2025.10.23
الحدائق والورود في أدبنا وتراثنا وحياتنا..  اغرس \

الحدائق والورود في أدبنا وتراثنا وحياتنا.. اغرس "شجرة العمر" واقرأ ما قالته الوردة


إنّ وردةً يتيمة أَنبتَتها الأقدارُ وسط الدّمار والخراب، حيث لا لون إلاّ الرّمادي، ولا رائحة إلا رائحة الموت.. في وسعها أن تُعلّمنا بعضًا من أسرار الحياة وكثيرًا من معاني رسالة المخلوق في الوجود. فهذه الوردة اليتيمة - رغم ضُعفها وقِصر عمرها - وعَت رسالتها في الوجود وهي إشاعة الأريج ونشر الجَمال في مكانٍ اختزل الموتُ كلَّ معانيه النبيلة! ولو أردنا أن نصوغ رسالتَها بلغة شعريّة سنقول على لسان الشاعر الفلسطيني "محمود درويش": "على هذه الأرض ما يستحقُّ الحياة". إذا كان هذا هو شأن وردةٍ واحدةٍ فماذا عن ملايين الحدائق وما لا يُحصى من الورود على كوكب الأرض؟ بالتأكيد أنّها لم تُخلق عبثًا، ولم تُوجِدها الأقدارُ بلا غاية، بل لها رسالةٌ بيئيّة وصحيّة وجماليّة و"صناعية" وما لا نُدركه من غايات أخرى تؤكّد جميعها بأنّ "على هذه الأرض ما يستحقُّ الحياة". فما هي الدّروس التي تعلّمناها من الوردة؟ عندما نمدّ أيدينا لنقطف وردة تُسعِد الكثيرين بجمالها وعطرها ثم نهديها إلى شخص عزيز علينا تعبيرًا عن حبٍّ أو مشاعر نبيلة، فإننا نعبّر في الواقع عن أنانيّتنا ونرجسيّتنا وأنّنا لم نتعلّم درسًا واحدا من دروس الوردة. وعندما لا نرى الورود في أرصفتنا وشوارعنا وتغيب الحدائق والمساحات الخضراء من أحيائنا وساحاتنا.. فإننا لم نتعلّم من دروس الوردة شيئًا، ولن أقول بأنّ التصحّر ربّما امتدّ إلى عقولنا! وعندما نختزل رسالة الوردة في جمالها وعطرها فحسب، فإننا نكشف عن افتقادنا لقابلية تعلّمِ رسالة الوردة! بل نزعم أنّ تعاملنا مع الوردة من منطلق ما ترمز إليه فقط، هو انتهاك لـ "حقوق الورود". فالوردة لها جوانب روحانيّة لا يرتقي إلى مقاماتها إلاّ من وعى رسالته الإنسانيّة والغاية من وجوده على الأرض! يذهب الشاعر الجزائري "عثمان لوصيف"، في ديوانه الشعري "قالت الوردة"، إلى أنّ الروح التي تسكن الإنسان كانت "وردةً" قبل أن تُخلق المجرّات والكواكب، بل كانت شاهدة على قصّة الخَلق، وكل ما قالته الوردة في ديوان الشاعر هو تأريخُ الروحِ للجسد وللوجود المادي على الأرض. ولولا تلك الوردة ما كان للشاعر كينونة وهويّة وإدراك عرفاني يتجاوز قدرة العقل على فهمه واستيعابه، ربّما لأجل هذا احتفظت الورود بسرّها الأعظم أنّها لغةٌ كونيّةٌ يفقهها كل البشر ويُعبّرون بها عن مشاعرهم في كل المناسبات: السعيدة والحزينة على حدّ السّواء. يقول الشاعر "عثمان لوصيف": من شفاهي تنزلق الكلمات سمكًا أخضرًا ذهبِيَّ الزَّعانفِ والزَّغبات شاعرٌ... شفتِي زهرةٌ ويَداي لغات تسكر الأرضُ حين أغنِّي وترقص أشجارُها العاشقات والفراشات ترتفُّ فوق رموشي وتستيقظ النَّجمات وهذه الأديبة "مي زيادة" وعَت دروس الوردة، وأدركت أن هناك نوعًا من الورد ينمو ويُبرعم ويُزهر في الأعماق الإنسانية، ولكنه يستمدّ خصائصه من ورود الطبيعة التي لا تُعمّر طويلاً وهي عرضة للأخطار التي قد تُنهي حياتها قبل أن تؤدّي رسالتها. وقد وجّهت "مي" رسالة إلى النساء، في مجلة "المقتطف" (سبتمبر 1921)، قالت فيها: "أتعلمن ما هو الشباب والجمال؟ هما حديقة تملأها الأزهار النّضرة والعطور المنعشة، يقف أمامها المارّون مُعجبين... وما هو إلّا يوم وليلة فتمرّ العاصفة صارعة أشجارها، مُبدّدة أزهارها، مُبيدة عطورها، وتغادرها خالية إلا من أكوام التراب والأغصان المُكسّرة. هذا ما تسمّونه جمال الشباب أي جمال القشور. أما الجمال الآخر فهو جمال الجوهر، الآلام تُظهِره، والمصائب تجلوه، والعواطف تُفعمه قوةً ونُبلاً. هو الجمال الذي يبقى ناميًا مدى الحياة. هو مُسعِد العائلة، هو مساعد الزوج، هو مهذّب الأطفال، هو السلام والخير والبركة، ولتحفظه المرأة... اسمعن أيتها السيّدات، لتحفظ المرأة ذلك الجمال، عليها أن تكون وردةً تُحيط فيها بالأشواك... وما (أشواك) الوردة النسائية غير التكتّم والحشمة والطهارة". وإذًا، فحكاية كل إنسان في الحياة هي حكاية وردةٍ نبتَت ونمت وتفتّحت أكمامُها فأشاعت العطر والجمال ثم آوَت إلى الذبول وانتهَت إلى الموت، هذا إن قُدِّر لها أن تحيا حياةً طبيعيّة تؤدّي فيها رسالتها كما شاءت لها الأقدار! لعلّنا لن نشعر بقيمة الورود في حياتنا ما لم نحاول أن نتخيّل العالم بلا وردٍ! ولن ندعو القارئ أن يتخيّل ذلك على كل حال، ولكننا ندعوه أن يفكّر جدّيًّا في غراسة شجرة ورود أو شجرة من أيّ نوع آخر، المهمّ أن يغرس شجرة واحدة في حياته على الأقلّ ويحرّض غيره على فعل ذلك حتى يكون الأمر تقليدًا مُجتمعيًّا تتوارثه الأجيال، كما ندعوه أن يفكّر في وجه الحياة وألوانها ومذاقها وحجم السعادة الذي يُمكن أن يتدفّق في شوارعها وطرقاتها ومدنها وقُراها وجبالها ووهادها.. لو أنّ كل إنسان التزم بغراسة شجرة واحدة خلال حياته، وسنُسمّيها مجازا: "شجرة العمر"! في مدار هذه الرؤية، توجّهت جريدة "الأيام نيوز" إلى نخبة من الكُتّاب والمبدعين بهذه التساؤلات: الحدائق فنٌّ من الفنون التي تشبه الفنون التشكيلية، وهي تكشف عن رقي المجتمع وعلاقة أفراده بالطبيعة والثقافة الجماليّة. والعرب يمتلكون تراثا عريقا وغزيرًا في مجال الحدائق، فما هو واقع الحدائق في عصرنا الراهن؟ وما هي علاقتكم بها وذكرياتكم معها؟ وما هي رؤيتكم لضرورة إنشائها بكثافة في المدن خاصة؟ وهل تعتقدون بأن الأدب معنيٌّ بالحدائق، والأدباء معنيون بالترويج لها والدعوة إلى "ثقافة الحدائق"؟ وعندما نتحدّث عن الحدائق فإننا نتحدّث عن علاقتنا بالأزهار وثقافة الورود، فمثلا في كثير من مناطقنا العربية، لا سيما الريفيّة، لا يقدّمون باقات الورد عند عيادتهم للمريض، بل يقدّمون له الفواكه خاصة.. فهل تحتفظون بذكريات أو حكايات عن الأزهار؟ وهل كتبتم عنها؟ وأنت عزيزي القارئ، هل لديك كلمة تقولها حول الحدائق والورود؟ يكفي أن تؤمن بأنّك مثل الوردة، رسالتُك في الحياة أن تنشر الجمال والخير وتُسعد غيرك.. وفكّر أن تغرس شجرة خلال حياتك، أطال الله بقاءك ومتّعك بالقدرة على الاستمتاع بجمال الورود والحدائق.  

الحدائق.. قصائد الطبيعة بلغة الألوان..

ماذا لو اقتدينا بالورد إشراقا وحبا وجمالا؟

جنى جهاد الحنفي (كاتبة وإعلامية فلسطينيَّة في لبنان) وسط ضجيج الأفكار التي لا ترحم، والمدينة التي لا تصمت ولا تنام، تظل الطبيعة ملاذًا تصفو على أعتابه الأرواح. هناك حيث نعرف قيمة اللون، وتحنّ علينا الملامس، ونطير برائحة، وحيث يروي الماء القلوب قبل الجذور. حيث نعيد تعريف الأخضر، ويركع على البساط المطرّزِ الحزنُ منتشيًا في صلاة التقاء النفس بالنفس، وعودتها إليها، إلينا، بعد حين من قلق وضجيج. وبين زهرة تتدلّل وشجرة تعانق، تنكشف الحكمة قبل الجمال. في أدق تفاصيل الحياة، نكتشف معنى جديدًا للحياة! لقد علّمتنا الحدائقُ وأملَت علينا أبجدية جديدة للإبداع. كان العرب هم السبّاقون في فن تصميم الحدائق، خصوصًا في الأندلس، حيث شكلت "حدائق قصر الحمراء" و"جنة العريف" أنموذجًا فريدًا للحدائق الإسلامية التي تجسّد الإعجاز في الطبيعة والهندسة.  وقد اتخذت أهمية أوسع من التأمل والراحة، لأنها كانت الدلالة على تقدّم الثقافة العربية وامتلاكها لمقوّمات جماليّةٍ وهندسية عريقة بين الأمم. وفي التراث الأدبي، نجد الحديقة موضع افتخار ومضمونًا أدبيًّا مستقلًا بحد ذاته. لقد اتخذت الحديقة مكانة شعرية مميزة، فكانت ملجأ الشاعر، وموقع غراميّاته، ووقوده الشعري والشعوري. ونستذكر هنا قصائد ابن زيدون، حيث كانت الطبيعة الأندلسية مصدرًا للإلهام: إني ذكرتُكِ بالزهراء مُشتاقا -- والأفقُ طلقٌ ووجهُ الأرضِ قد راقا إن الأدب العربي زاخر بأمثلة عن الأزهار والحدائق كرموز جمالية وفكرية. ففي كتاب "حدائق الأزاهر" لـ "ابن عاصم"، تتمثّل الحكمة في تصوير الجمال وربطها بالطبيعة، قائلًا: "الكلمة الطيّبة كالبذرة المباركة، إذا زُرعت في قلب طيب أثمرَت عملاً صالحًا وظلّت تُؤتي أُكلها في كل حين". أما في الشعر الحديث، فقد استخدم "محمود درويش" الزهور كرمز للحياة: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة... زهرة الأقحوان.". لقد تحولت الحديقة إلى لوحة شعرية وأداةً يوظفها الشاعر في فلسفته حول الكون. انتقالًا إلى حياتنا، تتخطّى الأزهار هويتها! فهي ليست مجرد نباتات، بل هي رموز اجتماعية وثقافية. لم يكن حضورها في الزفاف مجرد صدفة! لم يكن وضعها على القبور تعبيرًا تافهًا. لم تكن الورود هدية عيد الحب من فراغ! الزهرة سيدة المناسبات. خلقها سبحانه وتعالى بألوان وأشكال متنوعة لتكون لائقةً بكل المشاعر. ومع ذلك، نلاحظ تغيّرًا في علاقتنا بالزهرة اليوم، حيث تراجع دورها في التعبير عن المشاعر، نظرًا لتراجع التعبير عنها أصلًا. لعلّ الشخص العاطفي يعدّه المجتمع مغيّبًا ومبالغًا! لعلّ المصلحة النفعية غلبت تقديم هذه المشاعر في أولوية التعامل الإنساني. على سبيل المثال، يفضّل تقديم الفاكهة للمريض بدلًا من باقة ورد، وهو ما يعكس أولوية العملية على الجمالية. وفيما تتوسّع المدن على حساب الريف، أصبحنا نفتقر للحدائق العامة، والتي تفتقر غالبًا إلى العناية. ما يؤدي إلى تراجع أهميتها، التي تكمن في التأثير على كل الأعمار، وبكل فئات المجتمع. الصغير يجدها ملعبًا، الشاب يجدها ملجأً، والعجوز يجدها سكونًا وأُنسًا. الفقير يجدها بيتًا ثانيًا ونزهة مجانية، والغني يجدها فسحة في جدول أعماله. في ظل التوسع العمراني والضغط النفسي الذي تفرضه الحياة الحضرية، لا نبالغ إن وصفنا الحدائق كضرورة إنسانية ملحة. ليست الحديقة مجرد متنفس بيئي، بل هي بقعة إنسانية! فرصة للإنسان أن يحتكّ بالفطرة النقية، بإبداع الله، ليستذكر عظمة النعم وإبداع الخالق في التكوين والتصوير. لقد قال الله تعالى: "وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ" (سورة الأنعام، الآية: 99).. مستشهدًا بالنبات لتنمو فينا التقوى وتتجذر، وكأن الطبيعة وسيلة من وسائل العبد لمعرفة خالقه. ومن هنا، نشأ العلاج النفسي المرتبط بالنباتات، والمعروف بـ "العلاج بالبستنة" أو "العلاج بالنباتات"، وهو نهج يعتمد على استخدام الطبيعة، وخاصة الزهور والنباتات، كوسيلة لتحسين الصحة النفسية. حيث تشير الدراسات إلى أن التعامل مع النباتات ورعايتها يساعد على تقليل التوتر والقلق، ويعزّز الشعور بالسلام الداخلي، بفضل تأثير الألوان الطبيعية والروائح العطرية التي تثير مشاعر إيجابية. كما أن زراعة النباتات التي تحتاج إلى رعاية، تُعزز شعور الإنجاز والانتماء، وهو ما يساعد الأفراد على التعامل مع الاكتئاب أو مشاعر الوحدة. ختامًا، ليس فن الحدائق مجرد ترف، بل هو جزء من هويتنا الثقافية وجسر يصل بين العقل والقلب. إنها ليست مجرد زينة، بل تعبير عن الحياة، ورسول ينادي على المشاعر بأن تستفيق وتنساب وتكون كالورد نضرة ونقية. لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير"، فكيف إن كانت أفئدتهم ورودًا؟ يريدنا سبحانه وتعالى أن نقتدي بالطبيعة. وهنا، يأتي السؤال، سؤالًا اجتماعيًا وليس خياليًا: ماذا لو اقتدينا بالورد إشراقًا وحبًّا وجمالًا؟ ألا يعاني مجتمعنا من شحٍّ في القلوب العطرة؟   بسيم عبد العظيم عبد القادر

قراءة في أكمام الورد..

فن الحدائق في أدبنا وتراثنا وحياتنا

د. بسيم عبد العظيم عبد القادر (شاعر وناقد أكاديمي، كلية الآداب ـ جامعة المنوفية، رئيس لجنة العلاقات العربية بالنقابة العامة لاتحاد كتاب مصر) كانت الحدائق وما تزال وستظل فنٌّا من الفنون التي تشبه الفنون التشكيلية، وهي تكشف عن رقي المجتمع وعلاقة أفراده بالطبيعة والثقافة الجماليّة. وقد وردت الحدائق مجموعة في القرآن الكريم ثلاث مرات في قوله تعالى: "فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ" (سورة النمل، الآية: 60)، وقوله تعالى: "إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا" (سورة النبأ، الآية: 31، 32)، وقوله سبحانه: "فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" (سورة عبس، الآية: 27- 32). كما وردت كلمة "جنّة" مفردة ستا وستين مرة في القرآن الكريم، ووردت مضافة إلى ضمير المتكلم مرة وإلى ضمير الغائب مرة وإلى ضمير المخاطب مرتين. ووردت مثناة خمس مرات، ومجموعة تسعا وستين مرة. وهذا الاحتفاء بالحدائق والجنات في القرآن الكريم يدل على أهميتها سواء في الدنيا أو في الآخرة حيث جعلها الله متعة للناظرين في الدنيا ومتاعا للمتقين في الآخرة. والعرب يمتلكون تراثا عريقا وغزيرًا في مجال الحدائق، ولهذا ذكرت في القرآن الكريم موصوفة بأنها ذات بهجة في الدنيا، وأنها متاع لنا ولأنعامنا، ثم جعلها الله تعالى من علامات فوز المتقين في الآخرة. الحدائق والأزهار في التراث العربي.. تحتل الحدائق والأزهار مكانة بارزة في التراث العربي، حيث كانت مصدر إلهام دائم للشعراء والأدباء والفلاسفة، وقد ارتبطت بجمال الطبيعة وعمق التأمل، واعتُبرت رمزًا للصفاء والتوازن بين الإنسان والبيئة، وامتزجت معانيها في التراث العربي بالدين، والأدب، والفن، لتجسد رؤية متكاملة للجمال الطبيعي. الحدائق في الحضارة العربية وفي المدن الإسلامية اهتم العرب والمسلمون بتصميم الحدائق في المدن والقصور، حيث كانت تُعرف بـ "الرياض"، وهي جمع "روضة. وكانت الحدائق في القصور الإسلامية مثل "قصر الحمراء" في الأندلس، وحدائق الجانب الشرقي في الشام، واحة من الجمال تعكس روعة الهندسة المعمارية الإسلامية.. وقد ظهرت فكرة الجنات الأرضية أو "الفردوس" في تصميم الحدائق، حيث اعتمدت على تقسيم الأرض إلى مساحات منتظمة تتوسطها النوافير والقنوات. الحدائق والبيئة اهتم العرب بتحويل الأماكن القاحلة إلى حدائق غنّاء، مستفيدين من تقنيات الري مثل القنوات والسدود، وحدائق بغداد، التي أُنشئت في عصر العباسيين، كانت أنموذجًا للجمال الطبيعي المخطط بدقة. وقد ارتبطت الأزهار بمعانٍ رمزية في التراث العربي، مثل: الورد: رمز الحب والجمال. الياسمين: رمز الصفاء والنقاء. النرجس: رمز الكبرياء والجمال الفريد. الأزهار في الأدب العربي أبدع الشعراء في وصف الأزهار، مثل وصف "ابن الرومي" للورد بأنه "يضحك في روضته"، أو "البحتري" الذي شبهها بجمال الطبيعة المكتملة.. وتُعد الأزهار جزءًا من الصور البلاغية في الأدب العربي، حيث تُستخدم كتشبيهات واستعارات في الغزل والرثاء والمديح. الأزهار في الطب العربي استخدم العرب الأزهار في الطب والصيدلة، مثل استخراج الزيوت العطرية من الورود والزعفران والياسمين، وقد ألّف العلماء مثل ابن سينا والرازي كتبًا تناولت فوائد الأزهار الطبية. الحدائق والأزهار في الفنون العربية انعكست جماليات الحدائق والأزهار في الفنون الإسلامية، مثل النقوش الزهرية التي زيّنت المساجد والقصور، كما استخدمت الزخارف النباتية في صناعة السجّاد والمخطوطات والمشغولات اليدوية، حيث كانت رمزًا للجمال والتناسق. الأزهار في الدين والثقافة الروحية ذكر القرآن الكريم العديد من الأزهار والنباتات، مثل النخيل والزيتون، كرموز للخير والبركة، وارتبطت الجنّات الموعودة في النصوص الدينية بالحدائق الغنّاء ذات الأنهار والأشجار المثمرة، مما عزز مكانة الحدائق في المخيال الإسلامي. أشهر الأزهار في التراث العربي الورد الدمشقي: رمز الجمال والشعر، اشتهر في بلاد الشام وانتشر عالميًا. الياسمين: الذي عُرف برائحته العطرة واستُخدم في التجميل. الزعفران: نبات ذو قيمة اقتصادية وطبية عالية. فالحدائق والأزهار في التراث العربي ليست مجرد عناصر طبيعية، بل هي رموز للجمال والإبداع والتأمل، حيث جسّدت عشق العرب للطبيعة واهتمامهم بتناغم البيئة مع الإنسان، وتركت بصمتها في الأدب والفن والفكر، لتظل جزءا من التراث. الحدائق والأزهار في الأدب العربي على مرّ العصور كان للطبيعة، وبالأخص الحدائق والأزهار، حضور لافت في الأدب العربي على مر العصور، فقد وظّف الشعراء والكتّاب جمال الطبيعة للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، واعتُبرت الأزهار والحدائق رموزًا للحب، والجمال، والتجدّد، وتدرّجت معانيها بين الواقعية الوصفية والمجازات العميقة التي تُبرز علاقة الإنسان بالبيئة من حوله. الأزهار والحدائق في الشعر الجاهلي رغم حياة الصحراء الجافة التي عاشها الشعراء الجاهليون، إلا أنهم عبّروا عن توقهم إلى الجمال الطبيعي من خلال وصف النباتات القليلة التي تنمو في بيئتهم، وظهرت في أشعارهم نباتات مثل السِّدر والنخيل والأقحوان، حيث كانت تمثل رمزًا للحياة والخصب في وسط القحط. قال "عنترة بن شداد" في وصف الطبيعة: يا دار عبلةَ بالجَوَاءِ تكلمي -- وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي  التشبيه والمجاز كانت الأزهار تُشبّه بالمحبوبة أو بالعزّة والجمال، حيث يرى الشاعر فيها انعكاسًا لمشاعره وأفكاره. الأزهار والحدائق في العصر الإسلامي تصوير الجنّات: مع ظهور الإسلام، ازدهرت الصور الأدبية المتعلقة بالحدائق في ضوء النصوص القرآنية التي وصفت الجنة بأنها "جنات تجري من تحتها الأنهار". وقد شكّلت هذه الصور مصدر إلهام للشعراء، حيث ارتبطت الحدائق بالجنة والنعيم الأبدي. قال الشاعر "حسان بن ثابت": جناتُ عَدْنٍ زُيِّنَتْ بِنَعِيمِها -- تَجْرِي الأنهارُ في فَجَواتِها  الأزهار في المدائح النبوية استُخدمت الأزهار في الشعر لوصف صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث شُبّهت أخلاقه ورحمته بجمال الورود وعبيرها. الأزهار والحدائق في العصر العباسي والطبيعة المُهندَسة شهد العصر العباسي اهتمامًا كبيرًا بالحدائق، خاصة في بغداد وسامراء، مما انعكس على الأدب. حيث برع الشعراء في وصف الحدائق والأنهار كرموز للترف والرقي. قال "البحتري" في وصف بستان: وكأنما نُقِشَتْ صحيفةُ مُفْردٍ -- فيها تزاوجُ خطِّه وتفننُهْ وقال أيضا في وصف الربيع الذي هو موسم الأزهار: أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا -- من الحسن حتى كاد أن يتكلما وكانت الأزهار تُرمز في الشعر العباسي إلى الرقة والزوال السريع، في إشارة إلى الحياة القصيرة والجمال الزائل. الأزهار والحدائق في العصر الأندلسي تُعدّ الأندلس من أكثر الأماكن التي ازدهرت فيها الحدائق الفسيحة ذات الطابع الإسلامي. انعكس هذا الجمال الطبيعي في أدب الأندلسيين. واشتهرت قصائدهم بوصف حدائق غرناطة والزهراء وقصر الحمراء، مع التركيز على جمال الزهور وتناسقها. قال "ابن زيدون": إني ذكرتكِ بالزهراء مشتاقاً -- والأفقُ طلقٌ ووجهُ الأرضِ قد راقا وقد تكرّرَت صور الأزهار والورود في الغزل الأندلسي، حيث شُبّهت وجوه النساء بالورد، وابتساماتهن بالزهر المفتوح، وكان الشعراء يلقحون خواطرهم بالعيش في جنات الأندلس والتمتع بطبيعتها الغناء. الأزهار والحدائق في العصر الحديث تأثر الأدب الحديث بالمدارس الرومانسية التي أعادت للطبيعة دورًا محوريًا في التعبير الأدبي، فاستُخدمت الأزهار كرمز للحب والجمال في أشعار إيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران. وفي النثر الحديث، كانت الحدائق رمزًا للصفاء الروحي، حيث وصف طه حسين ومي زيادة في كتاباتهما الحدائق كأماكن للتأمل والهروب من صخب الحياة. والحدائق والأزهار ليست مجرد عناصر جمالية في الأدب العربي، بل هي رموز للحياة، والمشاعر، والزوال، وقد تنوّعت صورها بين البداوة والحضر، وبين التصوّف والرفاهية، لتظل شاهدًا حيًّا على العلاقة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة في التراث الأدبي العربي. أما واقع الحدائق في عصرنا الراهن فقد صارت عِلما يُدرّس في كليات الزراعة بقسم البساتين، وفنًّا يتدرب على تخطيطه المتدربون بوصفها من الفنون التشكيلية الطبيعية، التي تكشف عن رقي المجتمع وعلاقة أفراده بالطبيعة والثقافة الجمالية التي ترقى بالمشاعر وتسر الناظرين. وهناك حدائق للزهور في بعض البلاد العربية تسر الناظرين، وتدخل البهجة والفرح والسرور على نفوس المحزونين. الحدائق والأزهار في حياتنا: الجمال والعطاء تُعتبر الحدائق والأزهار جزءًا أساسيًّا من حياة الإنسان، فهي ليست مجرد عناصر طبيعية تُزيّن البيئة، بل هي مصادر للسعادة، والإلهام، والسلام النفسي. تلعب الأزهار والحدائق دورًا مهمًا في تحسين جودة الحياة، وتجمع بين الجمال الطبيعي والفوائد العملية، مما يجعلها حاضرة في مختلف جوانب حياتنا. دور الحدائق والأزهار في حياتنا اليومية 1- الجمال والراحة النفسية: الأزهار بألوانها الزاهية وعطورها الفوّاحة تُضفي لمسة من الجمال على أيّ مكان، وقضاء الوقت في الحدائق يساعد على تهدئة الأعصاب، والتخفيف من التوتر، وتعزيز الشعور بالسكينة، فقد أثبتت الدراسات أنَّ النظر إلى النباتات والأزهار يمكن أن يُحسِّن المزاج ويقلل من مشاعر القلق. 2- تحسين البيئة: تسهم الحدائق في تحسين جودة الهواء من خلال إنتاج الأكسجين وامتصاص ثاني أكسيد الكربون، وتعمل الأزهار والنباتات على تقليل درجات الحرارة، خاصة في المدن المكتظة، وتساهم في تلطيف الجو. 3- تعزيز الصحة البدنية والعقلية: المشي في الحدائق أو ممارسة الرياضة فيها يعزّز الصحة البدنية ويحسّن الدورة الدموية، ويُستخدم العلاج بالبستنة كوسيلة لتعزيز الصحة العقلية، حيث تعمل العناية بالنباتات على تحسين التركيز والهدوء. 4- رمز الحب والمشاعر: الأزهار هي لغة المشاعر، حيث تُستخدم للتعبير عن الحب، الامتنان، والاعتذار، وتُهدى في المناسبات الخاصة مثل الأفراح، وأعياد الميلاد، وحتى في لحظات الحزن للتعبير عن التعاطف. الأزهار والحدائق في الثقافة الإنسانية 1- الأزهار في الفن والأدب: كانت الأزهار مصدر إلهام للفنانين والأدباء على مرّ العصور، حيث ظهرت في اللوحات الشعرية والروايات واللوحات الفنية. ورمزية الأزهار في الأدب تراوحت بين الحب، والجمال، والفناء، مثل الوردة التي ترمز إلى الجمال والزوال. 2- الحدائق في العمارة والتصميم: أصبحت الحدائق جزءًا من التصميم المعماري، حيث يتم إنشاء الحدائق المنزلية والأسطح الخضراء. وتُعتبر الحدائق العامة مثل حديقة الأزهر في القاهرة أماكن للاجتماعات المجتمعية والترفيه وكذلك الحدائق في القناطر الخيرية. الأزهار في المناسبات والمجتمع الزينة والاحتفالات: تُستخدم الأزهار في الأعراس، والأعياد، والمهرجانات كرمز للفرح والجمال. التقاليد الدينية: تُعدّ الأزهار جزءًا من العديد من الطقوس الدينية في مختلف الثقافات. الاقتصاد: تُعد تجارة الأزهار جزءًا مهمًّا من الاقتصاد في العديد من الدول، وتُزرع الورود بكميات كبيرة لتلبية الطلب العالمي. كيفية تعزيز حضور الحدائق والأزهار في حياتنا 1- إنشاء حدائق منزلية: تخصيص مساحة صغيرة في المنزل لزراعة النباتات. 2- زيادة المساحات الخضراء في المدن: دعم المشروعات التي تهدف إلى إنشاء حدائق عامة ومتنزهات. 3- التوعية بأهمية النباتات: تشجيع الأطفال على الاهتمام بالنباتات وتعليمهم زراعتها. 4- الحفاظ على البيئة: تقليل التلوث ودعم الممارسات المستدامة التي تحمي البيئة. فالحدائق والأزهار ليست مجرد زينة طبيعية، بل هي جزء لا يتجزأ من حياتنا وروحنا. تُعطي للحياة لونًا ومعنى، وتجمع بين الجمال والفائدة. بقدر ما نهتم بها ونحافظ عليها، تُعيد لنا الأزهار والحدائق العطاء مضاعفًا من خلال الهواء النقي، الراحة النفسية، والبيئة الصحية. ذكرياتي مع الحدائق والورود وعلاقتي بالحدائق وذكرياتي معها، تبدأ منذ نعومة أظفاري، فلقد نشأت في بيئة ريفية تحيط بنا الخضرة أينما كنّا، وتلقح خواطرنا وتسرّ نواظرنا وتشرح صدورنا، فالحياة في الريف على خشونتها فإنها تمتاز بميزات لا تتوفر لمن يعيشون في المدن، ومن هنا جاءت الكلمة المأثورة: ثلاثة يُذهبن الحزن: الماء والخضرة والوجه الحسن. وقد ارتبطت حياتي بالماء والخضرة طفلا وشابا وكهلا وشيخا، فقد ولدت ونشأت في الريف المصري الذي هو حديقة مفتوحة، وحتى حين انتقلت للعيش في المدينة كانت مدينة ريفية، ولم تنقطع زيارتي للقرية يوما، وحين خرجت من مصر للعمل في المملكة العربية السعودية أكرمني الله ببيئة مشابهة للبيئة التي نشأت فيها حيث عملت في واحة "الأحساء" ذات النخيل والزروع والثمار، وهي بيئة جميلة تسرّ الناظرين. وإني أرى ضرورة إنشاء الحدائق في المدن لإدخال البهجة والفرح والسرور على أهلها من جهة، ولتكون رئة تتنفس بها المدن وتربي أبناء المدن على حب الجمال وعشق الطبيعة والمحافظة عليها، والترويح عن نفوس أهل المدن. وقد زرتُ حديقة للزهور في الإمارات فوجدت عجبا في التنسيق والابتكار وقضينا بها وقتا ممتعا لا ينسى مع ابني وزوجه وأحفادي. وعندنا في القاهرة الحديقة الدولية في مدينة نصر، وحديقة الأورمان أمام جامعة القاهرة، وهي مقابلة لحديقة الحيوان بالجيزة، وكلها أماكن يرتادها الناس ليروّحوا عن أنفسهم من زحمة المدن وعوادم السيارات وضيق البنايات التي تسبّب ضيق النفوس، ولهذا يخرج الناس في العطلات الرسمية أو في الأعياد ليرتادوا هذه الحدائق. أما عن نهر النيل، وما يحيط به من خضرة طبيعية من منبعه إلى مصبه فحدّث ولا حرج، وقد تغنّى به الشعراء قديما وحديثا، لأن الأدب معنيٌّ بالحدائق، والأدباء معنيون بالترويج لها والدعوة إلى "ثقافة الحدائق"، وقد تغنّى شعراء الأندلس بالحدائق والطبيعة الجميلة، وبعضهم فتن بالطبيعة ووصفها حتى لقِّب بالجنان وهو "ابن خفاجة الأندلسي"، الذي قضى شطرا كبيرا من حياته في رحاب الطبيعة وما بها من المباهج وما تدعو إليه من الأنس مع الأصدقاء والأحباب وانظر إليه، يقول: يا أهل أندلس لله دركم -- ماء وظل وأطيار وأنهار ما جنة الخلد إلى في دياركم -- ولو تخيرت هذي كنت أختار وكان "ابن زيدون"، الشاعر الكبير والوزير العاشق لـ "ولادة بنت المستكفي"، مغرما بالطبيعة متغنِّيًا بجمالها ومثله كثير من شعراء الأندلس وشاعراتها. وكان الشعراء في مصر والشام وبغداد حاضرة الخلافة العباسية مفتونين بجمال الطبيعة فأكثروا من وصف الحدائق وما فيها من أشجار وأطيار وأزهار. وقد خصّص العرب كُتبًا لوصف الربيع منها كتاب "البديع في وصف الربيع" لـ "الحميري الأندلسي". وعندما نتحدّث عن الحدائق فإننا نتحدّث عن علاقتنا بالأزهار وثقافة الورود، فمثلا في كثير من مناطقنا العربية، لا سيما الريفيّة، لا يقدّمون باقات الورد عند عيادتهم للمريض، بل يقدّمون له الفواكه خاصة.. لأن الطبيعة من حولهم جميلة والخضرة مبسوطة فكأنهم يعيشون في جنة طبيعية. فنحن أهل الريف نحتفظ بذكريات أو حكايات عن الأزهار والزروع والثمار تحتاج في تسجيلها والحديث عنها إلى مجلدات، فقد كنا نفتح أعيننا في الصباح على المناظر الريفية الخلابة، والبساط السُّندسي الذي يكسو مزارعنا، فقد كنا نذاكر دروسنا وسط الحقول ونشم عبق الزهور خصوصا في فصل الربيع، ونمرّ في طريقنا اليومي إلى المدرسة الثانوية التي كنا نذهب إليها سيرا على أقدامنا من القرية إلى المدينة لمدة ساعة ذهابا ومثلها إيابا بحدائق البرتقال التي تنبعث منها الروائح العطرة، ناهيك عن المناظر الخلابة للبرتقال على أشجاره ولليمون والنارنج علاوة على الزروع التقليدية كالبرسيم والذرة والفول وغيرها. وكم كتبتُ عنها وتغنّيت بجمالها شعرا ونثرا، فقد كان أحد دروس مادة الإنشاء أو التعبير الشفوي والتحريري، وصف الطبيعة في الربيع. ومن قصائدي في التغنّي بجمال الطبيعة قصيدتي: "أغنية وحسناوان" وأقصد بالحسناوين: مسقط رأسي بالمنوفية وواحة الأحساء، وقد كتبتها معارضة لقصيدة صديقي الفلسطيني الشاعر "بسام دعيس أبو شرخ": "أغنية وثلاث حسان"، أقول فيها: قال الرشيد كما ادّعوا في شعـره -- "ملك الثلاث الآنسات عناني" ويقول "بسام" الحبيب معـارضا -- " صهر الفؤاد مثلث النيــران " قبس الرشيد من الكواعب شعره -- بسام أشجاه هوى البلــدان من بدئه حيث الطفولة والهـوى -- ومدارج الأحلام في عمان حيث الورود تفتقت أكمامهـا -- بمــواسم الإبداع والألحان كانت له بدءا ومدخل قصــة -- " لم تخل من فرح ومن أشجان" حيث الأحبة ضمهم درب الهوى -- وتمازج الأتراب والإخـوان ذكرى تعيش بقلبـــــــه لا تنثني -- " كالنقش محفورا على الصوان" حتى هنا أشبهتني يا صاحـبي -- فلقـد غذيت برائع الألبان ونهلت من عذب البيان كؤوسه -- ودرجت فــوق مرابع ومغان النيل يجري تحتها وتزينــه -- جنات دوح باسـق الأغصان كم جلت فيها بين صحبي هانئا -- بين المروج الخضــر والغدران ورأيت فيها الغيد كالبيض الدمى -- وعزفت في سحر الهوى ألحاني وقدمت للأحسا فهاج مشاعــري -- بعدي عن الأهـلـين والخلان لكنني عوضت منهم أخـوة -- "ملكوا عليّ مشاعري وجناني" من كل قطر في العروبة أقبلوا -- وبأرضها انتظمـوا كعقــد جمان من تونس الخضراء أو مصر التي -- عزت، ومن شام ومن ســودان صهرتهم الأحساء فوق رمالها -- وأظلهم فيها النخيـل الحاني بعيونها رَوَّتهم، بطيوبهــــــــا -- أسرتهم، وبظلهـــا الفينـان برجالها الأبرار أو غاداتهــــا -- يسمو بنبل خصالهـن بياني هي واحة غناء طاب مقامنــــا -- فيها، فكانت توأم الأوطـان "حتى ظننت بأنني من أرضها -- نبتت جذوري" أثمـرت أفـنــاني ونقشت رسمي فوق خد أديمها -- " فالأهل أهلي والمكان مكاني " ورقمت اسمي في سجل خلودها -- ولحبها أهديتها ديــواني فلتهنئي أحساء حبك ملهــــم -- للعاشقيك على مدى الأزمـــــان فإذا حييت غمرت ذكرك بالثّنا -- وإذا قضيت فأنت في وجـــداني ومما قلته في الورد الذي يعانق الندى مقطوعة بعنوان: "الورد يهمس للندى": جال الندى مترقرقا كدموعي -- والورد يهمس للندى بخضوع يحكي الندى دمعي السخين ذرفته -- والورد يحكي ساكنا بضلوعي مذ فارقتني ظبية يا حسنها -- والسهد صاحبني وفيض دموعي ما لي أرقت ونام خلي هانئا -- تفديه نفسي هل يكون سميعي؟ ومتى أراه وهل يعود لقاؤنا؟ -- من ذا يكون لدى الحبيب شفيعي؟ أهو الهوى؟ أهو النحول وعلتي؟ -- أم أنه يرضيه سفك نجيعي؟ لو عادني أو عاد لي لرأيتني -- أهتز من طربي كورد ربيع وقد أُهدي لي ورود وقلب، فقلت: أهدت ورودا وقلبا -- فقلت صنوين أهدت قلب وورد أمـــالا -- قلبي لها حيث حلــت فالقلب عنوان حب -- والورد عنوان منبت يا ريم فزت بحسن -- في صورة قد تجلت فأسفرت عن جمال -- به العيون تحــــــلت فالكحل أحسن حسن -- به الرمـــوش تغـنت والحاجبان استدارا -- ليمنعا من تلفـــــــت وجبهة كالمرايـــــا -- لحسنها قد عكســـت وأنفها السيف يحمي -- حسنا فيردي ويبغت أما الشفاه فخمــــــر -- لحبها قد أســـــكـرت وجه هــــلال تجلى -- أو شمس حسن تجلت يزيده الحجب حسنا -- إذا الغيوم استقــــلت وفي صورة ورد وقهوة مصاحبة له قلت: وردة جاءت فحيت وانثنت -- صبغت أفق حياتي، عطرت قهوة جاءت وورد حاطها -- بشذا الورد وطعم أسعدت طعمها والنكهة المثلى بها -- مثل ريق الحب، بخمر مزجت أسكرتني قهوة الحب فلا -- عدم المحبوب خمرا أسكرت وقلت في وردة من يديها: هذه وردة أتت من يديهــــــــا -- وبها حمرة تدل عليهــــــــــــا حمرة الخد والشفـــــاه تبدت -- فسبت مهجتي فملت إليهـــــا ويد زينت بخــــــــاتم حـــب -- لازورد تزينــــــــه بيديهــــــا يا لورد أهــدى إليّ ورودا فأ -- تاني بالحسن من مقلتيهـــــــا في حنان، في رقة وجمــال -- حار وصفي فالحسن ملك يديها لو أردنا تشبيهها لعجزنــــا -- يا لمرآتهــــــا تنم عليهــــــــــا ما لحسن الحبيب عندي شبيه -- غير بدر السما وقل لديهـــــــا وغزال أراه يحكي حبيبــــــــي -- أين حسن الغزال من مقلتيهــــا قصر الوصف يا حبيبي فعذرا -- كيف تحكي الحروف شوقي إليها وقلت في واحة "الأحساء" العامرة بالنخيل والخضرة والورد: هي واحة الأحساء عاشت عامرة -- ذات الروابي الخضر دوما باهرة أم النخيل لها فؤادي عاشق -- وعيوننا دوما إليها ناظرة يا خيرة الأحباب دمتم إخوتي -- زنتم سمائي كالنجوم الزاهرة كم كان لي فيكم غناء إخوتي -- فبكم غدت أحساء صنو القاهرة عوضتمونا فقد أحباب لنا -- فودادكم مثل الزهور العاطرة عشنا بأحساء المعالي فترة -- كانت لنا فيها مآثر باهرة كم ألهمتنا الشعر عذبا سائغا -- دامت عيون الشعر فيها فائرة والنثر تلهمه لذيذا رائقا -- أم النخيل الباسقات الناضرة يا صحبة الخير التي نهفو لها -- أيامنا معكم حسان ساحرة أترى تعود لنا ليالينا التي -- كانت بكم أحلى الليالي الساهرة كم مجلس للشعر ضم أحبة -- يتناشدون به قصائد آسرة هذا الديولي والعويد والنعيـ(ـم) -- ــم أحبتي، والجوهري مسامرة يحلو بهم سمر بريء مثمر -- وتطيب أوقات فتغدو عامرة هذا ربيع مع نبيل والدعيــ(م) -- ــس، مع ابن عكاري وبوطي مناصرة يا لليالي الحالكات قضيتها -- معكم فصارت بالمودة نيرة هل لي إلى تلك المغاني عودة -- قبل الممات فقد غدوت بآخرة؟!!! أحدية لابن المبارك أحمد -- قد جمعت شمل الأحبة سامرة خطت لهم طرق المعالي فاقتفوا -- آثارها، هي للجميع مناصرة فابن النعيم تلاه باثنينية -- خاضت بحورا باللآلئ زاخرة وابن العفالق في المبرز رائد -- يوم الثلاثا للبيان مؤازرة وابن المحيش نبيل يحذو حذوهم -- في الأربعاء، ترى الهفوف مفاخرة يوم الخميس أراه راحة متعب -- بين النخيل ترى الأحبة ساهرة فيه ابن خمسين يدشن ندوة -- تستقطب العلماء كل محاضرة والجمعة الميمون فيه ثلاثة -- بودي وإسماعيل تلك مغامرة والثالث الموسى له سبتية -- تدع العقول لحسنها كالحائرة هذا عن الندوات قد عددتها -- أما المجالس كثرة متكاثرة فلقد حضرت مجالسا يزهو بها -- أصحابها قدما وذي متناثرة نادي الحسا الأدبي قام مؤخرا -- قاد الثقافة والفنون النادرة من قبله كانت هنا جمعية -- لثقافة والفن ترعى ناشرة يا من يلوم على الحساء وحبها -- دع عنك لومي فالحسا لي آسرة وقلت في لغة الورد: الـورد أهداني الســــــــلام -- تُغنِي الــــــورود عن الكلام من ذا يقاوم حسنـــــــــــه -- نشر العطور على الأنـــــام لغة الــــــــــورود جميلـــــة -- لغة المحبــــــة والغــــــرام فتقبلـــوا شكري الجميـــــــ -- ــــــــل، إليكم مني السلام وقد أهداني صديقي الشاعر الكبير "ثروت سليم" ثلاثة قلوب وثلاث وردات، فقلت: أهدى قلوبا ثلاثا -- وقال ذي للحبيب مني ومن صاحبينا -- والورد يسخو بطيب فقلت قلبي لديكم -- لهذي القلوب بادلت حبا بحب -- ذوي النشيد الطروب وحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق، ومن السِّوار ما أحاط بالمعصم، فالموضوع شيّق والكلام فيه يطول ويحتاج إلى كُتب، وهناك رسائل أدبية، وكتب كثيرة تتناول الورد، ويكفي الورد شرفا أنه يقدم في المناسبات السعيد ليكتمل به الفرح والسرور، كما يقدم في مناسبات الفقد والعزاء ليروح عن النفوس.   سامر المعاني (كاتب من الأردن)

رمزية الحدائق والأزهار في ثقافة الشعوب

سامر المعاني (كاتب من الأردن) "الياسمين فستان أبيض ترتديه القصيدة وقت السّمر". يعد الأدب العربي من الآداب التي اهتمت وبشكل كبير في الطبيعة وهناك كانت مدارس وأعمال كبيرة اهتمت بنقل الطبيعة من الصامت إلى المتكلم والمتحرّك في مفهومه المباشر والمجازي. فقد كان لها حضور حتى أصبحت لا يوجد عمل أدبي يخلو من وصف الحدائق والأزهار والورود، وأصبحت هناك مناطق ومدن يُشار إليها بزهرة أو شجرة كما هو في بلاد الشام: أرز لبنان، ياسمين الشام، السوسنة السوداء الأردنية، إربد الأقحوانة، وغيرها من المدن التي كانت تشير إلى الجمال والتميز والرقي. لقد اقترن اللون ونوع الزهر والشجر بالمكان بشكل واضح وأصبح رمزية يتشبّث بها قاطنوها وكُتّابها، وقد أنتج العالم العربي الكثير من الأعمال المُعنوَنة بأسماء نباتات وأزهار وورود عامة وخاصة للمنطقة، ناهيك عن النصوص الداخلية التي كانت تحتوي على كلمات وإشارات لتلك الحدائق والأزهار والأشجار والتي تعكس رقي وثقافة المجتمعات التي تهتم بالجمال والطبيعة الخلابة، فكانت الموعد واللقاء وبيت الأسرار والحكايا وعناوين الحرف والقلب.. وبعض من تفاصيل الطفولة والأحداث البارزة. يُعدّ الياسمين والجوري أكثر العناوين والمضامين التي احتلَّت مساحات كبيرة في مخزون الذاكرة الجمالية والفنية في الأدب العربي، وقد اشتعلت وتحرَّكت في الأعمال الشعرية والسردية وكانت مجازا لتحرّر المبدع من قيد الإسهاب الوصفي واللغة المباشرة في وصف الشوق والحنين وبعض الرمزية في دفئ العاطفة ونقل الشعور. وفي مفهوم الحدائق أيضا، نجدها قد انتقلت من العام إلى الخاص ومن الخاص إلى العام، وأصبحت لها هوية ورمزية عند أبناء المنطقة، ومنها ما كانت أوسع نطاقا إقليميا وعالميا وأصبحت أهمّ المعالم في الدولة والمدينة لتصبح لها خصوصية ورمزية توظف للعمل الأدبي في كل أشكاله ومضامينه وصوره المألوفة وغير المألوفة، ومنها ما كانت محجًّا لها أثرها النفسي والمعنوي على الفرد والمجموعة التي تمثلها. هذا وقد ارتبطت الحدائق والأزهار ارتباطا كبيرا بثقافة الشعوب المتحضرة كهوية للهدوء والجمال والرقي وعنوان للسلام والحرية تتسابق بوصفها الأحداث والأشخاص.   سعاد عبد القادر القصير

من خانها وأهدر معانيها على مسالك النرجسية؟

الوردة ملكةٌ على عرش الجمال والحب والحياة

سعاد عبد القادر القصير (باحثة وكاتبة من لبنان)  في حديثٍ عن الرّسول الكريم، عليه أفضل الصّلاة والسّلام: "الله جميل ويحبّ الجمال". أوليس وعد الله للمؤمنين جنان خالدين فيها أبدا؟ أودع الحسن في كلّ ذي حسن، وجعل الجنّة مطمع كلّ مناجٍ لعدله ومغفرته. فخلق الله فينا حبّ الجمال، وجعل بين أيدينا، من فضله، حدائق الدّنيا وزينتها، ليترك لنا جائزتنا الكبرى، حدائق الآخرة وسحرها، شجر يسير الرّاكب في ظلّه مئة عام، وثمار طعمها خيال. ولطالما شكّل القرآن، والحديث الشّريف، انطلاقة الوحي الأدبيّ عند العرب، فاستعانوا بمقوّمات الجمال في التّعبير عن المشاعر الإنسانيّة الدّافئة الشّفافّة، هذه العلاقات التي تبني مجتمعات متماسكة. فجلست الوردة على عرش رموز الحب والحياة، وهل يكون الحب دون باقة ورد تناجي قلب الحبيبة وتدغدغ مشاعرها؟ فقطفها الأدباء من حدائق الجمال، وجعلوها قاعدة الأدب الغزليّ. "يا ورد مين يشتريك؟ وللحبيب يهديك يهدي إليك الأمل الهوى والقبل: يا ورد... يا ورد ليه الخجل فيك يحلو الغزل...". من أشهر أغنيات "محمد عبد الوهاب" التي روت قلوب المُحبّين وأعطتهم أمل اللقاء. فلطالما اقترنت الوردة بالأنوثة والبراءة، رمز الخجل، والطّريق نحو الاسترخاء والرّاحة النّفسيّة، هذا ما زرعه الله في نفوس البشر، بين آدم وحوّاء في سبيل استمرار النّسل البشريّ. وربّما، لهذا السّبب تعتبر الحدائق مركز اللّقاء الرّسميّ للأحبّة، كي يسرقوا لحظات ودّ تشهد عليها الورود المنثورة في كلّ اتّجاه. ولكن هذا التّرويج للعلاقات الصّادقة الشّفافة، لم يكن دائما بهذه الصّيغة، فالإنسان ليس دائمًا يسير في طريق الرّقة والصّدق في المشاعر، فيكون البعض كالذّئب الذي ينتظر الانقضاض على فريسته الضّعيفة. إذ إنّ إيحاءات الورد لم تكن دومًا تحفر الطّريق أمام الحبّ العذريّ الذي يمهدّ الطّريق نحو الزّواج والاستقرار. فيقول "عثمان موصلّي" في قصيدته "قدّك الميّاس" التي غنّاها الفنان السّوري "صباح فخري": "أنا وحبيبي في جنينة والورد مخيّم علينا طلب منّي وصاله يا رب تستر علينا...". السّترة، هذه الكلمة المرتبطة بشرف العرب، وشرف النّساء، والفضيحة الكبرى حينما تُفضح فتاة تعانق يد الحبيب في حديقة عامّة، على مرأى ومسمع المارّة، وربّما لو كان الحبّ في الخفاء، لكانت الفضيحة خرساء صامتة، فكما نقول: "المهم ما حدا يعرف"، حتى لو كانت الحيطان تجمع بينهما وبين الشّيطان، العنصر الثّالث للحبّ المحرّم، ولكن المهم، أن عيون النّاس عمياء عن العار، ألسنتهم مقطوعة عن فضائح الشّرف. هذا الانفصام بين ما هو حرام وما هو عيب. رغم أنّ الحلال بيِّن والحرام بيِّن، ولكن النّفاق الذي يتمتّع به البعض جعل الحرام ممكن طالما أنّه مستور في الخفاء، وأعطى الضّوء الأخضر للفريسة تحت غطاء المستور، فكلّ مستور نائم، وكلّ مفضوح عندهم عيب. ولكن، ومهما كانت نظرة البعض لعلاقة الورد والياسمين بعلاقة الحبّ التي تؤسّس لاستمرار البشريّة، فلا يمكن لأحد أن ينكر أنّ للزّهر بمختلف أنواعه مرتبة شرف على مستوى المشاعر الإنسانيّة. فوجدنا العرب اهتمّوا بإنشاء الحدائق لما فيها من قيمة فكريّة وروحيّة في نفوسهم، ونجد هذا الاهتمام اليوم جليًّا لا سيّما في دول الخليج المعروفة بطقسها الصّحراوي، لتشهد اليوم عمليّة تحويل من الطّابع الرّملي إلى الطّابع الأخضر، ولا ننسى تونس الخضراء، ومصر التي تمتلك عددًا من أهمّ الحدائق في العالم العربي، وغيرها من الدّول التي اشتهرت يتقديس الرّوح الإنسانيّة. ليُطبّقوا على أرض الواقع جماليّة الخيال مع جماليّة الحقيقة، فتشبع العين والرّوح معًا وترتوي. فهل بقيت الزّهور مقرونة بهذه المشاعر المحبّبة على قلوب البشر؟ أم أنّها اخترقت هذه الحدود لتّتخذ رمزيّات مختلفة؟ إنّ ما استحدثه الفنّ الحديث على مسامعنا في الآونة الأخيرة، وأصبح ما يُمكن وصفه "بالترند" وفق ثقافة العصر اليوم، ما غنّاه الشّامي مؤخّرًا: "أنا ورد بس ورد نرجس كلّي برد بس صعب أرجف... أنا ورد بس ورد نرجس اسمي كافي خلّيني عجرف...". ليحوّل بذلك معايير رمزيّة المشاعر، ويجلس على عرش العجرفة وسلطة الأنا، لينتقل الحبّ إلى الذّات، فلماذا هذا المعنى المستحدث لكلمة ارتبط على مرّ الزّمن الأدبي بالأنوثة والمرأة والجمال، مهما كانت النّوايا تجاهها مختلفة؟ لا شكّ أنّنا في عصرنا هذا بتنا نرى صراعًا عنيفًا في العلاقات، وهذا التّصادم بين شباب اليوم جعل من مشاعر الحبّ موضع شكّ دائم، خصوصًا بعدما تفشّت المشاعر المستذئبة، وسيطرة الشّهوة على البراءة. حتى لم يعدوا يفكرّون بمشاعرهم إلّا على أنّها وهمٌ يرتبط به النّاس، ليكتشفوا لاحقًا أنّ الخلاف بينهم أكبر بكثير ممّا يجمعهم. وكأنّهم وعوا فجأة لحقيقة المقارنة بين المشاعر المعنويّة والحقائق الماديّة. هذه النّرجسيّة النّابعة من الأنا أمام الآخرين وظلمهم واعتدائهم. هذه الأغنية العصريّة، وعلى الرّغم أنّها أتت برمزيّة مختلفة عن المعهود، إلّا أنّها استحوذت على اهتمام كلّ مخذول، مكسور من العلاقات المحطّمة، ليحتلّ حبّ الأنا ساحة الأحاسيس المختلفة. فهل نحن أمام كارثة إنسانيّة بدأت ملامحها تظهر في بيئاتنا العربيّة؟   وحيد حمّود

حدائقنا المعلّقة وأساطيرنا المنمّقة..

إذا لم تتفتّح الأزهار في أعماقنا فكل أزهار الدنيا بلا معنى!

وحيد حمّود (كاتب من لبنان) قبل الميلاد بستمائة عام، وبعد أن احتلّ "نبوخذ نصر الثاني"، أشهر الملوك البابليين، أرض فلسطين، ونزولًا عند رغبة زوجته "أميتيس" في قضم تفّاحةٍ أُخرى من تفّاح الدّنيا وطبيعتها، قرّر حينها أن يجعل من أرض بابل الصحراوية أرضًا خضراء تُبهج النّاظرين وما ذلك إلّا كُرمى لعينَي زوجته "أميتيس". لم يفكّر الملك ذائع الصّيت حينها بالمشقّة والاستحالة، بل فكّر في الهدف وبلوغه، فعزم على إنشاء ما نسمع به حتّى اليوم: حدائق بابل المُعلّقة. قد يكون الأمر أسطورةً من الأساطير التي تربّينا عليها وصدّقناها، من يدري؟ لا أحد! ولكنّ هذه الحدائق المعلّقة والتي قيل أنّها أُنشئت بشكلٍ عموديّ بطريقةٍ تخالف مسيرة الطبيعة ما زالت حتى يومنا هذا مُدرَجةً ضمن عجائب الدّنيا السّبع، تخيّلوا الأمر معي، شيءٌ سمعنا به ولم نره، وما زال حتى يومنا هذا عجيبةً من عجائب الدّنيا، والله إنّه لأمرٌ عجيبٌ! ولكن لا بأس، فكم صدّقنا من أساطير من قبل ومن بعد، والعجيب أكثر أنّنا لم نُدرَج تحت لائحة عجائب الدّنيا في سرعة تصديقنا للأمور، وهذا ما يجب ربّما أن نُطالب به. قد يسأل أحدهم: ما مشكلتك والأساطير التّاريخيّة؟ دعنا في حديث الورود والحدائق. حسنًا، خلال تجربةٍ شخصيّة، وأثناء عملي في منطقةٍ بعيدةٍ عن مكان إقامتي، أجبرتني ظروف العمل المتعِبة - وقد كنت في السابعة عشر من عمري - على النّوم فوق مقاعد الخشب في إحدى الحدائق، لم يكن الأمر ممتعًا، إذ إنّ الورود والأشجار والأزهار كانت تحيطني من كلّ حدبٍ وصوب، لكنّني لم أستطع أن أشعر بجمالها، إذ إنّ التّعب يمنعنا من تذوّق الجمال ولو كان أمام أعيننا، لم يكن للورود رغم كثرتها رائحة أو لون، أو ربّما هذا ما أحسسته أثناء تحسّس مفاصلي التي كان صوت احتكاكها كصوت الباب الحديدي الذي أصابه صدأ، حينها يستطيع المرء أن يفكّر، أن يفكّر فقط بما يساعده على تخطّي هذه المشقّة ليكون كجميع الذين يرتادون الحدائق ليتنعّموا بفسحة الجمال هذه، هناك حالفني الحظّ بأن تعرّفت على حدائق بابل المعلّقة عبر مقالةٍ نُشرت في جريدةٍ ملقاةٍ في سلّة القمامة التي كانت بقرب المقعد الذي أسند رأسي عليه، كان كنزًا عظيمًا قد منحني الله إيّاه، إذ جاءت كلمات تلك الأسطورة وأنا في حالتي تلك، فكأنّ نورًا أُضيء في عتمة روحي فأخبرها: لا تصدّق يا فتى الأساطير، فحدائق المرء في روحه، في روحه فقط، فإن بقيت عتمة الجهل فيها سيصنع أساطيره وحده ويصدّقها وحده وسينشرها للآتين من بعده. منذ ذلك الوقت وأنا أفكّر في العديد من الأساطير التي قيلت فصدّقناها، كأن نمنح الوردة للحبّ، للحياة، ثمّ نرى أنّنا نضعها فوق الضّريح، للحبّ، للموت، وكأن نصدّق أنّ الإنسان ابن الطبيعة، ثمّ نراه يغيّر مجرى النهر حتى يجفّ ويقطع الأشجار ليبني بيتًا يضع فيه وردًا اصطناعيًّا،  كأن نصدّق أنّ الغابات رئة العالم ثمّ نراها بفعل الإنسان قد أدمنت على التدخين من سجائر الحروب، وكأن نصدّق أنّ الأسد ملك الغابة ثمّ نعرف أنّ الغابات كالمدن تغيّر ملوكها، وكأن نقرّ بأنّ الأرض دائريّة ثمّ نكتشف أنّها قد تكون مسطّحة، وكالعديد العديد من المعلومات التي تعوّدنا أن نتقبّلها كما لو أنّها حقيقة متناسين أنّ الإنسان وُجد ليفكّر، ويشكّك ويستنبط الحقيقة بنفسه. والآن أعود لحدائق بابل المعلّقة والعالقة في ذهني، منذ ذلك اليوم الذي افترشت فيه مقعد الحديقة، لأقول أنّ الحدائق صُنعت بعد أن يكون الإنسان قد مُنح الطمأنينة والاستقرار، فهلّا سألنا أهل غزّة عن جمال الطبيعة والورود والحدائق؟ وهل سألنا أهل لبنان عن الحدائق والورود وقد عاث الصهيوني في أرض الجنوب فسادًا فقطع الشجر وداس الورد وهدم الحجر؟ هي أسئلةٌ ما إن صارت أجوبتها إيجابيّةً سيكون بمقدورنا أن نحسّ بالجمال ونتذوّقه ونعانق الورد ولا نغفو بعد اليوم متعَبين في حدائقنا المعلّقة وأساطيرنا المنمّقة.   مروى فتحي منصور (روائية وكاتبة من جنين – فلسطين)

وحدها الأزهار تُعبّر عن كل المشاعر والمواقف!

مروى فتحي منصور (روائية وكاتبة من جنين – فلسطين) علاقة الإنسان بالطبيعة أعمق من علاقته مع أخيه الإنسان، فمنذ بدء الخليقة انغمس فيها وعلمه الله أسماءها وسخّرها له كي يستطيع التكيّف على هذه الأرض وبالتالي إعمار الأرض وخلافتها، وعلاقته بالنبات بالذات كعلاقة الأم بوليدها، والنبات رمز الخصوبة لديه، وعلاقته بالزهور علاقة رومانسية حالمة، فالزهور ليست عنصرا يضفي جمالية على البيئة فحسب بل لها أيضًا معاني رمزية وثقافية، وتُقدّم الزهور في المناسبات المختلفة مثل الأعراس والجنازات، حيث تعبّر عن مشاعر الحب، والفرح، والحزن، والتقدير. بالإضافة إلى ذلك، الزهور تلعب دورًا مهمًا في النظام البيئي، حيث تُعدّ مصدر غذاء للعديد من الحشرات والطيور. كما أن لها فوائد صحيّة، حيث يُعتقد أن بعض الزهور لها خصائص علاجية. بشكل عام، الزهور تعكس جمال الطبيعة وترتبط بالعديد من الثقافات والتقاليد حول العالم. وبالتأمل في واقع الحدائق في الحياة العربية المعاصرة نجد أنه يعكس مزيجًا من التقاليد والحداثة، حيث تعد الحدائق جزءًا أساسيًا من الثقافة، لأنها تُستخدم كأماكن للاسترخاء والتواصل الاجتماعي والسياحة بأنواعها. مع التوسّع العمراني والتحوّلات السريعة في المجتمعات العربية، تواجه الحدائق تحدّيات جمّة، مثل فقدان المساحات الخضراء وتدهور البيئة. ومع ذلك، هناك جهود متزايدة لإعادة تأهيل وتطوير الحدائق العامة، ممّا يعكس الوعي بأهمية المساحات الخضراء في تحسين جودة الحياة. كما تلعب الحدائق دورًا في تعزيز الوعي البيئي، وتعليم الأجيال الجديدة أهمية الحفاظ على الطبيعة. في بعض المدن، تم إنشاء حدائق عمودية وحدائق على الأسطح كحلول مبتكرة لمواجهة نقص المساحات الخضراء. بشكل عام، الحدائق في الحياة العربية المعاصرة تمثل تحديات وفرصًا، وتعكس تطلعات المجتمعات نحو بيئة أكثر استدامة. فن الحدائق في الأدب العربي هو موضوع يجمع بين الجمال الطبيعي والتعبير الفني. يعكس هذا الفن مدى ارتباط العرب بالطبيعة ورغبتهم في خلق مساحات تعكس جماليات الحياة. منذ العصور القديمة، كانت الحدائق تمثل مكانًا للراحة والتأمل، وقد استلهم الأدباء والشعراء العرب من هذه المساحات الخضراء في أعمالهم الإبداعية. تعد الحدائق رمزًا للهدوء والسكينة، وقد تم تصويرها في العديد من القصائد العربية. على سبيل المثال، استخدم الشاعر الجاهلي الطبيعة، بما في ذلك الحدائق، للتعبير عن مشاعره وأحاسيسه. كان للشعراء في العصر العباسي دور كبير في تطوير هذا الفن، حيث وصفوا الحدائق بألوانها وروائحها، مما أضاف عمقًا للأدب العربي. علاوة على ذلك، تتجلّى أهمية الحدائق في الأدب العربي من خلال ارتباطها بالحب والشوق. فقد كانت الحدائق مكانًا للقاء العشاق، حيث يُعبّر الشعراء عن مشاعرهم في هذه الأجواء الرومانسية. كما أن الحدائق كانت تمثل مكانًا للتفكّر والتأمّل في الوجود، مما أضفى طابعًا فلسفيًا على الكتابات الأدبية. بشكل عام، يمثل فن الحدائق في الأدب العربي تجسيدًا للجمال الطبيعي والروح الإنسانية، حيث تتداخل عناصر الطبيعة مع مشاعر الحب والحنين، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من التراث الأدبي العربي. هناك العديد من الأشعار في الأدب العربي القديم التي وصفت الحدائق والزهور. ومن الأبيات المعروفة: - من شعر "ابن زيدون"، يقول في وصف حديقة: أراكِ عَلى كُلِّ حالٍ تَسَتِّرِينَ -- فَلا تُخْبِرِينَ عَنّي، ولا تُبِينِ - من شعر "المتنبي"، يقول في وصف الزهور: إذا غامَرْتَ في شَجَرٍ، فَلا تَخَفْ -- فإنّ الزهورَ تُزهرُ في كُلِّ مَكَانِ - من شعر "البحتري"، يصف جمال الحدائق: وَحَتَّى إذا مَا بِالْحَدَائِقِ زَرَعَتْ -- أَزْهَارُهَا تَغْنِي عَنْ كُلِّ مَكَانِ هذه الأبيات تعكس جمال الطبيعة والزهور في الشعر العربي القديم، حيث كانت الحدائق رمزًا للجمال والهدوء. هناك العديد من الحدائق المشهورة في الأدب العربي القديم التي تم ذكرها في الشعر والنثر، منها: حديقة المعلقات: تُعتبر من أشهر الحدائق في الأدب العربي، حيث تم ذكرها في قصائد المعلقات، التي تمجد الجمال والطبيعة. حديقة العزلة: في شعر بعض الشعراء، مثل "ابن زيدون"، كانت تُستخدم كرمز للهدوء والتأمل، حيث يصف الشاعر فيها لحظات من الصفاء والسكينة. حديقة الغناء: وردت في أشعار بعض الشعراء، كانت تُستخدم لوصف الأماكن التي تعكس الجمال الطبيعي. حديقة الجنة: تُستخدم كرمز للخلود والسعادة الأبدية، وتظهر في النصوص الدينية والأدبية، حيث تُصوّر كمكان مثالي للراحة والنعيم. حديقة الأندلس: تمثل جمال الطبيعة في الأندلس، وتظهر في أشعار شعراء مثل "ابن زيدون"، حيث يتحدث عن جمال الحدائق والأزهار في تلك المنطقة. حدائق بابل المعلقة: رغم أنها ليست جزءًا من الأدب العربي بشكل مباشر، إلا أن ذكرها في الأدب العربي يعكس الإعجاب بالحدائق الجميلة كرمز للرفاهية والجمال. حديقة العاشقين: تُستخدم في العديد من القصائد لتعبر عن اللقاءات الرومانسية، حيث تكون الحدائق مكانًا مثاليًا للتعبير عن الحب والمشاعر. هذه الحدائق تحمل معاني عميقة وتساهم في إثراء النصوص الأدبية وتعبير الشعراء عن مشاعرهم وأفكارهم، وكانت تُستخدم كرموز للجمال والهدوء في الأدب العربي القديم، مما يعكس العلاقة العميقة بين الشعراء والطبيعة. تعتبر الحدائق في الشعر العربي رمزًا مهمًا للعديد من المعاني والدلالات، ومن رموزها فيه: رمز للجمال: تُعتبر الحدائق تجسيدًا للجمال الطبيعي، حيث يستخدم الشعراء وصفها للتعبير عن روعة الطبيعة وجمالها. مكان للتأمل: تُستخدم الحدائق كأماكن للتأمل والتفكير، حيث يجد الشعراء في الطبيعة ملاذًا للهدوء والسكينة. تعبير عن المشاعر: غالبًا ما تُستخدم الحدائق للتعبير عن المشاعر الإنسانية، مثل الحب والفراق، حيث يتم تصوير اللحظات الجميلة أو الحزينة في هذه الأماكن. دلالة على الخصوبة: تمثل الحدائق أيضًا الخصوبة والنماء، مما يعكس الحياة والتجدد، وهو موضوع مهم في الشعر العربي. إلهام فني: توفر الحدائق مصدر إلهام للشعراء، حيث تُستخدم كخلفية للأحداث والشخصيات، مما يضيف عمقًا وثراءً للنصوص الشعرية. في الشعر المعاصر، تم تناول الزهور بشكل جميل ورومانسي، حيث تُستخدم كرمز للجمال والحب والحياة. ومن الشعراء الذين عبّروا عن ذلك في قصائدهم: محمود درويش: كان لديه العديد من الأبيات التي تتحدث عن الزهور، حيث يربط بينها وبين الهوية والوطن. في قصائده، يُصور الزهور كرمز للصمود والأمل. نزار قباني: يُعتبر من الشعراء الذين استخدموا الزهور بكثرة في شعرهم، حيث يصفها بجمالها ورائحتها العطرة، ويستخدمها كرمز للحب والمشاعر العاطفية. يقول في إحدى قصائده: "أحبكِ كما يحبُّ الوردُ الماءَ". أدونيس: يتحدّث في شعره عن الزهور كجزء من الطبيعة، وكيف تعكس جمال الحياة. يستخدم الزهور للتعبير عن الفرح والألم في الحياة. سعاد الصباح: تُعبّر في قصائدها عن الزهور كرمز للجمال والأنوثة، حيث تصف كيف أن الزهور تمثل القوة والضعف في نفس الوقت. لقد عبّر هؤلاء الشعراء وغيرهم كيف أن الزهور في الشعر المعاصر ليست مجرد عناصر طبيعية، بل تحمل معاني عميقة ترتبط بالمشاعر والأفكار. باختصار، تلعب الحدائق دورًا مركزيًا في الشعر العربي، حيث تُستخدم لتجسيد الجمال، التعبير عن المشاعر، وتوفير الإلهام الفني.   انتصار الدنان

أهمية الأزهار والحدائق في التراث العربي

د. انتصار الدنان (شاعرة وإعلامية فلسطينية من لبنان) لم يكتف الفنان العربي إلى ما توصل إليه في الفن بأشكاله كافة، بدءًا بالموسيقى مرورًا بفني الرسم والنحت وصولًا إلى الخط والزخرفة، بل لوحظ اهتمامه الكبير بفن الزخرفة خاصة في فن الحدائق وتزيينها بالأزهار والأشجار، وقد اتخذت الزخرفة الإسلامية خصائص مميزة، إن كان لناحية تصميمها وإخراجها أو لناحية موضوعاتها وأساليبها، وقد استخدم الخطّاطون خطوطًا زخرفية جميلة تبرز جمالية زخرفة الحرف، حيث صار الخط أداة فعّالة أثبتت قدرتها على العطاء. كما تعدّدت الفنون التي نشأت منها الزخرفة، حيث برز عنصران مهمّان في الزخرفة، فكانت الزخرفة النباتيّة والزخرفة الهندسية، كما تميز فن العمارة العربية الإسلامية بشخصيته وطابعه الخاص. هذا، وتُعدّ العناصر النباتيّة مقوّمات أساسيّة في بناء فن الزّخرفة، وهناك نوعان من الزخرفة: الزّخرفة النّباتيّة، والزّخرفة الهندسيّة، وتمثّل الحدائق جانبًا من الحضارة الإنسانيّة التي تعكس تفاعل الإنسان مع الطّبيعة، فالنباتات ليست مجرد مساحات خضراء يمتّع الناظر إليها نظره فيها، بل هي تساهم في تجميل الأمكنة، وتوفر الراحة النفسية وحماية البيئة من التلوث، وطبعًا يعود ذلك إلى ثقافة كل بلد على حدة. لقد انتشر تأثير الفنّ العربي منذ القرن الخامس الهجري (الثاني عشر الميلادي) في الأندلس (إسبانيا) ممتدًّا إلى المغرب العربي، وتتميّز العمارة الإسلاميّة بشخصيّتها وطابعها المميّز، الذي تتبيّنه العين، لذا، كان اهتمام الفنان العربي المسلم بهذه العمارة، والتي يهتم فيها أيضًا بزخرفة الحدائق من خلال النباتات، لذا، كان لا بد من زراعة الحدائق في المدن، وبالطبع يعود ذلك لأسباب عديدة، منها: تحسين جودة الهواء وتقليل التلوث خاصة في المدن المكتظة، وبتوفير مساحات للترويح عن النفس. الأدب والحدائق لا نستطيع فصل الأدب عن الحدائق، إذ إن الحدائق تساعد الأديب على الإلهام، وقد وجدنا العديد من النصوص الأدبية على مرّ العصور تحمل وصفًا عميقًا لجمال الطبيعة والحدائق، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على أن الحدائق ليست مجرد نباتات وأشجار يزرعها الإنسان هنا وهناك، بل هي قصة إنسانية عميقة تعكس علاقة الإنسان بالأرض والجمال والحياة. فإن فن الحدائق وثقافة الأزهار لهما جذور عميقة في أدبنا وتراثنا العربي، حيث ارتبطَا بالجمال والروحانيّة والتأمّل، وكان لهما تأثير كبير على الحياة الاجتماعية والثقافية، وقد تميزت الحدائق العربية الإسلامية بتصميمها الخاص، خاصة في بلاد الأندلس، حيث تميّزت حديقة "قصر الحمراء" في غرناطة على سبيل المثال عن غيرها، حيث جمعت بين الماء والخضرة والنقوش الهندسية.
    الأزهار في الشعر:
أدّت الأزهار دورًا رمزيًّا في الشعر العربي منذ العصر الجاهلي، فالورود على سبيل المثال كان لها رمزيّتها بحسب ألوانها، وصولًا إلى الأندلس، حيث كان للشعراء كابن زيدون وابن خفاجة دور بارز في وصف الحدائق والأزهار كاستعارات للعواطف.
    الأزهار في النثر:
في كُتب التراث العربي، نجد وصفًا دقيقًا للأزهار والنباتات، ككتاب "الحيوان" للجاحظ و"النبات" لابن سينا، حيث لم تقتصر كتاباتهم على الجمال بل تناولت أيضًا الفوائد الطبية للنباتات.
    الأزهار كرموز روحية:
ارتبطت الأزهار بالتصوّف، حيث كانت رمزًا للتأمّل والروحانية والتقرّب إلى الله، كالصوفيين على سبيل المثال، فقد وصفوا الوردة بأنها تُعبّر عن النفس البشرية في رحلة النقاء. أما الحدائق اليوم، فهي ليست مجرد مساحات خضراء، بل صارت ملاذًا من ضوضاء الحياة العصرية الصاخبة، ومع تغيّر أنماط الحياة، صارت الحاجة ملحّة لإحياء ثقافة الحدائق كجزء من الهوية الاجتماعية، خاصة بعد التصحّر الذي بدأ يغزو مُدننا بعد اجتثاث الأشجار من أجل بناء الأبنية الشاهقة العملاقة، والمعامل والمصانع التي تبثّ سمومها بشكل كبير، والأزهار والأشجار لا تقتصر على دورها الجمالي، بل تسهم في التوازن البيئي وتعزيز التنوع الحيوي.