري البغيض بالسجن مدى الحياة بتهمة قتل بعض الجنود، والمستوطنين من عصابة الغاصبين المحتلين لأرض فلسطين!. ويقال عن الأسرى من أصحاب الأحكام العالية، والذين حكم عليهم العدو الصهيوني الظالم بالسجن مدى الحياة "من أصحاب أحكام المؤبدات"؛ حيث يعاني كل الأسرى الفلسطينيين عمومًا، والمؤبدات خصوصًا في السجون الصهيونية النازية من ظروف اعتقال إجرامية قاسية، قاهرة، وعزل انفرادي وتعذيب من المحتلين المجرمين الذين حكموا عليهم ظلمًا بأحكام جائرة ظالمة؛ حيث يمثل الحُكم بالسجن المؤبد على بعض المعتقلين الفلسطينيين أحد أوجه أساليب العدو الصهيوني المجرم السادي! ومن المعلوم أن حكم المؤبد لدى الكيان الصهيوني الوحشي هو أداة قمعية احتلالية فاشية سياسية وأمنية تهدف إلى تدمير حياة الأسرى بشكل كامل؛ وبحسب بعض التقارير الصادرة عن مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، فإن هناك أكثر من 550 أسيرًا فلسطينيًا محكومًا بالمؤبد، مما يعكس استمرار الاحتلال في نهجه الانتقامي، والتعسفي بحق أبناء الشعب الفلسطيني؛ ومن أبرز أسرى المؤبدات الفلسطينيين في غياهب السجون الصهيونية الوحشية؛ الأسير المجاهد الماجد عبد الله البرغوثي: أحد أشهر الأسرى الفلسطينيين المحكومين بالسجن المؤبد. حُكم عليه بـ67 مؤبدًا في عام 2004 بعد إدانته بتنفيذ عمليات استشهادية استهدفت عددًا من جنود الاحتلال؛ والذي يُعد واحدًا من أبرز شخصيات الانتفاضة الفلسطينية الثانية؛ ومن أسرى المؤبدات كذلك الأسير الماجد البطل مروان البرغوثي: عضو بارز في حركة فتح، والذي اعتُقل عام 2002 وحُكم عليه بالسجن المؤبد 5 مرات بتهمة العمل المسلح خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية تقول مؤسسة الأسرى الفلسطينية في تقرير لها عام 2022، إن البرغوثي ليس مجرد أسير سياسي، بل هو “أحد أعمدة النضال الفلسطيني” ؛ ومن أسرى المؤبدات الفدائي البطل الأسير نائل البرغوثي: أحد أقدم الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي. حيثُ اعتُقل عام 1978 وحُكم عليه بالسجن المؤبد، حيث يُطلق عليه لقب عميد الأسرى الفلسطينيين؛ وقد أشار في تصريحات صحفية سابقة إلى أن “حرية فلسطين لن تكون كاملة إلا بالإفراج عن جميع الأسرى”؛ وقد أُطلق سراحه عام 2011 في صفقة تبادل، قبل أن يعاود عصابة جنود الاحتلال اعتقاله عام 2014 بتهمة التخطيط ضد أهداف إسرائيلية؛ وكذلك الأسير الرفيق الماجد أحمد سعدات: الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذي حُكم عليه بالسجن المؤبد في عام 2006م؛ وتعتبر محاكمته جزءًا من سياسة الكيان الصهيوني المجرم في الانتقام من القادة الفلسطينيين؛ حيث أشارت منظمة العفو الدولية في تقرير لها عام 2016 إلى أن محاكمة سعدات كانت غير عادلة، وأنه يجب الإفراج عنه وفقًا للقانون الدولي؛ ومن أسرى المؤبدات في سجون الكيان الصهيوني الإرهابي _الأسير البطل المجاهد إبراهيم حامد: أحد أبرز الأسماء التي تصدرت المشهد مؤخرًا و اعتقلته قوات الاحتلال المجرم عام 2006 بعد عدة سنوات من المطاردة التي جعلته في مقدمة قائمة المطلوبين، ووُجهت إليه تهمٌ عدة، أبرزها التخطيط والإشراف على عمليات استشهادية خلال انتفاضة الأقصى، وحكم عليه المحتلين الفاسدين بالسجن المؤبد 54 مرة عام 2012، وكغيره من الأسرى يعاني إبراهيم من ظروف الاعتقال القاسية، والصعبة جدًا في سجون الاحتلال، إذ لم يُسمح لعائلته بزيارته وهو أيضًا من الذين وُضعوا في زنزانة في سجن العزل الانفرادي، ويتعرض للقمع، والتنكيل هو وباقي الأسرى البواسل الأبطال من قمع، وتنكيل عصابة المحتلين؛ والذي توحش بعد "طوفان الأقصى" والحرب، والعدوان على غزة، فزاد الاحتلال النازي الصهيوني المجرم في إجرامه، وقمعهِ، وإعدامه للأسرى البواسل، واستخدم السجون كأداة للضغط عليهم، وعلى الشعب الفلسطيني، مما عكس سياسة العدو القمعية الهمجية التي تهدف إلى تدمير إرادة الأسرى الصابرين؛ ولقد صرحت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية أن الأسرى يعيشون في ظروف غير إنسانية، والأمر لا يقتصر فقط على حكم المؤبد، بل كل الأسرى من أجل تحطيم روحهم المعنوية من خلال تعذيبهم نفسيًا، وجسديًا؛ وقد أشارت تقارير حقوقية عديدة إلى تزايد الانتهاكات بحق الأسرى، مثل زيادة العزل الانفرادي ووضعهم في زنازين صغيرة جدًا، وتعذيبهم، ومنعهم من التواصل مع عائلاتهم، وعدم السماح لهم بالحصول على الرعاية الصحية الضرورية؛ ولذلك تبقى قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون عصابة العدو قضية حساسة، ومحورية في الصراع؛ وعلى الرغم من كل المعاناة التي يتعرض لها الأسرى الميامين فإنهم يعدون رمزًا للثبات، والصمود، والصبر، "صبر أيوب"؛ ولا تزال تتواصل معاناة الشعب الفلسطيني البطل، وخاصة المعتقلين الأبطال، ويستمر تنكيل، وتعذيب المعتقلين الأسري الأبطال في سجون عصابة الاحتلال، ويستمر العدو في حرمانهم من أبسط حقوقهم التي أقرتها كل المواثيق والشرائع الدولية الإنسانية!؛ ولذلك يتوجب على كل أحرار العالم أن يقفوا وقفة جادة للإفراج عن أسرانا الأبطال من سجون الاحتلال الجبان!!؛؛ والمطلوب محليًا، وعربيًا، ودوليًا تحريك ملف الأسري، وملف شهداء مقابر الأرقام؛ ومطلوب مِنا جَميِعًا توفير كل الدعم، والمساندة، وعمل المزيد من الفعاليات الوطنية، والعربية، والعالمية دعماً لحرية الأسري الفلسطينيين الميامين في سجون المحتلين المجرمين. لأن هؤلاء الأسرى الأبطال كانوا يناضلون ويجاهدون ويدافعون عن شرف وكرامة الأمة العربية والإسلامية، ومن أجل تحرير كُل المقدسات المغتصبة؛؛ فَلهم منا كل التحية والتقدير والمحبة والنصرة والفخر، والاعتزاز، ولكل الأسيرات، والأسرى الأشاوس، والذين هم منارات تشعل الطريق لكل الأجيال العابرة لتحرير بيت المقدس من دنس الغاصبين، ومن أجل أن ننعم جميعًا بالحرية، والاستقلال والكرامة، هؤلاء الأسرى البواسل قال عنهم الرئيس القائد أبو عمار رحمه الله :" إن خيرةّ أبناء شعبي في سجون، ومعتقلات الاحتلال"؛ وختامًا مهما طال ظلام الليل فإن فجر الحرية قادم لكم لا محالة أيها الأبطال، والنصر آتٍ؛ وإن لما توعدون لقريب، وإن النصر صُبر ساعة، يرونها بعيدة، ونراها قريبة وإننا لصادقون، وعصابة الاحتلال إلى الزوال، وتحت أحذيتنا، والنعال؛ والحرية لمسرانا، ولأسرانا الأبطال.

تغريبة المؤبد في السجون الإسرائيلية.. محمود عيسى نموذجاً
بقلم الأسير المحرر الأديب: وليد الهودلى
أنا كأسيرٍ سابق، لا يمكن أن أتصوّر كيف يقضي إنسانٌ في العزل الانفرادي أحد عشر سنة! وهي رُزمة عذابٍ في سياق حبسةٍ تجاوزت الثلاثين سنة، وما يزال واقفاً على قدميه، وما زال له قلبٌ تعصف به مشاعرُ السجن العاتية، فيحتمل ضرباتها ولا يَخِرُّ صريعاً رغم فظيع آلامها. لا يوجد أيُّ تفسيرٍ إلّا ما وقر في قلبه من إيمانٍ وعشقٍ ويقينٍ، يتجاوز به ويصبُّ على لهيب الجمر برداً وسلاماً. ولئن قال اللهُ لنار النمرود: "كوني برداً وسلاماً على إبراهيم"، فإنّ هناك من هذا البرد والسلام ما زال من حفظ الرحمن ورعايته لعباده المجاهدين. ولا يزال أسيرُنا يلتحف من هذا الإيمان ما يمنحه الصبرَ الجميل. وليس هذا فحسب، بل يُحافظ على عنفوانه ويستمر في عطائه الجميل أيضاً. كان بإمكان أسيرنا أن يشمخ ويفتخر بما قدّم قبل اعتقاله من عملياتٍ بطوليةٍ وفدائيةٍ فذّة؛ يركّز رُبابته ويكتفي بصبره على ويلات السجن، وكفى الله المؤمنين القتال! ولكنه من نوعٍ مختلف؛ إنّه الإنسانُ الرسالي، الذي لا ينفكُّ عن رسالته، ويبقى في حالة بحثٍ عن إبداعاتٍ تروي عطشه وتوقه للاستمرار في دوره الرسالي الذي نظّم نفسه فيه، حتى أصبح جزءاً منها، وهي جزء منه. لا ينفكّ عنها، ولا تنفكّ عنه؛ كعلاقة الشمس بالأرض، وعلاقة الأرض بالشمس. في فترة العزل الطويلة، وجد نفسه بعلاقةٍ حميمةٍ مع ربّه. اكتشف أنّه لا طريق لتخفيف ثقل الزنزانة إلّا بصُحبتها، وتحويلها من عدوٍّ إلى صديق.
وكيف ذلك؟
وجد أنّهما اثنان، ولهما ثالث. رفع شعار: "ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟ "هذه الكلمات أدخلته عالماً لا حدود له؛ حلق في فضاءٍ فسيح، ورتعت مشاعره في جنّاتٍ ونهر، عاش في جنان الحب والعشق الإلهي، وتحركت أفكاره في سماواتٍ عالية، وأخذت هذه المحبة مجتمع قلبه ليقرأ كلمات الله من جديد، فوجد لها وقعاً عظيماً في قلبه، وقدرةً هائلة على تنقيته وتطهيره، ثم السير به في دروب المجد، ثم التحليق عالياً في حالةٍ من السمو الفكري، تعانق ذاك السمو الروحي في عالمي الأفكار والمشاعر. بعد أن ذاق طعم الإيمان، وعرف واسعاً من أفكار القرآن، وجد نفسه يقرأ ويرتقي، ولا حدود لهذا الارتقاء. بهذا، حوّل الزنزانة من عدوٍّ إلى صديق. الحديث عن تجربة أسيرنا في العزل لا تكفيه مجلّداتٌ للحديث عن شهرٍ أو سنة، فكيف بنا نريد الحديث عن أحد عشر سنة؟ ونزل أسيرنا ساحة السجن بعد هذه الرحلة الشيقة العظيمة في عالم العزل، ولم يركّز رُبابته بما قدّم، وبما صبرت سني عزله، بل اعتبر ذلك نوعاً من أنواع التأهيل لما هو قادم من دورٍ جديدٍ في مرحلة السجن. انتقل من مرحلة بناء نفسه، إلى بناء غيره، وكيف يُحوِّل السجن إلى أكاديمية تربوية وثقافية وأمنية، بل وعسكرية. نجح أسيرُنا في تحويل السجن إلى فرصةٍ ذهبية في حراثة أرض هذه الميادين الخصبة، ثم إتقان زراعة الإرادة الحرة الثورية، في ثقافةٍ متينةٍ تُجيد بناء الذات الثورية. نجح في تهيئة الظرف، على عكس مراد السجّان، الذي أراد أن يقتل فيهم هذه الروح، فإذا بها تنمو وتظهر وتُثمر، وفق خطةٍ منهجية، أراها من أجاد فرصة العزل في زنزانة، فكيف به لا يُبدع في فرصةِ سجنٍ فيه من الخامات البشرية ما يصلح للاستثمار، بما يُخرج "خير أمة أُخرجت للناس". كانت فرصةً ذهبية لتخرّج الفرد الذي يُجسّد أمة، ويُجسّد رسالة أمة، وروح خير أمة. عكف أسيرُنا ومن معه من كفاءاتٍ ومؤبّدات، على هندسة السجن إداريًّا وثقافيًّا، ليكون خيرَ أكاديمية تسير على عكس مراد السجّان تماماً. فمثلاً، سجن هداريم فُتح عقوبةً للكفاءات كي تُعزل فيه، وأُحضرت إليه من كل السجون.
وما مضت سنوات، إلا وقد أصبح مكاناً لتخريج الكفاءات. قرر "ابن غفير" إغلاقه عقاباً! فُتحه كان عقاباً، وإغلاقه كان عقاباً!
وكان لأسيرنا محمود نظراتٌ في توجيه الكفاءات؛ أذكر يوماً، على سبيل المثال، أنه أتاني في ساحة عسقلان وطرح عليّ فكرة الكتابة عن تجربة التحقيق في الزنازين. فكرةٌ ألقاها عليّ، وإذا بها حيّةٌ تسعى... كتبتُ رواية "ستائر العتمة"، والتي كان لها الأثر التوعوي الكبير في هذا المضمار الهام، طُبعت اثنتي عشرة مرة، وحُوّلت إلى فيلم، واستفاد منها الآلاف. فقط فكرةٌ طرحها، وبارك الله فيها... هذه لمحة من أثره الطيّب. استمر أسيرُنا محمود في زمن السجن، الذي يقولون عنه إنه أسود، فإذا به بين يديه نورٌ وعلْمٌ ومعرفة، وصناعة الإرادات الحرة النبيلة الصادقة الواعية. ألّف أسيرنا عدّة كتبٍ في الفكر والدين والأدب والسياسة، إذ لم يكتفِ بتأليف القلوب على قضيته، وإتقان صناعة إرادتها. تجاوزته عدة صفقات تبادل، وكثيرٌ من الإفراجات، لما يعتبره السجّان من خطورة هذه الشخصية القيادية المميزة. لم يكن ولم يضعف، ولم يُعاتب، ولم يسخط. بل كان نموذجاً وقدوةً في فنائه عن نفسه، وتعلّقه الكامل بربّه ورسالته.
أينما تجده، تجد الخير والنور عنده. ما بعد السابع من أكتوبر، كالوا له أضعافاً من التنكيل والعذاب، وقلبه معلّقٌ في السماء، ولسانه يلهج بذكر الله. هذا حال الأسرى المؤبّدات؛ قهرٌ وظُلمٌ تنوءُ من حمله الجبالُ الراسيات، ولكنّهم الرواحلُ التي تذلّ لها الجبال، وهم المؤهَّلون القادرون على قيادة المرحلة، ورفع لواء القضية، بعد أن يُفرِج الله عنهم في صفقاتِ تبادلٍ مشرفة.

الأسير المحرر عمار الزبن يروي قصة صموده لـ"الأيام نيوز".. ثلاثون سنة خلف القضبان.. من تهريب النطفة إلى صناعة الحرية
ثلاثة عقود قضاها الأسير الفلسطيني عمار الزبن في سجون الاحتلال جعلت منه شاهدًا حيًا على أوجاع التجربة وملحمتها الإنسانية. خرج في صفقة "طوفان الأحرار" حاملًا معه ذاكرة مكتظة بالحرمان والصمود، وقصةً فريدة تجاوزت جدران السجن حين أنجب من خلف القضبان أول "سفير للحرية". في هذا الحوار مع "الأيام نيوز"، يفتح الزبن قلبه وعقله ليروي تفاصيل الرحلة القاسية، من لحظة التحرر إلى معركة النطفة، من فقدان الأحبة إلى صناعة الأمل، ومن الكتابة خلف القضبان إلى قراءة المجتمع الإسرائيلي بعيون أسيرٍ عاش التجربة على امتداد ثلاثين سنة.
بن معمر الحاج عيسى
الأيام نيوز: بدايةً، بعد ثلاثين سنة خلف القضبان، كيف تلخص لحظة التحرر الأولى وخروجك إلى فضاء الحرية؟
عمار الزبن: الحرية ليست مجرد كلمة!! هي الروح، الإنسانية، الجمال، الحياة ومصافحة الملائكة. لذلك!! في اللحظة التي نطق فيها السجّان اسمي: لم أرَ الثلاثين العجاف التي قضيت!! إنما القرون الثلاثة القادمة حيث الحرية التي لا يشيخ فيها الأحرار.
الأيام نيوز: كيف تصف تجربة تهريب النطفة من الأسر، وما الذي مثّلته ولادة "مهند" و"صلاح الدين" بالنسبة لك كأب وأسير؟
عمار الزبن: كانت تحمل أبلغ معاني الإنسانية التي لطالما حاول المحتل نزعها منا، وهي المعركة الحقيقية التي كانت بيننا وبين العدو وتنعكس بالضرورة على الصراع الأوسع مع الاستعمار لبلدنا، ولا شك بأن تحرير النطفة من عتمة الأسر رغم أنف السجّان! كان أحد تجليات الإرادة والتصميم على صناعة الحياة من بين الموت الذي أراده لنا العدو، حيث لم تفلح كل إجراءاته القمعية وحربه الطويلة بحقنا!! من أن نمارس حقنا الإنساني والطبيعي لسماع كلمة بابا.
لذلك كانت فكرة تحرير النطف عام2002 على يد المهندس عباس السيد (فك الله أسره) حيث كان قد أنجب بهذه الطريقة قبل أسره، وقد شهدت السجون نقاشًا عاصفًا حول الموضوع ورفضًا لدى غالبية الأسرى الذين كانوا يخشون مكر وخبث العدو، الذي يمارس (في الوضع الطبيعي) حرب الإشاعة ضد شعبنا فكيف تجاه الأسرى؟!! ومع ذلك تم المضي قدمًا بالمشروع بعد أن تم تجنيد العلماء والسياسيين والإعلام، حيث قام مجاهدان بداية بالتجربة لكنها لم تنجح فمات المشروع عدة سنوات، في هذه الإثناء!! كانت زوجتي دلال تقاتل منذ البداية لخوض التجربة وتصر أن تكون الأولى، لكنني كنت مترددًا، ليس من حيث المبدأ، إنما خشية عليها لكنها بقيت تقاتل حتى أقنعت جميع العائلة وبالتالي أقنعتني، فالمرأة الفلسطينية من عالم آخر مجبولة من الجمال والتحدي.
وبقينا نحاول التهريب عدة سنوات وقد حال دون نجاحي كثرة التنقلات حتى شاء الله ونجحت عام 2012 بذلك من سجن شطة شرق فلسطين، حيث هربت النطفة عن طريق فتحة في غرفة الزيارة كنا نهرب منها أجهزة الهاتف الخليوي، ومنها مباشرة إلى يد أهلي الذين أخفوا النطفة داخل الجسد حتى تبقى بدرجة حرارة تبقيها حية، لكن التحدي العلمي كان عمل الوقت!! حيث لم يسبق أن بقيت النطفة خارج الجسد مدة ثلاث ساعات وهي المسافة ما بين السجن ومدينتي نابلس حيث لا سيارة إسعاف أو حاوية طبية (مأخوذ بالاعتبار وقت الخروج من السجن).
وصلت النطفة بخير وأجرينا الزراعة ثلاث مرات لتنجح في الثالثة ويأتي سفير الحرية الأول مهند عام 2012 ليحدث بعدها الانقلاب في رأي الأسرى الذين كنت ترى دموعهم بكل السجون وهم يشهدون الأمل في أول صرخة لمهند، حيث تم بث ولادته في وسائل الإعلام. ثم عاودت مع زوجتي إنجاب طفلنا الثاني صلاح الدين من ذات النطفة عام 2014، وكلّه بفضل الله أولًا ثم قتال زوجتي وحبيبتي دلال التي لم تستسلم لوهم الخوف فكانت أشجع النساء.
واليوم، وقد بلغ عدد سفراء الحرية ما يناهز الـ 140 وجميعهم يقول كلمة بابا التي حاول العدو حرماننا منها!! أدرك أننا شعب لا يمكن هزيمته.
الأيام نيوز: ما أشد اللحظات قسوة التي مررت بها في الأسر، وهل ما زالت بعض المشاهد تطاردك بعد الحرية؟
عمار الزبن: هي كثيرة، فإذا ما تجاوزنا (قهر الأحرار) وأنت ترى المجازر بحق شعبك فلا تستطيع فعل شيء وأنت الذي تعرف جيدًا كيف توجعهم عندما كنت في الميدان!! فإن أقسى وجع على الإطلاق، (رغم استشهاد والدتي ورفاق دربي وأسـاتذتي ووفاة والدي والكثير من أهلي) تحررك دون إخواني الذين عشت وإياهم ثلاثة عقود خلف القضبان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الأيام نيوز: استشهد شقيقك بشار عام 1994 ورحلت والدتك أثناء إضرابكم عام 2004… كيف تعاملت مع هذا الثقل النفسي في الزنازين؟
عمار الزبن: لا شك بأن الفقد على هذا النحو الموجع في أقرب الناس إليك وتحديدًا في الأسر!! هو صعب جدًا، لكننا مع الوقت اكتشفنا قدرة الواحد فينا على التحمل، وربما دواخلنا (بعد الله عز وجل) كأصحاب مشروع تحرري جاد!! كانت تعطينا الأسباب المنطقية للصبر، عوضًا عن التضامن فيما بيننا ولكن يبقى الثائر أكثر الناس عاطفة وإحساسًا وإلا لما كان ثائرًا.
الأيام نيوز: ثلاثون سنة في السجون، كيف استطعت الحفاظ على توازنك العقلي والنفسي وسط محاولات السجّان لكسر إرادتك؟
عمار الزبن: أولًا باستحضار معية الله ثم باتخاذ قرار واحد: عدم إضاعة الوقت وبالتالي اغتنام أفضل الخيارات المتاحة، ولم يكن ذلك لينجح دون إرشاد ومساعدة إخواني الأسرى الذين سبقوني إلى هذا الطريق ومنهم بالطبع أستاذي الحبيب يحيى السنوار الذي تشرفت بالعيش معه سنوات طوال. ومنها بالطبع: الدورات الثقافية (ما قبل التعليم الجامعي) والمطالعة والكتابة وممارسة الرياضة ومن ثم التدريس وغيرها.
الأيام نيوز: ماذا تعني لك صفة "أول سفير للحرية" التي التصقت باسم ابنك مهند؟
عمار الزبن: هذا وسام شرف للمقاومة الفلسطينية وشعبنا المجاهد، وليس لعائلتي فقط، وفي ذات الوقت أحمد الله أنني كنت وزوجتي سببًا في صنع هذه الثورة الإنسانية الصغيرة، من خلال أول سفير للحرية في العالم.
الأيام نيوز: كتبت سبع روايات في الأسر، أربعة منها نُشرت. ما الذي دفعك إلى الكتابة؟ وهل تعتبر الأدب سلاحًا موازيًا للبندقية؟
عمار الزبن: الحقيقة أنني أهوي الكتابة منذ الصغر فلقد كنت أكتب الخطابات التحريضية على الاحتلال في المرحلة الإعدادية في انتفاضة الحجارة (1987)، وعندما دخلت الأسر للمرة الأولى أواخر عام (1990) وكنت في سن السادسة عشر!! طورت بمساعدة بعض الإخوة مهاراتي الأدبية ولا زلت أذكر أول كتاب أدبي قرأته في سجن النقب (العَبَرات) للمنفلوطي أهداني قراءته أحد المتذوقين للأدب، ومع مرور الوقت أصبحت أجد نفسي في فن الرواية، ولعل الانفجار الأدبي الأبرز (2006) عندما كتبت روايتي الأولى (عندما يزهر البرتقال) كردة فعل على عجزي أمام بطش الاحتلال بأبناء شعبي وأنا داخل القيد، وبالفعل!! لا يمكن فصل الأدب المقاوم عن البندقية ولا أراني أستعذب أدبًا لا تكتبه الأيدي التي لا تزال تعلق بها رائحة البارود.
الأيام نيوز: كيف انعكست دراستك الأكاديمية في العلوم السياسية وتخصصك في الدراسات الإسرائيلية على وعيك وتجربتك في السجن؟
عمار الزبن: الدراسة الأكاديمية!! أعظم الفرص التي أتيحت للأسرى داخل سجون العدو، فبعد رفض السجّان المطلق منحنا حق الدراسة الجامعية وإصراره على ذلك!! استطعنا بفضل الله ثم المثابرة على إدخال الدبلوم عام 2006 عبر التعاقد مع إحدى جامعات غزة حيث سارع طاقم من الأسرى ذوي الشهادات العلمية الحاصلين عليها قبل الأسرى لتنفيذ الخطة الدراسية بعيدًا عن أعين السجّان بالاعتماد على ملخصات يتم إدخالها أو النجاح أحيانًا في إدخال الكتب، وإخراج نتائج الامتحانات عبر الهواتف الخليوية المهربة، وقد تطور المشروع التعليمي عام 2012 عندما تمكنا من إدخال برنامجي البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية. كانت لحظة فارقة لدى الأسرى وتحديدًا في برنامج الماجستير!! لأن الأسير أصبح يجمع ما بين التاريخ النضالي المستمر والشهادة العلمية العليا وبذلك لن يكون منعزلًا بعد الحرية عن فرصة بناء مجتمعه بالصورة التي تليق بجهاده، عوضًا عن المسألة المعنوية التي ساهمت في رفع معنويات عائلته التي كانت أكثر فرحًا لذلك. أما على الصعيد الشخصي!! لا شك بأنها صنعت داخلي شغفًا واندفاعًا لا زلت أعيشه إلى اللحظة، فهناك فرق بين التعليم المنهجي وعكسه، فالأول يفتح أمامك أبوابًا علمية تنظم فوضى التعليم التنظيمي (على أهميته داخل الأسر وخارجه) لأنه لا يوفر البناء الصحيح للعقلية العلمية، وهذا ما شعرت به حتى في نمط التفكير وخاصة بعد أن بدأت العمل على أطروحة الدكتوراه والتي للأسف لم تكتمل بسبب الحرب في السودان ومن ثم الحرب على شعبنا. وقد ساعدني كل ذلك في تقديم أقصى طاقتي لمساعدة إخواني الأسرى كمدرس على مدار أيام الأسبوع سواء أكاديميًا أو على صعيد الدورات الثقافية، كما شكلت الدراسة الجامعية إضافة نوعية على مشروعي الأدبي زادت من ثرائه المعرفي.
الأيام نيوز: في ظل صفقة "طوفان الأحرار" التي حررتك، كيف ترى مستقبل ملف الأسرى؟ وهل تتوقع صفقات أخرى قريبة؟
عمار الزبن: بات واضحًا للجميع بأن تحرير الأسرى لا يتم إلا عبر صفقات التبادل، لذلك كان تحريرنا من أهم أهداف الطوفان إلى جانب رفع الحصار وغيرها، وليس عندي أدنى شك بأن هدف تحرير إخواننا من أهم ما يشغل قادة المقاومة إلى جانب وقف الحرب ورفع الحصار والأعمار، وهذا بالضرورة لا يتم إلا بصفقات التبادل، لذلك سيخضع العدو في نهاية الأمر ولن يحصل على جنوده إلا بهذه الطريقة لأن شعبنا أيضًا يريد إبطاله.
الأيام نيوز: ما هي أبرز الأساليب التي استخدمها الاحتلال لمحاولة كسر الأسرى الفلسطينيين، وكيف واجهتموها جماعيًا؟
عمار الزبن: الحرب النفسية بأشكالها المتعددة وأبرزها العزل الانفرادي، حيث يمكن أن تصل مدة العزل ثلاثة عشر عامًا كما حدث مع المجاهد محمود عيسى (فك الله أسره) والهدف بالطبع أن يصل الأسير إلى حافة الجنون وأكثر.
الحرمان من الزيارة، وهي لا تقل خطورة عن الأولى بحيث يقطع العدو التواصل مع الأهل حتى يحطم الأسير وأهله ويحاول صناعة شرخ اجتماعي وفجوة بين الطرفين تلقي بظلالها على المجتمع الأكبر لإخافته من الأسير وبالتالي عدم الاقتران مع الأسرى السابقين أو حتى غوائل الأسرى المرشح أبناؤهم للاعتقال لنشاطهم ضد الاحتلال.
الحرمان من العلاج: وهنا اللعبة السيئة بحيث يحافظ على حدود دنيا من العلاج ولكن!! يبقي الأسير تحت الألم مدة قد تصل سنوات (أحيانًا) حتى يأتي دوره لعملية جراحية، أو يكتفي بالترقيع والمماطلة وسوء التشخيص.
مواجهة ذلك: الإضراب المفتوح عن الطعام كخيار استراتيجي نلجأ إليه عندما نستنفد التكتيكات الأخرى ومنها: تهريب الهواتف الخليوية ومنها الذكية التي يستطيع الأسير مشاهدة أهله عبرها، ترجيع وجبات الطعام بشكل جماعي في كافة السجون، عدم الخروج من الغرف لمدة وصلت في إحدى المرات شهر ونصف لأن ذلك يعني إبقاء القوة البشرية لدى مصلحة السجون في حالة استنفار وإرهاق واستنزاف، العمل مع المحامين في بعض الهوامش القانونية وهي أضعف الخطوات التي لا نبني عليها كثيرًا، وأحيانًا نلجأ لاستخدام القوة المدروسة في حالات نادرة كالاعتداء على الأسيرات، حيث يقوم أحد المجاهدين بطعن سجان أكثر، وهذا الذي كان يخشاه العدو ويفاوضنا لعدم حدوثه وبالتالي عليه أن يدفع ثمن ذلك، ولذكر أننا أدخلنا للأسيرات الهاتف العمومي بعد صراع مع السجّان تخلله ما أسلفت. (كل ما سبق لا ينسحب على ما حدث ويحدث إلى الآن، أثناء الحرب حيث الضرب والسحل والتجويع واستخدام الكلاب البوليسية وعدم العلاج والدخول بالسلاح الناري وغيرها).
الأيام نيوز: قضيت سنوات طويلة بين جدران الزنازين، كيف ترى الفارق بين الأسر الفردي والأسر الجماعي في الذاكرة الفلسطينية؟
عمار الزبن: لا شك بأن العزل الانفرادي أقسى وأشد على الأسير لأنه يبقى وحيدًا وإلى جانبه السجناء الجنائيين من اليهود والعرب وبالتالي التفرد به، بينما الأسر الجماعي!! فيه التكاتف والحياة الجماعية التي تحكمها الأنظمة المتوارثة منذ عشرات السنين لدى الأسرى والتي تحافظ على نظافتهم وأخلاقهم وصحتهم العقلية والنفسية بما يتضمن ذلك من دراسة وتعبئة ثقافية وترفيه وغيرها.
لا شك بأن الذاكرة الفلسطينية ذاكرة واعية لدى أبنائها الثوار، تفهم جيدًا أن الأسر سواء كان فرديًا أم جماعيًا يشكل أبرز صفحات الصراع إشراقًا وبسالة ويُعتبر مثالًا حيًا لأجيال على الضريبة التي يمكن أن يدفعها الثائر من أجل دينه ووطنه.
الأيام نيوز: بصفتك باحثًا اليوم في مركز حضارات للدراسات الإسرائيلية، ما هي أهم النقاط التي تكشفها قراءتك العميقة للمجتمع الإسرائيلي؟
عمار الزبن: هناك خلاف حتى لدى المفكرين لدى العدو حول مفهوم المجتمع (الإسرائيلي) وما إن كان ينطبق عليه مصطلح مجتمع على ضوء الشروخ الاجتماعية العميقة داخله وحالة عدم التجانس لديه، وأهم هذه الصدوع التي تهدد تماسكه الهش: الصدع العربي-اليهودي، العلماني-الديني، الشرقي-الغربي.... وتتنافس هذه الصدوع فيما بينها فقبل الحرب الرهانة تراجع الصدع العربي-اليهودي لصالح الشرقي-الغربي في أزمة الإصلاحات القضائية لأن القضاء يمثله في الأغلب الغربيون وهم بناة الدولة ويعتبرهم الشرقيون بأنهم الدولة العميقة التي تسيطر على مفاصل الحكم والثروة، بينما الشرقيون الذين يمثلهم اليمين بزعامة المجرم نتنياهو (على الرغم من أنه غربي) يشعرون بالمظلومية ووجدوا ضالتهم في اليمين. هذه الصدوع غير قابلة للحل ويجري الآن عملية التعايش معها وقد عمقتها الحرب وخاصة العربي-اليهودي غير القابل مطلقًا للحل والمسايرة، وأيضًا الديني-العلماني وسط إصرار المتدينين اليهود من الحريديم (الأرثوذكس) على عدم الخدمة في الجيش بدعوى التفرغ لخدمة التوراة. وهنا كيف يجتمع ذلك مع نتائج الحرب حتى اللحظة؟! فكرة إنشاء مستعمرة يهودية على أرض فلسطين وبناء مجتمع متجانس قائم على فكرة الأمن!! تم ضربها بقوة عبر طوفان الأقصى ولن يتعافى الصهاينة من ذلك بل ستزداد الصدوع عمقًا واتساعًا، والكثير من الصحفيين والقادة الصهاينة بدؤوا يتحدثون عن قرب انفراط العقد، وأبرز تجلياته ما نشرته صحيفة يديعوت مؤخرًا من طوفان الهروب من داخل فلسطين الأمر الذي لا تستطيع الدولة منعه كما فعلت في حربها مع إيران، مع ملاحظة أن غالبية المستعمرين الصهاينة يملكون جنسيات مزدوجة!
الأيام نيوز: ما رسالتك للشباب الفلسطيني والعربي الذين يتابعون تجربتك اليوم، خاصة في ظل تحديات الواقع السياسي الراهن؟
عمار الزبن: كل التحية لأعظم ظاهرة في التاريخ!! بواسل الالتحام في غزة، لقد أعجزتم مَن بعدكم ولن تلد النساء أمثالكم إلا أن يكونوا مثلكم، أما شباب فلسطين: هذا الوقت الذي يحبه الله ورسوله لرؤيتك فيه ولا نامت أعين الجبناء. أما شباب الأمة!! واجب الوقت لم يفت بعد، فالتحق باللحظة التاريخية هذه فاهلك في فلسطين يذبحون والعدو بدأت نهايته!
الأيام نيوز: هل تنوي تحويل سيرتك وتجربتك في السجون إلى عمل أدبي أو سيرة ذاتية كاملة؟
عمار الزبن: قد يحدث ذلك لاحقًا، لأن المعركة مع المحتل لا زالت مستمرة وبحاجة لكل جهد ممكن فحتى لو اختلف دورنا اليوم!! إلا أننا نعيش اللحظة التي لن نسامح أنفسنا أن قصرنا بحق شعبنا وأرضنا السليبة.
الأيام نيوز: بعد أن أصبحت جدًّا، كيف تود أن يروي أحفادك قصة جدّهم الأسير المحرر عمار الزبن للأجيال القادمة؟
عمار الزبن: كما يتمنى كل حر يرفض الظلم ويقاتل من أجل إنسانيته.
الأيام نيوز: كلمة توجهها للشعب الفلسطيني وللشعب الجزائري وقراء جريدة "الأيام نيوز"
عمار الزبن: للشعب الفلسطيني: لقد اصطفانا الله لأن نكون رأس حربة العالم في مواجهة الاستعمار فلنكن على قدر المسؤولية في هذه الحرب التي تُشن علينا.
للشعب الجزائري وقراء جريدة "الأيام نيوز": أنتم لا تعلمون كم نحبكم، فاجعلوا المقاتل الذي يعتلي ظهر الدبابة في غزة!! يعلم أنكم تسندون ظهره.